تعيش محافظة ادلب حالة من التخبط الأمني لاسيما مع تصاعد وتيرة عمليات التصفية الجسدية ، التي تستهدف عناصر الفصائل و قياداتها اضافة للمدنيين ، وانتشارها على مناطق عديدة أبرزها الريف الجنوبي ، في الوقت الذي يسيطر الغموض على تفاصيل و هذه العمليات و فاعليها ، والأسباب التي تقف ورائها ، و ذات الأمر ينطبق على رد فعل المسؤولين عن الحالة الأمنية في تلك المحافظة التي باتت التجمع الأكبر للسوريين الذين هجرهم الأسد و حلفاءه من مناطقهم.
تطور تقني و فني
وشهد شهر كانون الأول الفائت العديد من حوادث القتل والتصفية طالت عناصر من فتح الشام وحركة أحرار الشام، وفصائل الجيش الحر، توزعت في غالبيتها على أطراف مدينة إدلب وبنش وبلدات الريف الجنوبي وجبل الزاوية، دون التمكن من الكشف عن الجهة التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات التي تشترك في توقيتها ، والذي يكون غالباً في ساعات متأخرة من الليل ، واستخدام أسلحة مزودة بكواتم صوت.
في الوقت الذي لازالت فيه العبوات الناسفة تمارس عمليها المعتاد و تستهدف السيارات المدنية والعسكرية على حد سواء في معظم مناطق المحافظة، قضى فيها العشرات من الثوار والمدنيين.
التطور التقني وأساليب التنفيذ ، يرسم علامات استفهام كبيرة عن سبب الحالة الأمنية المتراجعة في المحافظة ، رغم تواجد العشرات من الفصائل والتي تدير حواجز ونقاط أمنية في جميع المناطق، دون تمكنها من كشف الفاعلين.
“الدواعش” في قائمة المتهمين
ويرى "أبو يوسف “، من القوة التنفيذية لجيش الفتح بمدينة إدلب ، أن أنظار العالم تتجه نحو مراكز المدن وادلب من أهمها الآن إن لم تكن الوحيدة بسبب سقوط حلب مؤخراً، وأن الفرصة باتت سانحة اليوم لـ " الدواعش" بشكل أكبر لتوجيه الأنظار لدولتهم المزعومة بأنها الحل الوحيد والخيار الأفضل الموجود في الساحة من خلال خلق حالة من اللا أمن في المحافظة.
وأضاف أبو يوسف ، في حديثه لشبكة “شام” الاخبارية ، أن القوة التنفيذية تملك أدلة أن كل المقاتلين الذين تعرضوا لعمليات تصفية وقتل كانت خلايا تابعة لتنظيم الدولة تقف وراء هذه العمليات ، إما من خلال خلايا ترتبط بالتنظيم مباشرة أو عن طريق جهات متسترة على هذه الخلايا كـ " جند الأقصى".
أعوان “الأسد” بدرجة أقل
ولم يبرئ " أبو يوسف" نظام الأسد من التورط ببعض هذه العمليات التي تمت، ومع امكانية أن يكون له ضلوع فيها من خلال بعض المتعاونين معه، ولكن في ذات الوقت يجد قدرة النظام وأعوانه في الأرض ضعيفة رغم وجودهم ولا يملكون هذه الإمكانيات لتنفيذ كل هذه العمليات.
ومن ضمن الأسباب الأخرى لعمليات القتل حسب "أبو يوسف" وجود المصالح الشخصية في بعض حالات القتل مثل المال او الثأر او الغايات القديمة، وخاصة أن الفرصة سانحة بسبب وجود الفراغ الأمني الحاصل.
الوضع المالي و الدولي يحد من قدرة الفصائل
أما عن أسباب الترهل الأمني فيوضح "أبو يوسف " لـ”شام” أن السلك الأمني لا يتلقى أية دعم سوى من الفصائل، وأن الفصائل وضعها ليس بالجيد من الناحية المادية وخاصة في الآونة الأخيرة بسبب التضييق الدولي عليها، وأن مسألة ضبط الامن في المدينة خاصة وفي الريف عامة ليس بالأمر الصعب، وتم تجريبه سابقاً ولكن عندما كانت المسببات موجودة من مال وتكاتف وغيره، من خلال دعم السلك الأمني.
و يرى " أبو يوسف" أن من ضمن الأسباب لحالة الخلل الأمني هو التواجد الكبير من السكان في بقعة صغيرة من الأرض وخاصة انهم ينتمون لأكثر من محافظة ومدينة هو سبب رئيسي لكثرة الفساد برأيه.
هدفها إثارة “البلبة” وزرع “الرعب”
الصحفي "عمر حاج أحمد" أرجع سبب ظاهرة رمي الجثث على قارعة الطريق والتي غالبها كانت نتيجة تصفية ميدانية ، يعود السبب برأيه للفوضى والفلتان الأمني الحاصل في المناطق المحررة.
وأضاف " حاج أحمد" لـ”شام” أن مراقبة الأسماء المُستهدَفة توصل إلى أن أغلبهم من القادة الميدانيين أو عناصر عاديين وليسوا من قادة الصف الأول, هذا " برأيه" يعني أن الهدف من هذه العمليات هو إثارة البلبلة بين الفصائل في المناطق المحررة بحيث كل فصيل يرمي التهمة للفصيل الآخر وينتج عنها اقتتال داخلي, وكذلك دبّ الذعر بين المدنيين بحيث لا يحسّوا بالأمان والطمأنينة لأنها أكثر ما يتمناه المواطن السوري حالياً.
ثالوث النظام و مليشياته و تنظيم الدولة
وعن الجهات التي تقوم بهذه العمليات قال " حاج احمد" من حيث الجهات التي تقف وراء هذا الموضوع فغالباً هي خلايا متغلغلة تابعة للنظام أو تنظيم الدولة ومدربة ومجهزة على مثل هذه العمليات من حيث المعلومات الوافية وضرب النقاط الضعيفة أو على الطرقات الفرعية والتي غالباً لا يوجد فيها حراسة, وإن كانت الشكوك تميل لجهة النظام والميليشيات التابعة له كون محافظة ادلب باتت منزلاً للقاصي والداني بحجّة التهجير القسري او الطوعي دون رقابة عمّن يدخله.
دوريات و لجان تحقيق و تدقيق
أما عن الحلول التي طرحها " حاج أحمد" ، في حديثه مع “شام” ، تتمثل في إحداث دوريات أمنية جوّالة في المدن والبلدات وعلى الطرقات الواصلة بينها، وأخذ بيانات مفصّلة عن الوافدين الجدد إلى المناطق المحررة دون المسّ بكرامتهم، وتشكيل لجنة تحقيق ومتابعة من كافة الفصائل لمتابعة حيثيات هذه الجرائم فلا يمكن القبول بأمر الواقع.
بيئة خصبة
الرائد "حسين خالد الحسيان" رئيس فرع الإعلام في قيادة شرطة إدلب الحرة أرجع انتشار ظاهرة الاغتيالات بشكل كبير وخاصة في هذه المرحلة تعود لعدة أسباب منها غايات شخصية ( تصفية حسابات) في ظل الفوضى التي تنتشر حاليا بشكل كبير في المنطقة، حيث أن المنطقة حاليا بيئة خصبة لتنشط أجندة النظام التي تعمل على تصفية المدنيين والقادة العسكريين، لضرب الحاضنة الشعبية للثورة وإضعاف تأييدها في ظل التفرقة وعدم الوحدة التي نعيشها، إضافة لإحداث نوع من البلبلة في الشارع حاليا وضرب الفصائل ببعضها البعض الأمر الذي يؤدي الى اضعاف الجميع.
خدمة للنظام
ورأي " الحسيان" في تصريحه لـ”شام” أن الجهات التي تقف وراء هذه الاغتيالات غير معروفة الا أنها بشكل أو بآخر تخدم النظام المجرم ومن يواليه، ولا يمكن الحد من هذه الظاهرة في ظل هذا التفرق الا بالوحدة ورص الصفوف وأخذ مزيد من الحيطة والحذر، لان هذا المشروع وهذه الظاهرة تقف خلفه قوى خارجية لبث الذعر ومزيد من الفوضى في ظل قلة الإمكانيات للكشف عن الألغام والعبوات الناسفة المنتشرة حاليا بشكل كبير.
وجود “الخوارج” وتفرق المكاتب
ووجه قيادي في حركة أحرار الشام ، فضل عدم ذكر اسمه ، أصابع الاتهام للخلايا التابعة لـ "تنظيم الدولة" ونظام الأسد بالقول " أول سبب لانتشار الظاهرة هو كثرة وجود "الخوارج" بيننا وأقصد بهم الدواعش، وتفرق المكاتب الأمنية والفصائل جعلت سهولة كبيرة لاختراقنا في المناطق المحررة من قبل الدواعش"
ولم يختلف في رؤيته لأسباب هذه العمليات عمن سبقه حيث رأي "والأسباب هي لدب الرعب في المناطق المحررة بين المجاهدين والمدنيين، وخلق بلبلة في مناطقنا لان هذا ديدنهم قتل كل من هو ضدهم، فاستهدفوا المجاهدين والمدنيين لزعمهم ان هذا الشعب مرتد لم يبايع دولتهم الخرافية".
ورأى أن هناك سبب آخر يتمثل بعملاء للنظام ولكن ليس بالحد الكبير فجميع المناطق التي تحصل فيها هذه العمليات هي أقرب لمناطق تمركز "جند الأقصى" وهم يتحملون القسم الأكبر من هذه العمليات".
أما سبل الحد منها برأيه يتم بتوحد الفصائل أقلها أمنيا والعمل المنظم على العملاء "الدواعش" وعملاء النظام وتطهير المنطقة من رجسهم حتى يعيش الناس بأمان.
الحسيان
تجارب مصغرة لمواجهة هذا “الوباء”
ولجأت بعض القرى والبلدات أبرزها " معرة حرمة، كفرعويد، ترمانين، كللي" وعدة بلدات أخرى بشكل فرادي على تشكيل كتائب أمنية محلية من الفصائل التابعة للبلدة أو القرية، وتولت مسألة حماية المدنيين فيها، لتجنيبها عمليات الخطف والقتل والمداهمة من أي جهة كانت، بعد أن أينت أن لا خلاص ولا حل إلا بهذه الطريقة وسط استمرار حالة التشرذم الأمنية والعسكرية بين الفصائل.
حزب الله الارهابي يلعب على هذا الوتر
وكانت عدة جهات إعلامية موالية للأسد و حلفاءه قد روجت لقيام خلايا تابعة لحزب الله الإرهابي بتنفيذ هذه العمليات ، وهذا ما استبعده نشطاء المحافظة ورؤا أنه محاولة لكسب الأمر إعلامياً وصرف الأنظار عن المنفذ الحقيقي، حيث ان نظام الأسد وحزب الله يستطيع أن يجند عملاء له في المناطق المحررة وهم موجودين لامحال، ولكن تنفيذ هذه العمليات من تصفيات وتفجيرات تحتاج لسهولة في التحرك وتدريب كبير قد تصل لمرحلة "تفجير النفس" للمنفذ في حال كشف امره وحصل ذلك عدة مرات في مدينة إدلب، وهذه السرعة في الحركة والتنقل وتنفيذ العمليات لا تملكها إلا خلايا تابعة لتنظيم الدولة هي من ضمن مكونات الفصائل الحالية في المنطقة، سواء بعلم أو دون..
حالة الفلتان الأمني التي تأكل إدلب في ظل هذه المرحلة العصيبة من عمر الثورة، وسط عجز الفصائل عن التوحد وتعدد المحاكم وتنوع الكتائب الأمنية وعدم وجود تنسيق بينها جميعاً من شانه زيادة حالة الفوضى في المحافظة، والتي ستؤول لاستمرار عمليات القتل وضياع الأمن والحقوق، والذي سيلقي بظلاله السلبية على الجميع، وتتحمل الفصائل جميعاً هذه المسؤولية، في حماية المدنيين أولاً، وتأمين حماية مقراتها وحواجزها وعناصرها، قبل ان تدخل المحافظة في دوامة لايمكن الخروج منها أبداً.
فلتان أمني يأكل محافظة إدلب وعشرات الجثث ملقاة بالطرقات : الهدف هو إثارة البلبلة بين الفصائل في المناطق المحررة
↧