يبدو أن آلاف الكنائس قد تختفي إن نفَّذ دونالد ترامب الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية. وذلك حسب ما قال القس صاموئيل رودريجيز، الذي يترأس المؤتمر الوطني للقيادة المسيحية الهسبانية، وهو مجمع إنجيلي يضم أكثر من 40 ألف طائفة.
يقول رودريجيز "إنهم أعضاء كنائسنا، لذا يتعلق الأمر ببقاء تلك الكنائس واستمرارها".
وأردف قائلاً "إنك تتحدث عن إغلاق كنائس. إن كنت ستسعى لترحيل 11-12 مليون شخص، فإنك تغلق كثيراً من الكنائس اللاتينية. وما أعنيه بـ"كثير" أنها تبلغ آلافاً من الكنائس، ولا أبالغ في هذا الرقم".
يُفترض أن يكون الاحتفال بقدوم المسيح -وهي الأسابيع الأربعة التي تسبق عيد الميلاد عندما يبدأ المسيحيون في ممارسة شعائرهم التقليدية بإيقاد الشموع في الكنيسة إيذاناً باقتراب الاحتفال بعيد الميلاد- موسماً متوقعاً للأمل والسلام والفرح.
إلا أن الاحتفال بقدوم المسيح بالنسبة لكثير من المسيحيين ذوي الأصول اللاتينية يصاحبه شعور عميق بالخوف والريبة. والسبب في ذلك يعود إلى أنه بعد مرور أقل من شهر على احتفالات أعياد الميلاد، سيصير رجل جديد جزءاً من حياتهم، إنه دونالد ترامب. إذ تعني عمليات الترحيل الكبيرة بالنسبة للكنائس والجاليات المؤمنة الأخرى التي يعيش أعضاؤها في الولايات المتحدة بدون وثائق رسمية، أن مقاعد الكنيسة ستخلو من أعضائها، كما سيصير هناك أطفال بلا آباء.
"نحذر بعضنا"
ليس واضحاً كم عدد الأشخاص الذين سيسعى ترامب لترحيلهم، كما لم يتضح ما إذا كان سيأمر إدارة الهجرة والجمارك باستهداف الأشخاص الذين لم يرتكبوا جرائم أيضاً أم لا. إننا لا نعرف، لذا سيكون على الكنائس التي تؤوي أشخاصاً لا يحملون وثائق رسمية، أن تقضي أعياد الميلاد هذا العام وسط حالة من الأمل في حدوث الأفضل، وترقب واستعداد لمواجهة الأسوأ.
ولا يبدو شبح الترحيل أمراً نظرياً لكثير من تلك الجاليات، فقد قال رودريجيز، كبير قساوسة "مركز نيو سيزون المسيحي" في مدينة ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، إن الطوائف المنضوية تحت رعاية الكنيسة تضم كثيراً من الأعضاء الذين لا يحملون وثائق رسمية.
ورغم أن الكنيسة لا تفرض رقابة على أعضائها، فإن ذلك يبدو جلياً في كثير من صلوات الأحد الأسبوعية. وأضاف القس أنه خلال الفترة الرئاسية الأولى لأوباما، كان يلاحظ قدوم عشرات الأعضاء إلى الكنيسة متأخرين خلال صلوات أسبوعية محددة أيام الأحد، وكلهم يأتون معاً في مجموعة واحدة.
يقول رودريجيز: "كان رجال إدارة الهجرة والجمارك يأتون ليجتاحوا مناطق بأكملها". لذا فإن أعضاء الكنيسة كانوا يهاتفون بعضهم البعض أو يرسلون رسائل نصية لبعضهم ويقولون: "لا تخرجوا".
وبعد أن تنتهي عمليات المداهمة، يتوجه الناس إلى الكنيسة.
يعلّق القس على ذلك قائلاً: "إننا نعيش هكذا".
وأضاف أنه بعد تغيير أوباما أولوياته المتعلقة بتنفيذ قوانين الهجرة، لم يعد شيء كهذا يحدث. غير أن إدارة ترامب قد تعني عودة للوراء مرة أخرى، أو ربما ما هو أسوأ من ذلك.
ونتيجة لذلك، شرعت جماعة رودريجيز في مساعدة الكنائس حول البلاد من أجل الاستعداد للتغيرات التي قد تؤدي إلى ترحيلهم. إذ يستضيفون دعوات لإقامة مؤتمرات أسبوعية تدور حول الاستعداد لفترة ترامب الرئاسية بالتعاون مع قساوسة الكنائس الكبرى، والجمعيات الرعوية، وزعماء الطوائف. أوضح القس أن الاهتمام بدعوات تلك المؤتمرات كان أكثر مما توقعت المجموعة في بداية الأمر.
وأضاف: "إننا لا نقدم أي تحليل سياسي خلال تلك المؤتمرات. إنها لا تدور سوى في إطار أسئلة يطرحها القساوسة الآخرون قائلين: أيها القس صاموئيل، ما الذي ينبغي أن نفعله في المرحلة القادمة؟ هل سيسعى لترحيل أهلنا؟"
وفي أعقاب ذلك، لا يفعل القساوسة سوى شيء واحد، وهو أن يخبروا أعضاء كنيستهم من فوق المنبر بماذا يتوجب عليهم فعله إن وصل رجال إدارة الهجرة والجمارك إلى منازلهم. تعمل جيسيكا دومينغز، وهي محامية تتخذ من مدينة ستوديو سيتي بولاية كاليفورنيا مقراً لها، مع الكنائس المنضوية تحت مجمع رودريجيز؛ بهدف مساعدة القساوسة ليعرفوا ما الذي ينبغي أن يقولوه.
تقول دومينغز في بريد إلكتروني أرسلته لموقع ديلي بيست "أنا وفريقي نعتبره دعوة لتعريف عائلات المهاجرين بحقوقهم، والعمل يومياً بهدف المحافظة على وحدة تلك العائلات وعدم تفكيكها". وأضافت: "أرى أنه من البركة أن أعمل عن كثب مع قساوسة من جميع أنحاء البلاد؛ للتأكد من أن جالياتنا تعلم تماماً حقوقها".
حماية المهاجرين
تنظر بعض الكنائس في لوس أنجليس في أمر استضافة المهاجرين غير المسجلين رسمياً الذين يواجهون عمليات الترحيل، مع افتراضهم أن رجال إدارة الهجرة والجمارك لن يدخلوا الكنائس لملاحقتهم.
ففي ثمانينيات القرن الماضي، وفّرت كثير من الكنائس حماية للاجئين القادمين من أميركا الوسطى حتى لا يتعرضوا للترحيل، وذلك فيما سُمّي آنذاك بـ"حركة الملاذ الآمن".
لا تزال تلك الحركة قائمة بالفعل حتى الآن، ويرجح أنها ستنشط مرة أخرى إن سعى ترامب لتكثيف عمليات الترحيل بصورة كبيرة.
تقول أليسون هارينغتون، القسيسة بكنيسة ساوثسايد المشيخية في مدينة توسون، التي تشارك في الحركة، إن كنيستها استضافت خلال السنوات الأخيرة شخصين كي تحميهما من الترحيل، فقد ظل أحدهم في الكنيسة لـ28 يوماً، بينما ظل الآخر 461 يوماً.
كما قالت إنها تعرف 16 شخصاً أخفتهم الكنائس عن أعين رجال إدارة الهجرة منذ عام 2014. ساعدت كنيسة هارينغتون في إطلاق حركة الملاذ الآمن عندما بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، والآن تعمل مع الكنائس المستعدة لإيواء اللاجئين.
تقول: "إنه شيء موجود في جيناتنا باعتبارنا مجمعاً كنسياً. إنه جانب أساسي مما يعنيه أن نكون أهل عقيدة في مدينة حدودية".
وأوضحت هارينغتون أن 200 كنيسة تعهدت رسمياً قبل الانتخابات بإيواء اللاجئين. كما أضيف إلى ذلك العدد 250 كنيسة أخرى، تعهدت جميعها بنفس الأمر إن كانت ثمة حاجة لها.
مساعدة المدافعين عن المهاجرين
أضافت هارينغتون أن كنيستها تتطلع لمساعدة جماعات حقوق اللاجئين بطريقة أخرى، وذلك عن طريق استضافة المقابلات التي يتم فيها تعريف جماعات اللاجئين بحقوقهم القانونية، وتوفير رعاية الأطفال المجانية خلال تلك المقابلات، وأيضاً توفير بعض المستلزمات المكتبية فقط في بعض الأحيان.
وعن ذلك قالت "إنك تبدأ في بناء علاقة ثقة من خلال عرض طباعة نسخ المواد التدريبية للأشخاص الذين يحتاجون إليها. ومن تلك العلاقة، يمكنك أن تكثف العمل الأساسي عندما يحين الوقت".
في بعض الأوقات، يعني ذلك الذهاب إلى الصحراء. إذ ترسل جماعة "لا مزيد من الموتى"، التي ترعاها الكنيسة الكونية التوحيدية بمدينة توسون، متطوعين إلى المناطق التي تحتوي على معابر حدودية؛ لكي توفر الطعام والمياه للمهاجرين، وكذلك المساعدات الأولية كي تحميهم من خطر الموت أثناء عبورهم الحدود.
تُجري المجموعة كذلك مشروعات بحث وإنقاذ إن استقبلت معلومات عن مهاجرين يواجهون خطراً بعد أن ضلّوا الطريق عن الجماعات التي كانوا يهاجرون معها، وذلك حسبما يقول إمريس ستاتون، الذي يعمل مع المجموعة ويدير العناية الرعوية والعدالة الكهنوتية في مجمع الكونيين الموحدين بمدينة فينيكس.
أضاف ستاتون أن المجموعة، التي توثّق أيضاً حالات الانتهاك التي يرتكبها رجال الدوريات الحدودية ضد المهاجرين، لديها حوالي 50 عضواً أساسياً في توسون وفينيكس، وأنها عملت مع آلاف المتطوعين على مدار الأعوام الماضية.
كما أوضح قائلاً: "إن انتخاب ترامب يُؤخذ على محمل الجد، بما يعنيه ذلك بالنسبة للحدود. وقد رفعت جماعة "لا مزيد من الموتى" من قدراتها كي تستوعب متطوعين أكثر، وكي تتأكد من أننا نمتلك حضوراً كافياً في الصحراء بقدر الإمكان".
وأردف: "نحن نؤمن بالأساس أن كل البشر لديهم كرامة وقيمة أصيلة، كل البشر. ونحن نرى أن الناس إن أرادوا أن يتحركوا في أنحاء الكوكب أو يتحركوا من مكان إلى آخر، أيُّما كان السبب في ذلك، سواء الرغبة في تحسين مستوى معيشتهم، أو لأنهم يريدون أن يتحركوا وحسب، فينبغي أن يكونوا قادرين على أن يفعلوا ذلك. وعلى الأقل لا ينبغي أن يواجهوا موقفاً قاتلاً أو خطيراً للغاية أو مسيئاً".
ولا تعد مجموعة "لا مزيد من الموتى" المجمع الوحيد الذي يستعد للمتطلبات الكثيرة التي ستنتشر في عهد ترامب. إذ تستضيف "كنيسة الفسيفساء" في مدينة ليتل روك بولاية أركنساس مجمعاً يقدم المشورة للأشخاص الذين لا يحملون وثائق رسمية، مقابل مبالغ مُخفّضة أو مقابل ما يستطيع الأشخاص دفعه. في مقابلة مع موقع "ذا ديلي بيست"، قال قس الكنيسة مارك ديماز إن المجمع يعمل حالياً مع 500 مهاجر، كما أنه شهد تزايداً كبيراً في عدد طلبات المساعدة منذ فوز ترامب. وأضاف أن كنيسته لديها الكثير من الأعضاء الذين لا يحملون وثائق رسمية.
وأردف قائلاً: "بين كل حين وآخر، تكتشف الأمر، لا يعني ذلك أنَّنا نفتِّش وراءهم. ولكن بطبيعة الحال، إن كنت تعيش بين مجموعة من الأشخاص ستعرف أحياناً بعض الأشياء عنهم".
وأضاف: "إنهم يقدمون خدمات ويرشدون غيرهم أيضاً".
شعور بالقلق
أحد أعضاء الكنيسة التي يخدم بها ديماز لا يحمل أوراقاً رسمية، أخبر "ذا ديلي بيست" أن الحضور يشعرون بالقلق حيال احتمال ترحيلهم في عهد ترامب لكنهم يثقون في إيمانهم".
وأضاف: "في رأيي، الله يحكم كل شيء، وأنا أثق في الله. إلا أن الأمر مخيف قليلاً".
وأوضح: "لا يعتمد الأمل على رجل أو امرأة، أيُّما كان من منهما داخل البيت الأبيض، أو أيُّما حزب كان في السلطة بأي لحظة. إنه لا يتعلق بالخطاب الذي ينتشر عبر التاريخ أو أي شيء من هذا القبيل، بل إنه شيء متجذر في إيمانك بالله. وما نراه في أهلنا هو أن الإيمان يزعزع الخوف في نفوسهم".
لا تتوقف الكنائس عن العمل عندما تحدث عمليات الترحيل. فقد قال رودريجيز إن المجمع الذي يشارك فيه بساكرامنتو يمتلك بروتوكولاً بالفعل يتبعونه إن تعرض أعضاؤه للترحيل. ويقول البروتوكول إنه في حالة ترحيل شخص لديه طفل، تذهب زوجته إلى مدرسة الأطفال لكي تنشر الخبر. يلي ذلك مساعدتهم في أن يعثر الطفل على قريب أو صديق يبقى معه، ويفضل أن يكون مواطناً يحمل الجنسية الأميركية أو أن يكون مقيماً شرعياً. كما قال إن الكنيسة تتواصل مع الطفل أسبوعياً لستة أشهر على الأقل وتساعده في الذهاب إلى الكنيسة. وأضاف رودريجيز أن الأطفال الذين تعرض آباؤهم للترحيل يشكّلون هدفاً أساسياً للعصابات التي ترغب في الحصول على خدماتهم.
وأردف: "إنهم يقولون: أبواك ليسا هنا، سنكون نحن أبويك، وسنعتني بك. ونحن نرغب في منع حدوث ذلك. إنها معركة من جميع الجهات".
ويشير رودريجيز إلى أنه يأمل في الوقت الحالي أن يوضح ترامب خططه المتعلقة بالترحيل، وأن يلتزم بترحيل المجرمين الخطرين فقط.
في غضون ذلك، ستستمر كنيسته في مساعدة الأطفال الذين فقدوا آباءهم، مثلما حدث مع فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً تعرضت أمها للترحيل مؤخراً. وأضاف أن ذلك النوع من الخسارة يزعزع إيمان الناس.
علّق رودريجيز على ذلك الحادث قائلاً "إن تلك الفتاة تذهب في طريق التساؤلات عما يجعل الله يسمح بحدوث ذلك؟ إنها فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، لقد عاشت في ظل ذلك، ما الذي ينبغي علينا أن نخبر به فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً؟ بالنسبة إلينا هذه ليست مجرد قصة يرويها شخص آخر، بل جزء مرتبط بكينونتنا، ومعاناة المهاجرين تشكل جزءاً من تلك الكينونة".
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Daily Beast الأميركية.
المصدر: هافينغتون بوست عربي - Sufian Jobran
↧