يرى مراقبون أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتسم بالإصرار والمهنية. وهي خصائص استفادت منها روسيا في أوقات الأزمات لبلوغ أهدافها. وها هو لافروف يقطف الآن ثمار جهوده ودفاعه عن المصالح الروسية.
تحدث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن الصداقة مع موسكو، وفي أوروبا ترتفع الأصوات حول تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا. وهذه بعض الأسباب التي قد تكون وراء ابتهاج سيرغي لافروف هذه الأيام، فعلى ما يبدو أن وزير الخارجية الروسي البالغ من العمر 66 عاماً قد نجح في امتحان منصبه السياسي حتى الآن: وهو النهوض بروسيا إلى موضع القوة أو على الأقل إبرازها في أوقات الأزمات.
وفي آخر تصريحاته قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الثلاثاء (17 يناير/ كانون الثاني 2017) إنه يعتقد أن من الصواب دعوة إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمحادثات السلام بشأن سوريا، المقرر أن تبدأ في يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2017 في أستانة عاصمة قازاخستان.
موسكو على نفس مستوى مع واشنطن
بعد برود العلاقات بين روسيا والغرب - إثر ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014- كان لا بد للافروف من أن يمنع انعزال بلاده سياسياً. وهذا ما نجح به بالفعل من خلال المفاوضات، بحسب ما يرى مراقبون، وذلك من خلال أسفاره وزياراته الكثيرة حول العالم بشأن أوكرانيا وسوريا وإيران. كما أن لقاءاته الكثيرة مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اعتُبِرَت نجاحاً لموسكو وفشلاً لواشنطن، وقد كانت روسيا على نفس المستوى ندّاً لندّ مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذه اللقاءات.
وفي تحليل للمجلس الروسي للأمن والسياسات الخارجية -وهو أحد مراكز الأبحاث البارزة في موسكو- مُدِحَت الدبلوماسية الروسية في السنوات الأخيرة ووُصِفت بأنها "بارعة فعلاً". وذكر التحليل أن السياسة الخارجية الروسية كانت "قادرة حتى الآن على تعويض" التطور الاقتصادي الضعيف لروسيا.
دبلوماسي مهني من المدرسة الروسية القديمة
يتمتع كبير الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف بخبرة دبلوماسية طويلة. وُلِدَ لافروف عام 1950 وينتمي إلى جيل الرئيس فلاديمير بوتين. وبعد دراسته في أحد معاهد النخبة الجامعية في موسكو - معهد العلاقات السياسية- مر لافروف بكل محطات الدبلوماسيين من أسفلها إلى أقصى أعلاها.
عمل لافروف بين عامي 1994 و 2004 مندوباً لروسياً في منظمة الأمم المتحدة في نيويورك. وبعد ذلك عيّنه بوتين في منصب وزير الخارجية، ويبدو أن بوتين كان راضياً للغاية عن لافروف حتى يومنا هذا، ليقضي لافروف أطول فترة أمضاها وزير خارجية روسي في هذا المنصب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بل وليصبح لافروف أطول الوزراء الروس عملاً في حقيبة وزارية على الإطلاق.
ويتمتع لافروف في أوساط زملائه وفي الأوساط الدبلوماسية المهنية بسمعة الدبلوماسي المحترف المتفاني في الدفاع عن المصالح الروسية. وحين أصبح وزيراً للخارجية استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" مراراً وتكراراً في مجلس الأمن الدولي، وهي ممارسة كانت موسكو قد ابتعدت عنها في التسعينيات.
بوتين يقلّد لافروف وسام الاستحقاق
يقول سيرغي لافروف إن مثله الأعلى هو وزير الخارجية ومستشار الامبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر أليكسندر غورتشاكوف، "فقد تمكن أليكسندر غورتشاكوف من استعادة النفوذ الروسي في أوروبا بعد الهزيمة في الحرب، ولم يفعل ذلك من خلال الحرب بل بواسطة الدبلوماسية"، بحسب ما قال لافروف ذات مرة. ويبدو أن لافروف يرى وضع روسيا مشابهاً لذلك بعد انتهاء الحرب الباردة. فهو ينفّذ سياسة بوتين الهادفة إلى جعل روسيا دولة عظمى على المستوى الدولي.
لكن الكريملين لا يعتمد على الوسائل الدبلوماسية فقط كما أظهرت الوقائع في أوكرانيا وسوريا. كما سُمِعَت بعض الضحكات على كلام الوزير الروسي لافروف حين قال في مؤتمر الأمن في مدينة ميونيخ الألمانية إن روسيا متمسكة بالقانون.
وفي عام 2015 قلَّد بوتين وزير خارجيته لافروف وسام الاستحقاق الروسي. وليس من المعروف إنْ كان لافروف ينتمي إلى دائرة بوتين الضيقة. وترى بعض وسائل الإعلام أن لافروف لا يملك تأثيراً على سياسة بوتين الخارجية وأنه لا يقوم إلا بتنفيذ ما يريده بوتين.
الدبلوماسي غير الدبلوماسي
وبشكل مغاير لأسلافه من وزراء الخارجية الروس وكذلك بشكل مختلف عن وزراء الخارجية في الديمقراطيات الغربية، يتصرف لافروف من وقت إلى آخر بشكل غير دبلوماسي. فقد أثار لافروف الضحك في روسيا والاستغراب في الخارج حين كان في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي في أغسطس/ آب 2015 في موسكو، حيث تفوه لافروف بكلمة: "أغبياء" -وهي Debily باللغة الروسية- ثم أتبعها بكلمة سب وشتم. ولم يُعرَف مَن يقصد بكلامه. وبشكل مشابه شتم لافروف أحد المراسلين الصحافيين في الآونة الأخيرة، بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام.
وفي عام 2008 بعد الحرب الروسية الجورجية شتم لافروف نظيره البريطاني ديفيد ميليباند، بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام البريطانية. لكن وزير الخارجية الروسي نفى ذلك وقال إنه كان فقط بصدد نقل واقتباس تصريحات أحد زملائه حول الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي.
مدخن وشاعر ورياضي
لافروف معروف بأنه يدخن كثيراً، وقد يعود الفضل إلى التبغ في خاصية العمق في صوته. وفي التسعينيات، تواردت أنباء عن أنه تشاجر مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بسبب منع التدخين.
وفي الوقت نفسه، يعشق وزير الخارجية الروسي الرياضة ويذهب سنوياً مع أصدقائه للتجول والمشي في الطبيعة. كما أنه يحب كتابة الشعر، وقد أصبحت إحدى قصائده شعاراً لجامعته السابقة وهي قصيدة: "هيا نَدرُس، ثم نشرب بعد ذلك حتى الثُمالة". ويبدو أن شعار لافروف في الحياة هو تفادي السقوط والإصرار من أجل بلوغ الأهداف.
رومان غونخارينكو / علي المخلافي
المصدر: دويتشه فيله
↧