تكتسي بعض شوارع مدينة إسطنبول التركية بحلّة سورية، لدرجة إطلاق أتراك على بعض المناطق "شارع السوريين"، ومنها شارع "يوسف باشا" في منطقة الفاتح، الذي يبلغ عدد المحال السورية فيه أكثر من 150 محلاً متنوعاً، تغلب عليها المطاعم والشركات التجارية وصناعة الحلويات.
في منطقة "إيديرنا كابيه" بالفاتح، يكتظ مطعم وحلويات "النور" بالزبائن، وقصة المطعم السوري تصلح كنموذج لقصص نجاح كثير من اللاجئين السوريين. يقول صاحب المحل، عبد المجيد عاشور: "أتيت إلى تركيا مطلع عام 2013، بعد أن سرقت قوات الأسد معملي ومحالي في منطقتي القدم والميدان بدمشق، خسرت جهد 30 سنة عملت خلالها بصناعة الحلويات والمعجنات، وهي المهنة التي ورثتها عن أبي، ولم يعد من مجال حتى للبقاء في سورية، بعد أن تمت ملاحقتي بتهمة تأييد الثورة".يضيف عاشور "قبل الهرب من سورية، لم يكن متبقياً لي من ممتلكات سوى منزلي وسيارتي، فبعتهما على عجل، وغادرت مع أسرتي إلى إسطنبول، بعد وعد بالمساعدة من صديق جزائري مقيم في إسطنبول، كان يعمل عندي قبل عشرين عاماً، وفعلاً أمن لي مسكناً ومدارس لأطفالي، قبل أن يدفعني الخوف من نفاد مدخراتنا القليلة للبحث عن عمل".
ويحكي عاشور لـ"العربي الجديد"، عن معاناته للبحث عن عمل التي أوصلته حد جلي الصحون في مطعم، لكن عدم إجادته اللغة التركية، حال دون استمراره في هذا العمل، رغم أنه صاحب مطاعم سابق في دمشق.يضيف "بدأت خلال فترة عملي القصيرة أرى بعض الحلويات المشتركة بين الأتراك والسوريين من المنتجات التي أجيد صنعها منذ عقود، ففكرت بفتح محل لصناعة وبيع الحلويات، بدلاً من البحث عن عمل، رغم أني لم أكن أملك وقتها سوى 2000 دولار".
ويتابع "ساعدني صديقي الجزائري الذي يجيد اللغة التركية، فاستأجرت محلاً، واشتريت مقلى زيت مع غاز منزلي أرضي وبعض لوازم الإنتاج المستعملة، وعندها لم يبق لدي نقود لشراء مواد الإنتاج من طحين وسكر وزيت، فكنت أشتري احتياجاتي على نحو يومي".
ويشير عاشور إلى أنه استمر على هذا المنوال في صناعة المشبك والقطايف والعوامة، لنحو ستة أشهر ولم يساعده سوى ابنه الصغير، بعدها جاء ابن شقيقه من دمشق، فتوسع العمل قليلاً، فتم إدخال البوظة والكيك وتحسين المحل تدريجياً حتى نهاية عام 2014، "وقتها بنيت فرناً حجرياً داخل المحل لإنتاج المعجنات وبعض الحلويات، وبدأت مرحلة مختلفة زادت من أصناف الحلويات التي يستهلكها السوريون والأتراك".
ورغم أن عام 2015 كان عام التوازن والربح، إلا أن صانع الحلويات السوري كان يستخدم كل العائدات لتطوير العمل وشراء المستلزمات وتحسين المحل بالديكور والطاولات، "مطلع عام 2016، وجد ابن أخي عملاً مستقلاً وترك العمل، ما دفعني للإعلان عن حاجتي لعمال سوريين يجيدون التركية، فتقدم العشرات، فاخترت منهم، ووظفت سوريات يجدن التركية للخدمة والبيع بعد أن وحدت اللباس بالمحل وفرضت تعاملاً حقق ارتياحاً لدى المستهلكين كلبس القفازات وغطاء الرأس".
أسرار النجاح
ويروي عاشور أن تلك الفترة شهدت إدخال حلويات شامية مختلفة الأنواع، فضلاً عن المعجنات والطعام السوري، فتحول المحل إلى مطعم وحلويات، مع توفير خدمة التوصيل للمنازل، "بات لدي أكثر من 20 عاملاً، وبدأت أبيع بالجملة لمحال سورية وتركية، وأنا بصدد فتح فرع ثان قريباً، بعد أن سجلت العلامة التجارية بتركيا".
وحول أسرار النجاح الذي حول رأسماله المحدود إلى أكثر من 100 ألف دولار خلال فترة قياسية، قال: "هناك أسباب عدة وراء ما حققناه خلال العامين الفائتين، منها أني أستيقظ باكراً، وأعمل بيدي، ولا تستهويني قصة المعلم الذي يوجه العمال، ولا أبخل بتعليمهم لأني أصبحت أدير منشأة لصناعة الغذائيات وليس مطعماً فقط أو محل حلويات".
ويضيف "هناك أساسيات لمهنة صنع الطعام، أولها النظافة، وأنا أتشدد جداً فيها، كما أن التعامل بتسامح مع الزبون يترك عنده ارتياحاً، فكل زبون يدخل المحل نطعمه من أكثر من صنف، حتى وإن لم يشتر، فضلاً عن عوامل أخرى لها علاقة بالتنافس، خاصة أن محال الحلويات والطعام السورية منتشرة بكثرة في هذه المنطقة، ومنها ما يتعلق بكسر الأسعار أو جودة الإنتاج وحسن الترويج له".
وختم عاشور حديثه لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنه لن يغادر تركيا، "حتى إن عدت إلى دمشق، سيبقي محلي بإسطنبول الذي أسعى أن يكون له فروع أخرى، فهذا البلد مفتوح ومجال الاستثمار والنجاح فيه بلا سقف أو معوقات".
وزاد عدد شركات السوريين بنسبة 10 في المائة خلال عام 2016، وفق اتحاد الغرف والبورصات التركية، لتتطور أعمال السوريين من 81 شركة عام 2011 إلى نحو 6234 شركة نهاية 2016، والوجهات الأساسية لرجال الأعمال السوريين هي المدن الحدودية مثل غازي عنتاب وهاتاي، ومن ثم إسطنبول.
عدنان عبد الرزاق- العربي الجديد
↧