فقدت تركيا زخمها في الحرب الدائرة للسيطرة على شمال سوريا مع اعتماد الولايات المتحدة على حلفائها الأكراد في الهجوم على الرقة معقل تنظيم داعش. من ناحية أخرى تشعر جماعات الأكراد السوريين بأن واشنطن تقف خلفها الآن بثبات أكبر من ذي قبل، وتأمل أن يفيد هذا التطور طموحاتها في نهاية الأمر لنيل الحكم الذاتي بعد سنوات من اضطهاد النظام السوري لها.
غير أن أنقرة ما زالت تستحث واشنطن على التوصل لصفقة تهدئ مخاوفها من تعاظم نفوذ الأكراد.
والحرب الدائرة في شمال سوريا من أعقد مسارح العمليات في الصراع المتعدد الأطراف الذي تشهده سوريا وقد تطورت بسرعة خاطفة في الأسابيع القليلة الماضية، حيث تقهقر مقاتلو التنظيم أو انهارت دفاعاتهم في بعض أنحاء المنطقة.
واستفاد الجيش السوري المدعوم من روسيا من ذلك ففتح طريقا يؤدي إلى نهر الفرات ويؤمن إمدادات المياه لحلب وينطوي على تنسيق ضمني مع الفصائل الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على حساب تركيا.
وقال مسؤول تركي كبير: «الساحة في سوريا في الوقت الحالي معقدة للغاية حقا»، مشددا على طبيعة الأحداث سريعة التغير والحاجة الماسة للاتفاق. وأضاف: «أي شيء يمكن أن يحدث في أي لحظة».
وقال المسؤول التركي «مثل هذه الخطوة القاسية باستبعاد تركيا تماما هناك، ستسبب مشكلة في العلاقات بين البلدين. ومن ثم فلا بد من إيجاد قاسم مشترك. ولا تزال المحادثات مستمرة».
كانت تركيا سيطرت على مساحة من الأرض السورية على حدودها الجنوبية منذ أن بدأت عملية «درع الفرات» في أغسطس (آب). وكان هدفها الرئيسي هو منع إنشاء ممر متلاحم الأراضي تحت سيطرة الأكراد تخشى أن يهدد أمنها. وأثار صعود القوة الكردية في شمال سوريا انزعاج أنقرة التي ترى في هذه الجماعات الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا على الأرض التركية منذ أكثر من 30 عاما.
كانت أنقرة تأمل أن تعزز استراتيجيتها في شمال سوريا بإقناع واشنطن بالتخلي عن حلفائها الأكراد وتحويل الدعم لجماعات الجيش السوري الحر من أجل شن الهجوم النهائي على الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في شمال سوريا.
غير أن الآمال في تحقق ذلك تضاءلت في الأيام الأخيرة. فقد ظهرت أهداف متباينة للجانبين الأميركي والتركي بوضوح في منبج التي تسيطر عليها قوات متحالفة مع الأكراد منذ أن انتزعت السيطرة عليها من «داعش» العام الماضي. وتم نشر قوات أميركية هناك الأسبوع الماضي لردع أي هجوم قد تهدد به تركيا. وقد ازدادت الروابط العسكرية الأميركية مع وحدات حماية الشعب منذ أن قدم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة دعما جويا لهزيمة «داعش» في مدينة كوباني (عين عرب) الكردية على الحدود التركية قبل عامين.
وتحارب وحدات حماية الشعب الآن ضمن تحالف يُطلق عليه اسم قوات سوريا الديمقراطية، يضم عربا متحالفين معها وهي الآن الشريك الرئيسي لواشنطن في مواجهة تنظيم داعش في سوريا.
وقال المسؤول الكردي السوري آلدار خليل لـ«رويترز» إن الأحداث الأخيرة تظهر أن واشنطن تقول لأنقرة «تلك هي حدودكم».
وأضاف في مكالمة هاتفية مع «رويترز» من مدينة القامشلي التي يغلب عليها الأكراد في شمال شرقي سوريا «يبدو أن الأميركيين حسموا رأيهم». وتوقع خليل دورا سياسيا أميركيا في نهاية الأمر مع الجماعات الكردية السورية، وهو ما تحاشته واشنطن إلى حد بعيد حتى الآن. وتابع خليل «فلنقل إن داعش انتهى غدا، وسوف ينتهي، فماذا عن الحل السياسي. ألن يسألوا ما هو الحل؟ وهو يحتاج خطة، وأكثر الخطط منطقية هي اتحاد فيدرالي قائم على الجغرافيا لا على العرق أو الدين».
وكانت واشنطن قد أبدت معارضتها لإقامة مناطق حكم ذاتي بقيادة الأكراد في شمال سوريا رغم دعمها العسكري لوحدات حماية الشعب.
وما زالت تركيا تأمل أن تضطر واشنطن للاعتماد على دعمها بطريقة أو بأخرى في الهجوم النهائي على الرقة.
ووفقا لتصور نشرت تفاصيله في صحيفة «حريت» التركية، يتم نشر قوات تركية خاصة إلى جانب قوات أميركية خاصة وجماعات الجيش السوري الحر والوحدات العربية في القوات السورية الديمقراطية وقوات كردية عراقية.
غير أن مثل تلك الخطة تحتاج لتفادي العداء بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات الجيش السوري الحر التي تتقاتل في شمال سوريا من حين لآخر منذ أكثر من عام، وكذلك العداء بين الجماعات الكردية الرئيسية السورية والعراقية.
وبعيدا عن ساحة المعركة لا يستطيع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن يظهر بمظهر من تعرض للإقصاء في حملته لتأمين الحدود التركية. فهو مقبل على استفتاء في أبريل (نيسان) على صلاحيات جديدة كاسحة يرى أنها ضرورية لتصدي بلاده لأي امتداد لأعمال العنف من سوريا.
وقال مسؤول تركي كبير إن التدخل التركي في سوريا لم ينته بعد. وأضاف المسؤول: «في هذه المرحلة عملية درع الفرات لم تكتمل. ونحن نناقش الخطوة التالية مع حلفائنا. الولايات المتحدة قدمت بعض الوعود لها من قبل ونحن نعتقد أنها ستقدم هذا الدعم».
المصدر: الشرق الأوسط
↧