لتواجه المرأة العراقية مقترح تعدد الزوجات
فواد الكنجي
في وقت الذي يحتفل العالم - في هذه الأيام - بذكرى يوم المرأة، محتفيا بما حققه المرأة من انجازات في حقوقها عبر مسيرة نضالها الطويل فرضت وجودها وكيانها بالعمل والمثابرة في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمي والمهنية لتستجيب الدول والمنظمات الدولية بتشريع وإقرار قوانين تنصف المرأة وتمنح لها المساواة والحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يتماشى مع تطلعاتها لازدهار الحضارة البشرية وإنمائها، كون المرأة تمثل نصف المجتمع الذي لا يمكن إن يعطل أو يهمش لأي سبب كان .
ومن هنا فان هذا المسعى الذي سعت إليه المرأة وما حققته من انجازات وطموح لم يقتصر انجازه في محيط دول بعينها دون أخرى، بل كان انجازا امميا حذت حذوه وتمسك به كل نساء العالم وأينما وجدوا بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو القومية، بكوننا اليوم نعيش عصر العولمة شاء من شاء أو أبى من أبى وان تأثير المجتمعات بالأخرى أمر لا محال لرقيها وطورها لتواكب المرأة مسيرة النهضة الذي هو مسعى أنساني أممي يسعى إليه كل المجتمعات البشرية .
ومن هنا فان مجتمعنا العراقي ليس مجتمعا منعزل عن محيطه العربي والدولي وان تاريخ المرأة العراقية حافل بالانجازات مع مسيرة نضال المرأة العربية والعالمية فنضالها واكب أفاقه بالعمل والمشاركة والعطاء والانجازات، فطالبن بحقوقهن وسعت لتثبيت ذلك في أنظمة وقوانين الدولة التشريعية والدستورية، وقد حققت المرأة العراقية الكثير من الانجازات والعمل في هذا المجال، وهذا الانجاز لم يأتي إلا بعد إن دفعت المرأة العراقية الكثير من التضحيات بالعمل والنضال المستمر في سبيل إثبات وجودهن على الساحة العراقية أولا ومن ثم على الساحة الإقليمية والدولية، وفي غمرت هذه الانجازات - للأسف - تصاعد مطلب مقترح إلى البرلمان العراقي والمرأة العراقية في أوج احتفالاتها بعيد المرأة العالمي، وهو مقترح جاء من نائبه عراقيه وليس من نائب، وهو مقترح - وكما استخلصنا من تجارب سابقه بان أي مقترح يدفعه عضوا (ما) فان الكتلة العضو البرلماني هي التي تزكيه وتدفعه ليتم لاحقا التصويت عليه وإقراره كقانون شانه شان قانون الأحوال الشخصية الذي اقر وأساء إلى المرأة ذاتها - واليوم يأتي هذا المقترح الذي يطالب بتشريع قانون يشجع الرجال على الزواج بأكثر من امرأة واحدة من خلال صرف حوافز مالية. ففي الوقت الذي واجه هذا المقترح أول رفض له جملة وتفصيلا من رئيسة لجنة الثقافة والإعلام النيابية (ميسون الدملوجي)، وتلا رفض هذا المقترح عدد من النائبات، كون هذا المقرح مقترح مجحف بحق الأسرة العراقية وبحق المرأة كإنسانه، لان في جوهرة مسعى لمتاجرة بالنساء، كونه يمهد الاقتران بالقاصرات - لان قانون الأحوال الشخصية المجحف بحق المرة العراقية والمسمى بـ(القانون الجعفري) الذي يشرع على اغتصاب الطفلة في عمر سبع سنوات فحسب وتزويجها وهي قاصر قد شرع فعلا في العراق من قبل البرلمان في وقت سابق – وان ما يتم اقتراحه اليوم في قانون تعدد الزوجات يشرعن الاقتران بالصغيرات السن واليتيمات، فمثل هذا المقترح الذي ليس هو أفضل حالا مما التمسنا تنفيذه من قبل زمر الإرهاب لدولة ما تسمى بـ(بالدولة الإسلامية ) الداعشية في موصل وادلب ورقه الذين احتقروا كيان المرأة وأذلوها كل الإذلال بما شرعنوه وبما تم من ممارسات مذله بحق المرأة من السبي والمتاجرة بهن وبيعهن في سوق النخاسة والى غيرها من الأفعال الوحشية والبربرية المشينة بحقهن حيث الاغتصاب والزواج بأكثر من واحده وإتيان بأفعال شنيعة مقززه يهز منها الضمير الإنساني بما ارتكبوه هؤلاء الإسلاميين الدواعش بحق المرأة ليس إلا من اجل إشباع غرائز الرجل .
ومن هنا لا بدا من كل شرائح المجتمع العراقي ومن الأحرار والمناضلين والشرفاء الوقوف ضد هذا المقترح وإسقاطه قبل إن يقر عبر وسائل سلمية من تظاهرات و كتابات ودراسات نقدية تندد بمثل هكذا توجه، كون تعدد الزوجات سيخلق مشاكل اجتماعية نحن بغنى عنها إضافة إلى كون تشريع مثل هذا القانون لتعدد الزوجات دعوة مخجله معيبة ومتخلفة، ففي وقت الذي تسعى المرأة وتناضل من اجل المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية وليس التقليل من هيبته المرأة وإذلالها، بكون ما ستفرزه هذه الظاهرة سيترتب عليها نتائج سلبية في المجتمع، حيث تزداد حالات الطلاق والعنف الجسدي وتتفاقم أوضاع الأسرة ويزاد مشاكل الأطفال والذي لا محال سيكون ضحية هذه الفعل الطائش، والدولة أساسا تعيش أوضاع اقتصادية صعبه من حيث ارتفاع مستوى البطالة، وتدني مستوى دخل الأسرة إلى مستويات حادة جدا، وانتشار الفقر بين شرح واسعة من إفراد المجتمع . فكيف سيكون الأمر على الذين أساسا يعانون من مستوى دخل منخفض ....!
فان كان القانون المقترح يطالب الدولة بصرف حوافز مالية، نقول هل ستكون هذه الحوافز الممنوحة للمعنيين إلى الأبد.... أم أنها تصرف لمرة واحده، ومن ثم ما بعد.... أم إننا سنخلق في المجتمع اسر تتعايش وسط المشاكل وغيرها من منغصات الحياة ......!
فتعدد الزوجات بطياته يحمل مخاطر على المجتمع بصورة مباشره وغير مباشره، وخاصة في ظروف العراق وما تمر عليه الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فمن ناحية الاجتماعية سيهدد لا محال كيان الأسرة ويشتت وحدتها و أفرادها مما يخلق مشاكل نفسية حادة بين الزوجين وخاصة على الزوجة، ومما يترتب عنه من شعور إفراد الأسرة من الأبناء والبنات من الأسى والحزن والظلم نتيجة إهمال والدهم لهم لكونه سينشغل في شؤون بيته الثاني، وهذا الأمر لا محال سيترتب تأثيره على تربية الأطفال و دخل الأسرة كون الإنفاق على أسرتين ليس مثل الإنفاق على أسرة واحده .
فبعض الرجال قد يندفعون وهم لا يعرفون معنى تعدد الزوجات، فالرجل قد يتزوج من المرأة الثانية دون مبالاة والمشكلة انه يتحجج ويتضرع بفعله كونه يفعل اقتداء بـ(ألسنه)، وهو لا يعي بان تعدد الزوجات ليس واجب كون هناك الكثير ممن ترك الواجب وفعل غير الواجب التزامن كونها( ألسنه ) و هذا الأمر حقيقة فالكثير من رجال لم يحج قط ولكن الأمر من باب تعدد الزوجات فيختلف، فهل تعدد الزوجات مع أمثال هؤلاء الرجال ينفع.......؟
في المطلق، كلا ما لم يغيروا من تفكيرهم .
فالرجال، أنماط هؤلاء، من سابع المستحيل – كما يقال المثل - لا يعدلون بين زوجاتهم لا ماديا ولا عاطفيا لما يترتب عن تبعات صرف عن أسرتين، وهنا يقع اللوم على الطرفيين، ولكن قد يقع اللوم على المرأة التي تقبل لنفسها إن تضع نفسها في هذا الموقف وتقبل على نفسها إن تهضم حقوقها، وتقبل الزواج من رجل متزوج له زوجة قبلها وبالتالي تقبل ذلك على نفسها، وهذا هو كل الخطأ بذاته، وعليها إن تفكر إلف مرة ومرة بان تضع نفسها في هذا الموقف في لحظة التي ينحاز زوجها إلى الثانية، وعليها إن تدرك بان الرجل لا بد إن يميل إلى أحداهن أكثر من الأخرى بكون الرجل مهما كان لا يستطيع إن يعدل . و (العدل) المقصود في (ألسنه) وتحديدا في (سورة النساء) هو المحبة القلبية وهي خارجة عن إرادة الإنسان ومن هنا قال تعالى((فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة))- سورة النساء - بكون الرجل لا يستطيع (العدل) الذي هو شرط تعدد الزوجات، ولو كان حريصا، قال تعالى((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما)) -129سورة النساء. ولما كان الشرط الأساسي لتعدد هو (العدل التام) وهو الأمر الذي يصعب ويعجز الوفاء به الرجل، والعدل التام يشمل النفقة والكسوة والسكن والمبيت والمعاملة الحسنة فهل في ظروف مجتمعنا العراقي الذي يعيش تحت مستوى الفقر وتفشي ظاهرة البطالة وارتفاع الأسعار وتدني مستوى دخل الأسرة العراقية بصورة عامه، ظروفنا ممهده لكي نطلق مثل هكذا مقترحات لتشريع قانون لتعدد زوجات، إلا كان الأولى تشريع قانون (يمنع) تعدد الزوجات، لما يحمله هذا الفعل من إضرار نفسية واجتماعية واقتصادية، وتقييده بضوابط اجتماعية يتم أولا بموافقة الزوجة مع اشتراط حفظ كامل حقوقها وحقوق الأسرة وفرض عقوبات على الزوج في حال إخلاله بأي منها ومن ثم كشف حساب الرجل من البنك يؤكد قدرته المادية وتحمل كل النفقات الإضافية في إعالة أسرتين في آن واحد .
ومن هنا فان أمر إطلاق دعوة لتعدد الزوجات لا بد طرحة على المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية وأساتذة علم النفس والاجتماع والمفكرين والعقلاء والواعين والفقهاء ونخبة المجتمع وعامته، فالدعوة إليهم أمر ضروري لتبان الدراسة مطلوبة في تشريع مثل هكذا قوانين تمس سلامة المجتمع، ليتم الحد ممن تسول نفسه بمن ينشغل في اختراع وابتكار زيجات مبتدعه من زواج (مسيار) إلى زواج (وناسة) انتهاء بـ(المسفار) والتي جلها طعن بكرامة المرأة ومكانتها وتقزيمها وهضم لحقوقها وطعن بكرامتها وإنسانيتها، فهل نحن بحاجة إلى إضافة مزيد من المصائب إلى حياتنا......!
في وقت الذي لا نلتمس أي مؤشرات للعقل الواعي ينصح ويقدم إرشادات تفيد المجتمع والدولة ويعزز الإنسان بقيم المواطنة واحترم الرأي والرأي الأخر وحريته، و في وقت الذي الكل يتصارع مع الكل وبكل ما أتى لم من قوة لإلغاء الأخر، فالفقهاء قبل السياسيين الذين أصبحوا مجرد مقلدين عاجزين عن الاجتهاد والقياس وفق مستجدات العصر وتطوراته، لينتقون ما يناسبهم من النصوص الشرعية ويقتطعون من الآيات ألقرانيه بما يخدم مصالحهم فيتم إخراجها من السياق بالمعنى المراد أصلا مستغلين ضعف الثقافة الدينية لدى الغالبية العظمى من عامة المجتمع، في وقت الذي ينشغل عامة الناس بمشاكلهم اليومية و بهموم الحياة والإحداث والتطورات الحاصلة في مجتمعاتهم والذي تم تهميشهم من قبل المتنفذين والمتصارعين على السلطة فسلب حقهم في مشاركتهم بصنع القرار، وأصبحت إدارة القوانين وتشريعها تعد من قبل نخبة، ولكون السلطة الحاكمة ذات أغلبية لفئات السياسية المتثوبة بملابس الدين فغالبا ما يتخذوا قراراتهم وفق أمزجتهم ومصالحهم، اخذين من الدين باب لترهيب، وهو الباب الذي يتخذونه اليوم باقتراح قانون تعدد الزوجات باتجاه المرأة لتخضع وتصمت وترضى بغدر الزوج، الذي سيتزوج و سيتم دون علمها بل ستكون أخر من يعلم، لتوضع إمام أمر الواقع...!
ولكن حفاظا على كرامتها عليها إن تعترض وترفض لأن الرجل سيخل بواجباته الزوجية - لا محالة - وهذا عذر شرعي قوي يمهد لها أن تطلب (الخلع) ليتم ذلك لها فلتخلعه كما تخلع أحذيتها وترميها في المزبلة، وتمضي قدما تكمل مسيرة حياتها دون أن تلتفت إلى الخلف، ولتتخذ من ذلك درسا، فالحياة لا تتوقف عند رجل خذلها ولم يقدر احترامها، وإذا ابتغت الزواج مجددا ممن يستحقها فان الشرع يكفل لها فلتتقدم دون تردد.
وعليه يجب على كل حرائر العراق رفض هكذا مقترحات التي تقدم لتشريعها كقانون، رفضا قاطعا وجملة وتفصيلا وليتم فرز مثل هكذا مطالب بكونها مطالب شخصية لا تمثل نساء العراق .
المصدر: فواد الكنجي
↧