![]()
أوّلا- رسالة الصديق وائل السليم إلى حمزة:
لا بأس هنا نبدأ، بسم الله، صديقي دكتور حمزة ..القرآن الكريم.. ليس نصوص ثقافية وروايات ادبيه.. وقصص خرافية ..ليستطيع فهمه وانتقاده كل من أراد ذلك ..القرآن ..لا يمكن مطلقاً أن يفهمه من يظن أنه صاحب حنكة وفطنة وعلم، يستطيع وضعه في الميزان! ..وهو مغلق مستحيل الفهم على ..المشككين والناقدين ..والمستخفين " وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ" فصلت 44
فهم القرآن ليس خياراً متى شئت ..هو كنز ..وأسرار. طبيعة البشر الفرعونية و الجاحدة هي الاستغناء في الحين و اللحظة ..أن رآه استغنى ..ان إلى ربك الرجعى، القرآن العظيم لا يهتم بسفاسف الأمور التي تركها لعقلك الأمانة كيف تتصرف بها. الطباخ الماهر يحبك طبخته فنتلذذ بها ونثني عليه وهنا ينحصر الفهم المبتور بمهارة الطباخ...ونتيجة للاضمحلال العقل و الاستغناء والجحود والتقييم اللحظي للعقل ..نسرف في تقدير وتقديس والثناء على الطباخ الماهر.. وننسى.. أن نسأل ..عن كنه المواد التي استخدمها من أين جاءت وكيف نبتت، لذلك لا يهتم القرآن العظيم بصنع الطباخ ولا يريدك أن تهتم فهناك طباخون أمهر منه ويطبخون طبخات مختلفة او مثله.
لذلك لم يتعرض القرآن العظيم لسفاسف الأمور وتصريف المادة ..بل للمادة ذاتها التي ابدعها الخالق من العدم هنا يريدك القرآن أن تسأل، ولهذا لم يعرض القرآن الكريم طريقة طبخ رز الكبسة والمنسف، بل قال" إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام : 95-99
فالق الحب والنوى.. ذلكم الله
..ذلكم الله فأنى تؤفكون
....ذلك تقدير العزيز العليم
....قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون
....قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون
إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون.
القرآن العظيم لا يعارض العلوم التي قدسناها ..فلا يعرض طريقة صناعة ضوء السيارات و البلجكتورات ..لأنها في النهاية نتاج استخدام عقلك الذي وهبك الله لتشكر...هذا من فضل ربي لينظر أأكفر أم أشكر ..هكذا قال العارفون بالله. انوار السيارات والمصابيح و البلجكتورات و إنارة الطرق هي مصابيح تنضب وتتعطل ..فلذلك كانت مجرد علم ناقص و قليل ..الله أرادك لتسأل عن سراج السماء و نورها وزينتها التي لا تنضب ولا تتعطل ولا تطغى ولا تنقص ..والسماء رفعها و ضع الميزان. الله وجهك لتنظر في نفسك ،عندما يتعطل جهاز كمبيوتر فإنك تستبدل القطع المتعطلة لكن عندما تفقد عقلك فإنه لن يصلحه احد ولن يتبدل ..وحين تفقد أحد حواسك ..فإنه يستحيل اصلاحها او تبديلها. الله قال لك لا تسرف وتستغني وتتكبر وتجحد، ولا تغتر ولا تفرح بما عندك من العلم فهو ليس من عندك ..أنت ايها الانسان مجرد مكتشف لقوانين موضوعه ومطلقه اصلاً ومستخدم لها ومستفيد منها ..فلا تكفر.. وتتكبر على الله.. بل تذكر.. وتفكر، وما اوتيتم من العلم الا قليلا. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} غافر : 82- 85 لن تستطيع تجاوز فهم القرآن إذا كنت تدخل عليه من باب النقد وايجاد الاختلاف والتفنيد فهذا مما لا طاقة لك به، انظر إلى.. الوعيد الذي نزل على ابي لهب ، وهو وعيد مستقبلي جاء بصيغة الحدوث المطلق وأنه حاصل لا محاله وبتحدي مبرم، سيصلى نار ذات لهب و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد، لم يهتدي ابي لهب ولا زوجته ولا كل كفار قريش ليقولوا له ما عليك سوى أن تنافق وتخدع محمد وتهدم كل ما جاء به، فتدعي اشهار اسلامك.. وتنسف كل ما جاء به محمد.. من قوله تبت يدا ابي لهب.. وانك قد صليت النار. ولأن القرآن ليس نصوصاً ادبيه ورسائل لغويه عاديه.. فلم يهتدي ابي لهب ولا زوجته ولا كل من معه، فقد أعماه الله وكل من معه ، وختم على سمعه وقلبه فلم يفطن ولم يدرك ذلك، لا ادري متى سنهتدي، اللهم اهدني و اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.. ولا اعلم.
وتحياتي لكم
ابو شامان
^
ثانيا- تعقيب حمزة رستناوي على رسالة وائل السليم
أ- بداية أشكركَ على أمانيكَ في هداية صديقكَ الضال حمزة رستناوي، وهذه فضيلة تُحسبُ لكَ ، لنقارن مثلا بين رسالتك اللطيفة هذه و بين رسائل تهديد و تكفير تصلني من أناس أعرفهم ولا أعرفهم بين الحين و الآخر! أنتَ تريدني أن أكون مثلكَ وأفهم الدين والقرآن الكريم على طريقتك التي تراها صحيحة ، إذن أنتَ تريد الخير لي في النهاية ، و تُشفق عليَّ أن أتعذب يوم القيامة في نار جهنّم، وهذا شعور طيب، ينمّ عن محبّة ورغبة في عموم الفلاح والخير للناس.
ب- أشكر لكَ استخدامك اللطيف لضمير المتكلم (نحن) و الذي شملتَ به نفسكَ تواضعا (متى سنهتدي، اللهم اهدني و اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.. ولا اعلم) رغم أن المُخاطب الرئيس و الصريح في هذه الرسالة هو شخصي، و لكنّك شملتَ نفسك لعدم ايذاء شعوري، و لكي لا تنتفض أنانيتي دفاعا عن نفسها و تأخذني العزّة بالآثم .
ت- أوافقكَ الرأي بأنّي- لا سمح الله- لو فقدتُ عقلي أو تخرّب دماغي لن أستطيع استبداله بدماغ آخرو قد يتعذّر على الآخرين اصلاحهُ ، وأنا من واقع خبرتي كطبيب اختصاصي في الأمراض العصبية أؤكد لكَ ذلك، و أوافقك الرأي بأنّ إصلاح السيارة أسهل من اصلاح الانسان، و أوافقك الرأي بأنه لو عُطبتْ عيني – لا سمح الله- فقد أقضي بقيّة حياتي متعثّرا أعمى! فالعلم نسبيّ و قاصر.. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
ث- أوافقك الرأي بأن القرآن الكريم كتاب عربي، وليس كتاب أعجميّ فهو ليس بكتاب فارسي أو صينيّ مثلا، و أوافقك الرأي بأن الروس و سكان بلاد الغال و الفنلنديين لن يفقهوا كلمة واحدة من القرآن الكريم لكونهم ( أعاجم ) و سبحان الله الذي سخّر لنا تطبيقات الترجمة على الآيفون وسخر لنا غوغل تراتسليت وسماعات الترجمة الفورية، و كم يحزّ في قلبي أنّ مخترع الآيفون و غوغل و سماعات الترجمة الفورية لم يكونوا من السلف الصالح و أجدانا العظماء من العرب المسلمين .
ج- أوافقك الرأي بأنّ القرآن الكريم لا يعرض لطريقة صنع السيارات و أضواء السيارات أو حتّى ابرة الخياطة ، و أوافقك الرأي بأنّ القرآن الكريم لا يعرض لطريقة صنع الحصان أو حتّى حَدْوَة الحصان، و أوفقك الرأي بأنّ حفظ القرآن الكريم غيبا لا يُغني عن حضور دورة قيادة السيارة، و لا يغني أيضا عن قراءة دليل استخدم الميكروويف الذي تستخدمهُ ابنتي بيسر و سهولة.
ح- و أشكرك يا صديقي وائل على تشبيهِ موقفكَ معي بالهداية ، بموقف النبي الكريم محمد من أبو لهب، ليقيني بأنّ عبد العزى بن عبد المطلب ( أبو لهب) أفضل مثلا من رادوفان كاراديتش أو رفعت أسد أو معمر القذافي أو اسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي أو الحجاج بن يوسف الثقفي.. فأبو لهب لم يقتل أحدا في حياته على عكس هؤلاء السفاحين القتلة.. و لا تخلو حياته من بعض المكارم، ومنها أنّ أبوه عبد المطلب ( جدّ النبي الكريم) هو الذي لقّبهُ بأبي لهب لفرحهِ بولادة ابن أخيه النبي محمد ، فقد ورد في سيرة ابن هشام " الاسم المشهور له هو أبو لهب، لقبه إياه أبوه عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه، يوم ولادة محمد صلى الله عليه وسلم ،جاءت جاريته ثويبة وبشّرته بميلاد ابن أخيه ففرح لذلك وحرّرها من الرق".
أخيرا - أدعوك يا صديقي وائل ( أبو شومان ) الى اعادة قراءة ما ورد على الغلاف الأخير من كتابي (الاعجاز العلمي تحت المجهر - القاهرة 2015)
[ القول بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم شيء , و الإيمان بالقرآن الكريم ككتاب مقدّس من مصدر إلهي شيء مختلف , وهما ليسا بمتلازمين .فالمسلم ليس بحاجة للإعجاز العلمي كي يكون مسلماً صالحا , و هو سيصوم رمضان بغض النظر عن الإعجاز العلمي في الصيام على سبيل المثال. إن كتابات الإعجازيين تعاني عيبا منهجيا في خرقها لمنهج البحث العلمي بحد ذاته , ثمّ إن لكل علم ثمرة في الحياة , و ثمرة العقيدة تُترجم في صلاح الإنسان و المجتمع. بعد مرور ما يزيد نصف قرن ماذا جنى المسلمون بوجود هذا الجيش الجرار من الإعجازيين و الميديا المسترزِقة بهم. كم من الأدوية اخترعوا , و كم من الاكتشافات الفلكية و التكنولوجية قدّموا لنا ؟ لماذا لا نُعجِزْ العَالَم بالعِلم , و ليس بالإعجاز العلمي؟ فهل الإعجاز العلمي – في حال وجوده - حجة على المسلمين أم حجة ضدّهم؟ أم أنّه محاولة للهروب من تحدّيات علينا – كمسلمين - مواجهتها و التعامل معها؟ هذه بعضٌ من هواجس الكتاب.. يحاول الكاتب حمزة رستناوي الاجابة عليها ]
المصدر: الحوار المتمدن