لم ينشر إعلام حزب الله ولا الإعلام المقرب منه كلام المسؤول الايراني الدكتور علي أكبر ولايتي الذي نفى فيه احتمال خروج الحزب من سوريا نتيجة إتفاق وقف اطلاق النار الروسي التركي الاخير وأعتبره مطلباًً يصدرعن أعداء، مع ان الرجل مستشارٌ مهمٌ للقائد آية الله علي خامنئي في السياسة الخارجية، الى جانب كونه طبيب أطفال لم يقفل عيادته يوماً، حتى عندما تولى وزارة الخارجية لمدة ست عشرة سنة (من 1981 الى 1997).
ولعل سبب التكتم هو ان ولايتي الذي كان يساجل وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو الذي طالب بإنسحاب الحزب وجميع المليشيات الاجنبية من سوريا، لترسيخ اتفاق وقف اطلاق النار، لامس موضوعاً محظوراً في لبنان، او دخل في نقاش سابق لأوانه، لم يفتح بعد حول الشروط الممكنة لعودة قوات الحزب من الاراضي السورية، والتي لا تقل، حسب كبار مسؤوليه، عن النصر الحاسم الذي يبقي الرئيس بشار الاسد في منصبه قدر ما يشاء.
لم يتسرع ولايتي في كلامه الذي يعبر أكثر من أي مسؤول إيراني آخر عما يدور في خلد خامنئي، ويعكس في العادة قدراً كبيراً من التطرف والمغالاة، مثل إعلانه قبل أيام ان مفاوضات الاستانة ستجرى فقط مع المعارضين السوريين الذين يبدون إستعداداً لالقاء السلاح والاعتراف بالسيادة السورية وبشرعية رئاسة بشار..من دون ان يلاحظ ان التفاوض الذي اتفقت عليه موسكو وأنقرة في العاصمة الكازاخية سيكون حصراً مع المعارضة السورية الاسلامية المسلحة، التي خرج مقاتلوها من حلب الشرقية بأسلحتهم وذخيرتهم وأعلامهم، ومعهم خرج 300 مقاتل من جبهة النصرة..بموافقة روسية معلنة.
كلام ولايتي عن حزب الله هو بلا أدنى شك، تعبير عن استياء طهران الضمني من اتفاق وقف النار الروسي التركي، الذي لم تشارك به ولم تتوقعه ولم ترغب به، لأنها تخشى ان يكون فرصة ينتهزها "الارهابيون" حسب تعبير الرئيس الايراني حسن روحاني، لكي يستعيدوا قواهم ويعيدوا تنظيم أنفسهم بعد هزيمة حلب. لكن الموقف الايراني لا يرقى الى مستوى عرقلة مسار الاستانة، الذي يتقدم ببطء بقوة الضغط الروسية الحاسمة، بل قد يكون مجرد محاولة لتعديل شروط التفاوض، ولوائح المفاوضين، في ضوء شعور طهران المفرط بأنها هي ومليشياتها التي حققت النصر في حلب، وبأن الروس والاتراك يسعون الى إنتزاع مكاسبه.
السؤال اللبناني عن موعد خروج حزب الله من سوريا كان وسيبقى مطروحاً. قد يكون من المبكر التكهن باحتمال ان يتم ذلك الانسحاب نتيجة مسار الاستانة، الذي لم تتضح معالمه الكاملة، ولا يزال يواجه احتمال التعثر، لا سيما في ضوء إصرار النظام والحزب على السيطرة على وادي بردى. لكن المؤكد أن الحزب لن يستطيع في نهاية المطاف السوري أن يكون عقبة جدية أمام الحل السلمي، الذي تصنعه شراكة روسية وتركية مؤثرة. غير أن مجرد وضعه الان في واجهة منتهكي اتفاق وقف النار، يمثل تحدياً إضافياً للحزب وجمهوره وطائفته، وللبنان كله، الذي لا يقوى على التورط حتى في أن يبدي تحفظاً على مسار الاستانة.
حتى الان كان الثابت، الذي ينكره كثيرون في بيروت وطهران أيضاً ، ان قرار التدخل العسكري في سوريا إتخذه حزب الله وباركه خامنئي. كلام ولايتي يوحي بتعديل جذري مفاده ان قرار الخروج من سوريا تتخذه إيران وينفذه الحزب، برغم أنه يعتمد حسب تعبيره على الصداقة الشخصية العميقة التي تربط بين السيد حسن نصر الله وبين بشار الاسد.. في إشارة الى الخط الاحمر الشهير الذي رسمه الحزب منذ اليوم الاول حول رأس النظام السوري، وما زال ملتزماً به أكثر من أي طرف آخر.
إنسحاب الحزب من سوريا ممنوع الآن، والحقيقة أنه غير مطروح جدياً، لان موسكو لم تطلب ذلك حتى اليوم، وربما لن تطلبه قبل ان يتقدم مسار الاستانة نحو الحل السلمي المعطل للغة السلاح، لاسيما السلاح غير السوري.عندها يرجح ان تكون قوافل الحزب هي آخر المغادرين لسوريا، بعدما كانت أول المتجهين اليها.
يقال ان الخروج من حرب أصعب بكثير من من الدخول فيها. تجربة الحزب في سوريا، لن تخرج عن هذا السياق.