بشكل مفاجئ صدرت العديد من التصريحات عن كبار المسؤولين الأتراك، هاجموا فيها إيران بشكل حاد وانتقدوا سياساتها في المنطقة، الأمر الذي ينذر بأزمة جديدة بين البلدين اللذين اتبعا طوال السنوات الماضية سياسة «تحييد المشاكل»، على الرغم من الخلافات الحادة بينهما فيما يتعلق بمعظم ملفات المنطقة، وخاصة الوضع في سوريا.
الموقف التركي من إيران ليس جديداً، لكن إبرازه إعلامياً بهذا الشكل أثار العديد من التساؤلات لا سيما وأنه يأتي بعد أيام قليلة من اختتام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لجولته الخليجية التي شملت قطر والبحرين والسعودية، وزيارة رئيس أركان جيشه إلى الإمارات، وبالتزامن مع التحولات المتزايدة في موقف الإدارة الأمريكية من إيران والتحولات المتسارعة في سوريا.
وعلى الرغم من الخلافات السياسية الجوهرية بين البلدين، لا سيما حول الملف السوري والقضايا البارزة في المنطقة، إلا أنهما حافظا على علاقات اقتصادية ونسب عالية من التبادل التجاري، حيث تعتمد تركيا على إيران في استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
تصعيد اللهجة التركية من طهران بدأ على لسان أردوغان الذي قال على هامش زيارته للخليج: «منظمة «حزب الله» الإرهابية تتحرك في سوريا أيضاً، وإذا كانت إيران تقول إنها ضد المجازر وليست وراءها لا بد أن نتعاون ونتكاتف لنوقف إراقة الدماء في سوريا مع بعضنا البعض».
وفي مؤتمر ميونيخ للأمن، الاثنين، رد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم على سؤال حول الموقف الأمريكي الجديد الذي يرى بأن إيران تشكل تهديداً بالقول: «ليس إيران فقط، هناك دول أخرى في المنطقة. الهدف أن لا تحقق دولة ما نفوذا في سوريا أو العراق». وأضاف: «إيران جارتنا التاريخية، شهدت علاقاتنا العديد من التقلبات، ولكن نحن مستاؤون من إحدى المسائل هنا، في حال تم التركيز على المذهب سيترتب على الأمر الكثير من الأضرار».
وحول انزعاج الخليج من إيران، قال: «نعم لديهم حساسيات تتعلق بالجوانب الأمنية، وسنشعر جميعاً بالقلق في حال قيام إيران بأمور من قبيل توسيع مجال نفوذها».
لكن الهجوم الأكبر جاء على لسان مولود جاويش أوغلو، حيث وصف وزير الخارجية التركي الدور الإيراني في المنطقة بأنه «دور يزعزع الاستقرار، خاصة وأن طهران تسعى لنشر التشيّع في سوريا والعراق».
ودعا جاويش أوغلو طهران لإنهاء الممارسات التي من شأنها زعزعة استقرار وأمن المنطقة. والثلاثاء جدد الوزير التركي هجومه على إيران بالقول: إن «إدخال الميليشيات الشيعية لمدينة يشكل العرب السنة 99٪ من سكانها (الموصل) أمر خطير».
ورداً على هذه التصريحات، استدعت إيران السفير التركي في طهران، الاثنين، للتعبير عن امتعاضها من الموقف التركي، وذلك عقب تأكيد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أن بلاده «ستتحلى بالصبر إزاء مواقفهم.. لكن للصبر حدود».
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو، إنّ «بلداً (إيران) لا يتورع عن إرسال من لجأوا إليه بسبب الأزمات في المنطقة، إلى ساحات الحروب، وهو المسؤول عن التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، لا يمكن فهم أو تقبل توجيهه الاتهامات للآخرين».
وأضاف المسؤول التركي رداً على التصريحات الإيرانية: «إشادة قاسمي بسياسات بلاده الإقليمية ووصفه لتلك السياسات بالعادلة، تتعارض بشكل كبير مع مخاوف الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي من سياسات طهران الإقليمية». وأكد أن «المنتظر من إيران الإقدام على خطوات بنّاءة وإعادة النظر في سياساتها تجاه دول المنطقة، عوضاً عن اتهام الدول التي توجه لها انتقادات».
لكن نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي هون من شأن أنباء عن توتر، وقال: «إيران وتركيا بلدان صديقان. هناك اختلاف في وجهات النظر من حين لآخر لكن لا يمكن أن تولد عداوة بسبب تصريحات»، مضيفاً: «حتى لو ظهرت خلافاتنا السياسية مع إيران فإنه ينبغي عدم تضخيمها بشكل كبير».
العديد من الدلالات حملها الهجوم التركي المفاجئ على سياسات إيران، فمن حيث التوقيت جاء وبشكل شبه منظم وبوتيرة متصاعدة منذ الجولة الخليجية التي قام بها أردوغان على دول الخليج وشملت السعودية والبحرين وقطر، وركزت على التعاون في الملفات الإقليمية وحماية المصالح المشتركة، والتي أعقبها زيارة لرئيس هيئة أركان الجيش التركي إلى الإمارات.
ويرى مراقبون أن تركيا قدمت دعماً أكبر لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالوقوف ضد سياسات طهران في المنطقة، وأرادت إظهار ذلك إعلامياً مقابل تعزيز العلاقات معها ورفع مستوى التعاون على جميع المستويات وخاصة السياسية والعسكرية والاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
كما أن الموقف التركي جاء في ظل المواقف المتصلبة التي يُظهرها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ضد طهران وبالتالي تسعى أنقرة لاستغلال هذه القضية في محاولة لتعزيز فرصها في فتح صفحة جديدة وتشبيك علاقات أقوى مع إدارة ترامب التي أعطت إشارات إيجابية متعددة اتجاه تركيا.
وإلى جانب ذلك، ترى أنقرة بأن لها مصلحة كبيرة في تشديد الضغط على إيران بجانب الموقف الأمريكي والخليجي على أمل اضطرار طهران إلى التراجع وتقليل محاولاتها لتوسيع نفوذها في المنطقة وخاصة إمكانية مراجعة عملياتها في سوريا.
يضاف إلى ذلك كله وجود تكهنات تركية واسعة بأن إيران عملت بقوة خلال الفترة الماضية على توجيه ضربات لعملية درع الفرات التي يقوم بها الجيش التركي في شمالي سوريا، ومحاولة خلق صراع بين تركيا وروسيا للحد من النفوذ التركي هناك لصالح نفوذها المتصاعد نتيجة قتالها إلى جانب قوات الأسد.
وعلى الرغم من مشاركة إيران إلى جانب روسيا وتركيا في مباحثات أستانة وضمان وقف إطلاق النار، إلا أن أنقرة انتقدت مراراً الخروقات التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في سوريا.
إسطنبول ـ «القدس العربي»:
↧