الخاطرة الأولى ، نداء أخوي :
لقد دفعني لكتابة هذه الخاطرة أن بعض التعليقات من بعض القراء الكرام على ما نشرته على صفحتي في الفيسبوك قبل بضعة أيام ، بعنوان " نداء إلى الإخوة العلويين" ، تمنيت عليهم فيه ، أن يفكوا ارتباطهم مع بشار الأسد ، الذي دمر سوريا بشراً وحجراً ، وقتل وشرد شعبها ، بيده وبيد عمرو ( الروس والفرس ) معاً ، وتساءلت في بضعة الأسطر التي كتبتها : ألا تدخل استعانة بشار الأسد بالأجانب ( الروس والفرس ) على بلده ووطنه ( بما هو رئيساً وريثاً للجمهورية العربية السورية ) في باب " الخيانة الوطنية ؟ ! " .
لقد اشتممت من بعض التعليقات النقدية على ما نشرته في الفيسبوك ، رائحة الطائفية ، ومن بعضها الآخر رائحة الشوفينية القومية ، رغم أن كلمات هذه التعليقات قد صيغت بلغة أنيقة وودية . فمثلاً ، لقد أشارت كلمات إحدى هذه التعليقات النقدية ، إلى أن الولاء لنظام بشارالأسد لايقتصر فقط على الطائفة العلوية ، وإنما يشمل أيضاً كثيراً من أتباع الطوائف الأخرى ، وبالذات الطائفة السنيّة ، وإذن فإن النداء برأيه ينبغي أن يوجه للموالاة بصورة عامة وليس إلى العلويين فقط .
من جهتي ، لاأنكر أن كثيراً من أتباع الطوائف الأخرى ( غير العلويين ) يقفون في خندق الموالاة مع النظام ، وقد سبق لي أن شخّصت هذه الظاهرة في مقالة سابقة منشورة على النحو التالي :
( تعتبر الطائفة العلوية هي العمود الفقري للموالاة ، ويعتبر العرب السنة هم العمود الفقري للمعارضة ، ولكن ما يكسو كلا من هذين العمودين الفقريين من اللحم والدم والأعصاب وإنما يعود إلى كافة مكونات الشعب السوري ، سواء أكانت من الأكثرية أو من الأقلية ) .
الخاطرة الثانية ، إشكالية " الولاء المزدوج " :
نقصد بالولاء المزدوج ، الولاء للنقيضين في آن واحد ، كالولاء من جهة ، لحزب قومي ، عابر للولاءات الماقبل قومية ( البعث ،القومي السوري ،الناصرية ) ، أو لحزب أممي عابر للقومية ( الشيوعي ، الإخوان المسلمين ) ، ومن جهة أخرى الولاء للقبيلة ، أو للطائفة ، أو للمنطقة الجغرافية ، حيث يتداخل هنا ، الخيار الذاتي (الولاء الحزبي مثلاً) مع الخيار الموضوعي ( الولاء القبلي مثلاً ) .
إن تساؤلات كثيرة وكبيرة تطرح نفسها في ظل هذه الإشكالية ( إشكالية الولاء المزدوج )، أبرزها التساؤلات التالية : لماذا يختلف الناس في رؤاهم وفي تفسيراتهم للأحداث والوقائع ؟ ،ومتى تستحق هذه الرؤية أوتلك صفة " الموضوعية " ؟ وما هي العوامل الداخلية والخارجية التي تتشكل في ظلها الأكثرية والأقلية ؟ ،وكيف يمكن في ظل هذه الرؤى المتعددة والمتباينة والمتداخلة الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل الاقتراب منها ؟.
وفي توضيحنا لهذه التساؤلات السابقة ، ولاسيما التساؤل المتعلق بظاهرتي الأكثرية والأقلية نشير إلى أن كلاً من هتين الظاهرتين غالباً ما يتغذى في مواقفه الاجتماعية والسياسية والثقافية على مواقف الطرف الآخر ، وبالذات مواقفه من نظام بشار الأسد ، الذي دمغته المعارضة السورية ب " الخيانة الوطنية " وذلك بسبب استعانته بالقوى الخارجية(الروس والفرس ) على أبناء وطنه ، وبسبب إطلاقه الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين ووصفه إياهم ب" العصابات المسلحة " كيما يجد تبريراً لسلوكه الدموي حيالهم . ( اللي بيقتل شعبو خاين ) .( لقد وثق المغني التقدمي سميح شقير حادث إطلاق الرصاص على تلاميذ درعا بأغنيته الشهيرة " ياحيف " ) .
هذا وإن هذه الإشكالية ( إشكالية الأكثرية والأقلية ) تحمل في طياتها - وفق رؤيتنا - إشكالية أخرى ، هي إشكالية مزدوجي الولاء ، الذين ( يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم ) سواء أكان ذلك عن وعي منهم أو عن غير وعي ( الإزدواجية اللاشعورية) . علماً أن هؤلاء المزدوجي الولاء ، يجدهم المرؤ / الباحث في إطار كل من البنية المركزية للطرفين( الموالاة والمعارضة ) ، والتي وصفناها بالعمود الفقري ، وأيضاً في البنية الطرفية التي وصفناها ب " الكسوة " التي تكسو هذا العمود الفقري . ولدى الكاتب مثالان على هذا " الولاء المزدوج " ، هما :
المثال الأول :
لقد قدر لي أن ألتقي ذات يوم بواحد من هؤلاء المزدوجي الولاء ، في أحد مؤتمرات المعارضة السورية في أحد الأقطار العربية ، والذي ( مزدوج الولاء ) يقدم نفسه عادة للآخرين على أنه معارض كبير لنظام عائلة الأسد . وعندما أشرت في حديثي معه ، الى البعد الطائفي لحركة حافظ الأسد التصحيحية عام 1970 ، والتي جاءت على أنقاض ( إن لم نقل على أكتاف )، حركة 23 شباط 1966 التي هو أحد كوادرها ، انتفض صاحبنا رافضاً هذا الرأي بشدّة ، واستشهد على صحة رؤيته ( عدم طائفية حركة حافظ الأسد التصحيحية !!) ، بأن فلانا وفلانا وفلانا كانوا شركاء لحافظ الأسد في هذه الحركة وهم جميعاً من السنة وليسوا من طائفة حافظ .
لقد كان ماسمعته من هذا " الرفيق " كافيا لأن أتوقف عن متابعة النقاش معه ، اعتماداً على قول الشاعر : ( فليس يصح في الأفهام شيء / إذا احتاج النهار إلى دليل ) .
المثال الثاني :
كما و قدر لي أن ألتقي بشخص آخر( هو صديق لي ) من هؤلاء " الرفاق " المزدوجي الولاء ،
وكان ذلك عام 1970 ، أي العام الذي رفض فيه حافظ الأسد قرار المؤتمر القطري لحركة شباط وقا م بانقلابه العسكري على هذه الحركة ، وزج قيادتها ( بمن فيهم نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ويوسف زعين ) (ولاحقاً الشخص المعني في هذا المثال نفسه ) في السجن . وفي إطار حديثنا حول هذا الموضوع ، سألته ( وهو محسوب على صلاح جديد ) عن إمكانية أن يقوم حافظ الأسد ، بتسريح الضباط المحسوبين على صلاح جديد من الجيش بعد أن زج بصلاح نفسه في السجن ؟ وذلك خوفاً من أن يقوموا بانقلاب معاكس عليه ؟، أجاب بلغة الواثق ، لا ، لايستطيع حافظ تسريحهم ،( يعني مجموعة صلاح جديد ) ولما سألته عن السبب ، أجاب صديقي المحترم ، ودون انتباه منه إلى البعد الطائفي الذي ينطوي عليه جوابه : لأنه إذا سرح هؤلاء الضباط سيصبح ضباط العراق ( يعني لاشعورياً السنة ) أكثرية في الجيش (!!) .أي جيش يارفيقي هذا الذي تتكلم عنه بهذه الصورة المؤسفة ؟!. بدوري هنا أوقفت النقاش مع هذا الصديق ، وأيضاً اعتماداً على قول الشاعر:( فليس يصح في الأفهام شيء / إذا احتاج النهار إلى دليل )
الخاطرة الثالثة ، كل إناء بما فيه ينضح :
إنه بالعودة قليلا إلى " علم الإجتماع " وأخيه في الرضاعة " علم النفس " لتفسير ظاهرة ازدواج الولاء عند البعض ، يقف المرؤ على فارق ملموس بين مفهوم ال " فرد " الذي هو مفهوم إحصائي بصورة أساسية ، ومفهوم ال" شخص" الذي يشير إلى أن ذلك الفرد / الإنسان ، هو كائن مزود بحواس تؤهله على أن يظل ، وعبر تجارب الحياة المختلفة ، خاضعا للتطورالذهني والأيديولوجي ، وجامعا للعلوم والمعارف والخبرات ، من المهد إلى اللحد ، والتي تصب جميعها في إناء ذلك الشخص الذي سوف يظل ينضح منه مادام على قيد الحياة، عملاً بمقولة ( كل إناء بما فيه ينضح ) . هذا ولابد من الإشارة أيضاً، إلى أن الكائن البشري ( الذي هو نحن ) عادة ما يرث في حياته وراثتين : بيولوجية تتعلق بالكروموزومات ال 46 التي كونته في رحم أمه ، و اجتماعية تتعلق بكونه يعيش في إطار جماعة إجتماعية ، قدمت له كل مستلزمات البقاء والتواصل صغيراً وكبيراً ( الرضاعة ، اللغة ، الأسرة ، المدرسة ، الدين ، العادات والتقاليد ، الخ ) ، والتي تصب جميعها في الإناء الذي يكوّن شخصيته ، والذي سوف ينضح منه مواقفه وآراءه طوال حياته كما أشرنا .
إن الأمر لايتعلق هنا بالفارق المفاهيمي بين " الفرد " و " الشخص " فقط ، وإنما أيضاً بالفارق بين الدور الذي يلعبه كل من العاملين ، الموضوعي والذاتي في حياتنا وفي مجتمعاتنا ، من حيث أن الوجود الموضوعي ، لبعض الظواهر الإجتماعية لايعتير قدراً لازباً لايمكن تغييره ، والدليل على ذلك ، مانراه وما نلمسه من الفارق بين المجتمعات المتطورة والمجتمعات ناقصة التطور حيث لعب ويلعب العامل الذاتي( الإرادي)في المجتمعات المتطورة ، دوراً أكثر بروزاً مما هي عليه الحال في المجتمعات ناقصة التطور ، التي يعتبر لحاقها بالمجتمعات المتطورة مرهوناً بتفعيل العامل الذاتي ( الإرادي ) فيها .
الخاطرة الرابعة ، حافظ الأسد وصندوق الإقتراع :
يعتقد بعض الأسديين أن أسدهم قد وصل إلى " كرسي " الرئاسة عن طريق صندوق الإقتراع (!!) حسناً ، فليستمعوا إذن إليّ هؤلاء الأسديون ، كشاهد عيان ، يأمل إنشاء الله أن يكون صادقاً:
في وقت ما من أوقات يوم الاستفتاء الرئاسي في سورية ، وأظنه كان يوم ١٢/٣/١٩٧١ ، قرع جرس باب بيتي الكائن في المساكن الشعبية الكائنة على طريق درعا - مزيريب ، وإذ بمحافظ درعا الأخ عادل حسون ( لاأعرف إذا كان مازال على قيد الحياة ) هو من قرع الجرس ، رحّبت به ، فبادرني بالقول ، أسرع بالقهوة ، نفذت رغبته ، وبينما كنت أحتسي وإيّاه القهوة سألته ، ماخطبك ؟ ، أراك مضطرباً ؟ . فروى لي الأخ عادل حسون ( محافظ درعا ) مايلي :
يوجد في مركز المحافظة ، لجنة حزبية للإشراف على الاستفتاء الرئاسي ،الذي جرى / يجري هذا اليوم وعلى ، رأس هذه اللجنة السيد فلان الفلاني عضو القيادة القطرية . بعد فتح صناديق الإقتراع ،وفرز محتوياتها ، تبين من نتائج الاستفتاء في مدينة درعا ، أن المشاركة كانت بحدود ١٣٪ ، فقط ، وإذن فان من قبل بحافظ الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية هم هؤلاء المقترعون ال ( ١٣٪ ) .( على فرض أنهم جميعاً صوتوا له ) فاقترحت ( والكلام للمحافظ )على اللجنة الحزبية ، أن نرفع هذه النسبة الى ٥٧٪ ( إذا لم تخني الذاكرة ) ، فصاح عضو القيادة القطرية منتفضاً ، أتريدون أن تفضحوني أما م الرفيق حافظ ؟! ،بهذه النسبة القليلة !! ، وبعد قليل من النقاش بين أعضاء اللجنة ، اتفقنا على أن نسأل السيد وزير الداخلية ( وكان يومها علي ظاظا على ماأعتقد ) عن نتائج المحافظات الأخرى . سألنا السيد الوزير هاتفياً فكان جوابه ، أن نسبة الموافقة في كافة المحافظات كانت (٩٩.٩٩) عدا محافظة طرطوس ، فقد كانت النسبة فيها ( ١١٠٪) (!!). ، عندها قلت لأعضاء اللجنة ، أنا منسحب ، ولكم أن ترفعوا النسبة إلى الحد الذي تريدونه ، ثم أتيت لأشرب القهوة عندك . ( وفعلا فقد رفعوها ولكن الى ٩٧ فاصلة كذا ، وليس إلى ٩٩ فاصلة ٩٩ ) كما هي حال المحافظات الأخرى (!!) .
الخاطرة الخامسة ، سؤال وجواب :
اتصل بي أحدهم هذا اليوم ( الأحد 13.11.2016 ) ليسألني منفعلاً ومرتبكاً : مارأيك بما يجري في وطننا العربي ، وبالذات في سوريا ؟ هل انتهت الثورة السورية ؟ كان من الصعب علي أن أجيب على الهاتف ، على مثل هذه الأسئلة المعقدة والصعبة بل والمخيفة ، ولا سيما أن الأقمار الصناعية ترصد حركاتنا وسكناتنا وتسجل كل مانقوله وما لانقوله . فأنهيت مكالمتي معه بسرعة وبدأت أفكر مليّاً بأسئلته علني أقع على جواب أقتنع به أنا ، قبل أن أحاول أن أقنع به غيري . جواب واحد قلته لسائلي على الهاتف ، وجدت فيه كما يقولون ما يمكن أن " يبنى ( بضم الياء ) عليه " ، ألا وهو : يخيل إلي ياأخيّ أن الثورة السورية قد ذبحت مرّتين ،
الأولى عندما لحس أوباما خطوطه الحمراء بعد أن اتفق مع قيصر روسيا على تجاوز مجزرة الكيماوي في الغوطة وقتل أكثر من 1400 إنسان معظمهم من الأطفال بتاريخ 21.08.2013 ، والإكتفاء بتسليم بشار لنا ( نحن االخواجات ) مخزونه من الكيماوي مشكوراً ،
والثانية عندما سلم بشار الأسد ( الرئيس الوريث ) مطار / قاعدة حميميم الأرضية - الجوية ، ومينا طرطوس البحري إلى أصدقاء عدونا . و كل ماجرى ويجري بعد ذلك إن هو إلاّ من باب التفاصيل التي لا طائل من تضييع الوقت في متابعتها .
الثورة مستمرة ياعزيزي، وبشار لم يعد رئيساً حتى على حارة من حارات سورية ، ولننقذ حلب الشهباء من براثن بوتن وبشار ومعهم " مجلس الأمن !! " ، اللهم آمين .
↧