تتزايد الضغوط الممارسة على الأمم المتحدة في سبيل فتح تحقيقٍ مستقل بشأن برنامج المساعدات الخاص بسوريا، وذلك بعد تحقيقٍ لصحيفة "الغارديان" كان قد كشف عن عقودٍ مُبرمة بقيمة عشرات ملايين الدولارات مع شخصياتٍ مُقَرَبة من الرئيس بشار الأسد.
وكان مسؤولون سابقون بالأمم المتحدة ، ودبلوماسيون ، بالإضافة إلى رجال قانون، ورئيس المنظمة الدولية لحقوق الإنسان قد عَبَروا عن قلقهم البالغ حيال الطريقة التي تنتهجها دمشق لإدارة برنامج المساعدات بصورةٍ تُمَكِنها من الاستفادة من بعض الصفقات.
وقال "سلمان الشيخ" المتخصص بشؤون الشرق الأوسط والذي قد عَمِلَ سابقاً مع الأمم المتحدة أن هذه المسألة خطيرة وتتطلب تدخلاً عاجلاً من الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون".
بدورها، تقول الأمم المتحدة أن مساعداتها قد أنقذت أرواح الملايين، لكنها تعترف في الوقت ذاته أن عملها في سوريا لا يمكن أن يستمر من دون موافقة نظام الأسد الذي قَيَدَ الشُركاء الذين سوف يتعامل معهم.
" خياراتنا في سوريا محدودة ضمن سياقِ عالي الخطورة كما ونواجه تحدياتٍ كبيرة تتمثل بالقدرة على إيجاد شركات وشركاء ممن يعملون في المناطق المحاصرة ،وتلك التي يصعب الوصول إليها". هذا ما جاء على لسان المتحدث باسم الأمم المتحدة.
وكَشَفَ تحليلً أجرته صحيفة "الغارديان" أن هيئات الأمم المتحدة منحت عقوداً كبيرة لجهات حكومية ورجال أعمالٍ سوريين ممن تفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوباتٍ على شركاتهم.
وأظهرت الوثائق أن منظمة الصحة العالمية أنفقت أكثر من خمس ملايين دولار لدعم بنك الدم الوطني في سوريا والذي تُديره وزارة دفاع الأسد ، مما يثيرُ تساؤلاتٍ حول الجهة الحقيقية المستفيدة من زُمَر الدَم هل هم المحتاجين الفعليين، أم عناصر الجيش؟!.
وتقول وثائق إجراءات التوريد الخاصة بالأمم المتحدة أن هيئاتها أبرمت صفقاتٍ مع 258 شركة سورية على الأقل ودفعت مبالغ بقيمة 54 مليون دولار و 36 مليون يورو، الجديرُ بالذكر أن العديد من هذه الشركات مرتبط بالأسد أو مُقَرَب منه.
وقال "كينيث روث" المدير التنفيذي للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان: " باسم إيصال المساعدات للمحتاجين في المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة، توفر الأمم المتحدة الدعم المالي لإستراتيجية جرائم الحرب التي يتَبِعُها النظام باستهداف هؤلاء المحتاجين بِعينهم، ونادراً ما تكونُ هذه هي البراغماتية المُتَحَجِرة والقائلة بأن إدعاءات الأمم المتحدة تفيد جهودها الإغاثية.
أما "أنتونيا مَلفي" المُؤسِسة والمديرة التنفيذية لمجموعة "العمل القانوني العالمي" قالت أن تصرفَ الأمم المتحدة كان مثالاً "للبراغماتية ضد المبادئ التي يجري استنزافها في الصراع، والتي تدعم حقوق الإنسان الأساسية التي نَفقِدُها كل مرة".
وفي حديثها "للغارديان" قالت الجمعية الطبية السورية الأمريكية "SAMS" والتي تُديرُ أكثر من 100 عيادة في مناطقَ سوريةٍ معظمها خارج سيطرة الحكومة، أن وزارة الدفاع السورية تُحكِمُ سيطرتها على المُؤسسات الطبية وبنوك الدم في البلاد. وأفاد الطبيب " زاهر سحلول" أن النشاط والعاملين في السلك الطبي شَرعوا بتهريب "الإمدادات" إلى داخل المناطق المحاصرة والمستشفيات الميدانية.
لعله أمر مثير للصدمة أن تكتشف أن الأمم المتحدة قامت وعن طريق أموال أمريكية وبريطانية بدعم بنوك الدم التابعة للنظام ، بينما يستهدف ذاتُ النظام ويُعذب ويقتل الأطباء والناشطين الذين يحاولون تهريب الإمدادات الطبية لإنقاذ حياة المدنيين من ضحايا جرائمه البشعة".
وقال "الشيخ" مؤسس مجمعة "الشيخ" التي تدعم الحوار بين أطياف الشعب السوري المختلفة، أنه عَمِلَ مع الأُمم المتحدة عندما فتح " كوفي عنان" الأمين العام السابق، تحقيقاً حول "رواندا" ومزاعم برنامج "النفط مقابل الغذاء" آنذاك.
ويتوجبُ على "بان كي مون" اليوم القيامُ بخطوةٍ مماثلة وأن يتحدث للسوريين. إن سوء الظن وانعدام الثقة بخصوص جهود الأمم المتحدة وخاصة تلك التي في داخل البلاد هو أمر من شأنه التشويش على الأسرة الدولية بأكمَلِها ولأمدٍ بعيد.
لا يُمكِن لومُ الأمم المتحدة كلياً هنا، فالوضع معقدُ في سوريا، ولهذا السبب، يحتاجُ "بان كي مون" للتحرك وبسرعةٍ لاستعادة الثقة داخل المُنظمة الأُممية. يجبُ فتحُ تحقيقٍ بتفويض يهدف لكشف وقائع استجابة النظام للأزمة الإنسانية في سوريا، وينبغي لهذا التحقيق أن يشمل الفترة من شهر آذار/مارس من العام 2011 ولغاية كانون الثاني /ديسمبر من العام الحالي.
وقال دبلوماسي أوروبي سابق طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه يجب على الدول التي تتمتع بتأثير على دمشق، أن تمارس ضغطا سياسياً كبيراً على الأسد للتسهيل من عَملِ الأمم المتحدة في سوريا، و إنها لحقيقةً ثابتة أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تكون أفضل من أعضائها من الدول لا سيما تلكَ الدائمة العضوية في مجلس الأمن".
ويبقى برنامج الأمم المتحدة للمساعدات في سوريا هو الأكثر كلفةَ وتعقيداً في تاريخ المنظمة. يقول البرنامج أنه أنقذ حياة الملايين خلال خمسٍ سنواتٍ من الصراع الوحشي الذي يعصف بالبلاد. ويخشى مسئولين في المنظمة أنهم لو أفرطوا في تحدي الأسد فإن الأمم المتحدة ستصبح غير قادرة على العمل في سوريا.
وصَرَحَ المتحدثُ باسم الأمم المتحدة قائلاً: " عملنا في سوريا لا سيما مع دخول الصراع عامه السادس، يُجبِرُ المنظمات الإنسانية على اتخاذِ قراراتٍ صعبة".
و عندما نُواجَهُ مع الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن شراء السلع أو الخدمات من الشركات التي قد تكون تابعة للحكومة السورية أو تَرك للمدنيين بدون مساعداتٍ تُنقِذُ حياتهم ، حينها خيارنا واضح جداً و واجبنا هو مساعدة المدنيين المحتاجين ".
وتُشيرُ الأمم المتحدة أنه لا يتوجبُ عليها الالتزام بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، بل هي معنية بتلكَ الأممية فحسب".
وقال صندوق الأمم المتحدة لدعم الطفولة "Unicef" أنه لم يكن أمامه سوى التعامل مع النظام وأن البدائل ستكون قاسية وتتمثل بمزيدُ من موت أو معاناة الأطفال، حيث إن هذه هي المعضلة التي تواجهها "اليونيسيف" و هيئات الإغاثة على نحوٍ يومي.
يتعرض الأطفال السوريين للأذى مدعاة لفشل السياسيين بالتوصل إلى حلٍ سلمي يُنهي الحرب في البلاد. لا يمكننا خُذلانهم، ويتعين علينا فِعلُ كلِ شيءٍ للتخفيف من معاناتهم.
الغارديان: ترجمة محمد غيث قعدوني- السوري الجديد
↧