ولّدت زيارة ضابط روسي لضريح ومضافة واحد من أهم الشخصيات سورية في تاريخها الحديث، سلطان باشا الأطرش، حالة استياء في محافظة السويداء، واعتبرها كتّاب محاولة لتشويه إرث نضالي وطني، وتشتيت مرتكزات الانتماء لدى السوريين.
وقام وفد روسي يرأسه العقيد يوري زامانوف، من قاعدة حميميم الروسية في ريف اللاذقية، يرافقه مسؤولون محليون، بزيارة ضريح ومضافة سلطان باشا الأطرش في بلدة القريّا بمحافظة السويداء جنوب سورية يوم الثلاثاء الماضي. وقام بتوزيع سلال غذائية على الأهالي ونازحين إلى البلدة في محاولة لإضفاء جانب إنساني على الزيارة.
وسلطان الأطرش (1891 – 1982) هو في طليعة الشخصيات التي كان لها دور وطني بارز في تاريخ سورية المعاصر. وكان السبّاق في رفع علم الثورة العربية فوق السراي الحكومي في العاصمة السورية دمشق في سبتمبر/أيلول من عام 1918، بعدما خاض معارك مع الجيش التركي جنوب دمشق، منهياً بذلك وجوداً عثمانياً في بلاد الشام امتد أربعة قرون.
واختاره وطنيون سوريون أبرزهم، عبد الرحمن الشهبندر، قائداً للثورة السورية الكبرى لمقاومة الانتداب الفرنسي في منتصف عقد العشرينيات من القرن الماضي. واستمرت الثورة عامين متتالين خاض خلالها الثوار السوريون بقيادة الأطرش معارك دخلت الذاكرة الوطنية السورية، قبل أن ينسحب مع عدد من رجاله إلى الأردن، حيث بقي هناك حتى عام 1937. واستقبل استقبال الأبطال إثر عودته إلى دمشق.
وأكد عدد من الكتاب المنتمين إلى محافظة السويداء أو "جبل العرب"، كما يطلق عليها السوريون، رفضهم لزيارة ضابط روسي إلى ضريح ومضافة سلطان الأطرش. وأشاروا إلى أنها تأتي في سياق محاولات تشويه تاريخ من النضال لواحدة من المحافظات السورية، وأن الزيارة لا تعدو كونها استعراضاً لقوة احتلال.
وأوضح الكاتب، حافظ قرقوط، أن سلطان الأطرش "رمز تاريخي سوري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "الروس يحاولون اتباع سياسة مارسها النظام خلال عقود، وهي دفع رموز وطنية نحو انتماءات طائفية لفصل السوريين عن بعضهم وتشتيت مرتكزات انتمائهم". وتابع أن "سلطان الأطرش كان قائد ثورة تحرر، ولو امتد العمر به إلى هذه الأيام لقاوم الاحتلال الروسي لسورية، كما فعل أيام الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي"، لافتاً إلى أن شعاره كان كالتالي "نحن طلاب حرية، ولسنا أدوات استعمار".
ورأى قرقوط أن زيارة ضابط روسي إلى مضافة قائد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي تندرج في سياق محاولات تشويه الإرث النضالي للأطرش ولأهل محافظة السويداء من قبل روسيا وإيران ونظام الأسد. وأضاف أن "هذه المضافة التي لم تغلق يوماً بوجه ضيف، أو زائر، وكانت ملتقى لأحرار سورية وأحرار زاروها من العديد من دول العالم، هي أكبر من هذه الزيارات لمجرمي حرب يريدون تشويه تاريخ سورية بتصرفات هي أقرب إلى اللصوصية".
ورأى الكاتب، فؤاد عزام، أن زيارة الضابط الروسي ليست "ودية، أو ندية"، مضيفاً أنها "استعراض عسكري لضابط يمثل قوة محتلة، تذكّر بمحاولات ضباط فرنسيين زيارة جبل العرب أيام الانتداب، وقد رفض سلطان الأطرش استقبالهم". وأشار إلى أن الضابط الروسي "يدرك أن سلطان الأطرش لو كان موجوداً لما تجرأ على زيارة مضافته تحت حماية الشبيحة والقتلة".
وفشلت محاولات حثيثة من قبل نظام الأسد لزرع بذور شقاق بين السويداء وجارتها درعا التي كانت المهد الأول للثورة السورية. وأجهض أهالي المحافظتين هذه المحاولات على مدى السنوات الخمس الماضية. وانحاز عدد كبير من مثقفي السويداء وشبابها إلى الثورة منذ أيامها الأولى، أبرزهم منتهى، ابنة سلطان الأطرش، والتي كان لها دور مهم في الأشهر الأولى من الثورة في دفع السوريين للاستمرار بثورتهم ضد النظام، والتأكيد على وحدة السوريين، وحقهم في الحرية والكرامة والمساواة.
ويقيم معظم دروز سورية في محافظة السويداء، وفي قرى الجولان المحتل، وبعض القرى التابعة لمحافظة القنيطرة، وفي حي جرمانا الدمشقي، وفي عدة قرى من ريف إدلب شمال سورية. وانحاز عدد من مثقفي وشباب الطائفة إلى الثورة، وقتل عدد منهم تحت التعذيب في معتقلات النظام. كما انشق عدد من الضباط الدروز عن جيش النظام، كان أولهم وأبرزهم الملازم أول، خلدون زين الدين، الذي اعتُبر إعلان انشقاقه في سبتمبر/أيلول من عام 2011، تحولاً مهماً في مسيرة الثورة، وتأكيداً على كونها جامعة لكل السوريين. وشكّل زين الدين كتيبة باسم "سلطان الأطرش" خاض مقاتلوها معارك ضد قوات النظام في ريفي درعا والسويداء قبل أن يُقتل أوائل عام 2013 في إحدى المعارك.
المصدر: العربي الجديد - محمد أمين
↧