يقولون إن الصورة بألف كلمة من ناحية التعبير والدلالة والبلاغة، ويقولون أيضًا إن الكلام يعبر عن حالات وإحساس وينقل الصورة إلى المتفرج، ويقولون أيضًا وأيضًا إن اللغات هي من أهم طرق التواصل والتعبير، لدرجة أنه ينظر إلى كل منها كشخصية مختلفة. ولا أحد يستطيع أن ينكر أهمية اللغات المحكية، ولكن اللغة العالمية الأهم هي لغة الجسد؛ فهي تتعدى أي لغة أو أي عبارة، وهي تكملة لمقولة: «اللبيب من الإشارة يفهم» فملؤها البلاغة، وترتكز على لغة الجسد في طياتها.
التعبير عن الحب يكون عن طريق لغة الجسد، وأقصد هنا الشعور بالارتياح في وجود شخص ما يبدو من خلال الارتياح في التعبير من خلال حركات الجسد من دون تشنج أو تباعد، في حين أن الكراهية تترجمها لغة جسد باردة ونظرات تفوق حرارتها درجة حرارة الخضراوات المجمدة في الثلاجة، فإذا نظرت من حولك سوف تتعرف إلى لغة الجسد بشكل لم تدركه من قبل.
لغة الجسد من أهم المقومات التي ترتكز عليها سبل التواصل والعلاقات العصرية، وهي أيضًا مرتبطة بشكل مباشر بالقيادة والإدارة والعمل، وبخاصة أن لغة الجسد لا يشعر بها صاحبها، إنما من هم حوله؛ لأن حركات الجسد تلقائية وتحصل من دون سيطرة صاحبها عليها، وهذا ما يجعلها أصدق اللغات من الناحية التعبيرية؛ لأنها تكشف أسرار القلب وخواطر العقل للآخرين، فجسدك يفضح مكنونات أحاسيسك وخوالجك الداخلية.
ويقال أيضًا إن الإشارات الناتجة عن الجسد قد تكون عن طريق الوعي أو اللا وعي، ولكنها دائمًا تكون الأكثر صدقًا وصراحة.
لغة غريبة عجيبة تكشف كثيرًا من الأسرار، ولهذا السبب هناك اختصاصيون في مجال لغة الجسد أو ما يعرف بالإنجليزية بـBody Language، وهذه مهنة مبنية على علم وقواعد وثقافة وتخصص في فهم حركات الجسد التي تبدو بسيطة، ولكنها في العمق هي غاية في البلاغة والأهمية. والدليل على ذلك تفسير أحد اختصاصيي لغة الجسد على إحدى القنوات البريطانية كانت مهمته تفسير حركات مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب المثير للجدل خلال المناظرة الأخيرة التي دارت بينه وبين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وشدني تفسير اختصاصي لغة الجسد بطريقته الذكية والمبنية على العلم، فطريقة تدوير إصبع المرشح وطريقة وقوفه وراء المرشحة المنافسة، إذا دلت على شيء فهي تدل على التقليل من الشأن وبسط السلطة والكذب في بعض الأحيان. ولترامب حركة شبه دائمة عندما يفتح ذراعيه ويضغط بيديه إلى أسفل، وهي تدل على السيطرة على الوضع، تمامًا مثلما تفعل الأم أو المعلمة عندما تريد تهدئة ضجيج الأطفال. ولغة الجسد وتفسيرها علميًا من خلال اختصاصيين معروفة أيضًا في عالمنا العربي، حيث شدني تفسير اختصاصي لبناني وهو يشرح لغة جسد أتباع سعد الحريري أثناء ترشيحه للعماد ميشال عون للرئاسة، فلا أدري إذا كانت استضافة الاختصاصي صدفة أم أنها مجرد تقليد للبرامج الغربية على غرار نقل البرامج الأخرى وتقليدها، ولكن المهم هو أن الاختصاصي فسر حركات جسد السياسيين بشكل تفوق فيه على ذاته، ولو أن ردة فعل أنصار الحريري على ترشيح العماد عون ليست بحاجة إلى تفسير علمي أو حتى اختصاصي.
أفضل الأوقات لمعاينة ما يجري من حولك هو عندما تكون مسافرا، وتحتسي القهوة بمزاج من دون الحاجة للنظر إلى الوقت والهرولة إلى العمل، فترى ما يجري من حولك بشكله الحقيقي، وتشعر حينها أن الجسد له عالمه، ولكل منه قصة وحكاية.
لغة الجسد رائعة ولكن قل من يفهمها، وهي أبلغ من أي كلمة، وقد تكون نظرة واحدة كافية.. لا يفهمها إلا الفهيم!
المصدر: الشرق الأوسط