احتدمت داخل قبة البرلمان الجزائري أول من أمس معركة حادة أثناء جلسة مغلقة بين نواب من المعارضة، وآخرين من الأغلبية، وذلك بسبب مضمون مشروع قانون الموازنة لسنة 2017 الذي بدأت مناقشته، حيث اتهم نواب إسلاميون خصومهم الموالين للحكومة بالسعي لفرض رسوم وضرائب لم تأت بها الحكومة في مشروعها، الذي جاء عاكسا لإرهاصات الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وعبر الأخضر بن خلاف، برلماني حزب «جبهة العدالة والتنمية» (إسلامي)، عن غضبه إزاء ما سماه «أسوأ برلمان في تاريخ الجزائر»، على إثر الملاسنات التي وقعت الخميس داخل «اللجنة المالية» بـ«المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، وانتقد بشدة مصادقة أعضاء «اللجنة» المنتمين إلى «جبهة التحرير الوطني» (القوة الأولى وهي حزب الرئيس بوتفليقة) و«التجمع الوطني الديمقراطي» (القوة الثانية)، على كل الزيادات في الرسوم والضرائب التي جاءت في مشروع قانون الموازنة، التي ستنعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية لملايين الجزائريين.
وكتب بن خلاف بصفحته الشخصية بـ«فيسبوك» أمس أن نواب الأغلبية «لجأوا كعادتهم إلى رفع رسوم وضرائب لم تقترحها الحكومة في مشروعها، كما فعلوا العام الماضي بالنسبة لسعر البنزين حين أضافوا زيادة لم تأت بها الحكومة في قانون المالية 2016. وهذه المرة رفعوا رسوم تعبئة الدفع المسبق للهاتف الجوال والإنترنت»، مشيرا إلى أن نواب الأغلبية رفعوا في مشروع الحكومة الرسم على تعبئة الدفع المسبق للهاتف الجوال من 5 في المائة إلى 7 في المائة، ثم أضافوا زيادات على «ضريبة القيمة المضافة» من 7 في المائة إلى 19 في المائة بالنسبة للإنترنت، وتابع بن خلاف موضحا أن «هذه المزايدات من جانب بعض النواب تعكس طمعهم في مناصب مسؤولية حكومية بطرق غير شرعية، وهم على استعداد لطحن المواطنين البسطاء من أجل بلوغ هذا الهدف».
إلا أن الحكومة تقول إنها مضطرة لرفع الضرائب في عدة قطاعات منها الخدمات والعقار، وفرض رسوم جديدة ستؤدي حتما إلى رفع أسعار كل المنتجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع لسد عجز خطير في الموازنة، نجم عن انكماش مداخيل البلاد من بيع النفط والغاز. وتآكل مخزون العملة الصعبة من 200 مليار دولار نهاية 2013. ليصل إلى 120 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي، بحسب الحكومة.
وقال الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماص، معلقا على تدابير الحكومة لمواجهة الأزمة «يجب أن ندرك أننا نعيش أزمة حادة. فالجزائر استهلكت قرابة 100 مليار دولار في السنتين الماضيتين لمواجهة العجز في الميزانية، وهذا يبين خطورة الأزمة، وعدم قدرة الحكومة على التحكم فيها، فلا تشكيل الحكومة الحالية ولا الحلول الترقيعية التي تسوقها للجزائريين بإمكانهما أن تحل الأزمة»، وأضاف موضحا «اليوم بلغنا مرحلة تحتم علينا البحث عن حلول جذرية تنبثق عن تشخيص عميق للأزمة. اليوم الجزائر بحاجة إلى حكومة مصغرة متماسكة ومتجانسة، ولسنا بحاجة إلى طاقم من 32 وزيرا، إذ يكفي أن يكون التعداد 20 وزيرا».
إلى ذلك, نفت حركة النهضة التونسية ما راج حول وجود بوادر توتر مع الجزائر، وأوضحت أن زيارة وفد من الحزب، برئاسة رفيق عبد السلام مستشار رئيس الحركة للعلاقات الخارجية، إلى الجزائر كانت بدعوة من «التجمع الوطني الديمقراطي» الجزائري، وأمينه العام وزير الدولة مدير ديوان رئاسة الجمهورية السيد أحمد أويحيى، وأن غرضها تمتين العلاقات الشعبية التونسية - الجزائرية على قاعدة العلاقات الرسمية بين البلدين.
ودامت زيارة الوفد التونسي إلى الجزائر يومين، التقى خلالها وزير الدولة مدير ديوان رئاسة الجمهورية الجزائرية الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى. وفي المقابل، أعلنت «جبهة التحرير الوطني»، الحزب الحاكم في الجزائر، عن إلغاء لقاء كان مقررًا بين أمينه العام الجديد جمال ولد عباس ونظيره راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة.
وأشارت تقارير إعلامية جزائرية، نشرت في الصحافة التونسية، إلى أن تنقل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى مدينة غرونوبل الفرنسية لإجراء فحوصات طبية، هو الذي دفع الغنوشي إلى عدم السفر إلى الجزائر، واكتفائه بإرسال رفيق عبد السلام، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة النهضة.
وأكدت المصادر ذاتها أن هذا القرار أغضب قيادات حزب جبهة التحرير الوطني التي رفضت، حسب ما أوردته تلك المصادر، استقبال وفد حزب النهضة الذي بادر إلى برمجة لقاءات مع ثاني قوة سياسية في الجزائر، ممثلة في حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، وذلك لمحاولة احتواء سوء الفهم، والتستر على غضب قيادات حزب «جبهة التحرير الوطني».
وفي حين أشارت تلك المصادر إلى أن لقاء وفد حركة النهضة مع قيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي كان بطلب من الوفد التونسي، أكدت الحركة، في بيان وقعه رئيسها الغنوشي، أنه «لا صحة لما قيل عن وجود بوادر أزمة بينها وبين الجزائر، وأن العلاقات بين تونس والجزائر رسميا وشعبيا على أحسن حال»، مضيفا أن هذه العلاقات «أعرق وأمتن من أن يقع التشويش عليها بنشر الأكاذيب»، على حد قوله.
وأفادت حركة النهضة بأن الزيارة تناولت تبادل وجهات النظر بين الحزبين حول مختلف القضايا التي تهم البلدين، وخصوصا الوضع في المنطقة بشكل عام، وفي الشقيقة ليبيا بشكل خاص، مشيرة إلى أن رئيس الحركة راشد الغنوشي لم يكن موجودا في الجزائر يوم الأربعاء لأنه كان في زيارة إلى الهند، حيث تسلم الجائزة الدولية لمؤسسة «جمنالال باجاج».
من جانبه، نفى رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة، وجود أزمة بين حزبه والحزب الحاكم في الجزائر، وفند في تصريح إعلامي ما ذكرته وسائل إعلام تونسية حول إلغاء لقاء كان مقررًا بين رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري جمال ولد عباس. وتابع لالماص، الذي يرأس جمعية غير حكومية لمستشاري التصدير أنه «ينبغي دمج بعض الوزارات ببعضها، واختيار وزراء تكنوقراطيين لا علاقة لهم بالسياسة. فقد مللنا من السياسة التي تمارس منذ 20 سنة على حساب الاهتمام بالاقتصاد، واليوم نحن ندفع ثمن هذا العبث. وقد حان الوقت لبناء اقتصاد وفق معايير دولية، والتوقف عن الإصلاحات السطحية الظرفية. ولكن التغيير الذي ندعو إليه لا يمكن أن يجري بنفس الوجوه وبنفس المنهجية التي أثبتت فشلها، إذ ينبغي ضخ دماء جديدة وإحداث نفس جديد، واختيار أشخاص غير ملوثين بفضائح الفساد، ينبغي أن نعين حكومة ذات مصداقية، تتكون من عناصر نظيفة يكون همها الوحيد معالجة هذا الوضع المزري».
وقال عبد المالك سلال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» نشرت أمس إن «الصدمة البترولية قلصت موارد الجزائر بأكثر من النصف، ومع ذلك لا تزال تحافظ على مؤشرات اقتصادية مستقرة، وتحقق نموا سنويا في حدود 4 في المائة بفضل ما يفوق 25.000 مشروع اقتصادي جديد تم إطلاقها في السنوات الثلاث الأخيرة»، مشيرا إلى أن نسبة العاطلين عن العمل لا تزيد عن 9.9 في المائة خاصة في أوساط الشباب.
المصدر: الشرق الأوسط
↧