ربما هي المرة الأولى التي تكتب فيها الصحافة التركية عن إمكانية بدء عهد جديد مع حزب الاتحاد الديمقراطي (السوري الكردي)، فخلال الأيام الماضية تحدث أكثر من إعلامي تركي معروف عن الأمر، لعل أبرزهم إيلنور شيفيك، المستشار الإعلامي للرئيس رجب طيب أردوغان، إذ أكد في تصريحات لأكثر من وسيلة إعلامية على إمكانية السماح بإقامة كيان كردي في شمال سورية، محددا بشرقي نهر الفرات، على اعتبار أن غربها مناطق غير كردية، وأن مثل هذا الكيان هناك سيقابل برفض من المكونات الأخرى. أبعد من شيفيك، ذهب الكاتب في صحيفة حرييت، فيروا أوزير، عندما كتب مقالا بعنوان: هل يتحول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى مثل البارزاني؟ وإلى جانب هذه الدعوات، تتحدث الصحافة التركية عن ضغوط أميركية وروسية على أنقرة، لإعادة استئناف مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني. ومن الواضح أن جملة هذه الأحاديث توحي بأن ثمة قناعة تركية بأهمية فتح حوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي ومؤسسته العسكرية، وحدات حماية الشعب، وكذلك قوات سورية الديمقراطية التي يشكل الكرد عمادها. وفي حسابات صانع القرار التركي جملة من الفوائد الاستراتيجية، لعل أهمها:
أولا: أصبح كرد سورية نقطة خلاف وتوتر في العلاقات التركية – الأميركية طوال السنوات الماضية، ومن الواضح أن الإدارة الأميركية الجديدة ماضية في دعم الكرد، وربما بات من مصلحة أنقرة إيجاد صيغة للتعاون مع هذه القوات، من خلال ضمانات بأن الصعود الكردي في سورية لن يؤثر على الأمن التركي الداخلي.
ثانيا: على الرغم من التقارب الكبير الذي حصل في علاقات تركيا مع روسيا، إلا أن مجرد احتضان موسكو مؤتمراً كردياً (منتصف شهر فبراير/ شباط الجاري)، يضم كرداً من سورية والعراق وإيران وتركيا، يشكل مؤشرا إلى أن لديها حسابات تجاه تركيا، ولا سيما في ظل قدوم إدارة أميركية جديدة، ولعل مثل هذا الأمر هو في صلب الحسابات التركية الهادفة إلى منع الآخرين من استخدام الورقة الكردية ضدها في الصراعات الجارية.
ثالثا: الحسابات التركية الداخلية غير بعيدة عن صانع القرار التركي، إذ يعتقد بعضهم أن الانفتاح التركي على حزب الاتحاد الديمقراطي سيؤدي إلى مزيد من الضغط على حزب العمال الكردستاني، على اعتبار أن الأول حزب سوري، وأكد أكثر من مرة أنه لا علاقة تنظيمية له مع حزب العمال الكردستاني. فيما يبقى الأهم هنا هو الصوت الكردي في الاستفتاء الذي سيجري على الانتقال إلى النظام الرئاسي في السادس عشر من شهر إبريل/ نيسان المقبل، ولعل لهذا الصوت أهمية بالغة، لا لأنه يشكل كتلة وازنة، وإنما كسبه يشكل ضمانة أكيدة لنجاح الاستفتاء، في ظل استطلاعات الرأي التي تتحدث عن نسب تقارب 50% سواء لجهة الموافقة أو الرفض.
رابعاً: تشبيه وضع حزب الاتحاد الديمقراطي بمسعود البارزاني في كردستان العراق ينطلق من تصورات تركية إيجابية، وتجربة ناجحة لعلاقات مميزة، ولا سيما على الصعد: الاقتصادية والأمنية والسياسية. ولعل مثل هذه القناعة تشكل انقلابا في النظرة التركية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، وخصوصا أن أنقرة أصرت، طوال الفترة الماضية، على وصف الحزب بالإرهاب.
خامساً: ربما تعتقد أنقرة أن الوصول إلى الرقة بات يتطلب الانفتاح على حزب الاتحاد الديمقراطي، ولعل استخدام الصحافة التركية مصطلح ممر حزب الاتحاد الديمقراطي يعبر عن هذا التوجه، كما أن مثل هذا الأمر قد يحل الإشكاليات القائمة مع الإدارة الأميركية بهذا الخصوص، لا سيما أن الأخيرة تحاول التوازن بين حليفها القديم، أي تركيا، والجديد، أي كرد سورية، من خلال تدوير الخلافات بينهما، وتوجيه الجهود نحو معركة الرقة. مع التأكيد على صعوبة حصول انعطافة في علاقات تركيا بكرد سورية، نظرا للإرث السلبي للعلاقة بينهما، ولأسباب أخرى كثيرة، أهمها عامل حزب العمال الكردستاني في الموضوع، إلا أن جملة المعطيات السابقة توحي بأن مرحلة مختلفة قد تكون على الأبواب، لطالما أن مثل هذه العلاقة تحقق جملة فوائد استراتيجية لتركيا في الداخل والجوار، بل وحتى لعلاقتها مع الإدارة الأميركية الجديدة.
المصدر: العربي الجديد - خورشيد دلي
↧