صاحب الصورة،
كان قد اقتحم بيتي في جنيف السويسرية، في حزيران 1998، من ضمن مجموعة كبيرة من المجرمين الذين قطعوا مسافة 600 كيلومتر قادمين بالسيارات إلى جنيف من باريس الفرنسية، و دخلوا الأراضي السويسرية عبر معابر حدودية ريفية لا يتواجد فيها عادة أي أحد، كان ذلك الطريق البري ضروريا ﻷن بعضهم لم يكن يحمل تأشيرة دخول و أيضا ﻷنهم كانوا يحملون معهم العديد من الأسلحة و "الأدوات الأخرى" التي لا يمكن تمريرها عبر المطارات.
سوف أروي في مذكراتي ما حصل بكل تفاصيله، و سوف أذكر بالأسماء كل من شارك يومها بتلك الجريمة التي جمعت من خلال تفاصيلها، و من خلال مجموعة الأشخاص المشاركين فيها، ذكورا و إناثا، كل العناصر المطلوبة لأسميها بالجريمة الشاملة. جريمة شملت على كل قباحة الوجود، و كل همجية الإنسان، و كل أنواع الخيانة، و كل أشكال الغدر، و كل عاهات الجنون، و أبشع أصناف الظلم و القهر و الاستبداد.
من قام بها، و لماذا قام بها، و كيف قام بها، كل ذلك يضع تلك الجريمة في مصاف الجرائم الخاصة جدا. هي لم تكن جريمة واحدة، بل كانت عدة جرائم في واحدة.
حمزة علي، ذلك الموجود في صورة كان من بين المنفذين لأوامر الإجرام، و لكني حجزت له في ذاكرتي مكانا خاصا..
كلهم نفذوا الأوامر، و كلهم شاركوا بجلسة التعذيب، و كلهم تبرعوا بأن يحملوني إلى البحيرة، و لكن كل ذلك لم يكن ليحدث كما حدث لولا هذا الخائن..
كلهم خونة، نعم، و بعضهم تربع على عرش الغدر و الخيانة و كان إماما" لهما... و لكن الفرق أنني كنت أرى الغدر في عيون الجميع و لم أره في عيون حمزة..
لم أكن أعرف أنه جاء معهم، و لم أكن أدري أنه موجود في الخارج، و عندما دخل الغرفة و مد يده في اتجاهي كنت على وشك أن أرفع يدي ﻷصافحه... فهذا هو حمزة الذي لطالما بادرني بابتسامته العريضة، و بكلامه المحب، و باحترامه الفائق. هذا هو حمزة الذي كان كلما رآني يطلب، و كل ما يطلب يأخذ. حمزة الذي لم أبخل عليه يوما بشيء، حمزة الذي كان يبكيني كل ما حدثني عن أوضاع أهله في سوريا، عن فقره، عن ذكريات طفولته الحزينة، حمزة الذي كان يحدثني عن أحلامه البسيطة، عن البيت الصغير، عن السيارة "القرقوعة"، عن المطعم الصغير الذي يريد أن يفتحه في سوريا عندما يعود و معه ما يكفي من المال، حمزة الذي كان يشكو لي قلة راتبه فأعطيه من راتبي حتى يرضى... حمزة هذا لا يمكن أن يغدر بي... لا يمكن..
كنت آراهم يخرجون، و من ثم يعودون، و كرروا ذلك عدة مرات في غضون دقائق قليلة، شعرت بشيء ما يتم التحضير له في الخارج...
و فجأة يدخل حمزة... ابتسامته العريضة تعلو وجهه، نظرة الحب التي عرفتها منه هي نفسها، دخل و كانت مشيته بطيئة باتجاهي، و لكن عندما قابلته بابتسامتي.. أسرع الخطى..
غدرت بنفسي قبل أن يغدر بي حمزة، لوهلة أردت أن أنسى ما كان حاصلا، أردت أن أستيقظ من الكابوس، أردت أن أكذب عيوني.. أن أكذب الوجود من حولي.. أن أكذب تلك اللحظات المميتة..
رفع يده باتجاهي، و كدت أن أرفع له يدي مصافحا"... و لكنه لم ينتظرني حتى أفعل ذلك... صعقني بالكهرباء.. و سقطت أرضا"..
و بعد ذلك حصل ما حصل... و هجم الرجال العظماء.. و تحولت الأرانب إلى أسود..!
لم يفصل بيني و بين الموت يومها سوى صرخة امرأة خائفة: البوليس كانوا امبارح هون يا (####)... الكل رح يعرف..