نُشِر هذا النص في مركز الدراسات السورية التابع لجامعة سانت اندروز في اسكتلندا والذي يُشرف على إدارته البروفيسور ريموند هينبوش، وقد تُرجم النص بعد أخذ موافقة المركز.
وُلدتُ في باب توما. في وقتٍ كان فيه والدي معلماً في مكتب عنبر. أراد والدي العيش في حي عصري (أقل محافظة). لقد نقَلَنا إلى الشعلان في ثلاثينات القرن العشرين كان في حي الشعلان العديد من العائلات الفرنسية، والإيطالية، واليونانية . كان كل شيء متوفراً في الشعلان. كان هناك بقّالين ولحّامين. كل المباني التي تراها هنا جديدة. ومعظم البيوت كانت على الطراز العربي التقليدي، ماعدا البيوت التي على الطراز الفرنسي مثل هذا المبنى عند الزاوية، والبيوت التي نراها على جهة اليمين عند ذهابنا إلى عرنوس حديقة السبكي الحالية لم تكن هناك. كانت توجد مزرعة حيث تُربّى الأبقار وحيث اعتدنا على الذهاب مع جدتي لشراء الحليب (أبو وديع، مقابلة في أيلول سبتمبر من عام 2008).
إن التطور السريع لمنطقة البساتين والمزارع في ضواحي دمشق عند نهاية الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الانتداب الفرنسي لهو انعكاس مثاليّ عن التحوّل الديناميكي لدمشق المعاصرة في القرن العشرين. في العقود الأخيرة، عُرفت هذه المنطقة ذات مرة رسمياً باسم "الشهداء"، وأصبح اسمها حي الشعلان بسبب صلتها الوثيقة بأمير قبيلة عنزة البدوية، نوري الشعلان من عشيرة الرْوَلة. يقع هذا الحي على بعدٍ متساوٍ تقريباً بين دمشق القديمة والصالحيّة على طول سفوح جبل قاسيون (كانت الصالحية قرية قديمة والآن هي حي حضري). واليوم، يحتفظ حي الشعلان ببعض ملامح مميّزة برزت في تطوره المبكّر: إنّه على حد سواء منطقة سكنية وتجارية؛ وهو موطن لمجموعة واسعة من الجنسيات بما فيها الفرنسيّة، والإيطاليّة، واليونانيّة، والروسيّة والأرمنيّة: وهو مختلط دينياً بمسيحيين ومسلمين. وقد حافظ على هيمنته التجارية والسكنية الكوزموبوليتانية في مدينة دمشق الحديثة على الرغم من أن المدينة قد تمدّدت إلى أقصى الغرب بأحياء سكنيّة جديدة وأكثر حداثة جذبت العديد من أغنيائها. كيف حصل هذا وكيف نجح الحي في الحفاظ على حيوية ونكهة عالمية في القرن الواحد والعشرين؟ ستحاول هذه الورقة أن تستكشف الظروف الخاصّة التي أسهمت في تطوير حي الشعلان إلى ما هو عليه اليوم. بالتركيز على سلسلة من المقابلات مع سكّان سابقين وحاليين في الحي وكذلك مع التجّار وأصحاب المحلّات، شرعت بتوضيح الملامح التي وجدها سكّانه جذّابة بشدّة في الماضي ومازالوا إلى اليوم. وتعكس المقابلات الحياة في الحي منذ أوائل ثلاثينات القرن العشرين وحتّى يومنا هذا.
كما أن هذا المقال هو مقال تفسيري مستند على هذه المقابلات. قد تكون بعض التفاصيل التاريخيّة مُتذكّرة جزئياً أو بشكل خاطئ من قِبل الذين تمّ الحوار معهم. وعندما أُدرِكُ أيّ عدم دِقّة في التذكّر، فإنّني أُدلي بتعليق بديل في الهوامش. يملك الحي بالتأكيد جاذبية خاصّة وجواً متماسكاً. وكما قال أحد الذين قابلتهم: "عندما انتقلنا من المنطقة، بقينا نعود إليها في كل وقت" (أُسامة، أيلول سبتمبر من عام 2008). الآخرون الذين قابلتهم هم قاطنو الحي في ثلاثينيات القرن العشرين، وبصفة رئيسيّة القادة الفلسطينيون المنفيون ومناصروهم بالإضافة إلى الأرمن والشركس الذين كانوا يبحثون عن أماكن سكن أرخص من تلك التي كانت مُمكنة وأقرب إلى المدينة القديمة أو في ضواحي مماثلة مثل الحلبوني، والعفيف أو عرنوس. كما قابلنا أيضاً التجّار والبائعين الذين جاؤوا إلى الحي في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين بما في ذلك الأرمن، الذين انتقلوا خارج الحي المسيحي (بغالبيته)؛ باب توما وباب شرقي ليطوّروا أعمالهم في بيع المواد الغذائيّة، وإنتاج الأحذية والنوفوتيهات.
خلفية:
جاء بزوغ الشعلان بوصفه منطقة متميزة، في أعقاب فترة أساسية من التطور الحضري التي بدأتها الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع العشر وأوائل القرن العشرين؛ وشملت إنشاء خط ترام بين عامي 1907 و1913 يربط بين مكاتب الحكومة العثمانية الحديثة في المرج والصالحية التي عمرها قرون على طول جبل قاسيون. وقبل إنشاء خط الترام هذا كان هناك فقط طريق حمير وأحصنة يربط مدينة دمشق مع قرية الصالحيّة النائية المهمّة. وعلى مدى السنوات القليلة التالية بُنِي عددٌ من الأبنية المهمّة: المساكن العثمانية، والمباني الحكوميّة والمدارس بجانب خط الترام. لقد اتّبعوا "تطوراً شريطياً" بموازاة خط الترام في عدة مناطق –عرنوس، الشهداء، عفيف والجسر-. ثم في عام 1919/1920 بينما انسحب الملك فيصل، ملك مملكة سوريا قصيرة الأمد ومناصريه من دمشق وانتقلوا إلى بغداد لينشؤوا مملكة العراق، تم شراء واحدة من المساكن الكبيرة القليلة التي بُنِيت مؤخراً في حدائق وبساتين غرب خط الترام من قِبل حاكم عشيرة الرْوَلة، الأمير نوري الشعلان. حارب الأمير نوري مع الملك فيصل ليشهد إنشاء المملكة السوريّة. لكن ولاءه كان لسوريا ولم يكن مهتماً بالانتقال إلى بغداد. بدلاً عن ذلك، اشترى هذه الفيلّا وبعض الأراضي الزراعيّة المُحاذية من ياسين الهاشمي الذي كان سيرافق الملك فيصل إلى بلاد الرافدين الخاضعة للانتداب البريطاني (العراق) ويصبح فيها رئيس الوزراء مرّتان، مرّةً في عشرينيات القرن العشرين ومرّة أخرى في ثلاثينيات القرن العشرين. وقد حدّد هذا الشراء، بشكلٍ من الأشكال، إنشاء وبزوغ الحي بوصفه مركزاً عالمياً، مختلطاً إثنياً، وحديثاً. وسّع الأمير مسكنه من خلال بناء ثلاث فِلل أُخرى، وجامع وحدائق حيث نقل عائلته. أما عائلة السبكي، ملكت مساحات كبيرة من بساتين المشمشٍ، وزرعت القمح في المنطقة، وبدأت بناء عدد من المنازل الهجينة ذات الطابقين والتي تمزج الأنماط الأوروبية "الحديثة" مع العربية التقليدية. كان قوس الشهداء (أو قوس السبكي) المجاور لخط الترام هو المدخل لهذه الحدائق والمزارع المسقيّة عن طريق رافد نهر بردى "يزيد". وقد بنت عائلة السبكي كتلة من أربعة منازل كهذه قريباً من أبنية شعلان. ثم أُجِّرت هذه الأبنية لاحقاً لعدد من المثقفين والناشطين والوطنيين السوريين المهمين.
بنت السلطات الفرنسيّة المبنى الجديد للبرلمان في عام 1932 متاخماً لخط ترام الصالحيّة وأنشأت ثكنات جيشها ومشافيها العسكرية خلفه تماماً، أعقبت ذلك بشراء أو انتداب مساكن لضبّاط جيشها وموظفيها الإداريّين. كما بنت أيضاً مدرسة فرنسيّة حديثة كبيرة للفتيات في نهاية الطرف الجنوبي للحي. ويبدو أن هذين الحدثين المتزامنين تقريباً، بالإضافة إلى خريطة "التخطيط الحضري" التي وُضِعت لتقسيم الحي إلى قطّاعات وشوارع، شرعوا برنامج بناء كبير تمثل في انقلاب وتحوّل الكثير من بساتين الفاكهة والأراضي الزراعية المتاخمة إلى مبانٍ سكنيّة "حديثة" خلال ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين.
ومع انسحاب الفرنسيين من سوريا في أربعينيات القرن العشرين، سُكِنت المباني السكنيّة التي في الحيِّ ومحيطه بشكل متزايدٍ من قبل العائدين (العائدون السوريون من فترات الدراسة في الخارج وغالباً مع أزواج أجانب)، والرعايا الأجانب (العديد من رجال الأعمال الفرنسيين)، فضلاً عن المهنيين الناجحين من الطبقة الوسطى والعليا، والراحلين عن المدينة القديمة ممن يبحثون عن الإسكان الحديث. ومن بين اللاعبين الرئيسيين في تطور هذا الحي كان هناك أعضاء من عائلتي السبكي والشنواني الممتدتين. إذ قدّمت كلا العائلتين إسهاماتٍ قيمةٍ لتطوير الشعلان وساعدت بتحويله إلى مركز سياسي واقتصادي مهم في دمشق. في غضون ذلك، أعطى الأمير نوري اسمه للمنطقة من خلال الصدفة إلى حدّ بعيد. فعند شرائه للمسكن العثماني، أنشئ مجمّع مبانيه بوصفه "بيت الشعلان"، مركز ضيافةٍ بدويّ مع مَضافة لأفراد القبائل الزوّار وكذلك التجّار والقاطنين الذكور في الحي. وأمضى العقود الأخيرة من حياته في بيت الشعلان تاركاً في الحيّ انطباعاً لا يمكن نسيانه بسهولة. تذكّرت إحدى الراويات حين كانت فتاة في العاشرة:
واحدٌ من أكثر المشاهد الآسرة التي فتنتني كان مرأى الإبل المُحمّلة وهي تقترب، مع أجراسِها الرنّانة، الشكل البيضاوي الكبير لمدخل بيت شعلان حيث كان بعض الناس مشغولين بتفريغ الإبل بينما يهرع آخرون لتقديم الاحترام والاهتمام بالرجل المسّن (الأمير نوري) والذي كان يبدو أنه يستمتع بوضع معين كان هناك دائماً مجموعة من عشرة إلى اثني عشرة شخص عند الباب والذي اعتاد أن يبقى مفتوحاً. وكان هناك دائماً بعض التبن خارج المنزل حيث اعتادت الإبل أن تنتظر بينما تُفرّغ. (وطفة، مقابلة في أيلول سبتمبر 2008).
بنت كل من عائلتي الأمير نوري الشعلان والنشواني مساجد في الحي في عشرينيات القرن العشرين ومازالت مزارات دينيّة مهمّة إلى اليوم. علاوة على ذلك، أبقت عائلة الشعلان مضافتها مفتوحة للتجار والبائعين المحليين. في الماضي، كان من الممكن أن تدعو العائلة كل قاطني الحي إلى غداء في المضافة خلال العطل الدينيّة الإسلاميّة المهمّة. وعلى الرغم من أن هذه الممارسة لم تعد موجودة، إلاّ أنّ المضافة تبقى مفتوحة في أغلب الأمسيات ويستمر حفيد الأمير نوري بعقد ضيافة مسائيّة بانتظام في فناء هذا البيت التقليدي. من ناحية أخرى، عائلة الشنواني، وهي عائلة ثريّة من مالكي الأراضي، كانت من الأوائل في الاستفادة من إعادة تقسيم الانتداب الفرنسي للأراضي لتحويل بعض بساتينهم وأراضيهم الزراعيّة إلى مجمّعات سكنيّة. لقد تركوا بمثابة إرثٍ لهذا الحي، فقط الجامع الذي بُنِي (كما يقول البعض)، من حجارة أُنقِذت من حيّ قديم خارج أسوار المدينة القديمة التي قصفها الفرنسيون وأحرقوها خلال جهدهم لإنهاء الثورة العربيّة في عشرينيات القرن العشرين (2). عائلة السبكي، التي شيّدت أيضاً عدداً من المجمّعات السكنيّة والمباني السكنيّة المفردة، لم تبن مسجداً في الحي، ولكن العدد الكلي من مبانيها التي نشأت في المنطقة إلى شمال الشعلان تماماً، أصبحت تُعرف محلّياً بحي السبكي
بحلول ستينيات القرن العشرين أصبح من الواضح أن المنطقة المتميّزة من المدينة والمعروفة محليّاً بالشعلان كانت تبزُغ مع حي سكني مؤسّس خلف عدد من الوزارات الحكوميّة ومبنى البرلمان، مع أماكن العبادة الخاصة به –مسجدان ضمن الحي وكنيستان في كل طرفٍ من المنطقة. مع ذلك، تُشير الخرائط الحكوميّة حتّى ستينيات القرن العشرين، أن الحي لم يحمل رسمياًّ أي اسم عدا عن أنه استمراريّة للحي المجاور المعروف باسم "الشهداء". بشكل مماثل فإن حي السبكي المجاور، كان معروف رسميّاً باسم "حديقة زنوبيا". وهكذا فلا مساهمة المنطقة المعروفة محليّاً بالشعلان ولا تأثير السبكي على الحي كان معترفاً به في الخرائط الحكوميّة. فقط في سبعينيات القرن العشرين ومابعد كان الحي معروفاً على نطاق واسع بوصفه الشعلان وجناحه الشمالي بوصفه حديقة السبكي.
إنّ ما يبرز من التواريخ الشفهيّة وذكريات السكان منذ مدة طويلة في الحي هو صورة لمركز تجاري وسكني نابض بالحياة بشكل غير معتاد يعيد ابتكار نفسه باستمرار باعتبار أنّ موجات المستوطنين الجدد، والمنفيين، واللاجئين، و"العائدين" التي تستقرّ في الحي تحافظ على المسحة الكوزموبوليتانية لأصوله. في السنوات الأخيرة، خضع حي الشعلان لتحول كبير، وسرعان ما أصبح واحداً من مراكز الترفيه والتسوّق الرئيسيّة لشباب المدينة وكذلك للنخبة اليافعة. في سبعينيات القرن العشرين تضرّر تكامل الحي عندما اقتُطِع شارع رئيسي –شارع الحمراء- من قطّاعها الشرقي. استعاد الحي ريادته من خلال إعادة ابتكار نفسه وبنهاية القرن العشرين جمع زبائن جدد: شباب المدينة الحديثون، المنجذبون إلى محلات الوكالات الأوروبيّة الجديدة العديدة فيها، ومقاهيها، و"سناكات" الوجبات السريعة ومطاعمها.
الشعلان في عشرينيات القرن العشرين:
بين عامي 1918 و1920، كانت دمشق المقر الرئيسي للجنرال البريطاني "ألنبي" الذي دخل المدينة مع الملك فيصل وقوات الثورة العربيّة ضد العثمانيين. للسنتين التاليتين حاول الملك فيصل التفاوض للاعتراف بالمملكة العربيّة السوريّة من قبل الغرب. على أية حال، نزل الفرنسيون في بيروت في عام 1919 وكانوا مصمّمين على تنفيذ اتّفاقيات سايكس-بيكو التي منحتهم مجالاً كبيراً من النفوذ على سوريا الكُبرى. في تمّوز يوليو من عام 1920 كانت القوات الفرنسيّة قادرة على التحرّك عبر ممر ميسلون ودخول دمشق. وفي نفس العام نُقِل الملك فيصل ومؤيدوه إلى بلاد الرافدين من قبل البريطانيين لتأسيس وإدارة مجال النفوذ البريطاني. تطلّب من الفرنسيين ثلاث سنوات أُخرى لفرض سيطرة كاملة على سوريا وفي عام 1923 مُنحت فرنسا رسميّاً "الانتداب" على سوريا من قبل عصبة الأمم. رُفض القرار السياسي بشكل واسع من قبل السوريين وتلا ذلك العديد من الانتفاضات والثورات مع اعتبار الثورة السوريّة (ثورة الدروز) بين عامي 1925 و1927 كأكبر وأطول تمرّد مناهضٍ للكولونياليّة في عهد الانتداب. لم تبدأ الجهود الفرنسيّة لتطوير مدينة دمشق بشكل جديّ حتى وقت متأخر من عشرينيات القرن العشرين/وقت مبكّر من ثلاثينيات القرن العشرين بسبب تركيز الكثير من اهتمامهم على تعزيز قبضتهم العسكريّة على البلاد.
مع ذلك، استمرّت الحياة اليوميّة وكما تذكّر حفيد الأمير نوري
كان بيت الشعلان المنزل الوحيد في المنطقة. قبل ذلك كان لدينا منزل آخر في حي الميدان. في ذلك الوقت كان الميدان نقطة تجمّع للبدو. لم تكن فعلاً تُعتبر جزءاً من دمشق، لأنها كانت خارج أسوار المدينة. كانت متّصلة اتّصالاً وثيقاً بحوران ومناطق الرعي البدوي. اعتاد البدو على المجيء وبيع إبلهم في "سوق شعلان" في الميدان، وشراء كل ما يحتاجونه من الميدان. عندما جاء الملك فيصل إلى دمشق، اشترى جدي بيت الشعلان. يحب البدو أن يكونوا لوحدهم. فاشترى (الأمير نوري) المنزل لأنّه كان معزولاً ومتموضعاً في وسط البساتين والحقول. كان بإمكانه شراء كل المنطقة لو أراد ذلك. كانت رخيصة جداً آنذاك. (الأمير نوّاف، مقابلة في كانون الثاني يناير من عام 2009).
لم يكن الأمير نوري أبداً قاطناً في المنزل لفترة طويلة. كان يأتي من أجل الاجتماعات الرسميّة أو لإدارة المفاوضات وإعداد الوثائق. تنقّل أغلب الوقت بين منزل الشعلان، ومسكنه في عدرا ومناطق رعي عشيرته في البادية الجنوبيّة (أرض سهوب شبه قاحلة في سوريا). على أيّة حال، انتقل أفراد عائلته المباشرة إلى بيت الشعلان في عام 1920. إنّ برنامج التوسّع الصغير الذي باشره الأمير –منزلان آخران وجامع أيضاً- لم يكن النشاط الوحيد في هذه الحقول والبساتين. كان الآخرون يُنشِؤون وجودهم أيضاً في الجوار.
في نفس هذا الوقت تقريباً، بدأت عائلة الشنواني أيضاً البناء في البساتين. وكان القطّاع الشرقي من الحي مملوكاً بشكل واسع من قبلهم وكان مقسّماً إلى قطع بناء، على الأرجح في ظلّ إدارة الملك فيصل. وفي وقت ما بين عامي 1922 و1924، باعت عائلة الشنواني بعض قطع البناء من أجل دفع ثمن بناء جامع ثاني –جامع الشنواني. تربط بضع ممرّات ضيّقة ترام الصالحيّة بهذا الحي المتطوّر حول جامع الشنواني. وفي هذه الممرات، كانت منازل الطين والملبن العربية البسيطة ذات الطبقة الواحدة مسكونةً إلى حدّ كبير من قبل اللاجئين الأرمن الذين جاؤوا إلى المدينة قبل بضع سنوات. هذا الزقاق أصبح معروفاً باسم "حارة الأرمن".
حاز الحيّ بوضوح، عند ولادته، على نكهة طائفيّة وإثنيّة مختلطة. ومع ذلك كان قليل السكّان، إلى حدِّ أن واحداً من أفراد عائلة الشنواني يتذكّر أنه كان يُقال أن شيخ العائلة كان يذهب إلى سوق المواد الغذائيّة القديم ويعطي كل حمّال ليرة سوريّة ليغتسل ومن ثم ليصلّي في جامعه. إذ أنه في ذلك الوقت، لم يكن ممكناً أن تجري الصلاة إن لم يحضرها 20 شخص على الأقل (منصور، مقابلة في عام2006).
بحلول نهاية عشرينيات القرن العشرين، كان هناك عدّة صفوف من المساكن تمتدّ من الصالحيّة إلى الغرب. كان الشارع "الرئيسي" حيث حدثت معظم أعمال تشييد المساكن يقع على طول طريق الرافد "يزيد" الذي كان مفتوحاً في أماكن ويجري أحياناً عبر حدائق البيوت المبنية على طول ضفافه. وهذا كان سيُعرف في فترات لاحقة باسم شارع حافظ ابراهيم. كانت مطحنتان تعملان على طول هذه المياه الجارية، واحدة يملكها بيت الشعلان ومتاخمة له، والأخرى الأبعد إلى الشرق مُتاخمة لمنزل تملكه عائلة البيطار. مع مطاحن الدقيق هذه، جاءت أفران تبيع الخبز بالإضافة لخَبزِ العجين الذي يأتي به الزبائن المحليون، ومحلات صغيرة تبيع الحمّص. ومع ازدياد الكثافة السكانيّة، بدأ المزارعون المحليّون ببيع نتاجهم على عربات تجرّها الحمير والأحصنة على طول هذه الشوارع الضيّقة بالإضافة إلى الحليب.
الشعلان في ثلاثينيات القرن العشرين:
مع تهدئة البلد بشكل واسع، حوّلت سلطات الانتداب الفرنسي انتباهها إلى تخطيط المدينة وتشييد حي حديث. اكتملت مقرات الجيش الفرنسي، والمشفى العسكري، ومبنى البرلمان بحلول بداية ثلاثينيات القرن العشرين جنوب وشرق حي الشعلان تماماً (3). كما شيّدوا على طول الحافة الجنوبيّة من الحي، مبنى وزارة الصحّة وأشرفوا على تشييد كنيسة ومدرسة فتيات "الفرنسيسكان" على أرض تعود ملكيتها لعائلة الشنواني. في المقابل، سُمِح للعائلة بإنشاء عدد من المباني السكنيّة العالية على طول جانب مدرسة الفرنسيسكان. أشارت إحدى المخبرات إلى أن عائلة الشنواني كانت قادرة على إنشاء أول المباني السكنيّة العالية، فقط بعد مصادرة الفرنسيين الأراضي التي أرادوها من أجل المباني الرسميّة. وبمجرد أن اكتملت هذه المباني السكنيّة، أجّرتها العائلات لأجانب. "قبل أن نسكن في هذه المنازل، أُجّرت لضباط فرنسيين. منزلنا، على سبيل المثال، شغله ضابط فرنسي اسمه (Abel). كان مستأجر آخر صحفياً من الملحق الصحفي للسفارة الفرنسيّة. لقد بقي لسنوات، حتى أوائل خمسينيات القرن العشرين". (منصور، مقابلة في عام 2006).
بحلول بدايات ثلاثينيات القرن العشرين كان في الحي جامعان، الشعلان والشنواني. كما كان فيه ثلاث كنائس: "الفرنسيسكان، الكنيسة اللاتينيّة على الطرف الآخر من الطريق. وأبعد من ذلك قليلاً باتجاه أبو رمّانة، كانت هناك الكنيسة الأرثوذوكسيّة الروسيّة للروس البيض (بيدروس، مقابلة في كانون الثاني يناير من عام 2009). وكانت أماكن العبادة هذه المؤشّر الهام على تعقّد هويّة الساكنين المحليين في الشعلان.
علّق رواة آخرون على كيفيّة تلوّن طابع الحي من خلال قاطنيه الكوزموبوليتانيين:
أتذكر أنه كان يوجد الكثير من الأجانب. أُخِذ المنزل الذي بجورانا من قبل عائلة يونانيّة. أم إلين، وابنتها ديسبينا (Despina)، التي كانت طالبة معنا في الفرنسيسكان. كما أتذكر عائلة أرمنية عاشت في المنزل الذي قبلنا تماماً. وكان هناك العديد من الأرمن في الحارة. كما كان هناك عائلة إيطاليّة، (Montovanis). وعند أول منعطف على الطريق إلى كنيسة الفرنسيسكان، عاشت صديقة فرنسية لي وزميلة دراسة تُدعى (Arlette Payees). في الحقيقة لم يكن لدي أصدقاء عرب في الحي. أمّا في المنزل المقابل لمنزلنا، فقد عاش قائد فرنسي كان مدير المشفى الفرنسي (أميمة، مقابلة في كانون الثاني يناير 2009).
كانت ( الشعلان مكتفيّة ذاتياً. كان فيها لحّامين وباِئعَي خضار كان حيّاً سكنه العديد من الفرنسيين والأرمن واحد من بائِعَي الخضار الأوائل بدأ كبائع متجوّل. اعتاد على سحب عربة يجرّها حصان في الشارع، كانت محمّلة بالخضروات وكان ينادي بالفرنسيّة (Legume, Legume "بقول"). (عفاف، آذار مارس من عام2009).
لم يكن الفرنسيون الوحيدين الذين انجذبوا إلى الحي المتطوّر سريعاً. الطلاب الجامعيون الباحثون عن سكن مشترك وجدوا غرفاً في الشعلان. وهذا ما فعله أيضاً القوميون العرب والمنفيون من الانتداب البريطاني في فلسطين.
بعض العائلات التي اختارت أن تعيش في الشعلان كانت تلك العائلات التي فرّت من الاضّطهاد البريطاني في الأردن أو فلسطين، مثل عائلة أبو لبن والنابلسي والكمال. أُجبِرت هذه العائلات على الفرار لأسباب سياسيّة. كما شُغِلت حارات الشعلان الضيّقة بعائلات كهذه أو بعائلات فرنسيّة. وكانت المنازل صغيرة مع حدائق أماميّة صغيرة وجدول/تيار ماء يجري عبرها. كل المنازل كان فيها جداول. كانت المياه تتدفّق بقوة إلى حدّ أنه كان يجب أن تُغطّى خشية أن يقع طفل فيها ويُجرف إلى أسفل المنزل التالي (وطفة، مقابلة في أيلول سبتمبر من عام 2008).
بعض العائلات المحليّة كانت تبني أو تستأجر منازل تجمع كلاً من الطرازين العربي و"الحديث" تماشياً مع أنماط معيشة المجتمع والشبكات الاجتماعيّة المتغيّرة. وصف أحد الرواة بيته في الشعلان في ثلاثينيات القرن العشرين كما يلي:
مزيج من طراز حديث وعربي. كنت تصل إلى المنزل من خلال ممر صغير. وكان المطبخ على اليسار بينما غرف النوم في الطابق العلوي. وفي الطابق السفلي كان هناك غرفة استقبال فسيحة. أما في الفناء كان هناك أشجار ليمون وكبّاد. وكان النهر يمر عبر الفناء، لكنّه كان مغطّى بقضبان حديديّة. وكان هناك مطحنتا دقيق في مكان قريب. واحدة كانت بجوار منزلنا تماماً. أمّا الأُخرى فكانت بالقرب من منزل البيطار. ويكمل النهر طريقه إلى مبنى البرلمان. (أبو وديع، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
لم تؤمّن هذه المنازل الصغيرة حيّزاً كافياً لبعض الساكنين الجدد الذين اختاروا بدل ذلك العيش في المباني السكنيّة الحديثة التي شيّدتها عائلة الشنواني.
كنا 14 شخصاً. عشنا في منزل صغير لمدّة شهرين فقط. وكان مبنى جديداً قد بُنِي مؤخّراً مقابل مدرسة الفرنسيسكان. عاش عبد الرحمن الشهبندر الشخصيّة السياسيّة المشهورة هناك. في الطابق الأول كان هناك شقتين. وقد هدمنا الجدار الفاصل لنحصل على شقّة واحدة كبيرة بعشر غرف نوم، وحمامين، ومطبخين. وكثيراً ما استضفنا في تلك الأيام رجالاً ثوريين قادمين من فلسطين لإيصال أو استلام أسلحة. (وطفة، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
مدرسة الفرنسيسكان (دار السلام حالياً) في حي الشعلان
وإلى شمال الحي كان يتشكّل بسرعة مشروع مبنى سكنيّ آخر. شُيّد بغالبه من قبل عائلة السبكي التي كانت قد بنت لنفسها مسكناً متعدد الطوابق من 16 غرفة فسيحة في حوالي عام 1900 على الشارع الذي يتبع خط ترام الصالحيّة. وقد أّخِذ هذا المبنى لاحقاً من قبل وزارة تعليم الانتداب الفرنسي (4). كما استأجر "ملحق" الجيش الفرنسي منزل عائلة كبيرة آخر في مكان مجاور. تعود ملكيّة الإنشاءات الجديدة كلها في هذه المنطقة لعائلة السبكي وأُجّرت إلى الفرنسيين بشكل واسع. وبشكل منتظم، فإن عائلة السبكي "فتحت طريقاً، شيّدت مبنىً، ومن ثم أجّرته. هكذا ظهر السبكي الأول، الثاني، الثالث إلى العاشر" (سهيل كانون الثاني يناير 2009).
بحلول نهاية ثلاثينات القرن العشرين اعتُبرت الشعلان ومنازل وبساتين السبكي كجزأ من حي كوزموبوليتاني ناشئ ومكتف ذاتياً بالمؤن الضرورية للحياة اليوميّة وسهل الوصول للهيئات الرسميّة المهمّة وكذلك صناعة الترفيه. وبوجود المدينة تحت السيطرة والغرب المشتّت سياسيّاً بسبب الحرب العالمية الثانية التي كانت تلوح في الأفق، توقفت دمشق عن التوسّع وبدلاً عن ذلك دُمجت أحياءها وأنهت مشاريع مبانيها عبر تأسيس حدائق للنزهات العائليّة ونظّمت الوصول إلى نشاطات كالسينما، والمسرح والرقص.
الشعلان في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين:
كانت بدايات أربعينايت القرن العشرين فترة اضطراب شديد في سوريا وبالتالي القليل من التطور الحضري. توّلت فرنسا الفيشيّة سلطة الانتداب الفرنسي في عام 1940، ولكن خلال عام هُزِمت من قبل قوات فرنسا الحرّة والحلفاء. وانتخب الوطنيون السوريون برلماناً جديداً في عام 1943 وطالبوا بالاعتراف بهم كدولةٍ مستقلة (وهذا ما فعلته الولايات المتّحدة والاتّحاد الروسي في عام 1944). وفي العام التالي أصبحت سوريا عضواً في الأمم المتحدة وضغطت لتغادر القوات الفرنسية البلاد. وبعد سنتين من الاضطرابات العميقة في كل المدن الرئيسية في سوريا، سُحبت كل القوات الفرنسيّة بتاريخ 15 نيسان أبريل من عام 1946. كان حي الشعلان موطناً للعديد من نخب المدينة وكذلك الوطنيين الذين حاربوا من أجل استقلال سوريا. افتتح حزب البعث، الذي كان حينها فقط يجمع أتباعاً، مكتباً في مبنى من ثلاث طوابق في الحي (فعلياً في واحد من شوارع السبكي الفرعيّة) والناس مثل بديع القاسم، وجودت الركابي، وجلال فاروق الشريف غالباً ما شُوهِدوا هناك. (عفاف، مقابلة في آذار مارس من عام 2009).
بمرور الوقت أصبح بيت الشعلان مركز الحياة في الحي. إذ أنّه وقع مباشرةً على ما تحوّل إلى الشارع الرئيسي في الحي، أي شارع حافظ ابراهيم. وسرد أحد الرواة أسماء الأعيان في الحي:
إلى الغرب من بيت الشعلان كان بيت الزهراء. كان عبد القادر الزهراء طبيباً كما كان رئيساً للمحفل الماسوني بدمشق. وإلى جواره كان الدكتور عبد القادر راضي عمل أحفاده في محطة تلفزيونية وكثيراً ما ظهرت كنية "راضي" على الشاشة الصغيرة. وبعد بيت الزهراء كان منزل صميم الشريف&8230; ومقابل منزل صميم كان منزل عبد الله عاطف، أول وزير دفاع بعد مغادرة الفرنسيين لسوريازكي الأرسوزي .وهيب الغانم;منذر الميداني(5);.Temmirs; نسيب البكري صبحي وبديع السبكي. (عفاف، مقابلة آذار مارس 2009).
وبحلول منتصف أربعينيات القرن العشرين استقر حي الشعلان بشكل مجتمع "ضواحي" مريح. فاطمة، فتاة صغيرة في السابعة، عندما انتقلت عائلتها إلى شارع مسجّل باسم حبوبي 3 في الشعلان، روت كيف تذكّرت مع القصف الفرنسي للإذاعة السوريّة (1945)، رؤية جنود فرنسيين وأكياس رمل على سطح مبنى مجاور، كما عاشت في مبناها عائلة بكداش، وهي نفس العائلة التي تملك اليوم محل المثلجات (البوظة) في سوق الحميدية. أرسلتها أمها إلى الخارج لتبحث عن والدها بسبب قلقها على العائلة خلال القصف الفرنسي. تذكّرت اندفاعها إلى أبو رمانة الذي كان خالياً في ذلك الوقت ومن دون مبانٍ ما عدا منزل عمّتها والذي كان لا يزال قيد الإنشاء. سردت فاطمة:
كنا أصدقاء مع بنات شيخ الحدّادين (قبيلة بدوية من النُخب) واعتدنا على تبادل الحديث معهن عبر شرفاتنا. لم يكن من المعتاد أن يلعب الأطفال في الشارع. في ذلك الوقت، كان يوجد في الحي، أبو سعيد- البقّال، الطحاوي- اللحّام، حلفون- الذي كان أبناؤه يطهون حبوب محلّاة في محل مقابل سبيل الماء، وبعدها جاء كنفش، محل القهوة&8230;وكان يوجد أيضاً خياط أرمني. ومحل قماش يديره يهودي سوري. وقد كان كل قاطني الشعلان يتبضّعون من محله بالدين. كان رجلاً لطيفاً وكانت الأسعار في المحل معقولة جداً&8230;. البقّال، واللحّام، والمخبز، ومحل القماش كانوا كلهم في مكان قريب. (فاطمة، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
بحلول نهاية أربعينيات القرن العشرين وبداية خمسينياته، وُضِع على مزرعة السبكي الأساسيّة –مزرعة ألبان في مامضى- والأراضي المتاخمة أمر شراء إلزامي. لا أحد يعرف كم أو حتّى إن عُوِّضت عائلة السبكي. خُلقت حديقة عامة كان اسمها رسميّاً حديقة زنوبيا في حوالي عام 1947، أمّا المسار الذي كان يجري على طول الحافّة الشمالية للحديقة من ساحة عرنوس وغرباً نحو الربوة فقد سُمي شارع مهدي بن بركة. لم يدم اسم زنوبياً أبداً وتُعرف الحديقة اليوم محلياً باسم حديقة السبكي. تذكّر أحد الرواة كيف كان يسير على طول الحافة الشماليّة للحديقة عندما افتُتحت أول مرة "تقطع الروضة إلى الربوة من خلال حقول خضراء متواصلة تحت أشجار ظليلة. وقد مرّ الطريق القديم إلى لبنان عبر الحقول، وكان فيه لافتات طرقيّة تخبرنا عن المسافة بالكيلومتر بين القُرى على الطريق". (زهير، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
في خمسينيات القرن العشرين، أصبح حي الشعلان بارزاً. إذ توفّرت إيجارات معقولة نسبياً للبيوت الأقدم ذات الطابقين من الطراز العربي الغربي. وكانت الشقق الحديثة متاحة أيضاً للإيجار ومع ذلك فإنّ بعض المباني على أطراف الحي كان لا يزال من الممكن شراؤها. ومع عودة "الأبناء المحليين" فقد بحثوا عن أماكن إيواء لعائلاتهم الثنائيّة الثقافة غالباً، وكانت الشعلان أكثر جاذبيّة من الأحياء التقليديّة للمدينة القديمة أو حتّى سوق ساروجة. لقد أصبح "حيّاً ناشطاً ونابضاً بالحياة" بينما المزرعة، وأبو رمّانة كانا "جديدين جداً وممّلين" (فاطمة، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
حيث وُجِد الناس، افتُتِحت محلّات وخدمات أكثر. افتُتِح واحد من أوائل المحلّات في الحي من قبل كمال زيتون على الزاوية قطريّاً مقابل بيت الشعلان ودُعِي باسم "الزاوية". بمقابلة ابن كمال، زياد، كشف أن المحل افتُتح في هذا الموقع في عام 1943. عمل الأب سابقاً في واحدة من جمعيات الانتداب الفرنسي التعاونيّة وتعلّم هناك حرفته، كما طوّر حسّاً لأنواع المواد الغذائيّة التي يفضّلها الأجانب. وقد جاء إلى الشعلان بحسّ فرص الأعمال، ووجد متجر زاوية للإيجار. "باع والدي خضراوات، وفواكه ومنتجات الألبان. صنعنا لبن، ولبنة، وحليب. كان المتجر المجاور يصنع اللبن من الحليب والجبنة. كان كل شيء صناعة منزلية" (زياد، مقابلة أيلول/سبتمبر عام 2008). مع فطنة عمل حافلة بالذكريات للتجار في المدينة القديمة، بدأ الأخوان زيتون بالحصول على مواد من الأسواق المتخصّصة في المدينة القديمة، لزبائنهم والذين كان أكثرهم أجانب: بسطرمة من باب توما، توابل ومكسّرات من البزورية. وقد كانوا على استعداد أيضاً لفتح حسابات "تسليف" تُدفع آخر الشهر. كان الحي يتحول إلى مجتمع متماسك، والذي كان توفير وسائل الراحة المنزلية فيه يتطلب القليل من الجهد.
أحد الرواة، وهو منجّد، من حي الشاغور القديم تذكّر كيف افتتح هو وشقيقه محلّه الأول في حارة الأرمن في الشعلان في أربعينيات القرن العشرين ومن ثم نقل محله إلى الشعلان (فعلياً كان مواجهاً لحديقة السبكي). وأشار إلى أنه في نفس الوقت تقريباً، انتقل نجّار إلى المنطقة، ومكتب عقاري، ومحل تصليح أحذية وصانع أحذية أرمني. روى كيف أتى عملاؤه من كل أجزاء دمشق ولكنه كان يعرف تقريباً كل عائلات الحي بما فيهم شيخ الأرض، وصادق ملص، والشنواني، وبعض العائلات الأرمنية، ومنهم ألبرت كارافيان، الذي كان قائداً لقوات المدفعية السورية، ورشيد بييرة، بدر اللحام الذي أدارت عائلته محلاً لمنتجات الألبان، جمال أتاسي، فهمي سلطان، عائلة كلش المسيحية، والشركسي علاء الدين سطاس، عائلة سهام ترجمان، العطّار، الدقر، الشريف، وغيرهم.
كانت ذاكرته فيما يتعلق بالمحلات على طول شارع حافظ ابراهيم خلفه جيدة أيضاً. كان هناك مقابل سبيل ماء بيت الشعلان محل حلويات عربية شهير. حلفون(6). على الجانب الآخر من حلفون كان هناك محل قماش يديره سوري يهودي. "اعتاد على استخدام عبارة *بسم الله* و *اللهم صلّي على محمد* كلما تعامل مع زبائن مسلمين" (نازك، آذار مارس 28/2008). كما يتذكر نازك، أنه كان هناك محل الزاوية (زيتون) الذي كان متخصصاً في منتجات الألبان، وبجواره محل يبيع مكسّرات وأيضاً محل حلويات عربية وحبوب مطهوّة. كان يوجد مقابل المطحنة المتاخمة لبيت الشعلان فرن ومخبز مشهور بخبزه الرفيع الشهي، وكان هناك أيضاً صيدلية، ومحل بضائع مجفّفة، وسمّان كان يستخدم المحل كتغطية على تجارته الحقيقية في البضائع "الممنوعة". وكان هناك خيّاطين رجالي ونسائي، محلات حلاقة ومحل أبو صطيف لتصليح الأحذية. إجمالاً، تطوّرت الشعلان من قرية صغيرة وهادئة تقع في بساتين المشمش وحقول القمح إلى منطقة سكنيّة كوزموبوليتانيّة صاخبة مع حي تجاري مزدهر لاستيعاب حاجات قاطنيه.
الشعلان في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين:
في ستينيات القرن العشرين فُتحت مناطق سكنية حديثة جديدة لنخبة المدينة والأجانب الأثرياء. كانت المزة والمالكي قد صُممتا وازدهر تشييد المباني. ورغم أن بعض المؤسسات التجارية تلت ذلك، إلاّ أن هذه المحلات غالباً ما أُغلقت لأن كثافة الزبائن لم تكن لتشابه تلك التي في الشعلان والأعمال لا يمكن أن تكون بذلك الانتعاش. روى زياد زيتون كيف أنه حين بدأ العمل لحساب والده في عام 1967 تعلّم من أين يأتي بالمؤن المتنوعة. بسلةٍ موصولة بدراجته، قاد من المدينة إلى المطار، وإلى البزورية في المدينة القديمة، وجمع مخزوناً. كان عليه أن يعرف وكلاء المنتجات المستوردة على سبيل المثال، ليبي وكول، أين ومتى يشتري؛ إذ أنّ بعض المواد يمكن أن تُباع مرة واحدة فقط في السنة في معرض التجارة (المعرض التجاري الدولي). أصبح الأجانب زبائن مهمّين للمتجر، لكنهم لم يكونوا أبداً الزبائن الحصريين. وفقاً لزياد، كانوا قادرين على تخزين عدد كبير من أنواع مختلفة من الجبن واللحوم -الروكفور، الكامامبير، الشيدر، البري، غرويير، بسطرمة، بريثاؤلا(Bresaola)، وسلامي- ولكنهم لم يغفلوا أبداً عن زبائنهم المحليين.
بحلول ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كانت المنافسة شديدة بين هذه المتاجر. وافتُتح سوقان مثلهم في أبي رمانة وفي المناطق السكنية من الجاحظ والمالكي. "افتتح أبو علا الشطّي سوبرماركت جميل قرب حديقة الجاحظ. كان كل زبائنه أمريكيون. كان أقرب إلى المدرسة الأميركيّة. كان لديه زبائن أجانب أكثر ممّا كان لدينا" (مقابلة مع زياد أيلول 2008). على أية حال فإن العديد من هذه المتاجر ركدت إمّا عند تعثّر الفرص الاقتصادية والأعمال أو عندما غادرت قاعدة الزبائن البلاد. بعض المتاجر كانت ببساطة غير قادرة على توليد حركة كافية في موقعها المعزول. أمّا الشعلان كمنطقة صغيرة من بيوت ومحلّات متراصّة بإحكام مع مزيج سكانها المسلمين والمسيحيين المحليين والأجانب فقد تمكّنت من الخروج سالمة من الركود الاقتصادي في العقود التاليّة.
أحد أصحاب المتاجر الذي افتتح نوعاً جديداً من المحلاّت، "النوفوتيه"، في الشعلان كان فايز. وُلِد في القنوات وتدرّب على خياطة حمّالات الصدر عند تاجر آخر في الصالحية، لقد قرّر فتح عمل جديد ووجد الإيجارات معقولة في الشعلان. ففتح في شارع حافظ ابراهيم في عام 1970 جالباً معه زبائنه من الصالحيّة.
كانت الشعلان على منتصف الطريق إلى المدينة القديمة. كانت الصالحية منطقة راقية وفيها العديد من الأجانب. من ناحية أخرى، جذب سوق الحميدية العديد من الناس المحليين البسطاء. كانت الشعلان نوعاً ما امتداداً للصالحية. زبائني كانوا راقين جداً&8230; كان هناك فقط ثلاثة متاجر مثل متجري. وكانت هذه المتاجر تبيع العديد من الأشياء: ملابس، ملابس داخلية، وأنواع معيّنة من اللانجري&8230; ما تعرضه يحدّده زبائنك. على المرء أن يكون حسّاساً لتفضيلات زبائنه. بدأت من خلال بيع قمصان نوم وحمّالات صدر مصنّعة محليّاً. ثم انتبهت أنه كان هناك طلب على ماركات مختلفة من حمّالات الصدر المستوردة: Naturan, Triumph, Warner.. انتقلت كليّاً إلى المواد المستوردة. (فايز، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
افتُتحت عدة متاجر مماثلة في الشارع نفسه خلال هذه الفترة مُحتَضنين وسط النجارين، متاجر المفروشات المعدنية، صانعي الخزائن، متاجر مسجّلات الموسيقى، محلات البقالة، المخابز(مخابز الأفران)، ومتجر الدجاج المشوي وصانعي الفلافل. وعلى مدى العقود في الشعلان، طوّر فايز علاقات وثيقة مع زبائنه كما لدى التجّار الناجحين الآخرين. حدّد هذه العلاقات بوصفها "مثل الأسرة"، واعترف أنه حتى الزبون الجديد في المتجر سرعان ما سيشعر أنه في المنزل. كان للحي شخصية؛ وكان لديه أيضاً روح. إذ شعر السكان المحليّون وأولئك القادمون من بيعد، بأنهم في المنزل في هذه المتاجر حيث عرف التجّار غالبية الزبائن بالاسم وكان لديهم شعور منمق برغبات واحتياجات الزبائن سواء المحليين أو الأجانب. ربما انبثقت هذه الجودة من سمات الحي التقليدية واندماجها مع الرغبة لاستكشاف الأجنبي والكوزوموبوليتاني. هذه الميزات هي ما جعلت الحي مميزاً.
ربما كان من أنجح المحلات في الشعلان محل الزاوية. فهو الآن في عقده السابع من التجارة، يجسّد شخصيّة الحي. نقل نجل المالك ومؤسس المحل العمل من محل صغير بسلع محدودة، إلى محل يلبي ويزود الفنادق الرئيسية في المدينة فضلاً عن عدد من النوادي المهمة. لم تتغير المساحة المربّعة للمحل، لكن قاعدة زبائنه ومردوده السنوي نميا بشكل كبير. فعلت العائلة ذلك من خلال فهم حدسي لاحتياجات زبائنهم بالإضافة لأصحاب المحلات المجاورين لهم. عبر استعداد دائم للبحث عن منتجات، واستقبال طلبات هاتفيّة، وتوصيل السلع إلى الأفراد والشركات على حد سواء. جسّدت عائلة زيتون روح المجتمع الصغير فضلاً عن روح المبادرة التي اقتضاها الزبائن الكوزموبوليتانيين ومتعددي الاثنيات. كما يبيّن زياد زيتون:
يوجد العديد من الزبائن الجدد بالإضافة إلى زبائننا القدماء وأبنائهم. على أية حال، انتقل العديد من زبائننا القدماء إلى المزة، دمر، قدسيا وغيرهم من الضواحي السكنية –السيدة كلّاس، السيدة صبّاغ، والسيدة الدقر. بعض هؤلاء الأشخاص ما زالوا يأتون لأخذ مواد من محلنا لا تتوفر بشكل اعتيادي في محلات أخرى. (2008).
كان من أحد أسباب نجاح محل العائلة هذا مراقبتهم عن كثب لمتطلبات زبائنهم المحليين. على سبيل المثال، اعتاد والد زياد على إرسال البقالة إلى حرم جمال أتاسي –مع الأرضي شوكي معد مسبقاً للطهي- في سلة خيزران لابنه مغطاة بأعشاب خضراء ليوصلها إلى منزلها في سبعينات القرن العشرين. هذا الانتباه إلى التفاصيل قاد إلى إدراك زياد للطلب المتزايد على الخضروات الطازجة المعدّة مسبقاً.
منذ حوالي عشر أعوام مضت دخل في شراكة مع أحد المنتجين. "نحن نزوّد المساحة خارج المحل. تُقدّم العديد من الوثائقيات التلفزيونية حول مجال الأعمال هذا في الشعلان –خضار مقطّعة ومقشّرة، كوسا معدّة للحشو وما شابه ذلك. تقول النساء أن الخضروات المعدّة مسبقاً تساعد كثيراً عندما يكون لديك ضيف أو حالات طارئة" (زياد، مقابلة عام 2008). وبإدراك الزبائن المتغيرين ومتطلباتهم في وقتهم، يتعصرن تجّار الشعلان ويتكيفون مع احتياجات جمهورهم اللامتجانس كما فعل آباؤهم وأجدادهم قبلهم.
خلاصة: الشعلان في حقبة ما بعد البعث:
انبعثت الحياة في الشعلان في فترة نهضة وتجدّد. ترتبط أصولها ارتباطاً وثيقاً بأوائل فترة الانتداب الفرنسي فضلاً عن المقاومة المحليّة والإقليميّة لفكرة عصبة الأمم حول أن سوريا (إضافة إلى بلاد الرافدين (العراق) شرق الأردن، وفلسطين) لم تكن مستعدة للاستقلال الكامل بعد. عكسَ قاطنو الحي هذه الحقائق الأوسع من خلال السكان المسلمين والمسيحيين الذين أقاموا جنباً إلى جنب وغالباً انضمّوا معاً في مواقف سياسية. الشراكس، الدروز، والروس كلهم وجدوا بيوتاً هنا وكذلك ضباط وإداريي الجيش الفرنسي، الإيطاليون، اليونانيون، وبقية الأوروبيين. وشهد كل عقد كثافة مساكن أكبر وتجارات وخدمات مرافقة. أمّا في العقود القليلة الأخيرة من القرن العشرين،د تغيّر الحي بشكل ملحوظ مرة أخرى. لقد تكيّف لتلبية احتياجات سكانه المعاصرين. ولّت المصبغة، تصليح الأحذية، اللحامين، الخياطين النسائي والرجالي، مُبَرْوِزوا الصور، الأفران المتعددة وخبزها الطازج. كل هذه المحلات لبّت حاجات حقبة مختلفة، عندما لا يكون من الممكن شراء الملابس جاهزة، وعندما يمكن إصلاح الأحذية، وعندما تطلّب القادمون والذاهبون في الحياة اليومية خدمات العديد من الحرفيين المهرة. تدريجياً، وبعد ذلك في تعاقب سريع، بدأ هؤلاء التجّار والحرفيون يختفون. حلت بوتيكات الأحذية والملابس في مكانهم، محلات الـ “مجوهرات المقلّدة الفرنسيّة"، محلات الوجبات السريعة، المقاهي والمطاعم. حتّى محل الحلويات العربيّة استُبدِل بـ “مختص أعشاب" عصري. أصبحت الشعلان اليوم المركز العصري للطعام، والملابس، والموسيقى لجيل أصغر سناً. إنه ينشط في المساء وتقوم المحلات بعمل مزدهر. يشتكي قاطنوه أحياناً من الضجيج، ولكن القليل فقط ينتقلون من الحي. ويتطلّع الكثيرون إلى الانتقال إليه. كما تذكّر أحد الرواة:
ما زلت أتذكر اليوم الذي ذهبت فيه مع أمي، وأختي، وزوجة عمي وابنة عمي إلى زفاف في المهاجرين. انتهى الزفاف عند الفجر وببساطة عدنا سيراً على الأقدام إلى منزلنا في الشعلان. لم نكن لنستطيع القيام بالشيء ذاته لو كنا نعيش في المزرعة؛ كانت بعيدة (فاطمة، مقابلة أيلول سبتمبر 2008).
من الممكن أن الشعلان قد وُلِدت في فترة الانتداب الفرنسي. ومع ذلك، فقد أعادت اختراع نفسها عدة مرات، وتدبّرت دائماً الحفاظ على طبيعتها متعددة الثقافات ومتعددة الإثنيات والكوزموبوليتانية.
الهوامش:
1- في عام 2001، شرع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق (IFPO)، بالتعاون مع (the Maison de l’Orient de la Méditerranée/Université de Lyon 2 (GREMMO) وكلية العمارة والجغرافية في جامعة دمشق، بدراسة متعددة التخصصات عن دمشق، تولّـت فحص العمارة والتطور الاقتصادي-الاجتماعي للشعلان. إذ بدأت الدكتورة (Anne-Marie Bianquis) وهي عالمة جغرافية في (GREMMO)، الدراسة الاستكشافيّة لحي الشعلان في ذلك العام. وقد شمل ذلك فحصاً للمسح العقاري وصور أقمار صناعية وأوصاف مفصّلة للحي من قبل بيروقراطيين فرنسيين، وتقارير زوّار، ومذكّرت خاصة. وفي حزيران يونيو من عام 2006، ومع بعثة دكتور (Françoise Metral)، حُدِدت بعض من العائلات البارزة في الحي وجرت مقابلتها. أبرزت دراسة دكتور (Metral) حقيقة أن الأسرة الممتدة لزعيم قبيلة (رْوَلَة) البدوية، الأمير نوري الشعلان، لعبت دوراً هاماً في ترسيخ هذه المنطقة الزراعية من أواخر العهد العثماني إلى مركز اقتصادي وسياسي هام في دمشق. أمّا دوري في المشروع، فقد كان الإسهام في التاريخ الإثنوغرافي للحي من خلال الشهادات الشخصية لسكانه. وبدعم منحة من مجلس الأبحاث البريطانية في بلاد الشام (CBRL)، قمت بثلاث رحلات بحث لدمشق بين أيار مايو 2008 ونيسان أبريل 2009 باحثة عن عينة تمثيلية لأقدم سكان الحي الذين مازالوا على قيد الحياة ويمكن أن يسهموا في أنتروبولوجيا الحي. شاركت باحثاً مساعداً، جهاد دروزة، والذي سعى ببراعة وأنجز الموافقات المسبقة للأشخاص الذين من المحتمل مقابلتهم. وخلال ثلاث فترات مدة كل منها أسبوعين، أجريت ما مجموعه 22 مقابلة مع مجموعة واسعة من سكان سابقين وحاليين في الحي، ابتداءً من حفيد الأمير نوري شعلان وصولاً إلى معلم جغرافيا متقاعد تحوّل إلى بائع كتب. أجرينا مقابلات مع أصحاب المتاجر والتجّار الذين حافظوا على عملهم في الحي لمدة تزيد على نصف قرن وآخرين كانوا موجودين في الحي لعقود ولكن مؤخراً باعوا وانتقلوا إلى الضواحي البعيدة من المدينة للاستفادة من الأسعار المرتفعة لعقارات الشعلان.
2- يقع هذا الحي خارج أسوار دمشق القديمة تماماً ويُعرف اليوم باسم منطقة "الحريقة".
3- البعثة العلمانية الفرنسية أو المدرسة الفرنسية (اللاييك) (The French Lycée or French Laique Mission) بُنيت أيضاً في عام 1930 في شارع بغداد واستهلّت "مهمتها التحضيرية".
4- أتت عائلة السبكي من مصر مع حملة ابراهيم باشا في القرن التاسع عشر. ووفقاً لأحد الرواة من عائلة السبكي، جاء الجد بوصفه مدير إمدادات الحملة وعلى الأرجح فقد مُنح قطعة الأرض الكبيرة هذه من البساتين وأرض المزرعة كمكافأة على خدماته في الدولة.
5- يُفهم على العموم أن عائلة الميداني بنت المنازل ذات الطبقتين على الطراز الهجين العربي/الغربي في بساتين الروضة إلى الشمال تماماً من مزارع السبكي.
6- كان حلفون يهودي سوري لديه شريك من عائلة صداقي. عُرِف المحل دوماً باسم حلفون حتّى عندما تغير أصحاب المحل وباع حلفون وغادر البلاد
دتون تشاتي- ترجمة يسرى مرعي- معهد العالم للدراسات
↧
دراسة عن تطور مدينة دمشق وتوسعها خلال قرن ونشوء حي الشعلان الذي كان يعتبر ارقى حارات دمشق عام 1930
↧