بعد 100 عام على توقفه، أصبح الخط الحديدي الحجازي مصدراً جديداً للثروة في محافظة درعا. فمحطاته التي تبدأ من محجة قرب ريف دمشق، وتنتهي في نصيب على الحدود الأردنية، أصبحت محل اهتمام للتنقيب عن "الدفائن الفردية"، التي خلفها الجنود الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى. وباتت عمليات التنقيب عن الآثار العثمانية جزءاً من حملات التنقيب التي تستهدف المواقع الأثرية في حوران. يمتد الخط الحديدي الحجازي من دمشق، مروراً بالعديد من القرى والمدن، منها الكسوة وخبب وازرع ونصيب وبصرى، ويتفرع عنه من بصرى خط آخر، يصل حتى فلسطين. وعلى مدى قرن من الزمن، اندثرت معظم معالم الخط الحجازي، حتى غدا أثراً، منذ توقفه أيام الثورة العربية الكبرى، وخروج العثمانيين من المنطقة العربية. لكن السكة الحديدية المدفونة تحت التراب، أصبحت تشكل ثروة للمنقبين عن الآثار، بعد اكتشاف دفائن فردية، تعود لجنود أتراك منذ بداية القرن العشرين، تحتوي على الذهب والجواهر، وتكون على شكل صناديق خشبية أو أوانٍ فخارية. وبدأ العمل في الخط الحديدي الحجازي، من قبل بعثة ألمانية نهاية القرن التاسع عشر، وانجز مطلع القرن العشرين، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، لوصل أصقاع السلطنة العثمانية، وتقديم خدمة النقل للحجاج، وهو تفريعة عن خط يصل برلين باسطنبول فبغداد. وينتهي الخط في المدينة المنورة، ويبلغ طوله 1320 كيلومتراً. وقد توقف عن العمل أثناء الثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف حسين، ويبلغ طوله في محافظة درعا 125 كيلومتراً. وبدأت ظاهرة التنقيب عن الآثار، بعد توقف جبهات القتال بين النظام والمعارضة في درعا، وسط اتجاه بعض الناس إلى التنقيب كمصدر لكسب المال. ورغم أن عمليات التنقيب ممنوعة في القانون السوري، إلا أن معظم تجار الآثار على صلة بالنظام الذي يُدير العملية فعلياً، ويتم تصدير اللقى والتحف الأثرية إلى مناطق سيطرته في دمشق والسويداء. يروي المنقب أبو فادي، لـ"المدن"، تفاصيل عمليات البحث عن الدفائن الفردية: "لم أكن أعرف بعمليات التنقيب من قبل، حتى مجيء رجل من دمشق إدّعى أصوله التركية، ولديه مخطط لكنز مدفون قرب منزلي على الخط الحجازي يريد استخراجه، كان المال موجوداً في مزرعتي، عثرنا على صندوقين من الذهب، يحويان ليرات ذهبية وبعض الأساور والحلي، الرجل أعطاني حصة من الذهب الموجود، وعاد بالباقي إلى دمشق". والغريب في الأمر أن طريق دمشق–درعا يضم أكثر من 7 حواجز للنظام، معظمها حواجز أمنية. وليست الصدفة وحدها، أو المخططات العثمانية القديمة التي تركها الجنود الأتراك قرب محطات الخط الحديدي، أو على امتداده، كفيلة بالحصول على الذهب المدفون. فبعض المنقبين امتهنوا البحث على الآثار لعدم وجود فرص عمل، كما عبد الله محمد، من بلدة مزيريب، الذي يعتمد في البحث على الإشارات المرسومة على الصخور كـ"الهلال والصليب". يقول عبد الله لـ"المدن": "وجدنا بعض الدفائن الفردية بالقرب من محطات القطار. نتتبع الإشارات للوصول إلى أماكن الذهب، ولا نكتفي بالبحث عن الكنوز العثمانية، في منطقتنا قبور قديمة تعود للعهدين الروماني والبيزنطي، فيها الذهب والمقتنيات الفردية الخاصة بالموتى. إلى الآن لم نحظَ بها، وإنما وجدنا بعض الأدوات الزجاجية، والأساور الخزفية". ولغياب الرقابة على أعمال الحفر، وللعجلة في التنفيذ، وعدم الاكتراث للأهمية التاريخية والأركيولوجية للمواقع الأثرية، أصبحت الآلات الثقيلة والجرافات أدوات مستخدمة، توفر الوقت وإمكانية اقتلاع أجزاء من السكة الحديدية المدفونة في حال تواجد الذهب تحتها. كما ينتشر حالياً استخدام أجهزة كشف المعادن. وتنشط عمليات التنقيب أثناء الليل، بوجود حراسة مشددة، وفي بعض الأوقات تكون بإشراف فصائل عسكرية معارضة، تتولى حماية العملية مقابل حصولها على عائد مادي، خاصة في الآونة الأخيرة، مع وقف العمليات العسكرية في عموم حوران. وتعجز "دار العدل" عن حماية آثار المنطقة. مسؤول الإعلام في "جيش اليرموك" مهند الحوراني، قال لـ"المدن" إن عمليات التنقيب العشوائي عن الآثار تتركز في ريف درعا الشرقي. لكن اتساع رقعة المناطق المحررة، وعدم اهتمام تشكيلات الثوار بحماية السكة الحديدية "الخط الحديدي الحجازي"، وكثرة الأثار القديمة في محافظة درعا قد تكون أسباباً لتوسع عمليات التنقيب العشوائي في المحافظة. وبحسب عامر، من مدينة بصرى الشام، فإن عملية شراء الآثار والذهب، تتم عبر وسطاء من أبناء المنطقة، يجمعون البائع بأحد التجار الذي يقوم بدوره بتخمين سعر الكنوز وقيمتها الأثرية، ويتولى إيصال المقتنيات الأثرية إلى العاصمة دمشق، أو إلى مدينة السويداء، ومنها تجد طرقاً أخرى للتهريب. عبور الآثار يتم بمعرفة الضباط المسؤولين عن الحواجز، بموجب اتفاقيات تتم بين التاجر والضباط. طبعاً هناك عوامل أخرى، كنوع البضاعة وكميتها، ورتبة الضابط، وطبيعة الحاجز الأمنية. فأسعار "الأمن العسكري" أعلى من "أمن الدولة"، أما حواجز قوات النظام فهي غير متواجدة على الطريق بين دمشق ودرعا. وبحسب أحد المنشقين عن النظام، يتم التنافس لشراء تلك الحواجز من قبل الضباط، لما يجنوه من أموال كبيرة. وأهم تلك الحواجز العسكرية، حاجز "المسمية" على طريق السويداء–دمشق، وحاجز "منكت الحطب" على طريق درعا-دمشق. وقد سميت تلك الحواجز بهذه الأسماء نسبة إلى البلدات القريبة. وحاجز "منكت الحطب" أكثر الحواجز تفتيشاً للمدنيين والأفراد، لكن البضائع تمر عبره بكل سهولة، بعد دفع التجار مقابلاً لإدخال البضائع.
المصدر: المدن - أحمد مراد
↧