منذ انطلاق عمليات التحالف الدولي ضد "داعش" في سوريا والعراق، تتوارد أنباء عن سقوط ضحايا بين المدنيين، وتعرب منظمات حقوقية عن قلقها إزاء ذلك. أين تكمن المعضلة وكيف يمكن حلها؟ وكيف يمكن كسب عقول وقلوب المدنيين ضد التنظيم؟
أقر التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في أول الشهر الجاري (آذار/مارس 2017) بأنه تسبب في مقتل 220 مدنياً على الأقل منذ سبتمبر/أيلول 2014 في سوريا والعراق؛ بينما أشار بعض المراقبين إلى أن الحصيلة أكبر من ذلك بكثير. فقد قالت منظمة "العفو الدولية" في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إن ما يصل إلى 300 مدني قتلوا في 11 هجوماً نفذه التحالف منذ بدء العمليات ضد التنظيم الإرهابي.
وبدوره أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن مقتل ما لا يقل عن 33 شخصاً من عوائل نازحة من الرقة وحلب وحمص في موقع الضربة الجوية التي نفذتها طائرات تابعة للتحالف الدولي، ليلة الاثنين/الثلاثاء (22 آذار/مارس 2017)، قرب قرية المنصورة، غربي الرقة. وفي يناير/كانون الثاني الماضي قالت "هيومن رايتس ووتش" إن ضربة جوية استهدفت سيارة تبعد 80 كم عن مدينة الموصل في ديسمبر/كانون الأول 2016 أسفرت عن مقتل مدني وإصابة 11 آخرين. وأضافت المنظمة الحقوقية أن هذا الهجوم، على ما يبدو قد نفذته قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أو قوات الحكومة العراقية على الأرجح، في مناطق يسيطر عليها تنظيم "داعش".
صعوبة التمييز بين المدنيين والإرهابيين
أوضح اللواء المتقاعد، حسام سويلم، في مقابلة مع DW عربية تفسيره لوقوع ضحايا بين المدنيين بأنه "في قتال المدن يصعب جداً تمييز الخطوط بين المدنيين أو الأهداف الصديقة من جهة، والأهداف المعادية من جهة أخرى. ويضاف إلى ذلك أن الإرهابيين يحرصون على الاندماج والاختباء بين السكان لتصعيب قصفهم وزيادة خسارة المدنيين، ومن ثم استغلال ذلك إعلامياً وسياسياً لتحميل قوات التحالف هذه المسؤولية". وقد أكدت الكثير من التقارير استخدام "داعش" للمدنيين دروعاً بشرية، منها تقرير نُشر اليوم (22 آذار/مارس 2017) لـDW انكليزية، تضمن شهادات لسكان فروا من الموصل وقالوا إن مسلحي داعش "احتلوا بيوتهم بالقوة واتخذوها قواعد لهم". كما ندد مجلس الأمن الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم باستخدام مسلحي "داعش" في الموصل المدنيين دروعاً بشرية مع تقدم القوات العراقية.
و"الحل"
"الحل الوحيد هو تهجير المدنيين من مناطقهم إلى مناطق أخرى آمنة، بحيث تبقى تلك المناطق قاصرة على الإرهابيين. وتكون بذلك مفتوحة للقصف الجوي والتعامل العسكري على الأرض" يقترح اللواء سويلم، وهو الضابط السابق في سلاح المدفعية المصرية. كما يرى اللواء المتقاعد ضرورة وجود "معلومات أقرب ما تكون للدقة" عن أماكن تواجد المدنيين وأماكن تواجد الإرهابيين أيضاً، وذلك بزرع "عملاء" لتقديم تلك المعلومات لضباط العمليات الجوية عن الوضع على الأرض. كما يقترح أيضاً "زرع بواعث إلكترونية" في أماكن سرية في مناطق الإرهابيين، يمكن أن "تجذب صواريخ جو-أرض آلياً" إلى مناطقهم. ومعروف عن تنظيم "داعش" وحشيته في التعامل مع من يشتبه بهم وبتعاونهم مع القوات التي تحارب التنظيم الإرهابي، ولن يتردد في إعدام من يشبته بزرعه لتلك البواعث الالكترونية.
معركة كسب العقول والقلوب
أفادت منظمة العفو الدولية في تقريرها الأنف الذكر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أن التحالف يهون بدرجة كبيرة من الضرر الذي ألحقته عملياته بالمدنيين في سوريا وأنه لم يتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب سقوط ضحايا مدنيين في سوريا ويهون من أثر عملياته على المدنيين. وأضافت لين معلوف، نائبة مدير الأبحاث بمكتب منظمة العفو الإقليمي في بيروت، في بيان أن "بعض هذه الهجمات ربما كانت هجمات غير متكافئة بل وهجمات عشوائية". ولم يرد البنتاغون على طلب بالتعليق على بيان منظمة العفو، واكتفى بالقول إنه يراعي تقليل الضرر الواقع على المدنيين لأقل درجة ممكنة.
لكسب ثقة المدنيين وضمان عدم وقوعهم في براثن "داعش" يعتقد اللواء حسام سويلم، وهو الذي ترأس سابقاً مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية، أنه "لا بد من تفعيل دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لكشف حقيقة الإرهابيين وأهدافهم ومتاجرتهم بالدين. هذا سيؤدي لتجفيف أهم منابع الإرهاب؛ ألا وهو تجنيد الإرهابيين الجدد. ومن البديهي أيضاً بعد طرد التنظيم إعادة من تم تشريدهم إلى ديارهم، وإعادة الحياة وتوفير الخدمات الضرورية من مسكن ومأكل وملبس وغيرها. ويجب أن يشعر المدنيون بعودة الأمن والآمان لهم". وقد ذكر تقرير لـ "هيومن رايتس وتش"، نُشر في مايو/أيار الماضي وحمل عنوان "الاستهداف بالعلامة X"، أنه ومنذ بداية عام 2014 شُرد أكثر من 3 ملايين عراقي من ديارهم.
التبعات
يطرح سؤال نفسه هنا: هل للأخبار المتكررة عن سقوط ضحايا مدنيين نتيجة قصف طيران التحالف تأثيرات وتبعات على سير العمليات وعلى العملية برمتها؟ اللواء المصري يرى أنها "تقيد تحركات القوات في تحقيق المهمات القتالية وتُكَتَّف يديه. فهو من جهة "يتحتم عليه القضاء داعش، ومن جهة أخرى يتم تحميله مسؤولية سلامة المدنيين". ويحمل اللواء-وبشدة- على المنظمات الحقوقية بقوله أنه "يجب على المنظمات الحقوقية أن تعي مسؤولياتها تماماً بما تنشره من تقارير. وأن لا تكون تلك المنظمات ألعوبة بيد الإرهابيين؛ الإرهابيون يستغلون تلك التقارير في إثارة مشاعر المدنيين ضد القوات المهاجمة".
وفي تعقيبها على إصابة 12 مدنياً على بعد 80 كم من الموصل، قالت هيومن رايتس ووتش، في تقرير نشر بالعربي على صفحتها، إنه بسبب احتمال انتهاك قوانين الحرب، على جميع القوات الحكومية المعنية بالهجوم إجراء تحقيق شامل ونزيه وشفاف لتحديد ما إذا كان غير قانوني. وأضافت: "على الحكومات متابعة محاكمات جرائم الحرب، حسب الاقتضاء، ودفع تعويضات أو 'جبر' الضحايا. يحق للجنة حكومية تقديم تعويضات مالية لضحايا "الإرهاب والأخطاء العسكرية" بموجب القانون العراقي".
خ.س
المصدر: دويتشه فيله
↧