تستقبل "المدينة المحرمة" في العاصمة الصينية بكين سنوياً ملايين الزوار، الذين يستمتعون بالتواجد في مكان كان محرماً على العامة لقرون، عندما كان مقراً لأباطرة الصين المتعاقبين.
ويطلق اسم "المدينة المحرمة" على القصر الإمبراطوري الذي أقام فيه 24 إمبراطوراً صينياً، على مدار 600 عام، واكتسب اسمه من الإجراءات الأمنية المشددة، التي كانت تتخذ لحماية الأباطرة القاطنين فيه.
وتقع المدينة المحرمة على مساحة 720 ألف متر مربع، وبدأ بناؤها خلال عهد أسرة "مينغ" الصينية الحاكمة، عام 1406، وفقاً للوثائق التاريخية، واستمر 14 عاماً، وشارك فيه حوالي مليون عامل، وتم إحضار مستلزمات البناء من جميع أنحاء الصين، وأصبحت المدينة متحفاً منذ عام 1925.
وتعد المدينة واحداً من بين أكبر 6 قصور في العالم، كما أنها أحد أكبر الآثار التاريخية المبنية من الخشب، ويوجد فيها مليون قطعة أثرية تظهر التاريخ والثقافة الصينية، وتمثل سدس الآثار التاريخية الموجودة في جميع أنحاء الصين.
وضمن الإجراءات الأمنية لحماية المدينة المحرمة، تحاط المدينة بقنوات مائية يتراوح عرضها بين 30 و50 متراً، بحيث لا ترتبط المدينة بالبر سوى عبر بواباتها. كما تحفل أرضية المدينة بكتل حجرية تمتد لعدة أمتار تحت الأرض، لتحول دون تسلل الأعداء إلى المدينة من خلال أنفاق يحفرونها تحت الأرض.
ويلفت النظر خلو المدينة من الأشجار، ما عدا قسم صغير يعد الحمام الخاص للإمبراطور، ويرجع سبب ذلك إلى الإجراءات الأمنية أيضا وذلك للحيلولة دون تسلل الأعداء للمدينة مختبئين خلف الأشجار. وتمتد الإجراءات الأمنية لتشمل كيفية نوم الإمبراطور أيضاً، حيث كان الإمبراطور ينام كل يوم في غرفة مختلفة، ولا يعرف سوى حرسه الخاص، الغرفة التي ينام بها.
ورغم أن تحكم الإجراءات الأمنية في العديد من مناحي الحياة في المدينة قد يبدو مثيرا للضيق، إلا أن تلك الإجراءات أفلحت في النهاية في تحقيق هدفها، حيث لم يسجل التاريخ مقتل أي إمبراطور داخل المدينة المحرمة.
وتوجد أربع بوابات للمدينة في جهات الشمال والجنوب والشرق والغرب، كما توجد أبراج مراقبة في زوايا جدران المدينة الضخمة، تتيح مراقبة المنطقة المحيطة باستمرار.
وتمتلئ المدينة بتماثيل وصور لحيوانات حقيقية وأسطورية، يأتي على رأسها التنين، الحيوان الأسطوري الذي يرمز للقوة والمكانة، والذي تنتشر تماثيله ورسوماته في أنحاء المدينة لدرجة لا يعرف العدد الإجمالي لها.
وتنتشر تماثيل ورسومات التنين حول قنوات المياه، وعلى أسقف مباني المدينة، وعلى قطع الزينة الرخامية. ويختلف عدد تماثيل التنين فوق أسقف المباني وفقا لمكانة من يقطنها، حيث تستقر 10 منها، فوق سقف مقر إقامة الإمبراطور، ويتناقص العدد تدريجيا فوق أماكن إقامة الإمبراطورة، ورجال الدولة حسب رتبهم.
ومنذ تحول المدينة التي تقع بجانب ميدان تيانانمن في العاصمة بكين، إلى متحف، يؤمها الراغبون في التعرف إلى أسرارها المحرمة، ويزور المدينة أكثر من 10 ملايين شخص سنويا، وزارها العام الماضي 16 مليون سائح.
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، المدينة المحرمة في قائمة التراث الثقافي العالمي عام 1987، وسجلتها كأحد أكبر المباني الخشبية الأثرية الباقية في العصر الحالي.
ولا يسمح للزوار بالتجول في معظم أقسام المدينة، وإنما يتاح لهم مشاهدتها من الخارج. ويسمح فقط للزوار المهمين بدخول الصالة الكبرى ومعظم الغرف، وذلك للحفاظ على الآثار التاريخية الموجودة بها.
(الأناضول)
المصدر: العربي الجديد
↧