محمد جرف
ملامح التعامل النفسي مع المحررين بعد الإعتقال:
أهم نقاط التعامل من الناحية النفسية التي يمكن أن تهم المحيطين بإخواننا وأخواتنا من المحررين من الأهل والأصدقاء، عساني أساهم ولو بالقليل من التخفيف من معاناتهم. رغم استخدام كلمة "معتقل"، إلّا أنها تعبّر عن كلا الجنسين بكل تأكيد.
يجب التأكيد على أن تجربة مرة وغاية في الصعوبة والإمتهان النفسي والجسدي. من المهم جداً إبتعاد أهل وأصدقاء المعتقل عن العبارا...ت الغير واقعية وخاصة التي تشيد بالإعتقال كأحد علائم الرجولة. تضخيم تجربة الإعتقال بشكل غير واقعي ليس له قيمة إلا في زيادة الإحساس بعدم التفهم للظروف القاسية التي قاساها المعتقل
(تجنّب برافو عليك يا بطل ....والله السجن للرجال)
من المهم جداً عدم التحدّث بشكل مقصود وجبري عن ظروف الإعتقال مع المُحرّر في الأيام الأولى أو في الفترة التالية للإعتقال. يجب بأي حال تجنب مسائلة المعتقل عن فترة الإعتقال بالذات وتوجيه أسئلة لا تسهم إلا في زيادة التوتر وتحريض الذكريات المرعبة
((لا تقول: يلا إحكيلنا شو صار معك........مين كان معاكن وشو صار بفلان وعلتان)
في حال أراد المعتقل الحديث عن تجربته يجب تشجيعه على ذلك دون الإلحاح، مع ضرورة الإنصات بشكل جيد، دون مقاطعات متكررة في الحديث
((الإنصات الجيد مهم جداً، مع هز الرأس بهدوء وتوكيد مشاعر المعتقل أثناء الحديث)
قد يكون من الملائم جداً الإهتمام بالناحية الطبية أولاً بعد التحرير وذلك لما قد تسببه ظروف الإعتقال من آلام مبرحة في المفاصل والعظام، فضلا عن الأمراض والإلتهابات العديدة التي من المرجّح أن يصاب بها المعتقل في السجن
(ظروف البلد قد لا تسمح بوجود أطباء....)
يجب الإنتباه إلى التغيرات السلوكية التي قد يظهرها المعتقل، خاصّة إنخفاض القدرة على التركيز، صعوبات في النوم، أوجاع الرأس، التوتر ونوبات من الغضب مع عدم وجود أسباب موجبة لذلك. لذلك يجب قدر الإمكان إبداء نوع من التفهّم العام لإستجابات المعتقل ومحاولة إمتصاص موجات الغضب من دون الدخول في أحاديث ونقاشات حول الموقف الحالي
قد يلاحظ على المعتقل وجود إضطرابات نوم خفيفة أوعميقة وظهور كوابيس مخيفة ومرعبة، بالإضافة إلى إحتمال ظهور هلاوس سمعية (سماع أصوات لا وجود لها) أثناء النهار أيضاُ. في الفترة التالية للإعتقال قد يكون ظهور هكذا أعراض طبيعي وقد يستمر لبضعة أيام أو أسابيع قليلة على الأغلب، مع إحتمال كبير أن تخف أو تتلاشى مع مرور الوقت في حال كانت البيئة الإجتماعية داعمة ومتفهّمة
بسبب سوء التغذية خلال فترات الإعتقال، بالإضافة إلى ظروف الإعتقال الصّعبة من المرجّح أن تظهر لدي المعتقل بعض المشاكل في الإنتباه والذاكرة، لاسيما ضعف في التركيز وتشتت الإنتباه، حيث يلاحظ تكرار السؤال عن أشياء معينة أو نسيان متكرر لبعض الحاجيات أو المعلومات الشخصية. من المهم عدم الإلحاح على المعتقل بتذكر أشياء أو معلومات شخصية أو غيرها وضرورة الدعم والتفهّم حيال حالات الشرود وضعف التركيز، بالإضافة إلى تجنب إعطاء المعتقل مهمّات أو أنشطة صعبة تحتاج إلى قدر كبير من التركيز
الحرمان من النوم هو إحدى وسائل التعذيب التي من المرجّح أن يكون قد تعرّض لها أغلب المعتقلين إن لم نقل كلّهم. من الضروري حصول المحرر على فترات نوم كافية، مع الملاحظة بأن الفترة التالية للإعتقال تكون مصحوبة على الأغلب بإضطرابات نوم قد تختلف شدتها من حالة إلى أخرى. إن تنظيم فترات النوم مؤشر جيد على إستعادة المعتقل توازنه النفسي يوما بعد آخر
في حال عانى المعتقل من نوبات غضب كبيرة أو كان هناك ميولا للإقدام على أعمال عدوانية أو خطرة، من المهم عرض المعتقل على طبيب عام، ويفضل أن يكون طبيبا نفسيا وذلك لإحتمال الحاجة لتدخل دوائي ما من المهدئات العصبية التي قد تسهم في تحسين حالة الإسترخاء البدني العام وإنخفاض التوتر العصبي في الحالات الخاصة التي تستوجب ذلك
أغلب المعتقلين يعانون من مرحلة ذهول وخمود نفسي وحالات من التعب العام في الفترة التالية للإعتقال. يفضل تشجيع المعتقل على زيادة النشاطات وخاصة الإجتماعية بشكل تدريجي، مع عدم الضغط عليه للقيام بذلك
غالبا ما تضطرب العلاقات الإجتماعية للمعتقل بعد التحرير وقد يعاني المعتقل من مشاكل زوجية أو عائلية، خاصة بعد فترات طويلة من الإعتقال، أو في ظل وجود تغيّرات كبيرة حصلت في البيئة الإجتماعية المحيطة بالمعتقل خلال فترة ال‘تقال (موت أحد أفراد العائلة مثلا). هنا يجب مراعاة درجة معينة من سوء العلاقات الذي قد يتم التخفيف منه من خلال نقاش هادىء ومتفهّم عن الصعوبات والمشاعر التي يحس بها المعتقل
العودة التدريجية للحياة السابقة للإعتقال قد يكون متعذرا للظروف التي تمر بها البلاد، رغم ذلك من المستحسن قدر الإمكان دعم المعتقل وتشجيعه في العودة التندريجية ومزاولة الأعمال الممكن القيام بها ولو بالحد الأدنى
كل تجربة إعتقال هي صدمة نفسية بشكل أو بآخر، ولكن ليس كل تجارب الإعتقال تؤدي بشكل أوتوماتيكي إلى إضطراب نفسي يسمى الشدة النفسية ما بعد الصدمة. في بعض الأحيان تكون التجربة غاية في الإمتهان والقسوة خاصة عند التعرّض للتعذيب البدني أو النفسي الشديد أو عند مشاهدة أو سماع أصوات سجناء ومعتقلين آخرين يتعرضون لتعذيب شديد أو حتى للموت في المعتقل.
أعراض الصدمة النفسية قد تظهر على شكل إحساسات أو أفكار أو صور عن مواقف تعرّض لها المعتقل تقتحم الوعي، ويشعر خلالها المعتقل وكأنه يعايش الموقف مرة أحرى في الحاضر. قد يكون هناك بعض الأشياء التي تحرّض على ظهور هذه الأعراض مثل سماع صفارات سيارات الشرطة أو الرصاص أو أصوات عراك في الشارع. يكون هناك أيضاً تجنب واضح لكل ماله علاقة بالإعتقال مع شعور كبير بالضيق في حال تم تذكيره أو إجباره على الحديقث عن ظروف الإعتقال. أخيرا يعاني المعتقل من توتر عصبي واضح وأحاسيس قلق عن أحداث سيئة قد تقع له في القريب. هذه الأعراض يجيب أن تكون مستمرة بشكل كبير ومؤلمة وتؤدي إلى إعاقة كبيرة في حياة المعتقل حتى نقول عنها أنها إضطراب الشدة النفسية مابعد الصدمة. هنا يجب على المحيطين بالمعتقل مراقبة أو ملاحظة التبدّلات التي تطرأ عليه بعد التحرير ومحاولة تقديم الدعم إليه
قد يكون القيام بنوع من الأنشطة كنوع من التفريغ مهم جداً مثل سماع الموسيقى أو تلاوة القرآن أو حتى ممارسة بعض أنواع الرياضات السويدية الخفيفة من دون إجهاد كبير أو حتى القراءة بشكل هادىء وبسيط
تجربة الإعتقال تجربة سيئة وحزينة. يجب عدم زيادة معاناة المعتقل بإشاعة أجواء الكرب والحزن بعد التحرير. يجب فعل ما أمكن لإشاعة الفرح وأجواء البهجة رغم مرارة الأوضاع. حتى المعاناة قد يكون لها جوانب عديدة للسخرية عليها من أجل التخفيف من وقعها على النفس
↧