أعاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان جهود تطوير العلاقات مع مصر إلى المربع الأول من جديد، باتهامه للقاهرة بدعم حركة الخدمة التي يتزعمها حليفه السابق الداعية فتح الله غولن، المقيم في أميركا، الذي يتهمه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وظهرت إشارات إيجابية من جانب الحكومة التركية في الفترة الأخيرة بشأن تطوير العلاقات مع مصر في «المجالات الشعبية»، أي في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة، وعقد لقاءات على المستوى الوزاري، بحسب ما صرح رئيس الوزراء بن علي يلدريم، الذي أكد أن أنقرة بحاجة إلى العلاقات مع مصر في مجالات معينة، بغض النظر عن مسألة اللقاء بين قيادتي البلدين. وفيما التقطت القاهرة هذه الإشارات على محمل جيد، وقالت مصادر قريبة للخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط» إن القاهرة تنظر إيجابيا إلى تصريحات يلدريم، جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي أدلى بها لإحدى القنوات العربية، أول من أمس، لتخيم على الأجواء الإيجابية بين أنقرة وواشنطن، وتؤكد من جديد أن هناك عقبات قد يصعب تجاوزها بسبب إصرار إردوغان على مواقفه من القيادة المصرية، بحسب المصادر نفسها. وأشارت المصادر إلى أن كل الجهود التي بذلتها الحكومات التركية منذ عام 2013، سواء برئاسة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أو الحالي بن علي يلدريم، لتحسين العلاقات مع مصر اصطدمت في كل مرة بتصريحات من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان. وكان إردوغان قال ردا على سؤال خلال المقابلة التلفزيونية بشأن ما إذا كانت هناك دول عربية تدعم ما يسميه بالكيان الموازي أو منظمة فتح الله غولن، في إشارة إلى حركة الخدمة: «مصر على سبيل المثال تقوم بدعم ومساندة هذه المنظمة» متابعا: «مصر تقوم بدعم الكيانات الموازية التي تتستر بالدين من أجل السيطرة على عدد من الدول العربية»، في إشارة إلى حركة الخدمة التي يتهمها إردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، مضيفا أنه يفرق بين الشعب المصري والإدارة المصرية «نحن نحب الشعب المصري وكأنه شعبنا، لذلك قدمنا كل الدعم للشعب المصري، إلا أننا ضد السلطة المصرية». وردا على هذه التصريحات، قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في بيان أمس: «إن هذه التصريحات غير المسؤولة وتجاوز الرئيس التركي في حق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تشكل استمرارا لمنهج التخبط وازدواجية المعايير الذي تتسم به السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن الاستمرار في التحريض ضد مصر لزعزعة استقرارها».
وعبر المتحدث باسم الخارجية عن دهشته واستغرابه لتنصيب الرئيس التركي نفسه حارسا للديمقراطية وحاميا للحريات، في الوقت الذي تعتقل فيه حكومته مئات من أساتذة الجامعات والإعلاميين، وعشرات من نواب البرلمان، وتغلق عشرات الصحف، وتقصي عشرات الآلاف من الموظفين العموميين وضباط الجيش ورجال القضاء من وظائفهم، بحجة انخراطهم فيما يزعمونه مخطط الانقلاب على النظام.
ولمَّح المتحدث باسم الخارجية المصرية إلى التزامن بين تصريحات إردوغان والدعوات لاحتجاجات في مصر أمس الجمعة، حركتها جماعة الإخوان المسلمين عبر ما يسمى «حركة غلابة» بسبب ارتفاع أسعار بعض السلع في مصر، والقرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية لضبط الأداء الاقتصادي.
وبشأن ما إذا كانت تصريحات إردوغان تعكس توجها جديدا يخالف الخط الذي عبرت عنه حكومة بن علي يلدريم تجاه تطوير العلاقات مع مصر، كشفت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» عن وجود تباينات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهناك إدراك لضرورة وأهمية العلاقات مع مصر سياسيا واقتصاديا، لكن هناك ملفات معقدة أيضا تقف عقبة في طريق تطوير هذه العلاقات، ويتمسك بها الرئيس رجب طيب إردوغان بينما تعتبرها القاهرة تدخلا في شؤونها الداخلية.
ولفتت المصادر إلى أن الخلافات السياسية بين القاهرة وأنقرة تنصب بالأساس على جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولات تركيا إعادتها إلى الساحة السياسية من جديد، كما أن حديث أنقرة المتكرر عن غياب الديمقراطية والإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين في مصر يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتعقيد الجهود المبذولة للحل، على الرغم من وجود الرغبة في تطوير العلاقات مع إدراك أنقرة لأهمية العلاقات مع مصر باعتبارها قوة إقليمية رئيسية وفاعلة، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
المصدر: الشرق الأوسط
↧