القوات الروسية والإيرانية ساعدت الأسد في الاستيلاء على أحد معاقل الثوار، لكن كان هناك أكثر من القوة المجردة للحفاظ على السلطة
يحكي لنا القطاع الصناعي في الليرمون شمال غرب حلب حكاية هذه الحرب. فقد نُهِبَت مصانعها التي يبلغ عددها 1.200 ودُمِّرت أيضاً، لتجد في أماكنها أكواماً من الركام مليئة بالمعادن الصدئة. كما تجد خزانات المياه المهترئة بين الأنقاض.
أما في المكان حيث كانت المصانع الصاخبة وضجيج الآلات تتمخض عن حزم من الغزل والمنسوجات، لا تستطيع سماع شيء سوى انفجار صادر عن بعض المدفعية البعيدة في بعض الأحيان، وخلال الأسابيع التي تلت زيارتي للمدينة المحاصرة في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، نفّذ الجيش السوري إلى جانب داعميه ووكلائه الأجانب هجوماً واسعاً كان على وشك السيطرة على القسم الشرقي من حلب الذي يسيطر عليه الثوار لأكثر من أربعة أعوام. كما دفعت الغارات الجوية المتواصلة حوالي 20 ألف مدني للفرار من المدينة الصناعية، ثاني أكبر المدن السورية.
وقد وضّح "زياد بري"، صاحب إحدى شركات الأدوية الواقعة في مناطق الثوار: "كانت نسبة 60% من الشركات الموجودة هنا تعمل في صناعة المنسوجات كالحياكة. إلا أننا كنا نملك أيضاً شركات كانت تصنع قوالب البلاستيك والفولاذ".
كان بري واحداً من بين حفنة من أرباب الصناعة والشخصيات العامة التي رافقتني وعشرات من الصحفيين الأمريكيين والبريطانيين، خلال رحلتنا التي امتدت 4 أيام داخل مدينةٍ تصدّرت عناوين الصحف لأشهر عديدة، ولم يشاهدها سوى القليل من الصحفيين الغربيين. وما رأيناه إلى جانب الدمار الذي أحدثته أعوام من الحرب الأهلية، كان دليلاً على كيفية إحكام نظام الأسد سيطرته على معظم المناطق المزدهرة، ودليلاً على فشل الثوار في الاستيلاء ليس على المدينة، فحسب وإنما على البلد بأكمله.
وعلى الرغم من قيام الرئيس بشار الأسد بشن حملة لا رحمة فيها لمحاربة الثوار والتي سببت وفاة 430 ألف شخص وتهجير نصف سكان البلاد، وهدمت مساحات واسعة من كبرى المدن السورية، إلا أنه تمكن من الحفاظ على تأييد جزء كبير من المواطنين من خلال تأمين اليسير من الحياة الطبيعية.
وبالنسبة للآخرين، كأرباب الصناعة في حلب، فقد راهن الأسد على معرفتهم بأن معظم ثروتهم مرتبطة ببقائه، فقد جنى بعضهم الأموال من خلال صلاتهم مع أجهزة الاستخبارات ذات القوة والتي تسيطر على البلاد والموظفين المطلعين، ممن يستطيعون تجاوز البيروقراطية المعقدة. كما أدرك بعضهم أن الثورة ليست طريقة لصنع الثروة على الإطلاق. وعندما تولى حزب البعث السلطة عام ١٩٦٣، عمل على تأميم البنوك وفرض الإصلاحات على الأراضي التي قيدت الملكيات الخاصة إلى حد كبير. وبين عشية وضحاها، أزيلت ثروات كانت تمتد إلى قرون من الزمن.
كما لم تكن ثروة رجال الأعمال هي ما هدده الثوار فحسب، وإنما أسلوب حياتهم أيضاً، فقد انطلقت الثورة السورية في حلب من المناطق الريفية. وقالت لي النائبة البرلمانية زينة خولة متحدثة بنبرة يشوبها الازدراء، كما لو كان الثوار متخلفين ينحدرون من روديو درايف "لقد جاؤوا من إدلب وريف حلب"، وأوضح رجل الأعمال "رأفت شامة": "إنهم ليسوا مثلنا. إذ تختلف مبادئهم عن مبادئنا. نحن نريد حماية بلدنا، بينما هم يريدون تدميرها".
وعلق مضيفنا "فارس شهابي" فقال: "هذا هو الإرهاب التجاري". فقد منحه منصبه رئيساً لغرفة الصناعة هالة من الوقار. لكن في سوريا، حيث الألقاب والمناصب لا تعني شيئاً، فإن المقربة من ذوي القوة هو ما يهم حقاً.
ويستمد شهابي نفوذه من عمه الراحل الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش مدة 24 عاماً. وعرض لنا شهابي أكياساً مملوءة بمادة زعم بأنها الكبريت الأصفر الذي يستخدم في صناعة قذائف الهاون. وما لا يصدق هو أن الأكياس صينية الصنع، و كان قد كتب عليها فوسفات الكالسيوم أحادي الهيدروجين وثاني أكسيد التيتانيوم، وهما مادتان غير قابلتان للاشتعال.
والأمر المؤكد هو أن الرواية التي سردها لنا مضيفنا التابع للحكومة كانت صحيحة جزئياً، وما لا شك فيه هو أن الثوار قاموا بسرقة المصانع، وتجريدها من كل شيء يمكن نقله إلى تركيا، حيث اغترفها أرباب الصناعة بأسعار بخسة. وفي الحقيقة، خلال زيارتي للمجمع الصناعي الأكثر حداثة في حلب عام 2012، شاهدت بعض الثوار يحمّلون الآلات الثقيلة.
إلا أن الثوار لا يملكون المدفعية لتدمير المباني، فهذا عمل القوات السورية والروسية، التي كثفت من الغارات الجوية منذ بداية الهجوم الأخير.
وخلال تجوالنا، أوقفت اثنين من المرافقين العسكريين، وأشرت إلى أحد الأبنية المدمر بصورة واضحة نتيجة غارة جوية، وسألتهما ما إذا كانت الطائرات الحكومية هي التي دمرته. فقام أحدهما بدراسة وضع الطوابق المنهارة وكان على وشك أن يومئ برأسه قبل أن يبادر زميله ليقول "قنبلة مسيلة للدموع"، وهي وسيلة معروفة عند الثوار. وفجأة تجمّد الجندي المنهمك في التفكير ووافق على قول رفيقه. إنك لن تجد في سوريا تقديراً للتفكير البنّاء أو المعارضة.
وقد أخبرنا مضيفونا السوريون أن وجود عشرين مجنداً وخمسة آخرين، بالإضافة إلى ضباط استخبارات يرتدون ملابس مدنية ويرافقوننا في كل مكان، كان ضرورياً لحمايتنا من قذائف الهاون التي يطلقها الثوار عشوائياً على المناطق المدنية.
غير أن الصحفيين الإيرانيين والروس الذين رأيتهم بالقرب من خطوط المواجهة لم يتمتعوا بنفس الحماية التي حظينا بها. وفي وقت لاحق، عندما طلبت من أحد الجنود المرافقين في الفندق أنني أريد الذهاب لشراء الماء من الكشك، اعترض وطلب مني الرجوع إلى غرفتي. وبعد دقائق، أحضر لي أحد موظفو الفندق زجاجة من الماء الفاتر. لم أكن واثقاً حينها كيف أشعر، هل كنت ملكاً في قصره أم أسيراً في سجنه.
أما أكشاك المدينة القديمة التي تعود إلى القرون الوسطى عندما أنشأ تجار البندقية أول قنصلية أوروبية عام 1548، فقد تحولت إلى أبنية من الحجر المتفحم. وعلى الرغم من أن المآذن ما تزال قائمة، إلا أن طوبها المثقب يحكي لنا قصة المعاناة. وأخبرني العقيد عبد المجيد: "لم نستخدم سوى الأسلحة الخفيفة، ذلك أننا في حال استخدمنا الثقيلة منها سندمر ثرواتنا الوطنية". لكن الأدلة على هذا الانضباط الذي تحدث عنه، فهي قليلة للغاية. وبالنسبة للمراقبين من الخارج فقد ألقوا اللوم على كلا الطرفين في الدمار الذي طمس معالم فنادق المسافرين الصغيرة، والأضرحة والمعاهد الدينية التي تعود إلى الفترة التي سبقت العصر الحديث.
وبالقرب من تلك المنطقة، تجد بقايا فندق الكارلتون الذي يستقر في بناء يعود للقرن التاسع عشر. وكان الثوار قد دمروه عام 2014، بحفر الأنفاق لأميال عدة بغية زراعة المتفجرات تحت الأرض، ما أسفر عن مقتل ما يقدر ب 30 إلى 50 شخصاً من القوات الحكومية. وقبل يوم من زيارتنا للمدينة القديمة، أخبرنا القسّ ابراهيم ناصر كيف دمّر الثوار كنيسته عام 2012 باستخدام النوع ذاته من الذخائر. وقد ثبت أن هذه المتفجرات المستخدمة في الأنفاق هي واحدة من بين أكثر أسلحة الثوار فاعلية في حرب غير متكافئة، والتي يواجهون فيها القصف الجوي بصورة يومية.
ولدى خروجي من سوق الزرب بالقرب من القلعة، لمحتُ رجلاً ممتلئ الجسم ببشرة فاتحة ووجنات بلون أحمر خارجاً من الخطوط الأمامية من المعركة برفقة 6 جنود سوريين. وأشارت قلادته الذهبية إلى أنه كان أجنبياً، وعندما قال أحد مستضيفينا لحاشيته "أخرجوه من هنا!" أدركت أنه كان روسياً. وبعدها التقى به أحد الروس من فريقنا، ليعلم أنه كان من قاعدة في إقليم سمارا على نهر الفولغا. وعلى الأرجح أن الجندي كان من مدينة تولياتي التي تستضيف الكتيبة الثالثة لقوات الحرس الخاصة، وهي الفرقة التي قاتلت في الشيشان وأوكرانيا والتي تعد من نخبة القوات الروسية.
لكن موسكو نفت مراراً وتكراراً مشاركة قواتها البرية في قتال الثوار، بل إنها بدلاً من ذلك بينت أنهم يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. غير أن وجود الجنود في حلب أثبت أن روسيا على أتم الاستعداد لاستنفاد جميع مواردها لدعم الأسد.
وليس هنالك من شك في أن مجوعة منتقاة من الأجانب هي التي حافظت على بقاء الأسد في السلطة، حتى في الوقت الذي يعترض فيه على وجود الجهاديين الأجانب الذين يدمرون بلاده، لكن الأسد يرفض الاعتراف بمساهمة تلك المجموعات في بقائه في السلطة.
عند لقائي بالأسد في وقت سابق، قال لي: "دعنا نفترض أن هذه الادعاءات صحيحة وأن هذا الرئيس يقتل شعبه ويرتكب الجرائم&8230; فمن الذي يؤيدني بعد خمسة أعوام ونصف؟". ومن خلال زيارتي القصيرة لمدينة حلب، كان واضحاً أن تلك الفئة لم تكن الغالبية الصامتة في سوريا، فقد شاهدت موكب جنازة لحزب الله خارج مدينة حمص. وفي حلب، سيطر المقاتلون الأكراد من وحدات الحماية الشعبية على مواقع في بني زيد، الحي الذي لا يأوي أي شخص من الأكراد.
كما عرضت الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران أعمالها البطولية على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم أن الأجواء كانت هادئة خلال زيارتي، إلا أن الطائرات الروسية كانت تضرب مناطق الثوار في حلب الشرقية لمدة أشهر. إن السبب في تقدم الأسد في هذه المعركة يعود إلى حماس داعميه لاستخدام القوة الساحقة، ذلك الحماس الذي لا يملكه خصومه ولا حتى داعموهم.
لكن الحقيقة هي أن الأسد هو الخاسر في هذه الحرب. فحسب تقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد السوريين الذين تركوا منازلهم ما يقرب 11 مليون شخص، إما عن طريق مغادرة البلاد أو النزوح الداخلي. وقد كان عدد السكان قبل الحرب يصل إلى 21 مليون نسمة، ما يعني أن حوالي النصف قد غادروا منازلهم. وفي شهر فبراير/ شباط، قدّر المركز السوري للأبحاث السياسية أن 11.5% من السكان إما قُتِلوا أو تعرضوا للإصابات خلال العام 2015.
وقد تمكنت الحكومة من النجاة من الثورة الفاشلة، وذلك لأنها استطاعت أن تؤمن ما لم يستطع الثوار تأمينه، وهو أجر ثابت ووعد بقدر قليل من الحوكمة. فقد فهم النظام بذكاء في وقت مبكر أنه كان من الضروري الحفاظ على واجهة الحياة الطبيعية. إذ كان مصير الزعيم الليبي معمر القذافي مثالاً واضحاً للغاية، فبعد خسارة القذافي للقسم الشرقي من بلاده في غضون أسابيع عام 2011، فصل المناطق التي يسيطر عليها الثوار عن مناطق النظام. وقطع خطوط الاتصال الخليوي، وتوقف عن تقديم الخدمات الحكومية في تلك المناطق. كان القذافي يتعرض للهجوم، كما تأكد من أن جميع الليبيين على علم بذلك.
لكن الأسد استمدّ قواعده من كتاب آخر، إذ استمر في دفع الرواتب الحكومية للموظفين في مناطق المعارضة، كما لم يتم إيقاف الخدمات كالكهرباء والماء سوى في المناطق التي تخضع للحصار الشديد. فضلاً عن محاولة الحكومة جاهدة لصرف تفكير السكان عن الحرب التي تستعر خارج مدنهم. ومما لا شك فيه هو أن الأسد عمل على تجويع أعدائه (فقد كان نقص الغذاء نمط الحياة في أماكن مثل حلب لأعوام عدة، وشحنات المساعدات الطارئة التي تم اعتراضها في معاقل الثوار كداريا في ريف دمشق) بطرق تذكرنا بالحرب العالمية الثانية. لكن الأسد برر الأمر لمؤيديه والحياديين على أنه خطوة ضرورية للقضاء على الجهاديين الأجانب الذين يهددون وجودهم. وبينما يسخر منتقدوه في الخارج من هذه الادعاءات، تجد أنها تلقى صداها بين السكان الذين ينظرون إلى الشرق الأوسط ولا يرون سوى الفوضى إذا ما أطيح بالحكومة باسم الحرية والديمقراطية.
وهذا يفسر لنا عدم تخلي حتى بعض أفقر الفئات، من معظم السوريين المحاصرين عن زعيمهم بل على العكس، وقوفهم ضد الثوار، الذي يدّعون النية في تحرير الشعب من هذا الطاغية. وفي مسجد حافظ الأسد، كان بعض النازحين داخلياً من مناطق الثوار في شرق حلب يتوقون لإخبارنا عن مدى خبث الثوار هناك. وقال صلاح ياسين، البالغ من العمر (72 عاماً)، والذي كان يعاني ليتمكن من إخراج الكلام من بين أسنانه المفقودة: "بشار يدفع لنا أجورنا ويؤمن لنا المرافق الشهرية. بينما استولى الإرهابيون على أموالنا ولم يقدموا لنا الطعام".
وجاء محمد نور البالغ من العمر 10 أعوام منذ أربعة أشهر من باب النيرب، حي فقير كان يمتلئ بأكوام القمامة على امتداد ميل آخر مرة زرتها عام 2012. وقال محمد موضحاً السبب في عدم خروجه للعب في الشارع: "بقيت في المنزل لأنني كنت خائفاً من قذائف والمدفعية. لقد شعرت بالسعادة عند قدومي إلى هنا لأن الجيش يحميني".
ومع وجود الاستخبارات المكثفة والوحدات العسكرية التي تتجول في أرجاء المجمع، كان من الصعب التأكد من وقت توقف الشعارات المؤيدة للنظام والتي تم التدرب عليها مسبقاً ومتى بدأت المشاعر الحقيقية بالظهور. والأمر أكثر أثارة للاشمئزاز هو أن الحكومة تدعي قدوم الثوار من الخارج وأنهم تلقوا الدعم من قطر والمملكة العربية السعودية. لكن استنكار الثوار كان جديراً بالملاحظة لأنهم كانوا من الطبقات المعدمة ذاتها. كان النازحون يعيشون في حاويات خشبية ضيقة، كما لم يكونوا شخصيات تجارية بارزة يتحدثون الانكليزية ويرتدون الالبسة الاوروبية ولم يتناولوا العشاء معنا في المنشآت الفاخرة. إن دعم النازحين للحكومة إنما يصور لنا مدى فشل الثوار والسبب في أن داعميهم الغربيين كانوا مخطئين إلى درجة يرثى لها بحث بعضهم البعض على التدخل في العالم الإسلامي.
علاوة على ذلك، لم يضطر مستضيفونا للقيام بالكثير لتوضيح هذا، فقد اكتفوا بمجرد أخذنا إلى مستشفى الرازي لنشاهد صنيع الثوار. فقد أحضرت إحدى سيارات الإسعاف جندياً يغطي اللون الأحمر الداكن زيه المموه الرقيق عند كاحله الأيسر. وأحضرت مجموعة أخرى المزيد من الجنود، الذين كانوا ضحايا لهجوم شنه الثوار في حلب الجديدة، نفذه انتحاريان مع وابل من القذائف. لكن سرعان ما امتلأت المشفى بالمدنيين أيضاً.
وكان من بين المدنيين حازم شريف، وهو طبيب يبلغ من العمر (26 عاماً)، مصاباً بشظية أحدثت في صدره ثقباً بحجم قطعة نقود. عندما نُقِل في البداية إلى غرفة الإسعاف، كان بالكاد واعياً وعيناه زائغتان. أما والدته فأخذت تصرخ : "أرجوكم لا تبكوا ولدي. صلوا على النبي". وعندما رأيته مرة أخرى وراء المستشفى، كان مغطىً بقماش أزرق في الجزء الخلفي من سيارة الإسعاف. وعندما رُفِع عنه الغطاء، كانت عيناه مغلقتان. وعلى الرصيف المجاور لمدخل المستشفى، أخذت امرأة أخرى تبكي زوجها. وكان في الداخل مشرحة مؤقتة وسبع جثث لأولئك الذين قضوا في الهجوم. وبدأت سيارة الأجرة والسيارات المدنية بالظهور دورياً لنقل الموتى. وأخذ الشهابي يردد قوله: "هذه هي المعارضة المعتدلة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام. إنهم لا يفرقون بين الجنود والمدنيين، يريدونا قتلنا جميعاً".
وفي اليوم التالي، نُقِلنا إلى المعابر الإنسانية، التي فتحت الحكومة مواقعها الأمامية للسماح للثوار والمدنيين بمغادرة حلب الشرقية المحاصرة. وفي معبر بستان القصر، قسمت قناة وأكوام من هياكل سيارات صدئة الجانبين. وأخبرنا القائد أن المعبر كان قد فُتِح لأول مرة منذ 5 أشهر. وقد احتاز 12 مدني المعبر إلى الجانب الحكومي لتلقي الرعاية الطبية قبل عودتهم. وقام بذلك أيضاً اثنان من الثوار، غير أن الشوارع كانت فارغة يوم زيارتنا.
وكان عبور طريق الكاستيلو أشبه بالاحتفال، فالباصات تصطف كسواتر ترابية، مستعدة لنقل المدنيين إلى مواقع أقل خطراً. وكانت الحكومة قد تعهدت بنقل المقاتلين إلى إدلب المجاورة حيث يكون موقعهم أقوى بكثير. وقد بث عشرات الجنود الروس من مركز المصالحة مقطع فيديو من طائراتهم المتجهة إلى موسكو في طريقها إل مؤتمرات لوزارة الدفاع الصحفية. انتظرنا ساعات عدة، لكن كما حصل في بستان القصر بالضبط، لم يجرؤ أحد على المخاطرة والخروج من حلب. ربما كانوا يشعرون بالراحة في تفادي الغارات الجوية من الطائرات الحربية في الوقت الذي ينتظرون فيه خارج منطقة الحصار دون طعام، ولكن المرجح أكثر هو أنهم كانوا خائفين للغاية من عواقب عبور الأراضي التابعة للنظام. وجل ما رأيناه من القسم الشرقي كان قذيفة هاون سقطت على بعد 200 ميل من مكان وجودنا.
كما إن الحكومة، التي تدعمها المقاتلات الروسية والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، واثقة من قدرتها على استعادة السيطرة على شرقي حلب. وحسب النشطاء المحليين وقادة جماعات المعارضة ، كان انتقال النظام إلى المناطق المحاصرة المتبقية التي تأوي ما بين 5 آلاف إلى 15 ألف من الثوار بطيئاً. وسنرى مع الأيام ما إذا كانت الحكومة ستنشر قواتها اللازمة للقيام بذلك. لكن الأمر الأكيد هو أن معاناة المدنيين في حلب ستمتد طويلاً بعد سقوط القذائف. كما سيؤدي العداء الطائفي وانعدام الثقة إلى تعقيد عملية إعادة البناء التي كلفت في الأصل ما يقدر بـ 260 مليار دولار أمريكي. وفي حال انتصار الأسد، سينسب معظم المراقبين الغربيين ذاك الانتصار إلى استخدامه القوة المجردة. إلا أن اعتماده على الولاءات البدائية والخوف من الفوضى التي ستسود بعد الثورة والسعي لتحقيق المصلحة الشخصية لدى طبقة تجار حلب، كل تلك الأمور ستكون المفاتيح الأساسية لنجاحه. وفي النهاية، قد يبدو الأمر نصراً كان من الأفضل تجنبه.
Politico Magazine- ترجمة ريما قداد- السوري الجديد
↧