خلافاً للتصور، ليس لدى غالبية المسيحيين في سوريا موقفاً سياسياً واضحاً في الصراع الحالي.
وغالباً ما يتم تصوير المسيحيين على أنهم داعمين للنظام في سوريا، هناك سببان رئيسيان لذلك: لم تشهد معظم المناطق المسيحية مظاهرات ضد النظام، وأيضاً أعلن العديد من قادة الكنائس تأييدهم لرئيس النظام بشار الأسد. وقد شجع النظام وبعض الجماعات الإسلامية هذا التصور؛ لأنه يخدم أهدافهم في تأطير الصراع في سوريا كصراع طائفي.
ومع ذلك، تُظهر نظرة فاحصة على المشهد المسيحي صورةً مختلفةً:
لقد قضيت العام الماضي في إجراء مقابلات مع المسيحيين السوريين- سواء المتدينين أو العلمانيين- من مختلف المدن السورية: دمشق، حلب، حمص والقامشلي. ولا يزال بعضهم مقيم في سوريا، في حين غادر آخرون البلد.
بالتأكيد هناك مسيحيون يؤيدون النظام، بما في ذلك كبار الشخصيات الدينية والمسؤولين في الدولة ورجال الأعمال المستفيدين من النظام. هناك أيضاً مسيحيون دعموا الثورة من أول يوم فيها.
الجهات الفاعلة السياسية
قبل خمس سنوات في دمشق، بدأت مجموعة من المسيحيين اجتماع لمناقشة كيف يمكن للمسيحيين أن يدعموا الثورة. حيث رفضوا موقف قيادة الكنيسة الداعم لنظام الأسد، وصاغوا رسالة تأكيد على قيم الحرية والكرامة لجميع السوريين، وسلموها للقادة.
عمل نشطاء مسيحيون على رفع مستوى الوعي بين زملائهم المسيحيين فيما يخص الثورة وأهدافها. وكان من بين هذه مجموعة باسل شحادة؛ وهو مخرج سينمائي شاب، ذهب إلى حمص لتوثيق الثورة عبر الفيديو. ولكنه قُتِلَ في أيار/مايو 2012، عندما قصف النظام المدينة. في مدن مثل حمص وحلب والقامشلي، كان للنشطاء المسيحيين مشاركة في المظاهرات والاعتصامات. وتم القبض على كثيرين، وتم القبض على بعضهم عدة مرات.
ومع عسكرة الثورة، انتقل كثير من هؤلاء المسيحيين إلى العمل الإنساني. وساعدت أسماء عائلاتهم المسيحية في تسهيل مرورهم عبر نقاط تفتيش النظام لإيصال المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت الحصار.
وتضم المعارضة السورية اليوم- بما في ذلك الجيش السوري الحر- العديد من الشخصيات المسيحية، من بينهم جورج صبرا وهو مفاوض في لجنة المفاوضات العليا، وعبد الأحد صطيفو نائب رئيس الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوات المعارضة.
الجهات الفاعلة غير سياسية
إلا أن هاتين المجموعتين – التي تدعم النظام أو الثورة - هم أقلية بين المسيحيين. وليست الأغلبية مع النظام ولا مع المعارضة. هم ينظرون بتشكك تجاه الثورة، خاصة بعد أسلمتها - إلا أنهم لا يدعمون النظام.
حيث أخبرني أحد القادة الدينيين الكبار كيف المسيحيون في منطقته على استعداد لحمل السلاح للدفاع عن أحيائهم ضد أي هجوم من الجماعات الإسلامية المسلحة - ولكن لا يترجم هذا دعمهم للنظام. هم يرفضون الخدمة في الجيش. وإنهم غير مستعدين للقتال من أجل هذا النظام. ويعتقد كثيرون أن النظام غير مهتم بسلامتهم.
في نيسان 2013، قبل أسبوع واحد من اختطافه، القى المطران يوحنا إبراهيم، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية السريانية في حلب، اللوم على النظام لفشله في التعامل مع الأزمة الحالية.
يعبّر بعض المسيحيين الذين اعتادوا على دعم النظام الآن عن سخطهم من سوء الخدمات العامة التي تقدمها حكومته، ويتهمون النظام بتجاهل المناطق المسيحية. وقبل بضعة أشهر، حذر أسقف سوري آخر النظام من ألا يختبر صبر المسيحيين في منطقته بسبب تردي الخدمات العامة.
على عكس أولئك الذين يدعمون النظام أو الثورة، ليس لدى هذه المجموعة أي موقف سياسي واضح من الصراع الحالي. ويهتمون ببساطة بسلامتهم وبتوفير الخدمات.
موقفهم تجاه النظام أو المعارضة متعلق بالظروف
وغالباً ما تتأثر مواقفهم تجاه كل من النظام والمعارضة بعاملين: أولاً، درجة الفصل بين المسلمين والمسيحيين. في المناطق التي يوجد فيها فصل واضح بين الطائفتين، كما هو الحال في أحياء معينة من حمص وحلب، المسيحيون هم أقرب إلى النظام. في هذه المناطق، من الأسهل للنظام نشر دعايته ووصف الثوار بأنهم إرهابيون سنة خرجوا لذبح الأقليات. في الأحياء المختلطة، من الصعب على المسيحيين بأن يصدقوا أن جيرانهم إرهابيون، وهم أكثر عرضة لفهم أسباب أولئك الذين اختاروا الثورة.
ثانياً، يشكل تهديد الميليشيات الإسلامية أيضاً وجهات نظر المسيحيين. حيث فشلت الفصائل الإسلامية السورية في معالجة مخاوف المسيحيين. على العكس من ذلك، فقد استخدمت في كثير من الحالات العنف ضد الأقليات الدينية. حيث تقدم الجماعات الإسلامية تهديداً حقيقياً، ومن المرجح أن يميل المسيحيون باتجاه النظام. وكلما خف التهديد الذي تمثله تلك الجماعات، من المرجح أن يتخذ المزيد من المسيحيين موقفاً محايداً أو خطيراً من النظام.
كما هو الحال في الكثير من الأمور الأخرى في سوريا، هذه منطقة رمادية. ينقسم المسيحيون في سوريا سياسياً، تماما مثل المجتمعات الدينية الأخرى في البلاد، ولا يمكن أن التعامل معهم كمجموعة متجانسة. وعلاوة على ذلك، لا يمكن تحديد موقفهم السياسي على أنه لصالح أو ضد النظام - يتشكل موقفهم السياسي من خلال مصالحهم في مجال السلامة والخدمات العامة ويتأثر عبر محيطهم، وخاصة درجة العزل الديني ووجود (أو عدم) وجود تهديد إسلاميين.
الرابط:
https://www.chathamhouse.org/expert/comment/most-syrian-christians-aren-t-backing-assad-or-rebels
جورج فهمي: شاتام هاوس ( المركز الملكي البريطاني للدراسات ) : ترجمة محمود العبي-
↧