يصعب، بالطبع، ذلك. كيف ستفعل أصلاً. خصوصاً في الأعمال الأدبية والفنية، مع أن الكتب تخضع، في العالم المتحضّر، لرقم فهرسة خاص، يلحظه هذا التعريف الذي قرأته في "الموسوعة الحرة": "يعد الرقم الدولي المعياري للكتاب أحد أنظمة القياس الدولية، أداة عصرية سهلة، تمكّن الباحث أو القارئ من التعرّف على أحد العناوين، أو الطبعات، الصادرة عن ناشر معين في بلد معين. وهو رقم فريد للعنوان أو للطبعة الواحدة. إن الرقم الدولي الموحد للكتاب (ردمك) هو أقرب إلى رقم الهوية الذي يُعطى للأفراد للتعريف بهم، ولكنه رقم يعمل به على مستوى العالم، فيطبع على الكتاب مسبوقاً بالحروف "ردمك" للمطبوعات باللغة العربية، و"ISBN" للمطبوعات بلغات أخرى".
هناك إذن "بطاقة هوية" لكل كتاب. تعرّف به جنساً، بلد إنتاج، دار نشر، اسم كاتب، وما شابه من عناصر تختص بعالم النشر.. والقصد من ذلك، على ما يبدو، وضع أرشفةٍ كونية للكتاب. وهذا ربما ما كان يحلم به بورخيس، في تصوّره، للكون المكتبة، والمكتبة الكون. لا بدّ أن بورخيس عاش جانباً من هذا الجهد الأرشفي، عندما كان مديراً عاماً للمكتبة الوطنية في الأرجنتين. لكن هذا المسعى إلى حصر الكتب في خانات، وأجناس، وربطها بأرقام خاصة بها، لا يتكفّل بحماية النتاج الفكري. هذا ليس ما تقوم به الهيئة التي تسهر على "الرقم الدولي المعياري للكتاب". هناك جهات اختصاص أخرى لحماية الملكية الفكرية. ولكن، ليس في العالم العربي، وإنْ وجدت، اسماً، فليست فاعلة.
أثار اهتمامي بموضوع عنوان الكتاب مقال للروائي نبيل سليمان (نشره في "ضفة ثالثة")، أثاره عنده مقال للكاتب صقر أبو فخر (في "ضفة ثالثة" أيضاً) تحدَّث فيه عن "تشابه" عناوين روايات حنة مينة بعناوين أعمال عالمية. لكن "تقصّيات" صقر أبو فخر، المولع بتتبّع انتقالات الأسماء من مكان إلى آخر، وردّها إلى شجرة عائلية، فرّت منها وولت الأدبار، لا تقارن، ألبتة، بالجدول الذي وضعه نبيل سليمان لـ "تشابهات" أعمالٍ أدبيةٍ عربيةٍ بأخرى عربيةٍ حد "التطابق". وهو ما يرقى الى وصفه بـ "سرقة" العلامة التجارية التي ابتدعها الآخرون. يقول سليمان: " ثمّة من يرى في العنوان ما للاسم بالنسبة للإنسان: العنوان اسم. ولكن، من يسمّي ليس دائماً الأهلون – الكاتب (ة)، بل قد يسمّي – يُعَنْوِن الناشر أو من به يستعين الكاتب. أليس تنازع العنوان، إذن، بين نصّين أو أكثر، مثل تنازع الأسماء؟ أليس من حق من سمّى – عَنْوَن أولاً أن يرى في استخدام سواه لعنوان سبق هو إليه، اعتداءً؟ ولكن كيف يصح ذلك مادام ليس من (طابو – شهر عقاري) للأسماء"؟
وبدوري أتساءل: حقاً كيف؟
جاء نبيل سليمان على ذكر "الطابو" (كما نردّد في بلاد الشام)، و"الشهر العقاري" كما تسمى الهيئة المكلفة حماية الملكيات، خصوصاً، العقارية في مصر. وكلمة "شهر" لا تشير إلى الزمن وإنما تعني: الإشهار والإعلان، أو ربط "الملكية" بمالك. لا يمكن لنا أن نسمي دكَّانين في بلد واحد بالاسم نفسه. ترفض الأمر وزارة التجارة والصناعة. سيقولون لك: فتش عن اسم آخر. هناك قيد بهذا الاسم.
من سيقول لك ذلك بخصوص العنوان الذي نحتَّه وصقلته وخلعته على عملك الأدبي؟ لا أحد. مذهلٌ تطابق عناوين الأعمال الروائية والقصصية التي أوردها نبيل سليمان في جدوله، متأسياً، فقط، على ما ورد في السطر الأخير في الجدول: "بنات نعش"، رواية لنبيل سليمان، صادرة عام 1990، و"بنات نعش" رواية للينا الحسن صادرة عام 2015!
ولكي لا أختم هذه الكلمات بالآخرين، هي فرصةٌ أن أضيف نفسي إلى جدول نبيل سليمان، فعملي الروائي الأخير "هنا الوردة" (دار الآداب 2017) تسبقه مجموعة قصصية بالعنوان نفسه للكاتب البحريني أمين صالح. لكن: هنا الوردة ليست عنواناً من بنات أفكارنا ونحتنا، أمين وأنا، إنه من مقولة ماركس الشهيرة الواردة في كتابه "الثامن عشر من بروميير": هنا الوردة، فلنرقص هنا.
لم أعرف بوقع عنوان روايتي على "حافر" عنوان مجموعة أمين صالح القصصية إلا من طريق صديق. هو الذي نبّهني إلى عنوان كتاب أمين صالح، الصادر في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. ولكن، بعدما صدرت روايتي، وسبق السيف العذل.
المصدر: العربي الجديد - أمجد ناصر
↧