Quantcast
Channel: souriyati2 –سوريتي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

“أميركا أولا”والصراع العالمي لاحقاً / بقلم رئيس مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي

$
0
0
سياسات الحماية والانعزالية و"أميركا أولا" هي الوصفة المُثلى لكارثة اقتصادية وعسكريةلا يمكن اعتبار انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة مجردَ ردِّ فعلٍ من التيار الشعبوي المتنامي ضد العولمة، فقد يمثل هذا أيضا نذيرا بنهاية "السلام الأميركي"، أي نهاية النظام العالمي للتبادل الحر والأمن المشترك الذي وضعت أسسه الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. كان ذلك النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة سببا في إتاحة 70 عاما من الازدهار، وقام على أساس أنظمة موجهة صوب السوق، تعتمد تحرير التجارة، وزيادة حركة الرأسمال، وسياسات ملائمة للرفاهية الاجتماعية، تدعمها ضمانات أميركية لأمن أوروبا والشرق الأوسط وآسيا من خلال الناتو وتحالفات أخرى عديدة. ومع ذلك؛ قد يتبنى ترمب سياسات شعبوية معادية للعولمة تقوم على التدابير الحمائية، فتعرقل التجارة وتفرض قيودا على حركة العمل ورأس المال. ولقد ألقى بالفعل ظلالا من الشك على ضمانات الأمن الأميركية القائمة، بقوله إنه سيُجبر حلفاء أميركا على أن يدفعوا مقابل مزيد من الدفاع عن أنفسهم. وإذا كان ترمب جادا في تطبيق سياسة "أميركا أولا"، فستغير إدارته الإستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة لتتجه صوب الانعزال والأحادية، وملاحقة المصالح الوطنية للبلاد فحسب. حين تبنت الولايات المتحدة سياسات مماثلة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ساعدت بذلك على غرس بذور الحرب العالمية الثانية. وكانت سياسة فرض تدابير الحماية -التي بدأت بقانون سموت هاولي للتعريفة الجمركية الذي فُرض على آلاف السلع المستوردة- الشرارةَ التي أشعلت الحروب التجارية الثأرية وحروب العملة، التي فاقمت أزمة الكساد العظيم. وبالهجوم على ميناء بيرل هاربر في ديسمبر/كانون الأول عام 1941، وجدت الولايات المتحدة نفسها -في نهاية المطاف- مُجبَرَةً على رفع رأسها من الرمال. واليوم أيضا، قد تفضي عودة الولايات المتحدة إلى العزلة واقتصارها على ملاحقة مصالحها الوطنية إلى نزاع كوكبي في نهاية المطاف. ويبدو الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في حالة تفكك بالفعل منذ الآن، وحتى دون الأخذ بعين الاعتبار احتمال انفصال أميركا عن أوروبا، وبشكل خاص في أعقاب اختيار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران المنصرم، والاستفتاء الفاشل في إيطاليا حول الإصلاحات الدستورية في ديسمبر/كانون الأول. وقد يشهد عام 2017 -فضلا عن ذلك- صعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة اليسارية أو اليمينية المناهضة لأوروبا إلى سدة السلطة في فرنسا وإيطاليا، وربما في أجزاء أخرى من أوروبا. وبدون الدور النشيط للولايات المتحدة في أوروبا، قد تتدخل روسيا في الشأن الأوروبي بروح انتقامية عدوانية. والآن تتحدى روسيا بالفعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا وسوريا والبلطيق والبلقان، وقد تستغل انهيار الاتحاد الأوروبي الذي يلوح في الأفق لاستعادة نفوذها في دول الكتلة السوفياتية السابقة، ولدعم الحركات الموالية لروسيا داخل أوروبا. وإذا فقدت أوروبا تدريجيا المظلة الأميركية الموفرة لأمنها، فلن يفيد هذا أحدا أكثر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتهدد مقترحات ترمب أيضا بتفاقم الوضع في الشرق الأوسط، فقد قال إنه سيحرر قطاع الطاقة في أميركا من أي احتياج للاستيراد من الخارج، وهذا يعني بطبيعة الحال التخلي عن مصالح بلاده في المنطقة، والاعتماد بشكل أكبر على الإنتاج المحلي من الوقود الأحفوري الذي يُطلِق الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. ويظل ترمب متمسكا بموقفه القائل إن الدين الإسلامي نفسه -وليس الإسلام الجهادي المتشدد- يمثل خطرا. ويصب هذا الموقف -الذي يتبناه الجنرال مايكل فلين مستشار ترمب القادم لشؤون الأمن القومي- مباشرة في خدمة سردية المتشددين الإسلاميين حول صدام الحضارات. من ناحية أخرى، من المرجح أن يؤدي مفهوم "أميركا أولا" في ظل حكم ترمب إلى تفاقم حروب الوكالة السُّنّية الشيعية المزمنة بين المملكة العربية السعودية وإيران. وإذا كفت الولايات المتحدة عن تقديم ضمانات لأمن حلفائها من السُّنّة، فقد تُقرر كل القوى الإقليمية -بما في ذلك إيران والسعودية وتركيا ومصر- أنها لن تتمكن من الدفاع عن نفسها إلا من خلال امتلاك الأسلحة النووية، وهو ما من شأنه أن يفضي إلى نزاع أشد فتكا. وفي آسيا وقف التفوق الاقتصادي والعسكري الأميركي خلف عقود من الاستقرار، بيد أن الصين الصاعدة تتحدى الآن هذا الوضع القائم. ولقد ارتكز المحور الإستراتيجي لسياسات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما فيما يتعلق بآسيا -في المقام الأول- على إقرار اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة، والتي وعد ترمب بهجرها منذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه. هذا بينما تسرع الصين لتعزيز روابطها الاقتصادية في آسيا والمحيط الهادي وأميركا اللاتينية من خلال سياسة "حزام واحد.. طريق واحد"، وعبر البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية والبنك الجديد للتنمية، بالإضافة إلى خططها الخاصة المتعلقة بالتجارة الإقليمية الحرة لمنافسة الشراكة عبر المحيط الهادئ. وإذا تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها الآسيويين -مثل الفلبين وكوريا الجنوبية وتايوان- فقد لا تملك هذه الدول خيارا آخر إلا الانبطاح أمام الصين، وقد يُضطر حلفاء آخرون للولايات المتحدة -مثل اليابان والهند- إلى التسلح للتصدي صراحة للصين. وهكذا، فانسحاب أميركا من المنطقة يحتمل جدا أن يعجل -في نهاية المطاف- باندلاع نزاع مسلح هناك. ومثلما حدث في ثلاثينيات القرن العشرين، حين عرقلت سياسات الحماية والانعزالية التي تبنتها الولايات المتحدة نمو الاقتصاد والتجارة العالميين، وعَبَّدَت الطريقَ للقوى الصاعدة المطالبة بمراجعة التاريخ العالمي لشن حرب عالمية، فقد تمهِّد سياسةٌ مماثلةٌ التربةَ لقوى جديدة لكي تتحدى النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وتقوضه. وقد تتأمل إدارة ترمب الانعزاليةُ المحيطاتِ العميقةَ التي تطوقها من الشرق والغرب، فتتصور أن القوى المتنامية الطموح -مثل روسيا والصين وإيران- لا تشكل خطرا مباشرا على الوطن. ورغم ذلك، تظل الولايات المتحدة الأميركية قوة اقتصادية ومالية كوكبية في عالم مترابط الأجزاء بشدة، عالم إذا تُرِكَ بلا قوة رادعة فستتمكن هذه البلدان -في نهاية المطاف- من تهديد المصالح الأميركية الأساسية الاقتصادية والأمنية (في الداخل والخارج)، وبشكل خاص إذا استطاعت توسيع قدراتها النووية وقدرتها على خوض الحروب الإلكترونية. وتشهد سجلات التاريخ بأن: سياسات الحماية والانعزالية و"أميركا أولا" هي الوصفة المُثلى لكارثة اقتصادية وعسكرية. المصدر: الجزيرة نت

Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>