إن أردت معرفة الجاني ما عليك سوى معرفة من هو المستفيد؟ هكذا هي القاعدة الأساس في علم الإجرام، أي ذنب ارتكبه السوريون، إذا كان قد سقط جدار برلين بالعام ١٩٨٩ كي يسقط من جديد على رؤوسهم؟ ثم ما ذنب السوريين بكل هرطقاتهم؟ سواء أقيم الهيكل أم لم يقم، انتصر معاوية على علي أم لم ينتصر!.
ست سنوات والمطحنة الأممية لا زالت تطحن بالجسد السوري شعبا ووطنا، إذا كان من يتحكم بقرار وقفها منذ بدايتها، ولا يزال دول قامت أساسا على القتل والإبادات الجماعية ! كيف لهذه الدول أن ترأف بدماء السوريين؟.
والعجيب بالأمر هو أن هؤلاء حتى زمن قريب كانوا يقتتلون على مجرد عظمة، لكنهم منذ بداية المحرقة السورية وهم يتبادلون الأدوار من أجل استمرارها، لما من شأنه إطفاء وهج ثورة الشعب السوري، أكانوا ممن أُطِلق عليهم أصدقاء أم أعداء على حد سواء.
فالولايات المتحدة الأمريكية ما كانت لتكون دولة إمبريالية تسلطية، لو تم الإبقاء على حياة 112 مليون هندي أحمر، هؤلاء لم يتم ذبحهم دون رأفة فقط، وإنما جرى تشويه تاريخهم، لذلك رفض النجم السينمائي العالمي "مارلون براندو" استلام جائزة الأوسكار التي منحت له كأفضل ممثل لدوره في فيلم الأب الروحي (1972) احتجاجا على الصورة التي تظهر بها هوليود الأميركيين الأصليين.
قنبلتاها النوويتان قتلتا أكثر من مائتي ألف ياباني، بحربها الثمان سنوات على الفيتناميين خلّفت أكثر من مليوني قتيل و3 ملايين جريح، وأكثر من 12 مليون لاجئ، غزوها للعراق في عام 2003 تسبب بقتل أكثر من مليون عراقي، وتشريد الملايين، أما بسبب دعمها المتواصل للكيان الصهيوني فقد قُتل نحو نصف مليون فلسطيني وعربي، وتشريد أكثر من خمسة ملايين وتم اعتقال أكثر من مليون شخص.
من جهتها الرحمة الروسية بقيمة الإنسان تترجمها تعليمات الأب الروحي للفكر الماركسي الروسي "لينين" الذي يقول: "إن أفضل الثوريين هو شاب متحرر من المبادئ الأخلاقية، وأنه "لا يوجد شيء في السياسة اسمه أخلاق، ولكن هناك مصالح، فقد تكون المصلحة بالتعاون مع لئيم لا أخلاقي، فقط لأنه كذلك" وأنه "على الثوري الشاب أن يبدأ بالتدرب علي القتال فورا، وذلك عن طريق عمليات فعلية، كتصفية خائن أو قتل جاسوس أو نسف مركز بوليس أو سرقة بنك واستعمال أمواله في الثورة..الخ.
لذلك قتل ستالين أثناء سنوات حكمه وفقا للتقديرات أكثر من 20 مليون شخص، عدا من قتلوا من الروس في الحرب العالمية الثانية، الذين تجاوزت أعدادهم العشرين مليون، أثناء تلك الحرب قام السوفييت بتهجير مئات الآلاف من الشيشانيين عن بلادهم، لاتهامهم بالتعاون مع النازية، مما أدى لوفاة مائة ألف منهم.
منهج ممارسة العنف الُمفرط واختطاف الشرعية عادة روسية بامتياز، الرئيس السابق يلتسن، الذي اختار بوتين خلفا له، قام بقصف مجلس الدوما الروسي بالطائرات، بتقريرها عن الفترة ما بين 2002 - 2004 تؤكد منظمة حقوق الإنسان بروسيا، والتي تغطي ثلث الأراضي الشيشانية فقط، أن أعداد المختطفين بواسطة القوات الفيدرالية بلغت 1254 شيشانيًا فقط.
بين ربيع براغ وربيع دمشق، لا شيء يُخيف المستبد أكثر من الخروج على عقيدته، فعندما هبّت بوادر رياح التغيير على الشعب التشيكي، قامت القوات السوفياتية بسحق ما سمي بربيع براغ بالدبابات، بعد شهر من استلام بوتين رئاسة الوزارة بدأ حربه على الشيشان، بقضف جوي استمر عدة أسابيع، حتى سوي كل شيء في شمال غروزني على الأرض.
الحال نفسه بالنسبة للصين، فعندما صدحت ساحة "تيانامان" في عام 1989 بالحرية قامت الدبابات الصينية بطحن عظام آلاف المحتجين السلميين المناصرين للديمقراطية بوحشية في العاصمة بكين.
إيران من جهتها ليست أكثر رأفة من سابقيها، بالنظر إلى كتل النار والحمم التي باتت تُشعلها في عموم أرجاء المنطقة، عند قيام الثورة الإيرانية، وفي اليوم الثاني شكّل الخميني المحاكم الثورية وأوكل أمرها لصادق خلخالي، القاضي الذي كان يصدر الإعدام خلال دقائق، بعد وفاة الخميني أقر خلخالي بإعدامه 2000 شخص، قد يكون بعضهم أبرياء، ولكن الله سيعوضهم بغرف أكبر في الجنة وحوريات أجمل، على حد زعمه، خلخالي نفسه ما لبث بعد فترة أن ثار على الثورة التي أعدم الناس من أجلها.
أما تركيا، لا تسأل العرب عما لحق بهم خلال أربعة قرون، فبعضهم يتحسر على سقوط الخلافة ! ولا تسأل ساحة مرجة دمشق عن السفاح جمال باشا ! فقط اسأل الأرمن سيحدثونك عن آلامهم، في حين إسرائيل التي اقتلعت شعبا بأكمله من أرضه، واغتصبت تاريخه وجغرافيته، فهي غنية عن التعريف في عالم الإجرام، والمنافع التي تعود عليها جراء استنزاف الدم السوري وتمزُّق الجغرافيا السورية، لا يحتاج لإيضاح.
بدورهم الصيارفة اليهود أصحاب شركات الأسلحة العالمية، هم المستفيدون الأكبر من استمرار المطحنة السورية، ومعلوم ما هو حجم سيطرة تلك الشركات على القرار السياسي العالمي، يكفي أن نتذكر ما قاله "هنري فورد" لمجلة The New York Times, March 8, 1925: «ضع يدك على الخمسين شخصا، الأكثر ثراءً بين الممولين اليهود الذين يريدون الحروب ابتغاء للربح وسوف تتوقف الحروب».
نفس الحال بالنسبة للأنظمة العربية، التي لا تريد للثورة السورية أن تنتصر، ذكر لنا أحد المعارضين البارزين أن هناك كونترول يمارسه الممولون على الأرض، فعندما يريدون للمسلحين أن يتقدموا يبادرون لاعطائهم بعض السلاح، وعندما يريدونهم أن يتراجعوا يقطعون عنهم حتى الخبز، لذلك دعمهم لا يعدو سوى ذراً للرماد في العيون، وأداة من أدوات استقطاب الجيش الحر، من أجل السيطرة عليه.
الخطوط الحمراء كانت ولا تزال أنه لا يجوز أن ينتصر طرف على آخر، من نظام ومعارضة، ونقطة على أول السطر، كان هذا هو القرار الواضح منذ ست سنوات، لما من شأنه إجهاض تطلعات الشعب السوري، وتخريب الدولة.
لذلك عملوا على إيجاد ضباع داعش، بعد أن قامت المخابرات الأمريكية (CIA) برعايتهم وهندستهم، وفقا لما صرح به الناشط الأمريكي اليهودي "مارك بروزونسكي" الذي يدير موقع الشرق الاوسط الالكتروني، المعروف بتحليلاته السياسية العميقة، والذي يضيف: بأن اليهود في الولايات المتحدة يهيمنون على الإعلام وعلى المؤسسات بأكبر من حجمهم، ونسبتهم الحقيقية في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذا اللوبي خلق بعبع داعش لابتزاز العرب وللهيمنة المستمرة على مقدرات الشرق الأوسط، وهو ما أكدت عليه أيضا كلينتون في مذكراتها.
وإلا كيف لداعش أن تسيطر على ثلث الأراضي السورية وربع العراقية، مساحة تضم 6 ملايين بشري، تعادل مساحة دول الدانمارك وأيرلندا والنروج مجتمعين، في غفلة عين!؟ من أوعز لجيش نوري المالكي أن يفرُّ بهذه الطريقة المخزية، تاركا خلفه عدد كبير من الأسلحة المتطورة، كيف لرجال البشمركة المعروفون بشجاعتهم وشراستهم، أن يتراجعوا أمام زحف هذه الضباع، ثم من سلّحهم بأحدث تقنيات الأسلحة، كي يتمكنوا من السيطرة على الموصل خلال ساعات معدودات؟.
إن التاريخ يكرر نفسه، كتب ونستون تشرشل عن الثورة الإسبانية 1936 قائلاً: "لقد ساعد الشيوعيون في إقامة الحكم الجمهوري، ليتمكنوا مرة أخرى من خلق الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يتوصلوا إلى جعل القادة يعلنون بالمنطق إلي شعبهم الذي عمته الفوضى، أن الطريق الوحيد لاستعادة النظام والقانون ولإنقاذ الموقف، لا يكون إلا بديكتاتورية البروليتاريا"، أليس هذا هو حال السوريين اليوم تماما؟.
خلاصة القول ثمة حقيقة جوهرية هي أن الهدف الأساس من إطالة عمر الأزمة السورية، لم يكن سوى لتخريب البلاد، وتصفية المعارضة الوطنية، لما من شأنه إقناع دول العالم بعدم وجود شريك سوري حقيقي، يمكن له أن يقود البلاد لمرحلة انتقال سياسي، وبالتالي ما على السوريين وعلى دول العالم سوى الاختيار بين اثنين لا ثالث لهما، إما المنظمات المتطرفة، كداعش والنصرة من جهة، أو النظام الحاكم من جهة أخرى، لكن يبقى السؤال الأهم أية بلاد بعد اليوم، تلك التي ستُحكم؟.
المصدر: أول مرة
↧