مسؤول أوروبي معني بالملف السوري في باريس لخّص لنا أبعاد معركة حلب والوضع العام في سوريا فقال: "الانتصار العسكري الذي يسعى النظام مع حلفائه الى تحقيقه في حلب وسائر المدن والمناطق هو في الواقع وهم كبير يحجب الحقائق الأساسية في الصراع السوري لكنه لن يلغيها. فالانتصار في حلب في حال إنجازه لن يقود الى إنقاذ سوريا ولن ينهي معاناة شعبها ولن يسمح للرئيس بشار الأسد بأن يحكمها استناداً الى شروطه ومطالبه ولن يشكل تالياً انتصاراً سياسياً واستراتيجياً حقيقياً لروسيا وايران والقوى المرتبطة بطهران.
.
ففي الوقت الذي تتواصل معركة حلب بكل زخمها أبلغ مسؤولون دوليون وأوروبيون رفيعو المستوى النظام قراراً مهماً هو أن المجموعة الدولية والدول الغربية والإقليمية المؤثرة ترفض تمويل إعادة بناء وإعمار سوريا التي تبلغ مئات المليارات من الدولارات قبل تنفيذ عملية الانتقال السياسي الى نظام جديد تعددي مما يعني أن الخيار العسكري سيقود البلد الى طريق مسدود. ولن يستطيع الأسد وحلفاؤه استخدام أي انتصار عسكري في حلب من أجل تغيير هذا الواقع".
.
وأوضح المسؤول الأوروبي أن المقربين من الأسد بمن فيهم وزير الخارجية وليد المعلم تلقوا أخيراً ثلاث رسائل محددة واضحة من الجهات الدولية الرسمية المرتبطة بالأمم المتحدة ومن المجموعة الأوروبية تتضمن العناصر والمعطيات الأساسية الآتية:
.
أولاً، يجب أن يدرك النظام أنه لن يستطيع مهما فعل أن يحوّل إنجازاته العسكرية على الأرض أمراً واقعاً ثابتاً يفرضه على المجتمع الدولي ويسمح له تالياً بأن يستعيد شرعيته المفقودة داخلياً وإقليمياً ودولياً ويتصرف على أساس أنه الحاكم المطلق وان حل الأزمة يجب أن يتحقق استناداً الى شروطه ومطالبه وبطريقة تضمن بقاء نظامه بتركيبته وتوجهاته القائمة. ان محاولة الأسد تحقيق هذا الهدف تتناقض مع القرارات والتفاهمات الدولية ومع متطلبات انجاز السلام الحقيقي في سوريا والذي لن يستطيع فرضه من طريق القوة ومواصلة الخيار العسكري.
.
ثانياً، الأسد لن يستطيع بقدراته الذاتية إنقاذ سوريا اذ ان عملية الانقاذ تحتاج الى مشروع دولي – اقليمي ضخم جداً من أجل إعادة بناء وإعمار هذا البلد ومعالجة كوارثه في كل المجالات والقطاعات وبناء مساكن للاجئين والمشردين الذين يبلغ عددهم أكثر من 12 مليون مواطن في الداخل والخارج وضمان عودة الحياة الطبيعية والاستقرار والأمن الحقيقيين.
.
وقد وضعت الهيئات الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة والبنك الدولي بصورة غير معلنة مشاريع ودراسات دقيقة ومفصّلة تحدد متطلبات بناء سوريا الجديدة بعد وقف الحرب وتبلغ كلفتها أكثر من 500 مليار دولار والنظام عاجز مع حلفائه عن تحمل الأعباء المالية الضخمة المطلوبة بل أن الأمر يحتاج الى مشروع دعم دولي – اقليمي ضخم ينفّذ في إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي. وأظهرت المشاورات السرية الدولية الاقليمية أن الشرط الأساسي لموافقة المجموعة الدولية والدول الغربية والاقليمية على تمويل عملية إعادة بناء وإعمار سوريا هو إنجاز اتفاق سياسي شامل وصلب في إشراف دولي يرتكز على ضمان انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي وغير طائفي يحقق التطلعات والأهداف المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته على أساس بيان جنيف والقرار الرقم 2254 الصادر بالاجماع عن مجلس الأمن الدولي.
.
ثالثاً، إنجاز هذا الاتفاق السياسي الشامل يتطلب التفاوض جدياً في إشراف الأمم المتحدة بين ممثلي النظام والمعارضة المعتدلة اذ أن التطورات العسكرية على الأرض لن تلغي وجود شعب محتج له مطالب مشروعة تتبناها وتدافع عنها قوى المعارضة السياسية المعتدلة المعترف بها دولياً واقليمياً على نطاق واسع، والقوى التي تمثل المجتمع المدني في سوريا.
.
وضمن هذا النطاق شدّد المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستافان دو ميستورا في تصريحات علنية على أن "أوروبا والبنك الدولي والدول الغربية والاقليمية مستعدة للمشاركة في عملية اعمار سوريا فقط اذا انطلقت عملية سياسية ذات صدقية تستند الى بيان جنيف للعام 2012 والقرار 2254". واضاف ان مواصلة تنفيذ الخيار العسكري تعني أنه "لن تكون ثمة عملية إعمار لهذا البلد". وفي الوقت عينه أصدرت المجموعة الأوروبية وثيقة سياسية عن مستقبل سوريا أرسلت نصها الى الحكومة السورية وقيادة المعارضة شددت على ضرورة قيام نظام جديد تعددي في سوريا وعلى أن عملية إعادة إعمار هذا البلد "تنطلق بعد بدء تنفيذ الانتقال السياسي" للسلطة الى نظام جديد.
.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: "يبدو واضحاً استناداً الى هذه الوقائع والمعطيات أن أي انتصار عسكري في حلب هو انتصار وهمي لن ينقذ النظام ولن يحقق السلام والاستقرار في سوريا".
annahar -beirout
↧