تكاد تكون المرة الأولى التي يتقاسم فيها موالو النظام السوري ومعارضوه؛ على السواء، مشاعر الاستياء منه، على ضوء «حملة تجميل العاصمة» التي بدأها النظام، وتمثلت في قيام محافظة دمشق التابعة للنظام بإزالة بسطات الباعة المتجولين من الشوارع والأسواق، التي تغزو الأرصفة، ومصادرة مولدات الكهرباء التي يضعها أصحاب المحلات في الشوارع، وإزالة اللوحات الإعلانية التي خلت من الإعلانات منذ 5 سنوات.
تلك الحملة «الغريبة»، التي تلت افتتاح حديقة السبكي وسط دمشق التجاري بعد عمليات إعادة تأهيل استغرقت 5 سنوات بتكلفة مائة مليون ليرة سورية، أثارت حفيظة سكان العاصمة، لا سيما الموالين للنظام الذين عدوا أن هذه الإجراءات تضاعف التضييق على سبل الناس المتبقين في دمشق. فيما تركت تساؤولات عن مغزى تجميل العاصمة وسط خراب المدن الأخرى.
يقول أحد أصحاب البسطات (60 عاما) الذي تعرض لإصابة أثناء تطوعه في جيش الدفاع الوطني ما اضطره للعمل بائع ملابس مستعملة على بسطة في منطقة الإطفائية: «المحافظة ترى في الفقير الذي يخدم الوطن، منظرًا يشوه جمال المدينة، لأن الحكومة (يطلق لفظا نابيا) لم تعد لديها أي مشكلات ولا قضايا سوى العناية بجمال المدينة، هذه الحكومة مثل امرأة تصفف شعرها وتتجمل، بينما تغتصب وتنتهك وتداس بالأرجل». ويتابع صاحب البسطة، وهو أب لستة من الأولاد والبنات؛ جميعهم في المدارس، كلامه غاضبا: «إنهم يدفعوننا نحو الجريمة دفعًا. يريدون أن نسرق ونقتل لنعيش، ولا يريدون أن نكسب قوت يومنا بالحلال». وأكد أنه لو لم يكن مصابًا «لتوجه للسرقة، وأول من سيسرقه بيوت أعضاء الحكومة وموظفي المحافظة، لأنهم لا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تنزل على البشر»، لافتًا إلى أنه كان يدفع أكثر من نصف ربحه من البسطة رشى لموظفي المحافظة ليدعوه وشأنه، ولكنهم أصروا على «خربان بيتي».
وكانت محافظة دمشق قد بدأت حملة الشهر الماضي لإزالة «البسطات» غير المرخصة عن الأرصفة في كثير من شوارع دمشق، بزعم إعاقة الحركة وتشويه منظر المدينة. وبحسب مصادر في المحافظة، فقد تمت إزالة أكثر من ألف بسطة وهدم أكثر من 20 كشكًا، تعيش منها أكثر من ألف عائلة، في الوقت الذي تتسع فيه طبقة الفقراء في سوريا، وباتت تزيد نسبتها على 80 في المائة من السكان، جراء الوضع الاقتصادي المتردي بسبب الحرب، التي أدت إلى زيادة أعداد المتسولين، وارتفاع معدلات الجرائم، لا سيما الخطف والقتل بقصد الابتزاز والسرقة.
وما يجعل إجراءات محافظة دمشق مستهجنة، أن البسطات المرخصة هي تلك التي يرتبط أصحابها بالأجهزة الأمنية، الذين يسمح لهم بشغل أرصفة بالكامل لأغراض تجارية، كما تسمح لأصحاب المطاعم ممن يغدقون رشاهم على موظفي المحافظة وأزلام النظام بشغل الأرصفة وأجزاء من الطرق العامة لتوسيع محلاتهم، ولا تتعرض المحافظة لتلك التعديات على الأملاك العامة بحجة «إعاقة الحركة»، ولا تجرؤ على الاقتراب منهم. وعلى العكس، تنفذ قرارات الإزالة في بسطات الفقراء من النازحين والذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم في الحرب.
وما يزيد المشهد في دمشق سوريالية، الإعلان عن افتتاح حديقة السبكي بعد إعادة تأهيل استغرقت 5 سنوات منذ عام 2011. والمفارقة أن لا شيء استجد على منظر إحدى أقدم حدائق المدينة سوى بعض الإنارة، ومقاعد للأطفال مصنوعة من إطارات السيارات. فالحديقة التي تم إغلاقها على خلفية تحولها إلى مكان للتجمعات الشبابية المناهضة للنظام، التي نشطت في دمشق عام 2011، تعد من الحدائق الشهيرة، وأحد أكبر الأمكنة التي يتجمع فيها شباب وطلاب المدارس.
وبحسب مصادر إعلامية رسمية، فإن تكلفة إعادة التأهيل بلغت مائة مليون ليرة سورية، (مليونا دولار)، وتبلغ مساحة الحديقة 20 دونمًا؛ منها 14500 متر مربع مساحة خضراء، وقد تمت زيادتها مع استحداث «مركز لخدمة المواطن» تحت الحديقة، لم يكشف بعد أي نوع من الخدمات سيقدم فيه.
وعدّ سوريون الإعلان عن هذا الإنفاق التجميلي «صفاقة» في وقت يتم فيه قطع أرزاق الآلاف من الأسر والعائلات الفقيرة في زمن الحرب. وتقول أريج (موظفة في أحد المستشفيات الحكومية): «يريدون تجميل العاصمة من الفقراء، والذين يرسل أولادهم إلى الجبهات، بينما الأغنياء يرسلون أبناءهم إلى أوروبا».
وأريج أمّ لولدين شابين؛ أحدهما يؤدي خدمته الإلزامية في صفوف قوات النظام، والآخر متطوع.
لكن المعارضين للنظام من الصامتين، لم يروا في إجراءات النظام الأخيرة لتجميل دمشق سوى «باب نهب جديد»، وشكلاً من أشكال «الصراع على السيطرة». ويقول أحمد الدمشقي: «لا يمكن لأي كان أن يبيع علبة كبريت في الشارع دون الحصول على موافقة من الأجهزة الأمنية، وهي لعبة تدار بالتوافق بين المحافظة والأجهزة لجباية الأموال وسلب ما بقي في جيوب الناس، وبين فترة وأخرى تشن هذه الحملات وتتم إزالة الإشغالات لتعود مجددا بعد دفع المعلوم للأجهزة الأمنية وللمحافظة».
وعن إزالة مولدات الكهرباء التابعة لأصحاب المحلات، لم يستبعد أحمد الدمشقي أن تكون هذه «مقدمة لفرض إجراءات ترخيص ودفع رسوم، في ظل انتشار استخدام المولدات، مع ازدياد ساعات التقنين والتبشير بشح الكهرباء مع حلول فصل الشتاء وزيادة الاستهلاك».
المصدر: الشرق الأوسط
↧