سأحدثكم عن تجربتي بإعتصام عرائس سوريا
أنا (لبنى زاعور وأختي كندة والصديقتين ريما دالي و رؤى جعفر)
توجهنا بتاريخ 21/01/2012 الساعة الثانية ظهرا إلى سوق مدحت باشا
كنا قد ارتدينا ملابسنا المعتادة وفوقها لبسنا فساتين العرائس
ظهرنا بالبدلات البيضاء ووضعنا الطرحات ووقفنا في منتصف السوق بلافتاتنا الحمراء
وشعاراتنا السلمية التي ترفض القتل و سيل الدم السوري
تجمع الناس حولنا والدهشة على وجوههم حتى نادت كندة بصوت جريء (زلغطوا لعرايس سوريا)
بدأ الناس بالتصفيق و صوت الزغاريد ملأ السماء
, مشونا في السوق باللافتات
كان قد تواجد الأمن....جاء أحد العناصر قرأ الشعارات وطلب منا انزال اللافتات واتباعهم
(لو سمحتوا مشوا معنا بدون مشاكل وشوشرة مابدي مد ايدي مشوا بدون مشاكل)
مشينا برفقته إلى أمام باب حديد لمطعم , دخلنا وصعدنا عبر الدرج
وإذ بثكنة عسكرية تملؤوها العناصر , لم يكن مطعما من الداخل
كان مكان كئيب بمنظر السلاح الذي يدججه
بدأ التحقيق والتمحيص في شعاراتنا حتى وصلت دورية شرطة قامت بإصطحابنا إلى السيارة
وسارت بنا بإتجاه باب شرقي (هون عرفنا انو عفرع فلسطين )-؛ )
وصلنا ، اوقفونا في الممر و وجوهنا ملاصقة للجدار تماما
قام أحد العناصر بالزغردة في إحدى أذنينا،نوعا من التوتر و السخرية
بدأ التحقيق معنا من الساعة الرابعة مساء حتى اليوم التالي الساعة الثامنة صباحا
مررنا بثلاث طوابق للتحقيق(الخامس ثم الثالث (الأصعب) ثم الرابع
كان مضمون التحقيق عن سبب اعتصامنا و من قام بدفعنا لذلك العمل و كم دفعوا لنا من المال
(ولك انتوا كيف بتطلعوا بمكان مسيطرة عليه الدولة) هذا ما قاله أحد المحققين،
و سألوا عن فكرة الفساتين وما الغاية منها و عن اختيار المكان
تعرضنا بإحدى غرف التحقيق للألفاظ النابية (انتوا عرايس سوريا انتوا عرايص سوريا)
والترهيب والتهديد بما ينتظرنا من جولات تعذيب ، كان لابد ان نتذوق طعم كبلهم
في الصباح ادخلونا إلى المهجع غرفة متوسطة تغض بمن فيها 23 امرأة، ألتقينا بالمربية الفاضلة هند مجلي
وبعض النساء والفتيات السوريات و كان يوجد نساء من جنسيات مختلفة
وبقينا أسبوع نحدثهم عن الأخبار في الخارج ويحدثونا عن قصصهم
كان في هذه الغرفة نماذج مختلفة لم أكن أتوقع أن ألتقي بها يوما
وكان كل 4 أيام تقريبا يطلبنا المحقق لإعطائنا محاضرات
والتحقيق معنا بنفس الموضوع
قال في أكثر من تحقيق ( شو يا حمامات السلام طلعتوا عالتلفزيون ، العالم عم تحكي فيكون برا ..ألخ)
في أحد جلسات التحقيق قام المحقق بتعذيب احد المعتقلين أمام أعيننا بطريقة همجية ووحشية جدا
في البداية كان يقول اننا لم نتأخر في الاعتقال أكثر من 20 يوم
وبعد مرورهم أصبح يقول( ما بعرف شي ممكن تضلوا سنة وممكن تضلوا شهر ما عد تسألوا )
أسوء ما عانيناه هو أصوات التعذيب و رؤية الدم و الجلد على الجدران و رائحة زنخة الدم وبقايا العصا المكسرة
(مسمينها الأخضر الابراهيمي لونها أخضر تستخدم للتمديدات الصحية)
كثيرا ما كنا ننهار بكاء على صوت من يصرخ ألما على باب مهجعنا
(سماع أصوات التعذيب من أسقم أنواع التعذيب)
قضينا أيام لم انساها أبدا ...عانينا من قمل الرأس وقمل الجسم الذي كان يعشش في الملابس
(صار عندي توحد بالنقطة أي نقطة بشوفها لازم امسكها بين ابهاميني و طقها)
عانينا كثيرا من آفة القمل و من الأمراض ( الكريب، التهاب القصبات، التسمم, الالتهابات البولية...ألخ)
وأيضا كان الجوع كافر في تلك اللحظات...ننتظر بفارغ الصبر الطعام لتكون قطعة بطاطا ( تصلح لأطفال الحجارة)
و كل خميس كانوا يجلبوا لنا 3 فراريج أو 4 دون أفخاذ و الدم ما زال بداخله
هذا ما تسبب بالكثير من الالتهابات المعوية
كان الفطور (مربى تفاح مستحيل تقدر تحطوا بتمك أو بيضة ، أو لبن مفور من كتر ما محمض ، أو كم حبة زيتون جايين بخيراتهن من الشجرة عالجاط ، أو جبنة
اذا قررت تاكلها بدك تنقعها بالمي السخنة لتاني يوم لتقدر تهضمها عكتر ما هي مالحة)
قضينا الأيام بملل وانتظار يأكل رأسنا ...في ذلك المكان تتغير تصرفاتك تصبح حشريا وفضوليا جدا :(
( اذا بتنقال كلمة وما بتسمعها بتعمل عرس لتعرفها
وكتير ممكن تقاتل على حبة بطاطا محجرة أو على حجم حبة البندورة ....ألخ) :(
لتضيع الوقت لأن الملل لا يوصف حتى وجدنا شيء نلهي أنفسنا به
أصبحنا نقوم بتسحيب الخيطان من الحرامات العسكرية و عمل مسابح واكسسوارات
(مرة دخل علينا سجان انصدم بالمهجع كلو حاطط راسو ببطانيتو ونازل تسحيب خيطان قال يخرب بيتكون فاتحين مشغل هون ) ?
وقمنا بعمل ورق شدة من كرتون الدخان ( للطرنيب ) :)
كان يوم عيد رأس السنة يوم صعب جدا :(
قمنا بالترتيب لسهرة صغيرة تنسينا كآبتنا وكآبة كل من في الغرفة جمعنا البطاطا المسلوقة وقمنا بعمل قالب كيك
(فعست رؤى البطاطا وعملتا بشكل قالب و زيناه بالزعتر وكتبنا عليه بالزيتون 2013 ياريت كان معنا كاميرا)
وقمنا بترتيب برنامج غنائي كانت مطربة الغرفة أختي كندة لأن صوتها حلو
و رؤى كانت تقوم بإستقبال الاتصالات من الجمهور (المساجين)
كانت سهرة جميلة و بريئة بكل تفاصيلها
ومضت الأيام بثقلها ومرها وحلوها علينا حتى طلبنا المحقق ليكتبنا تعهدات بعدم الخروج مرة أخرة
وليخبرنا بإطلاق سراحنا ثاني يوم صباحاً بعفو أصدره سيادة رئيسهم
خرجنا بتاريخ 09/01/2013 إلى قيادة الشرطة
يوم الثلج في الشام خرجنا عدة باصات من الفرع وكانت باقي الباصات مخصصة للمعتقلين الشباب
كان أغلبهم باللباس الصيفي والمهترى جالسين وجوههم إلى الأرض
ويعتلي فوقهم عنصر أمن مع سلاحه
تمنيت في تلك اللحظة لو انه بإستطاعتي أن أصرخ وأبارك لهم كانت لحظات لا أحد يشعر بها سوى من كانوا
لا يمكن وصفها
وصلنا للقيادة وتفاجئنا بإن حقيقة العفو هي عبارة عن صفقة تبادل أسرى
ألتقينا بالبنات المفرج عنهم من باقي الأفرع وسمعنا بقصصهم ...قصص مؤلمة جدا
وفي الرابعة مساء خرجنا من القيادة رأيت الناس بالمئات أمام القيادة بإنتظار أبنائهم
منظر مؤلم أعاد إلى ذاكرتي صورة أهالي الجولان وهم متشوقون لرؤية أبنائهم
الانتظار .... أسوء ما يعانيه المعتقل
كانت تجربة غنية ورائعة على الصعيد الشخصي
لحظة خروجي عرفت ان اعتقال دام 50 يوما يستحق تلك اللحظة...!!!!
( قبل ما أطلع بيوم قلي المحقق لبنى لا تنسي تكتبي مذكراتك بالسجن عنا (عم يتمسخر )
لبنى