حتى لو أردت الابتعاد عن السياسة في قضية المأساة السورية التي تتحول، شئِنْا أم أبينا، إلى ساحة من ألاعيب العار البشري، مُغطّى عليها بمسحةٍ إنسانيةٍ، فأنت ستكون مُضطراً لأن ترى ما يجري بحق أطفال سورية سياسيّاً.
ليس مثار سخرية، ولا استهزاء، أن يرتدي مُحتلّون وقتلة أطفال ومرتكبو كل موبقات إفناء الوجود الفلسطيني، باسم خرافة الدين والوعد الإلهي، صوفَ حمل وديع. طالما تفنّنوا في استخدامه كذئب، قلبُه على أيتام سوريين.
في بريطانيا، ذهب كنيس يهودي في ستريتهام، جنوبي لندن، وبضجة مفتعلة، إلى تقديم نفسه كمنقذ لعائلة سورية، بجمع المال لشراء منزل واستقبالها فيه. نعم، كنيس يهودي في غمرة فضائح ما تفعله لوبيات إسرائيل، يريد أن يقنع البشر بأنّ قلبه على السوريين. حاخامهم الأكبر كانت أقل شتيمة تصدر من فم تعاليمه، وما ينشره على أرض فلسطين، بحق العرب “أبناء الأفاعي”.
عوباديا يوسيف لم يختلف كثيراً عن رحبعام زئيفي ومائير كهانا وموشي ليفينغر. “الذبح للعرب” هو شعار هذا الرهط الذي فجأة يقلب إلى لغة تتعامل معها للأسف بعض وسائل إعلام العرب ومواقع سورية، وكأن في الأمر ما يستدعي كل الشتائم بحق العرب، “فإسرائيل قلبها على السوريين أكثر من العرب”، يكتب أحدهم. بل، وفي موقع فلسطيني داخل الخط الأخضر، يكتبُ شخص اسمه، سعيد بشر، ما يندى له الجبين وصفاً ودونيّة في التسمية لعرب 48 “نحن الغالبية من الوسط العربي نثمن الموقف الإنساني”. وليستكمل بشر ما يريده بالتحديد مع 10 علامات تعجب المقصود منها هو الشتم ضد كل العرب “وخاصة الدول النفطية”.
يوم الخميس 26 يناير/ كانون الثاني “تقر إسرائيل خطة لاستقبال 100 طفل سوري يتيم ومنحهم الجنسية”.
أي نعم، هناك تقصير عربي كبير في قضية السوريين، وتأفُّف وترفُّع حد العنصرية بحقهم. ويمكننا أن نجد ألف نقد على مواقف خليجية. وبالأخص، تلك التي تفتح أبوابها لاحتضان أركان نظام قاتل، ومنهوباتهم من الشعب السوري.
لكنْ، أن يقدِّم البعض خبراً مثل خبر الكنيس اليهودي في لندن، ثم تصديق مُجرم حرب كأرييه درعي في صورة إنسانية، فذلك أمرٌ لا يمكن هضمه، لا منطقاً ولا تاريخاً ولا ثقافة، أياً كانت توجهات الإنسان، مؤيداً كان أم معارضاً لسفاح أوصل شعبه إلى حالة لم يفعلها فاشيّون كُثُر قبله.
أما الحقيقة، التي لا يمكن لمن يملك قليلاً من المعرفة بطريقة عمل وتفكير عتاة الصهيونية والمتصهينين، غرباً وشرقاً، القفز عنها. فهي عكس تلك الصورة الإنسانية التي يبدو فيها أن حقائق كثيرة غيبت عن عقول لم تر في العرب يوماً، وغير العرب من أهل المنطقة، سوى “الأغيار” المُحلَّل قتلهم بكل وسيلة.
منذ بداية الثورة السوريّة الشعبيّة، لم تجرؤ وسيلة إعلامية “ممانعة” على نقل حقيقة موقف حاخامات وساسة وجنرالات دولة الاحتلال تجاه صديقهم في دمشق.
وفي مثل هذه العجالة، لا يمكن سرد كل الغزل المتبادل بين نظام إجرامي يحرس جبهة الجولان برموش عيونه، ويمنع أهل القنيطرة من العودة إليها دون موافقة أمنية. لكن يكفي التذكير بمسار “الغموض” السياسي لتل أبيب وتفجر عواطف الحاخامات بدعوة الرب ليحفظ نظام بشار (ملك ملوك إسرائيل)، بعد أن وصلت رسالة ابن خالة “قائد الممانعة”، وزعيم عصابات التعفيش اليوم، رامي مخلوف، عن الأمن المتبادل.
وأيضاً في ذات السياق من يعرف كيف تدار عملية اللوبي الصهيوني في أميركا، سيعرف تماماً أية علاقة ربطت بين مسؤول “إيباك” السابق، وأركان في نظام الممانعة الذي يهذي على وسائله عن مؤامرة صهيونية. سواء كان في فترة المقداد أو المعلم أو الجعفري.
كاتب هذه السطور ذكر أن أخطر ما قام به ما يسمى “معسكر الممانعة” الممتد من طهران، المستقبلة لزيعم اللوبي الصهيوني في اسكندنافيا، سورن اسبرسن، إلى أبو عزرائيل في العراق، وصولاً إلى موبقات صاحب الشعارات عن المظلومية، وهو يفتعل الآن ما فعلته سواطير رجاله في سبينة والحسينية وداريا والقلمون والقصير، قتلاً وتهجيراً بشعارات طائفية مقيتة. أقول بأن أخطر ما قدمه هذا المعسكر، الذي ظل متمسكاً بحكم قاتل يحكم بتفاخر استيراد عصابات طائفية من أصقاع الأرض، مضافاً إليهم كل جبناء الفاشية الغربيين والشرقيين، من روسيا وأوكرانيا، هو أن تجعل من قتلة متمرسين يرون “العربي الجيد هو العربي الميت” يقدمون أنفسهم بصورة الحمل الوديع و”المتفوق أخلاقيًا على العرب جميعًا”.
المصدر: العربي الجديد – ناصر السهلي