ببطء تتحرك السيارة في شمال مدينة دورتموند، على المقود تجلس الشرطية "تانيا كامبوري" بلباس مدني، وبجابنها يجلس مصور.
تسود حالة ارتياب لدى المارة، يوجهون شتائماً وتهديدات، الشرطية تشعر بالتوتر: "يجب أن ننسحب بسرعة .. تواجدنا هنا خطر جداً"، تضغط على البنزين بسرعة، وتضيف : "نحن (الشرطة) نفقد سيادتنا على الشارع".
نقلت صحيفة "مورغن بوست الألمانية" هذا المشهد، بحسب ما ترجم عكس السير، عن فيلم وثائقي لقناة ZDF الألمانية، بعنوان: "حقوق من دون قوانين"، والذي يتناول نظام العائلات والعشائر الأجنبية، وخاصة العربية منها، في ألمانيا (الشرف - الفخر - التعاون مع السلطات - ).
تبرز هذه الظاهرة على نحو خاص في برلين وفي ولاية شمال الراين (كولن - دورتموند - إيسن - دويسبورغ)، والفيلم لا يتحدث فقط عن قلة أو عدم إحترام من تم ذكرهم لرجال الشرطة، أو التهجم عليهم فقط، بل عن المفاهيم العشائرية للعوائل العربية وخاصة فيما يتعلق بمفهومهم للقضاء، والذي جلبوه معهم إلى ألمانيا، حيث أن هذا المفهوم (كما وصف من قبل منتجي الفيلم) يبيح ويعتبر أساليباً كاستخدام القوة الجسدية والزواج القسري والثأر بالدم و جرائم الشرف، وسيلة لحل المشاكل.
ويعني هذا أنه عندما ينشأ خلاف بين عشيرتين فإن الحل يتم التوصل إليه بشكل داخلي دون اللجوء للجهات الرسمية، وفي حال تدخلت السلطات، فإن الطرفين يلتزمان الصمت لتعقيد الأمور أمام المحكمة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إغلاق ملف القضية.
وعلق القاضي في ولاية بريمن "كلاوس ديتر شرومك" على هذه الحالة بالقول: "نحن نقف أمام حاجز من الصمت .. وبذلك تصبح سلطة الدولة بخطر".
ويعرض الفيلم الوثائقي "شهادات مروعة لعالم العنف المرتبط بتلك العوائل"، يدلي بها عناصر شرطة وقضاة وباحثون وحراس شخصيون.
ويروي الفيلم حادثة تعرض ملاكم ألماني من أصول لبنانية - سورية، لإطلاق نار في حفلة بمدينة إيسن بعد شجار على فيسبوك في أيلول 2015.
الملاكم الذي فر من الحرب الأهلية اللبنانية لم يستطع التخلص من النظام القبلي الذي نشأ فيه، وقال للمحكمة تعليقاً على ما حصل : "لم يكن لدي أدنى فرصة"، ولم يدل بتصريحات حول مطلق النار إلا بعد أن تم تهديده بالسجن من قبل المحكمة، إن قام بالتكتم على المعلومات.
وقال "ديرك ياكوب"، من الأمن الجنائي في برلين، إن 25% من الجرائم المنظمة في المدينة تقوم بها العشائر، وخاصة العربية منها.
وأشار الفيلم إلى أن مرتكبي حادثة السطو الكبيرة (المشهورة) على متجر التسوق "كاوفهاوس ديس فيستنس في 2014 ، كانوا على علم تام بأن كاميرات المراقبة تصورهم، لكن العائلات الكبيرة تشكل حماية لهم، وفق ما أوضح الخبير الأمني "مايكل كوهر".
ويختم القاضي شرومك بالقول إن تدفق اللاجئين سيزيد من تعقيدات هذه المشكلة مستقبلاً، فيما طالبت الشرطية تانيا بوضع "نهاية للخط المعتدل واللطيف الذي تسير وفقه السياسة والقضاء، وإلا فإن الوضع سيزداد سوءاً".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: عكس السير
↧