يبدو أن المعارضة السورية قد حسمت أمرها، وقررت بدء "المرحلة الرابعة" من "ملحمة حلب الكبرى"، في محاولة لالحاق أكبر هزيمة عسكرية بالنظام منذ بدء الصراع في سوريا. إلا أنه من غير المفهوم إصرار "جيش الفتح" على نقل المعركة إلى حلب الغربية، التي تضم قرابة مليون مدني، سيتحولون إلى عبء إضافي على المعارضة السورية، إغاثياً وإنسانياً، في الوقت الذي تتوافر خيارات أخرى، أكثر ضرراً بالنظام، وأكثر أهمية عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً.
فإعادة فتح المعارضة لطريق الكاستللو الذي سيطرت عليه المليشيات وقوات النظام في تموز/يوليو، يُبعد شبح الحصار عن حلب الشرقية المحررة، ويحاصر النظام في المنطقة الغربية، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على المعارضة، بسبب الضغط الذي سيخلقه الوضع المُستجد حينها للكتلة البشرية الهائلة على النظام في حلب الغربية. بالإضافة إلى أن تطبيق هذا الأمر، سيخلق صعوبة في الإمداد العسكري لقوات النظام المتبقية في حلب الغربية، ما سيجعلها تعتمد على الإمداد الجوي بواسطة الطيران المروحي بدلاً عن الإمداد البري من الكاستللو شمالاً. وهو أمر بالغ التكلفة على النظام، ما سيشغل كل مروحياته للإمداد الحربي واللوجستي للمقاتلين، وفي الوقت ذاته، سيخفف قدرتها على القصف بالبراميل المتفجرة، على الكثير من المدن، خاصة داريا، التي تستهدف بعشرات البراميل يومياً.
ومن المؤكد أن فتح طريق الكاستللو، سيزيد من إمكانية المعارضة في السيطرة على الملاح والتقدم إلى باشكوي شمالاً وفتح طريق حلب–أعزاز. وربما يكون هذا جزءاً من تفاهم تركي–روسي، يُبعد شبح التقدم الكردي من الشرق إلى عفرين.
كذلك، يعتبر التوجه شرقاً والسيطرة على مطار حلب الدولي أكثر أهمية، لما تعنيه الرمزية السيادية والسياسية للمطار، الذي يعد ثاني أكبر مطار مدني في سوريا. ويعتبر مطار حلب البوابة الشرقية للمدينة، وستعطل السيطرة عليه طرق إمداد النظام بين السفيرة وحلب عبر طريق الكاستللو، ما سيؤخر عمليات الإمداد باتجاه حلب الغربية، إن لم يقطع طريق الكاستللو. السيطرة على المطار، ستُصعّب عمليات إمداد النظام شمالي حلب وصولاً إلى باشكوي ونبل والزهراء.
ويغيب عن "جيش الفتح" أيضاً، وجود "معامل الدفاع" القريبة في السفيرة، والتي تبعد عن الوضيحي نحو 17 كيلومتراً في أرض شبه خالية، لا توجد فيها غير بلدة عسان. ويساعد موقع "معامل الدفاع" جنوب غربي السفيرة، كون السيطرة عليه لا تشترط اقتحام السفيرة، وهي بلدة كبيرة. ومن المرجح أن السيطرة على "معامل الدفاع" (أكبر مصنع للتسليح الحربي في سوريا) هو أكثر أهمية من الدخول في حرب استنزاف طويلة جداً ستنهك فصائل "جيش الفتح" والجيش الحر، في حلب الغربية، وهو ما حدث مع فصائل الجيش الحر في بني زيد شمالي حلب.
من ناحية أخرى، تحاول "جبهة فتح الشام" تصدير ذاتها كقائد للمعركة والعمود الفقري لها، كما أن "جيش الفتح" أشار في بيان له، إلى أن فك الحصار هو من "قام به جملة وتفصيلاً"، منكراً مشاركة عشرات الفصائل الحلبية والإدلبية العاملة في غرفة عمليات "فتح حلب"، وعلى رأسها "فيلق الشام" الذي قام بأغلب عمليات تذخير الفصائل في المعركة. ومن المستهجن أيضاً قبول "فيلق الشام" بالبيان، وهو فصيل أساسي في "فتح حلب" و"جيش الفتح".
من الملاحظ، أن محافظة حلب دخلت وضعاً مختلفاً بعد سيطرة المعارضة المسلحة على الراموسة، ما سيخلط خريطة السيطرة العسكرية في الشمال السوري، إذا لم تقع المعارضة في الفخ الذي وقع فيه قائد "لواء التوحيد" عبد القادر الصالح، في العام 2012، عندما انساق أمام الرغبة التركية لـ"تحرير" حلب، بعد وعد بسلاح "بلا حدود". الأمر الذي أجهضته الأوامر الأميركية لاحقاً، بوقف العملية.
ومن محاذير معركة حلب الغربية، وجود أقلية أرمنية ومسيحية، يجب عدم الاستهانة باستخدامها كشماعة من قبل النظام وحلفائه. فمعركة كسب في ريف اللاذقية، أوقفت بقرار دولي حينها، وطُلب من الفصائل الإنسحاب بعد وصولهم إلى ساحل البحر المتوسط.
لذا يبدو بأن الأكثر جدوى للمعارضة هو التفكير بتقطيع أوصال قوات النظام في حلب الغربية وشمالي حلب، ونبل والزهراء، والتقدم شرقاً إلى مطار حلب الدولي. كل ذلك، أكثر أهمية من الدخول في حرب مدن، لا طائل منها، سوى استنزاف المعارضة وتدمير المدينة، وتأليب الرأي العالمي.