لو نفضت تلك الساحة العتيقة كل الغبار الذي يحيط بها، لربما سيكتشف أبناء دمشق أحد أعرق الأماكن في مدينتهم. المكان الذي غرق في ضجيج مؤسسات الحكومة والفنادق والفوضى، جعله غير مفضل عند الكثيرين.
ويعرف السوريين ساحة المرجة من كتب التاريخ، وهي إحدى أولى المعالم التي يزورها الغريب عن دمشق عند قدومه إلى العاصمة، وتعرف الساحة بالنصب التذكاري الذي يعود للعهد العثماني، فضلاً عن شهرتها بأنها ساحة الشهداء التي تم اعدام بعض أعلام دمشق وبيروت في أيام الحرب العالمية الأولى.
في نظرة عن قرب وتأمل في المكان بعيداً عن أزمة الباعة وضجيج المولدات وزحمة السير، ستجد عراقة أحد أبرز معالم دمشق، فالساحة التي تجمع بين البناء العثماني التقليدي، وأخرى على الطراز الأوربي القديم، كانت ولا تزال بمثابة الوسط التجاري في دمشق واستمرت في التطور إلى إعلان الاستقلال، قبل أن تغزوها مؤسسات الدولة في الخمسينيات وتستقر فيها حتى اليوم بعض الدوائر الرسمية مثل إدارة الهجرة والجوازات وصولاً لوزارة الداخلية، فضلاً عن غزو تجاري وسياحي عبر محال تجارية وفنادق عشوائية.
الساحة التاريخية نالت نصيبها من الحرب السورية مرات متتالية، بدأت باعتصام الناشطين أمام مبنى الداخلية في بداية الثورة السورية، تلاها انفجارات متتالية كان أبرزها سيارة مفخخة فجرت أمام مبنى الوزارة، حتى غدت المنطقة إحدى المناطق الأمنية المعروفة بالانتشار المكثف لعناصر المخابرات والميليشيات الموالية بحكم وجود سلسلة أبنية حكومية ولقربها من المستشارية الإيرانية وفنادق منطقة البحصة التي يقيم فيها المئات من عناصر الميليشيات العراقية والإيرانية.
المنطقة اليوم أصبحت مأوى للمهجرين، ابتداءً من الحدائق ووصولاً للفنادق، يقصدها أبناء المنطقة الشرقية عموماً، وأبناء دير الزور على وجه الخصوص، بعضهم من قام باستثمار محلات تجارية وتم افتتاحها كمطاعم خاصة، وبعضهم من قام بافتتاح بسطة لكسب رزقه في المنطقة فيما يجتمع كبار السن وحتى الشباب من أبناء دير الزور في مقهى الباشا، الذي يعرف منذ زمن باسم “قهوة الديرية”. المنطقة التي تعج بملايين المارة يومياً بسبب موقعها الاستراتيجي باتت محطة انطلاق للحافلات التي تقل المسافرين إلى المحافظات السورية.
يسخر أحد العاملين في منطقة المرجة من وضعها الحالي، معتبراً أنها منطقة تحتاج لنفضة غبار، بحسب قوله، ليخرج الذهب المخبئ بين حجارها، في إشارة إلى عراقة المكان التاريخية، مصراً على أن تكون المنطقة مكاناً لتجمع النازحين والمهجرين أفضل بألف مرة من صيت منطقة الدعارة الذي ذاع طيلة سنوات ما قبل الحرب.
المصدر: صوت العاصمة
↧