الألم البطني هو ظاهرة شائعة في مرحلة الطفولة، وتصيب 10 – 20% من الأطفال، وقد تكون آلام البطن حادة أو مزمنة. غالبًا ما تكون الآلام الحادة شديدة جدًا ما يدفع الأهل لاصطحاب طفلهم إلى الطبيب فورًا، أما الآلام المزمنة فهي آلام تنتاب الطفل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل على مدار شهرين، شرط أن تكون شديدة إلى درجة أن تؤثر على فعالية الطفل، وهذه الآلام المتكررة قد تعود لأسباب عضوية أو وظيفية.
ما هي أسباب ألم البطن المتكرر عند الأطفال؟
في الأطفال قبل عمر السنتين غالبًا ما ينتج الألم البطني عن وجود سبب عضوي، أما عند الأطفال الأكبر سنًا فيشكل السبب العضوي حوالي 10% من الحالات فقط، بينما لا يكون هناك سبب عضوي للألم في 90% من الحالات.
أهم الأسباب العضوية
أسباب تتعلق بالسبيل المعدي المعوي: الإمساك المزمن، عدم تحمل اللاكتوز (يحدث تطبل بالبطن مع غازات ومغص وإسهال)، الإصابة بالطفيليات (يكون هناك تطبل بالبطن ومغص وإسهال)، تناول كمية كبيرة من الفرتكوز (يؤدي إلى ألم بطني لا نوعي مع تطبل بطن وغازات وإسهال)، القرحة الهضمية (يكون ألمها أعلى البطن حارقًا أو إحساسًا بالضيق يزداد عند الاستيقاظ أو قبل الوجبات ويزول بمضادات الحموضة)، التهاب المري (يكون الألم أعلى البطن مع حرقة خلف القفص الصدري)، رتج ميكل (يكون الألم البطني عادة حول السرة أو في أسفل البطن، وقد يكون هناك دم في البراز)، الانغلاق الراجع (يكون الألم البطني على هيئة مغص شديد انتيابي، ويصاحب البراز قطرات من الدم أثناء حدوثه)، الفتق الداخلي أو الفتق في جدار البطن، التهاب الزائدة المزمن (يكون ألمها في الربع السفلي الأيمن من البطن ويصعب تشخيصها).
أسباب تتعلق بالمرارة والبنكرياس: حصاة المرارة (يتميز الألم في الربع العلوي من البطن ويزداد سوءاً مع الوجبات)، تكيس الطرق الصفراوية (يكون ألمها في الربع العلوي من البطن مع وجود كتلة، وارتفاع مادة البيليروبين في الدم أحيانًا)، التهاب البنكرياس المتكرر (يكون الألم ثابتًا وشديدًا قد ينتشر إلى الظهر مع إقياء).
أسباب تتعلق بالمجاري البولية والتناسلية: التهابات المجاري البولية (يكون الألم فوق العانة، وفوق الخاصرة)، التحصي البولي (الألم شديد يمتد من الخاصرة إلى الناحية الأربية وينزل على الخصية)، الاضطرابات البولية التناسلية (الألم فوق العانة أو في أسفل البطن وتكون هناك أعراض تناسلية بولية).
أسباب متفرقة: الشقيقة البطنية (عادة يكون هناك قصة عائلية للشقيقة ويكون الألم مصحوبًا بغثيان)، الصرع البطني (تصاحب الألم أعراض بادرية لنوب التشنجات)، متلازمة جلبرت (يصاحبها ألم بطني بسيط مع ارتفاع بسيط في البليردبين)، الحمى العائلية للبحر المتوسط (تتميز بنوبات متكررة من الحمى والألم البطني الشديد ومضض مع وجود دليل آخر على التهاب الأغشية المصلية العديد)، فقد الدم المنجلي (يصاب الطفل بنوبات من الآلام المتعددة في عدة مناطق ومن بينها وأهمها آلام البطن الشديدة مع فقر الدم الزمن)، التسمم بالرصاص (يؤدي على المدى البعيد إلى ألم بطني مبهم مع وجود إمساك)، فرفرية هيونج شونلاين (تتميز بطفح جلدي مع أو بدون ألم بطني ماغص شديد ومتكرر، مع دم خفي في البراز، والتهاب المفصل)، الوذمة الوعائية العصبية (تتميز بألم في البطن وتورم في الوجه أو المجاري التنفسية ويكون ألمها غامضًا)، البورفرية المتقطعة الحادة (تتميز بألم شديد تطلقه الأدوية أو حالة الصيام أو الالتهابات).
الأسباب اللاعضوية:
الألم البطني الوظيفي: ويتميز الألم بأنه لا نوعي ويكون حول السرة غالبًا.
متلازمة الأمعاء المتهيجة: وتتميز بحالات مغص متقطعة، وإسهال، وإمساك.
التخمة بدون قرحة: وأعراضها تشبه القرحة الهضمية وآلام أعلى البطن.
ما هو الألم البطني الوظيفي؟
هو ألم سببه غير عضوي، يتصف بالصفات التالية:
الموقع: حول السرة.
طبيعة الألم: تشنجية.
بدء الألم: ظهور مفاجئ، دون سبب ظاهر للعيان.
مدة الألم: قصيرة نسبيًا، ثوان حتى ساعة أو ساعتين.
العلاقة بالطعام: دون علاقة بالأكل.
التكرار: ظهور مع انقطاعات غير منتظمة لأيام أو أسابيع.
وهذا النوع من الآلام يشكل مصدر إزعاج للطفل وللأهل وللطبيب، حيث يؤدي لخلل بأداء الطفل للفعاليات اليومية، وقد يصاب الأهل بالقلق بسبب عدم القدرة على إيجاد سبب عضوي لهذا الألم المتكرر، فيضغطون على الطبيب لوضع حد لهذه المشكلة، وأكثر الأطراف انزعاجًا هو الطبيب الذي يحمل عبء التشخيص والتدبير له، بسبب عدم القدرة على العثور على سبب واضح ومقنع للأعراض، وصعوبة إقناع الأهل بأن هذا الألم هو وظيفي.
كيف يتم تشخيص سبب الألم البطني المتكرر عند الأطفال؟
التوجه التشخيصي العام محافظ يشمل اختبارات دم روتينية: تعداد عناصر الدم الكامل، سرعة تثفل كريات الدم الحمراء، اختبارات بول وبراز، فحص البطن بالموجات فوق الصوتية، وكذلك محاولة الامتناع عن تقديم الحليب ومنتجاته لمدة أسبوعين أو ثلاثة.
في حال كان وصف الألم نموذجيًا لآلام البطن الوظيفية، دون علامات لوجود سبب عضوي، ومع نتائج سليمة للاختبارات المذكورة أعلاه، عندئذ يمكن الاكتفاء بذلك وطمأنة الأهل.
أما عند الاشتباه بوجود مرض عضوي، فيجب إجراء اختبارات دم إضافية، فحوصات تصوير طبية، كتصوير الاشعة السينية، التصوير المقطعي المحوسب (CT)، أو فحوصات التنظير الداخلي للجهاز الهضمي.
وأهم العلامات التي تثير الشك بوجود مرض عضوي كسبب لألم البطن المتكرر: ألم غير محصور حول السرة، انتقال الألم إلى الظهر أو الكتف أو الأطراف، وجود إسهال أو إمساك، نزيف من الجهاز الهضمي، عدم السيطرة على الإفرازات، ارتفاع درجة الحرارة، قيء، آلام في المفاصل، هبوط في الوزن، طفح جلدي، اضطراب في النمو والتطور، ضعف وميل للنوم بعد نوبة الألم، تاريخ عائلي من القرحة، أوجاع توقظ الطفل من نومه، داء الأمعاء الالتهابي، الشقيقة (الصداع النصفي).
وحتى في حال وجود نتيجة غير سليمة لأحد الاختبارات المذكورة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الظاهرة التي تم اكتشافها هي التي تسبب ألمًا في البطن، فعلى سبيل المثال، وجود كيسات الأميبيا في البراز لا تكون لها علاقة بألم البطن، وحتى وجود جرثومة الملوية البوابية في المعدة (التي قد تسبب التهابًا وقرحة) ليس له بالضرورة علاقة بالآلام البطنية.
كيف يتم علاج آلام البطن المتكررة عند الأطفال؟
في حال كان السبب مرضًا عضويًا فيتم علاج هذا المرض، أما عند استبعاد وجود أمراض عضوية فيمكن عندها معالجة الأعراض عن طريق مسكنات الألم ومضادات تشنج الأمعاء، ويجب تهدئة الطفل وأهله وطمأنتهم بأن الألم وظيفي وغير خطير، وعلى الغالب فإنه سيختفي مع مرور الزمن.
وفي حالات معينة ربما ترجع الآلام إلى أسباب نفسية مثل الخوف من المدرسة أو الامتحانات، حينئذٍ يكون تعلم كيفية التعامل مع هذه الآلام والمخاوف أهم تدبير يجب أخذه، ويمكن التفكير في توجيه الطفل إلى العلاج النفسي، وربما يحتاج للأدوية المضادة للاكتئاب.
د. كريم مأمون عنب بلدي
↧