استهداف مسيحيي سيناء استمرار لما حدث في العراق وسوريا
فواد الكنجي
التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط تتصاعد إلى أقصى حدودها، لدرجة التي نستشف منها - ومن باب الاستنتاج والاستقراء - بان هناك جهات معادية محلية و إقليمية و دولية تسعى بشتى الوسائل لضرب كل البلدان العربية بغية تمزيق نسيجها الاجتماعي، وتجزئة البلدان العربية، و للاستحواذ على مقاليد السلطة، وتغير الأنظمة، و خلق مسوغات لاستمرار التدخل الأجنبي في شؤون الداخلية لكل بلدان المنطقة، ومن اجل استمرار إسرائيل لاحتلال الأراضي العربية. ولهذا تم استقطاب كل التنظيمات والفصائل الإسلام السياسي التكفيري والمتشدد و منظمات الإرهابية لخلق فوضى عارمة في عموم الشرق الأوسط العربي - الإسلامي، ليتم زحزحة الأمن واستقرار المنطقة لكي لا تقوم عليهم القائمة، وعبر هذه الأجندة خلقت أجواء لتصاعد التوترات السياسية وإطماع ومصالح القوى السياسية المرتبطة بأجندات خارجية التي تواصل العمل والتخطيط والتأمر- ليل نهار - لتحقيق أهدافها المعادية للشعوب بلدان المشرق العربي برمته، وكل هذا يتم من اجل تعميم (الفوضى الخلاقة) في منطقتنا الشرقية و من اجل تسليط الضوء عليا وتسويقها عبر المحافل الدولية لتكون لهم ذريعة لإرسال جيوشهم والتدخل بشكل مباشر في تغير الأنظمة ودساتير بلدان المنطقة لتنفيذ مآربهم في تقسيم البلدان وتفكيك بنيتها السياسة والاقتصادية والاجتماعية، لكي لا تأول إحداث المنطقة باعتبارها شؤون داخلية.
فخبث الغرب، في هذه المؤامرة واضح وضوح الشمس - وكما تعودنا على ممارساتهم الخبيثة - فهذا الغرب الاستعماري الذي اليوم يدير ملفات الأوضاع الاستثنائية الساخنة في منطقتنا، وبدوره وصمته وما يفعله وينفذه من خلف الكواليس، هو من يرسل الإشارة إلى هؤلاء الفصائل الإرهابية التكفيريين للإسلام السياسي المتشدد، و الذين تم تجنيدهم من قبل الاستخبارات الأمريكية - الصهيونية وبتمويلهم ودعمهم بكل الوسائل اللوجستية لتنفيذ مخططاتهم، فتم تجنيد وتوجيه هؤلاء الإسلاميين التكفيريين لخلق فوضى عارمة في بلدان الشرق لضرب أهداف معينة بادئين العمل وفق سياقاتهم الشيطانية باستهداف (مسيحيين الشرق) بصورة عامه ومباشرة، لكونهم من اضعف حلقات في المجتمعات الشرقية باعتبارهم أناس مسالمين وغير مسلحين و يؤمنون بحب الوطن ووحدته ولا يؤمنوا بالعنف وأحلامهم بسيطة ومشروعة وتصب في وحدة النسيج المجتمع أينما وجدوا ، وما لجئوا يوما إلى حمل السلاح، لأنهم ظلوا محميين عبر قرون من الزمن بسماحة الإسلام الحقيقي والوسطي وعدالته ومساواته بين الرعية، كما ظلت المسيحية محمية بالجوهر وقيم الإنسانية الوطنية في كل بلدان العربية، كون المسيحيين ينظرون إلى أوطانهم باعتباره الأم الحاضنة الرحيمة لأبنائها من كل دين ومذهب وقومية ومنشأ اجتماعي ، ومن هنا فانه من الخطأ الاستراتيجي المزايدة على وطنية مسيحيي الشرق وانتمائهم، ومن العيب والمخجل أن يزج بهم في أتون صراعات سياسية ومصالح دوليه، وهذا الالتزام الذي يبديه المسيحيين باتجاه أوطانهم وأنظمتهم وعدم قبولهم التأمر عليه، هو ما أزعج الغرب الاستعمار الصهيوني، حيث ظل المسيحيين يعارضون كل مشاريع الغرب الاستعماري وانضموا إلى فصائل المقاومة ضد الاستعمار والمشاريع الصهيونية رافضين الركوع لمؤامراتهم، و رافضين أية مساومة وخضوع وابتزاز، وهذا ما أزعجهم كثيرا، فأرادوا إن يضربوا عصفورين بحجر واحد- كما يقال المثل - إي المسيحيين ومن ثم المجتمعات القومية العربية - الإسلامية ليتم تمزيق وحدتهم، ولتكون بلدانهم ساحة صراعات لا تقوم عليها ألقائمه، بينما يمضون هم وحلفائهم الصهاينة بامتصاص ثروات المنطقة ونهبها وتمزيقها وتنفيذ مشروعهم القديم - الجديد بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من اتفاقية (سايكس بيكو) بشكل أبشع مما كان، و أسوء مما كان، ولهذا لم يجدوا من يسهل أمر دخولهم إلى المنطقة لتنفيذ أجندتهم سوى الجماعات التكفيرية و الفصائل المتطرفة للإسلام السياسي المتشدد، كونهم وجدوا من هؤلاء وقودا قابلا للاشتعال وإحراق المنطقة لأسباب كثيرة نذكر منها، كون الأنظمة العربية أنظمة قومية وعلمانية واشتراكية همشت هؤلاء وقوضت نفوذهم وشدوا الخناق عليهم وعلى أفكارهم الظلامية المتخلفة، ولهذا وجدوا من هؤلاء خير وقود لاشتعال المنطقة بصراعات دينية ومذهبية، ومن هنا وجهوا هؤلاء الإرهابيين التكفيريين الضعاف النفوس الذين باعوا ضمائرهم بالمال السخط والحرام لموجهيهم، فتوجهوا بادئ ذو بدأ لاستهداف مسيحيي الشرق لأسباب كثيرة منها أولا بضرب المسيحيين يمهدوا الطريق للغرب الاستعماري لمجيئهم إلى المنطقة عبر أساطيلهم الحربية اخذين من استهداف المسيحيين ذريعة لحمايتهم ولإنقاذهم، بكون المؤسسة المسيحية في غرب ستحتج وتطالب المنظمات الدولة التدخل لإنقاذ مسيحيي الشرق باعتبار استهدافهم حسب ما يتم تأويله يتم من قبل تنظيمات إسلامية تكفيرية اتخذوا من الإسلام اسما لهم وذريعة ووسيلة لتنفيذ مأربهم الدنيئة تحت راياته، وهكذا رسمت اللعبة في دوار المخابرات والاستخبارات الغربية باعتبار ما يحدث في بلدان الشرق العربي استهداف يؤل بكونه قد جاء للقضاء على الوجود المسيحي في الشرق، ومن ثم اعتباره ما يحدث ضد المسيحيين في البلدان العربية تميزا وصراعا دينيا وحرب إبادة لوجودهم، ولهذا فلابد من حماية هؤلاء المسيحيين المضطهدين في بلدان الشرق فيأتوا بجيوشهم إلى المنطقة، وللأسف بغياب العقل الناصح وبشراء ذمم الفقهاء وأصحاب الفتاوى، دعوا - بعد إن تم تلقينهم عبر وسائل الغرب الخبيث - إلى تعميم استهداف مسيحيي الشرق فدعوا الجهاد ضد وجودهم، لتشتعل المنطقة باستهداف المسيحيين، وهذا ما تم، وكان المشهد الأكثر قسوة حين تم استهداف المسيحيين في مدينة موصل وباقي مدن العراق ومن ثم في مدن حوض نهر الخابور في حسكه وقامشلي وكل مدن سوريا، واليوم يتم في سيناء بعدا ان ظلوا يستهدفون كنائس المسيحيين وأبنائهم في كل مدن مصر، وهذا الاستهداف لمسيحيي الشرق بدا وأخذا يتصاعد منذ دخول ومجيء الجيوش الأمريكية والغربية لاحتلال العراق في 2003 والى يومنا هذا.
فان ما جرى في موصل وخابور وسيناء إنما هي مسؤولية أخلاقية يقع عبئها على عاتق جميع أبناء هذه المنطقة بغض النظر عن أي انتماء ديني ومذهبي وقومي، هي مسؤولية عربية إنسانية أخلاقية وعلى الجميع إن يبادر إلى تحملها ليكونوا لهم دور في المحافظة على وجودهم في الشرق الأوسط الذي يمثل مهد النشوء المسيحية كما هو مهد لنشوء الإسلام . و إن ما يحصل بحقهم أمر مهين بحق كل شعوب المنطقة العربية الإسلامية بكون هذا الإجرام ذو أهداف مشبوهة، لان المسيحيين مكون أساسي من مكونات الشعب العربي - الإسلامي، وهم جزء من السكان الأصليين لهذا الشرق، لان المسيحيين في الشرق العربي شريحة من شرائح المهمة مهما صغر حجمهم أو كبر، وبوجود هذه الشرائح وتعايشها بمحبة ووئام منذ آلاف السنين تتشكل الفسيفساء الأجمل لنسيج هذا الشرق .
أن استهداف المسيحيين هو ضرب للتنوع في هذه المنطقة و إذ سقط ومس هذا التنوع إي خلل، وفي أية منطقة من مناطقه، فان ذلك يعني الدخول عموم المنطقة في صراعات مفتوحة مذهبية وطائفية ودينية وقبلية وقومية وليس في ذلك إلا خدمة لكيان الصهيوني- الأمريكي الذين يتربصون بأمن شعوب منطقتنا الشرقية .
فما يحدث اليوم في (سيناء) المصرية ليس من قبيل المبالغة القول بأنها كارثة لتكون حالتها ليست بأفضل حال مما آلت إليه أحوال مدينة (موصل) العراقية و(حسكه) السورية، ففصائل الإرهاب للإسلام الداعشي يعلن صراحة بعزمه استهداف مسيحيين (مصر) كما أعلنها في العراق وسوريا، والمسيحيين هم من أقدم الأقوام سكنوا في (مصر) وليسوا طارئين عليها بل هم أبناء (مصر) العروبة، وهم من اشد المؤمنين بقوميتهم العربية المسيحية في عموم المشرق العربي فقد رفعوا رايات عروبتهم وناصروا قضياهم وشاركوا في كل معارك التي استهدفت (مصر) ودافعوا عن استقلالها وحريتها وقدموا ملاين الشهداء في سبيلها، فان موجة الاستهداف وقتل المسيحيين في شمال (سيناء) بشكل وحشي سافر، وما عقب اثر ذلك الإجرام ارتفاع موجة النزوح للأسر المسيحية و الانتقال إلى محافظات (مصر) الأخرى، ورغم هذا التصعيد الخطير لاستهداف مسيحيي (مصر) للأسف نرى الدولة لا تستطيع فعل شيء رغم الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الدولة في هذا اليوم، وكان المشهد مكرر لما حدث في (العراق) وما حدث في (موصل) تحديدا، وعلى الدولة المصرية إن تستفد من ملف ما حدث في (موصل) لكي لا يتكرر مشهده في مدنها، لان هذا التنظيم الداعشي التكفيري و الممول داخليا وإقليميا ودوليا، هم لا يريدون استقرار للمنطقة - كما أوضحنا في ألمقدمه - ويجب إن يحسم أمر هؤلاء الإرهابيين بكل قوى، لكي يتم قبر مخططاتهم قبل إن يتسع، فان وقوف الدولة بحجم إمكانيات (مصر) وترى أبنائها من المسيحيين يستهدفون ويتصاعد استهدافهم بهذا الشكل السافر ومنذ مطلع شهر شباط الماضي 2017 والى يومنا هذا، وفي وقت الذي يتم فرار ونزوح عشرات الأسر المسيحية من مدينة (العريش) المصرية إثر تهديدات من قبل هؤلاء التكفيريين المسلحين من الإسلام السياسي المتشدد دون إن تبادر الدولة المصرية بأي إجراء رادع، رغم إن قوات الجيش والشرطة تشن حملات أمنية على عدة أحياء في مدينة (العريش) منذ أشهر ، ولكن من دون إن توقف الاعتداءات في قلب مدينة (سيناء)، إن توالي عمليات الاستهداف للمسيحيين، وما لم تبادر الدولة المصرية بتكثيف قوات المسلحة لتمشيط المنطقة تمشيطا تاما وقتل وإبادة دون رحمة وشفقة مقاتلي هؤلاء التكفيريين الدواعش الإرهابيين، فان الأمر سيؤدي بالنهاية كما حدث في (موصل) إلى احتلال (سيناء)، كما احتلت مدينة (موصل) وبعدها يتم تهجير المسيحيين من (سيناء) تماما كما هجروا المسيحيين من (موصل)، لان كل المؤشرات - وعلى ما يحدث على ارض - يوحي بان سيناريو ما حدث في (موصل) سيعاد في (مصر)، ففي وقت الذي قاموا هؤلاء الإرهابيين الدواعش بكتابة حرف (( ن)) على أبواب المسيحيين في مدينة (موصل) ليتم بعد حين مصادرته وطرد مالكيه وتصفيتهم، اليوم في (سيناء) يكتبون عبارة ((ارحل)) ليتم لاحقا مصادرته بعد إن يتم قتل مالكيها وإجبارهم على النزوح قسرا من منازلهم خشية على حياتهم، لان ما يبدو ليس هناك من قوات عسكرية أو أمنية تحميهم، ليتم إعلان رسميا من قبل الإرهابيين الدواعش قيام (ولاية سينا) كما أعلنوا قيام (ولاية موصل) و (ولاية رقه) و .. و .. لتتسع بما يسمى رقعة (الدولة الإسلامية)، فضلا عن إظهار - وحسب ما يوحي المشهد - بان الدولة المصرية غير قادرة على حماية مسيحيي (مصر)، بقدر ما يتم تنديد بهذه الجرائم وكأنها جرائم عادية وليست جرائم استهداف وجود وهوية مواطن، عبر الإعلام، وهو تنديد لا يقدم ولا يؤخر من شيء، فان هذا ما يثير لدى كل المواطنين العرب والمصريين الشرفاء الكثير من الأسئلة ..لماذا..........؟
هل يأتي بسبب عدم قدرة القوات المصرية، من الجيش والشرطة، على مواجهة الاستهداف الممنهج لزمر الإرهاب التكفيريين من الدواعش وأذيالهم ليقيمون على أراضيها ويعلنون صراحة بتأسيس (ولاية سيناء) التابع لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (الداعشية)......! ونحن نعلم حجم إمكانيات الدولة التسليحية، ولكن ما لا نعرفه هو هذا السكوت، فهل هو أتي نتيجة إهمال..... أم ماذا....؟
فهذه القضية وهذا الملف الذي يراد منه توريط (مصر) فيه هو سياسي بحت، وأن هذه الخطوات ربما تكون مدروسة ومتفق عليها بين لاعبين محليين وإقليميين و دوليين .. وأيا كانت صحة الاستنتاجات فان الأيام القادمة سوف تكشف حقيقة الأمر في هذه الأحداث الخطيرة التي تمس امن البلاد ومستقبلها، والخطورة الكبرى انه بمحو الأثر المسيحي من (سيناء)، يكتمل فصل جديد من مأساة مسيحيي (مصر) بل في كل الشرق الأوسط، في نسختها الجديدة، والتي بدأت منذ الغزو الأميركي في العام 2003 لـ(لعراق) واستهداف مسيحيه ، وما تلاه من انتشار للميليشيات العسكرية والتنظيمات الإرهابية، ومن ثم استهداف (سوريا) ومسيحيها وإشاعة الفوضى في عموم أراضيها ومحاولة لتفتيت جيشها المغوار، ليتم اليوم محاولات ذاتها لتفتيت جيش (مصر) والتي دأبت بعض القوى الداخلية والإقليمية والدولية وبشكل ممنهج العمل والضرب على هذا الوتر وهذا المنهج الخطير، ومن هنا تأتي أهمية الوعي وأدرك رئاسة الدولة والجيش مخاطر التهاون من هذه الفصائل الإرهابية الإسلامية التكفيري التي تريد إن تعشش على أراضيها .
وما نتمناه، وما هو مطلوب من قيادة (مصر) قيام بعملية عسكرية واسعة النطاق لبتر دابر هؤلاء التكفيريين ليس من أراضيها فحسب بل من المنطقة كلها، لان الموطن العربي كل أماله اليوم تتجه صوب عروبة (مصر) وجيشها العملاق ليحمي أراضيهم وإعراضهم، لان هدف هؤلاء الإرهابيين من فصائل الإسلام السياسي التكفيري و المتشدد وأذيالهم، والذين يمولون من وعبر أجندة داخلية وإقليمية ودولية لإثارة الملف المسيحي في الشرق- وكما وضحنا سابقا - هو بمثابة ذريعة لقوات الأجنبية لمجيء إلى المنطقة وضرب النظام القائم والجيش المصري الأبي وتفكيكه كما فعلوا في (العراق) وكما يعملون اليوم في (سوريا)، بحجة عدم كفاءة الدولة وعدم إمكانيتها بحماية مواطنيها وبهذه الذريعة سينفذون مأربهم الدنيئة بإسقاط النظام وتركيع الدولة ورئيسها ليتم إشعال الفوضى الخلاقة في كل إنحاء (مصر) عبر تأجيج الفتنة الطائفية والمذهبية والدينية، وهذا الألاعيب و المؤامرات باتت مكشوفة، كون هذه ممارسات باتت تنفذ في أكثر من دولة عربية .
المصدر: فواد الكنجي
↧