يمضي اليوم عامان على صدور صحيفة العربي الجديد. وفي هذه المناسبة، نحتفل بإضاءة شمعة ثالثة، ونحن نعبر نفق الوقت العربي الذي يزداد حلكة.
شمعة ثالثة لنقاوم الظلام الذي ألقى بثقله على حياتنا في السنوات الأخيرة، ونكمل درب الأمل، والعمل من أجل صحافةٍ عربيةٍ جديدةٍ تواجه الطغيان والخراب وروح الهزيمة والإحباط والاحتلال الأجنبي.
صدرت صحيفة العربي الجديد، والعالم العربي ينتقل من مرحلة سوداء، بعد أن هبّت رياح الأمل بالحرية والديمقراطية والخلاص من الاستبداد، مع سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وما تلاها من وصول عدوى التحرّكات الشعبية إلى مصر واليمن وليبيا وسورية.
لم تكن المهمة سهلةً، لأن منابر الثورة المضادة كانت على أهبة الاستعداد لمواجهة كل صوت منحاز إلى المستقبل، ليس بخوض تنافسٍ مهنيٍّ مشروع، بل من خلال شن حربٍ ضاريةٍ لقتل المولود الجديد في المهد قبل أن يرى النور. ولذا فإننا واجهنا، في البدايات، حملات تشويش وتشنيع، ومن ثم منع من التوزيع والوصول إلى القارئ، وحجب الموقع الإلكتروني، ليس من طرف دولة واحدة أو جهاز واحد، بل من جانب عدة دول وأجهزة، في حملةٍ منسقةٍ جرت في وقت واحد، من مصر والسعودية والإمارات. وكان الهدف من هذه الحرب المدروسة والمنظمة خنق العربي الجديد، ومنعها من فتح النوافذ أمام هواء إعلامي نظيف.
على الرغم من الحرب المفتوحة من أكثر من اتجاه، استطاعت "العربي الجديد"، خلال زمن قصير، أن تشقّ طريقها الخاص، وترفع صوتها المميز عالياً وسط الجوقة الصاخبة، وتأخذ مكانها وتشكّل حيزها وجمهورها الذي يتزايد كل يوم، وهو جمهورٌ متعددٌ ومتنوعٌ، ومن مختلف أنحاء العالم العربي، ومن العرب في المهاجر الأوروبية والأميركية. وتعتز "العربي الجديد" اليوم بأنها استطاعت مواجهة حروب المنع والحجب والتشنيع، من خلال فتح الأبواب واسعةً أمام حرية التعبير التي ضاقت جداً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بسبب شراسة الثورة المضادة التي استطاعت أن تستعيد المبادرة في مصر، وتحولها إلى قاعدةٍ رئيسيةٍ لإجهاض الحلم الذي عاشه المواطن العربي مع الثورة الشعبية في تونس التي تكللت بسقوط الحكم العسكري في 14 يناير/ كانون الثاني 2011.
واجهنا الحرب المفتوحة ضدنا، ولم يمنعنا ذلك من متابعة الطريق الذي رسمناه لأنفسنا من أجل خوض تجربةٍ إعلاميةٍ عربيةٍ جديدةٍ، في زمن عرف فيه الإعلام العالمي قفزاتٍ نوعيةً كبيرةً، بفضل الاستفادة من التقنيات الجديدة، وسهولة التواصل وتطور الحاجات. كان علينا أن ندافع عن خياراتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، من دون أن نهمل، أو ننسى، خياراتنا المهنية والجمالية، ومواكبة العصر، ومتطلبات القارئ الشاب الذي يبحث عن محتوىً إعلامي يتماشى مع إيقاع الحياة السريع والمتغير الذي يجمع بين الفائدة والمتعة.
من عام إلى آخر، نحسّ في "العربي الجديد" أن المسؤولية الملقاة على عاتقنا تصبح أكبر، وتضعنا أمام تحدياتٍ جديدة، كي لا نغفل أو نتخلف عن النهوض بالمهام التي تتطلب صناعة إعلام جديد حر، ومهني، ومنحاز إلى الحقيقة. وبات واضحاً أننا كلما تقدمنا أكثر اتّسعت الآفاق أمامنا، وتعدّدت الالتزامات، الأمر الذي يتطلب مراجعةً مستمرة. فالصحافة إن لم تتقدّم تتراجع، والتقدم ليس تجاوز المكان الذي يقف فيه المرء، بل العبور إلى ما وراء النهر كل يوم.
وفي الختام، من دواعي سرورنا أن "العربي الجديد" استطاعت، خلال عامين، إيجاد لغتها الخاصة، وشكلها المختلف، وخطها التحريري المميز، وفريقها المتماسك الذي يسهر على استمرار تطورها وفرادتها. هذا الفريق الذي يتكون من المراسلين والمحرّرين والمدققين والتنفيذ الفني والإدارة وهيئة التحرير هو صاحب هذا الإنجاز الذي نتقاسم الفخر به.
المصدر: العربي الجديد - بشير البكر
↧