إبراهيم حميدي: الحياة
القلق من «معركة رهيبة» في الأحياء الجنوبية الشرقية في حلب، حيث الأبنية متلاصقة وتحتها خنادق وتخترقها معابر، دفع الأطراف الدولية والإقليمية الى البحث عن «صيغة ما» بين نية دمشق وطهران اقتحام شرق حلب ورغبة أنقرة وموسكو في البحث عن تفاهم واستفاقة واشنطن للعودة الى الملف، ما بدا وكأنه سباق بين المسار التفاوضي بقيادة روسية والعسكري بقيادة إيرانية.
جديد هذه الجهود، هو استضافة الاستخبارات التركية محادثات بين حوالى 10 فصائل معارضة وممثلين من الجيش الروسي في أنقرة. وإذا كان وجود الفصائل المعتدلة والإسلامية مثل «الجبهة الشامية» و «حركة نور الدين زنكي» و «فيلق الشام» أمراً متوقعاً كون هذه الفصائل لها وجود أساسي ضمن «جيش حلب» الذي يضم حوالى ستة آلاف مقاتل في شرق المدينة، فإن مشاركة ممثل «حركة أحرار الشام الإسلامية» تدل على تغيير في موقف موسكو يسجل لمصلحة الديبلوماسية التركية.
الى وقت قريب، إن المسؤولين الروس بمن فيهم وزير الخارجية سيرغي لافروف كانوا يضعون «أحرار الشام» (وجيش الإسلام) ضمن خانة «التنظيمات الإرهابية» أو «غير الشرعية» التي لا تختلف كثيراً عن «فتــــح الشام» (جبــــهة النصرة)، لذلك فإن قبول الجيش الروسي الجلوس على مائدة التفاوض مع «أحرار الشام» يوسع الفـــــجوة مع دمشق التي تعتــــــبر «كل من حمل سلاحاً ضد الدولة، إرهابياً» وإن كان هذا التفاوض لا يبعد موسكو كثيراً عن طهران التــــي سبق وأبرمت في اسطنبول مع «أحــــرار الشام» هدنة الفوعة - الزبداني في 24 أيلول (سبتمبر) العام الماضي، قبل أن تمزقها موسكو بعد تدخلها العسكري المباشر في نهاية شهر أيلول نفسه لأنها ليست طرفاً في هدنة سورية برعاية تركية - إيرانية. في هذا السياق، أكد لافروف في روما أمس إجراء اتصالات مع المعارضة السورية المسلحة، ذلك أنه «لا يوجد حل عسكري للصراع السوري».
وفق مطلعين على مفاوضات أنقرة، فإن المطروح هو تطوير لخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ذات النقاط الأربع: خروج عناصر «النصرة» من شرق حلب، وقف القصف وإدخال مساعدات إنسانية وبقاء المجلس المحلي المعارض لفترة موقتة.
وحاول الجانب التركي تقديم مقترحات إضافية على هذه الخطة، تتضمن الاعتراف بالمجالس المحلية ودورها في الملف الإنساني مع الاعتراف بالمجلس ودوره السياسي.
وقال أحد المشاركين أن بنود مسودة الاتفاق تضمنت: «خروج عناصر جبهة النصرة ومن معها (بين 200 و300 عنصر)، وقف النار ووقف القصف عن شرق حلب، تسلم المجلس المحلي إدارة شرق حلب وايصال المساعدات الإنسانية بحيث يكون الطرف المخول التفاوض معه، بقاء مقاتلي المعارضة في المنطقة، تعهد روسي بعدم دخول القوات النظامية الى شرق المدينة مع بقاء عمل المؤسسات العامة».
وأوضح رئيس المجلس المحلي في حلب بريتا حاج حسن لـ «الحياة» أمس أن المفاوضات يجريها العسكريون وهو مسؤول عن الجانب الإنساني والمحلي، لكنه «يرحب بأي اتفاق يؤدي الى وقف القصف وحماية المدنيين في بيوتهم»، لافتاً الى «نجاح تجربة المجالس المحلية في الوجود على الأرض وتقديم الخدمات»&8230; إضافة الى دور سياسي تمثل أخيراً بلقاء حاج حسن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ارلوت في باريس.
لكنه انتقد أي حديث عن إخراج المدنيين «لأن من حق الناس أن تبقى في بيوتها ومناطقها، كما أن المعابر التي يجرى الحديث عنها (من روسيا لدى إعلان فتح أربعة معابر) هي معابر قتل وليست معابر إنسانية».
هو تبلغ كما غيره بحصول تقدم أولي في مفاوضات أنقرة، لكن سرعان ما تم التراجع من جانب الوفد الروسي، الذي يضم ضباطاً من القاعدة العسكرية في اللاذقية، خصوصاً بعدما نجح الجانب التركي في «شرعنة سياسية لفصائل المعارضة وخصوصاً أحرار الشام»، وفق المصادر التي أشارت الى رغبة انقرة أيضاً في «كبح طهران ودمشق للسيطرة على كامل شرق حلب». وأضافـت أن الوفد الروسي عندما تأكد من إمكان موافقة «النصرة» على الخروج من شرق حلب بعد تشكيل «جيش حلب»، قدم شرطين لقبول الاتفاق: الأول، موافقة دمشق على هذا الاتفاق. الثاني، وقف المعارضة معارك جنوب غربي المدينة «وطلب موافقة دمشق يعني انتظار موافقة طهران التي تشرف على ميليشيات بينها حركة النجباء في جنوب شرقي حلب.
وطلب وقف معارك جنوبي غربي حلب، يعني دفع الفصائل الى إشكالية وتوتر مع جيش الفتح» الذي يضم سبعة فصائل بينها «أحرار الشام» و «فتح الشام».
هنا برزت ثلاثة أمور: الأول، قول أحد مسؤولي المعارضة أن روسيا «تماطل» في المفاوضات، اذ نقل موقع «سمارت» المعارض أمس عن «مصدر عسكري» أن الوفد الروسي قدم شرطاً ثالثاً امس، تمثل بخروج 900 عنصر من «النصرة» من شرق حلب لاستئناف المفاوضات. الثاني، تقدم القوات النظامية عسكرياً بالسيطرة على حوالى 60 في المئة من الأحياء وإن كانت تراجعت أمام المعارضة في حي الشيخ سعيد. الثالث، إعلان لافروف أن نظيره الأميركي جون كيري قدم خلال لقائهما في روما مقترحات «تتوافق» مع موقف موسكو، ما فسره أحد المعارضين بأنه تضمن خروج جميع المقاتلين من شرق حلب وهو بمثابة تراجع عن مسار انقرة.
في موازاة ذلك، أجرى ألكسندر لافرينييف مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين محادثات في طهران للتوصل الى صيغة تتعلق بالمسار العسكري والممرات الإنسانية لشرق حلب. لافرينييف، هو المفاوض الرئيسي مع الجانب الأميركي في جنيف ازاء اتفاقات وقف العمليات القتالية وخطة حلب. وهو كان جال على دول المنطقة حاملاً مشروع إخراج «النصرة» من شرق حلب. لكن زيارته هذه مرتبطة أيضاً بالمحادثات التي ستستأنف بين الجانبين الأميركي والروسي في جنيف استكمالاً لـمسار «عملية لوزان» التي تضم أيضاً دولاً اقليمية لم تشارك إيران فيها بعد. ويُعتقد بأن المعادلة التي يجرى الشغل عليها هي: خروج مقاتلي المعارضة، يجرى الاتفاق على عددهم، مقابل وقف العمليات الهجومية وتفاوض على بقاء المؤسسات والمدنيين والمؤسسات.
↧