يعمل النظام وحلفاؤه على "تسميم" أجواء مفاوضات جنيف 4، قبيل يومين فقط من انطلاقها، بارتكاب المجازر والاعتداء على مناطق تفرض المعارضة السورية سيطرة عليها، خصوصاً على أطراف العاصمة دمشق، في محاولة واضحة للضغط على وفد المعارضة المفاوض في مدينة جنيف السويسرية، فيما حذر وفد الفصائل العسكرية من أن التصعيد من قوات النظام يقوض اتفاق وقف إطلاق النار، ويجهز على فرص الحل السياسي.
ويعيد النظام "سيناريو الرعب" الذي اتّبعه قبيل وإبان الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف في أبريل/نيسان من العام الماضي، حين ارتكب مجازر مروعة شرقي حلب، وفي دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية، ما دفع المعارضة حينها، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بعدم تنفيذ الشق الإنساني من القرار الدولي 2254، لتعليق مشاركتها في المفاوضات.
وبات واضحاً أن النظام وحلفاءه يهدفون من وراء التصعيد إلى ممارسة أعلى درجات الضغط النفسي على المعارضة لدفعها مرة أخرى للانسحاب من المفاوضات، لإظهارها بمظهر المعطّل للمسار السياسي. ويشير المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن النظام "يقوم بتصعيد هجومه، وارتكاب الفظائع والمجازر كلما اقترب موعد جولة مفاوضات".
وحذر أعضاء الوفد العسكري الذي شارك في جولتي اجتماعات أستانة، من أن التصعيد واسع النطاق من قوات النظام والمليشيات المساندة "يقوّض مشروع وقف إطلاق النار، ويجهز على فرص الحل السياسي"، وفق بيان صدر عن الوفد مساء الأحد. وأشار الوفد إلى أن روسيا "فشلت في ما التزمت به من وعود، لوقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين وفك الحصار"، مشيراً إلى أن قوى الثورة العسكرية "دعاة سلام"، وهي "سعت للحل السياسي العادل، ووقف إطلاق النار، حقناً للدماء ورفعاً لمعاناة الشعب، لكن قُوبل ذلك برفض الطرف الآخر، وفرضت علينا الحرب".
في غضون ذلك، لا يزال وفد المعارضة السورية يدرس أوراقه التفاوضية في العاصمة السعودية الرياض لوضع "استراتيجية تفاوض" بناء على بيان جنيف 1، والقرار الدولي 2254، ووفق انتقال سياسي جدي في سورية يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تنتقل إليها مهام رئيس الجمهورية، وتدير مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور.
وذكرت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات لـ"العربي الجديد" أن أعضاء وفد المعارضة والمستشارين، وبعض أعضاء الهيئة العليا سيبدأون بالوصول إلى جنيف، اليوم الثلاثاء، حيث من المقرر إجراء لقاءات "تمهيدية" مع الموفد الأممي، ستيفان دي ميستورا، قبل بدء التفاوض الرسمي مع وفد النظام الخميس المقبل.
وحسم دي ميستورا الجدل حول مشاركة منصة القاهرة في المفاوضات، إذ وجّه لها دعوة مستقلة، في تحدٍ واضحٍ للهيئة العليا، التي كانت رشحت جمال سليمان وهو أحد شخصيات المنصة ليكون ضمن وفدها المفاوض، إلا أن منصة القاهرة رفضت، وطالبت بما سمته "تمثيلاً متساوياً" مع الفصائل العسكرية وهيئة التنسيق الوطني والائتلاف الوطني السوري، الأمر الذي رفضته الهيئة العليا للمفاوضات. وأكد جهاد مقدسي، أحد أبرز شخصيات منصة القاهرة، أن منصته "ستحضر احتراماً للعلاقة مع الأمم المتحدة، ولكي لا نُحمَّل وزر إفشال أية مساعٍ تهدف لوقف الحرب ببلادنا وإنجاز الحل السياسي العادل"، وفق تعبيره.
من جهته، اعتبر الناطق باسم الهيئة العليا، رياض نعسان آغا، أن دعوة منصة القاهرة إلى مفاوضات جنيف، محاولة من المبعوث الأممي لـ"إرضاء الروس"، مضيفاً، أن دي ميستورا "كان موافقاً على مقترحنا".
في السياق، أعلن رئيس منصة موسكو، قدري جميل، رفضه عرضاً من الهيئة العليا للمفاوضات لمشاركة المنصة في وفدها من خلال علاء عرفات، وهو أحد شخصيات المنصة، مؤكداً عدم المشاركة في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، متهماً الموفد الأممي بعدم الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254 بما يتعلق بتشكيل وفد المعارضة.
وتُتهم منصتا القاهرة وموسكو بالتماهي مع الرؤية الروسية للحل السياسي في سورية والذي يدفع باتجاه المحافظة على النظام، وفرض دستور على السوريين كتبه خبراء روس، وبقاء بشار الأسد في السلطة، مقابل تشكيل ما يُسمّى بـ"حكومة وحدة وطنية" تشارك فيها المعارضة، وتسعى موسكو أن تكون بديلاً لهيئة الحكم الانتقالية.
في السياق، حذر فيتالي نعومكين، المستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سورية، من مغبة تشظي سورية إلى مناطق نفوذ شبيهة بالدول إذا ما طالت التسوية السياسية في هذا البلد. واعتبر نعومكين، أن صمود الهدنة في سورية وطول أمد العملية السياسية للتسوية، أو انهيار جهود التسوية بالكامل فيها، قد يجعلها تواجه تقسيمها إلى مناطق نفوذ. وتابع: "إذا ما حالف النجاح عملية أستانة وتم على الأرض تنفيذ مقرراتها وتثبيتها، سوف تبرز حينها، ولجملة من العوامل، مسألة تقرير مصير المناطق الخاضعة لأطراف النزاع وتلك التي يستمر تحريرها من الإرهابيين". ورأى نعومكين، أن ما يعزز سيناريو الفدرالية على الأرض في سورية، المقترح الذي طرحه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإقامة مناطق عازلة في سورية.
ميدانياً، وفي تصعيد جديد للنظام السوري، قُتل سبعة مدنيين وأصيب آخرون، أمس الإثنين، جراء غارة من الطيران الحربي على منطقة الحافظ في برزة، بينما تعرضت مناطق قريبة من المكان المُستهدف لقصفٍ مدفعي، بحسب ما أوردت مصادر محلية هناك، وذلك بعد يومين من سقوط نحو 15 قتيلاً، بقصفٍ طاول حي القابون المجاور.
وفي محيط دمشق أيضاً، لكن في ريفها الشمالي الغربي، علمت "العربي الجديد"، أن عدداً من مقاتلي المعارضة السورية مع عائلاتهم ومدنيين آخرين، سيتم نقلهم باتفاقية مع النظام، من بلدة سرغايا المجاورة للزبداني وبقين، نحو محافظة إدلب شمالي سورية. وقالت مصادر محلية هناك، إن عدداً من مقاتلي المعارضة، رضخوا لـ"تسوية وضعهم" ضمن "مصالحة" مع النظام، فيما رفض نحو 350 الأمر، وهم من "سيتم تهجيرهم من سرغايا، ومعظمهم من أبناء مدينة الزبداني النازحين إلى المدينة".
أما في جنوب البلاد، فقد شن ما يُعرف بـ"جيش خالد بن الوليد" التابع لـ"داعش"، هجوماً كبيراً على مواقع تسيطر عليها المعارضة السورية في محافظة درعا، وسيطر على مناطق جديدة بريف المحافظة الغربي. وقال الناشط أحمد المسالمة لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم بدأ في محور الوادي على الأطراف الغربية من بلدة حيط، متزامناً مع هجوم آخر من محور بلدة سحم الجولان، حيث دارت معارك ضد الجيش السوري الحر في المنطقة، لكن عناصر "جيش خالد" نجحوا لاحقاً بالسيطرة على أجزاء من بلدة تسيل وسحم الجولان، مع استمرار المعارك هناك، والتي امتدت إلى أطراف بلدة جلين القريبة، فيما صدت فصائل الجيش الحر الهجوم الذي سعى من خلاله مقاتلو تنظيم "جيش خالد" للسيطرة على تل الجموع الاستراتيجي.
ويُسيطر "جيش خالد" الذي وُلِد السنة الماضية باندماجٍ بين "جيش شهداء اليرموك" و"حركة المثنى الإسلامية" ومجموعات أخرى مقربة من "داعش"، على المناطق المعروفة شمال غربي مدينة درعا بحوض اليرموك، التي تتصل من الشرق والشمال بمناطق سيطرة المعارضة السورية، وتقع بالقرب من منطقة حدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.
أما في شمال البلاد، فقد واصلت القوات المنضوية في عملية "درع الفرات" تقدّمها داخل مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، إذ تدور حرب شوارع هناك، منذ أيام، مع مسلحي "داعش" الذين ما زالوا متحصنين داخل أحياء بالمدينة. وقالت "غرفة عمليات حوار كلس" (المنضوية في درع الفرات)، إن عناصر الجيش السوري الحر، بسطوا سيطرتهم، صباح أمس الإثنين، على الثانوية الصناعية ودوار الجحجاح الثاني وسط مدينة الباب، بعد اشتباكات هناك، أفضت إلى طرد عناصر تنظيم "داعش"، الذي تقلصت نقاط تواجده داخل مدينة الباب، لكنه ما زال متحصناً داخل مساحات واسعة هناك، فيما خسر لصالح "درع الفرات" أحياء ونقاطاً أخرى داخل المدينة، خصوصاً في أطرافها الغربية.
المصدر: العربي الجديد - محمد أمين، أحمد حمزة
↧