الفيديو صار بديلاً مكرّساً للكلمة في "السوشال ميديا" التي دخلت مرحلة "النصوص البصريّة"، بمعنى أن المرئي- المسموع صار هو "الكلمة"/المُفرَدَة التي "تكتب" بها محادثاتها وحواراتها وتدويناتها، إضافة إلى... أفلامها بالطبع. الأرجح إنها نقلة اخرى في تطوّر الشبكات الرقميّة للتواصل الاجتماعي، دخلت بها مرحلة يمكن تسميتها بالفيديو- الكلمة. ومن الأدلة الواضحة على ذلك أن أشرطة الفيديو هي ساحة الصراع الجاري راهناً بين الشركات الكبرى في "السوشال ميديا"، خصوصاً "تويتر" و"فايسبوك" إذ دخلا مؤخراً في ما يمكن تسميته الحروب العملاقة (أو "صدام التيتان" Clash of Titans، اقتباساً من عنوان فيلم هوليوودي شهير) للإمساك بزمام هذا التطوّر الذي ربما يكون هو حجر العلامة "للسوشال ميديا" في 2016. واستطراداً، ربما كان الاستخدام الحاذق من قِبَل الرئيس رجب طيب أردوغان، لأشرطة الفيديو المباشرة عبر موقع "فايس تايم" Face Time، أثناء التصدي لمحاولة الإنقلاب العسكري في تركيا أخيراً، هو الحدث المنعطف في جعل "الكلمات البصريّة"، إذا جاز التعبير، هي لغة اللحظة في الشبكات الاجتماعية. إذ تجاوز أردوغان سيطرة عسكر الانقلاب على المراكز التقليدية للإعلام العام (خصوصاً، الراديو والتلفزيون)، ليخاطب جمهوراً واسعاً تماماً في تركيا عبر الانترنت، باستخدام "فايس تايم". ويصعب عدم القول بأن عسكر الانقلاب مثّلوا عقلية تقليدية وماضوية من وجهة نظر ميديولوجيّة، عندما اعتقدوا أن سيطرتهم على الراديو والتلفزيون تساوي سيطرتهم على الاعلام العام. وغاب عن تلك الذهنية التقليدية في الميديا، أنه في العقد الثاني من القرن الـ21، لم يعد الراديو والتلفزيون يحتكران الاعلام، بل أنهما لم يعودا "واسطة العقد" في الاعلام العام. إعلانات وأموال وفيديو بلغ من قوّة الخطوة الأردوغانيّة في الفضاء الافتراضي للانترنت، أنّ مجلة "دايلي مايل" البريطانيّة شبهتها باستخدام الإمام آية الله الخميني أشرطة الكاسيت في خضم ثورة العام 1979، واستعمال القس المتمرد ومؤسّس البروتستانتية مارتن لوثر، الطابعة الورق في 1517 لطباعة ونشر بيانه ضد سلطة الباباوات في الفاتيكان، والاستعمال المكثّف لمواقع التواصل الاجتماعي أثناء ثورات "الربيع العربي"، وكذلك تمرّدات الشباب في طهران 2009. واستطراداً، هنالك أشياء أبعد كثيراً من مجرد الصراع على الاعلانات بين موقعين أساسيين في السوشال ميديا. ولا يمنع ذلك من التأمل أيضاً في الجانب التجاري لذلك الصراع. وقبل أيام قليلة، أقدم موقع "تويتر" على رفع حدّة المنافسة مع "فايسبوك"، بإعلانه أنه يضع خدمة "آمبليفاي" المتقدّمة نوعيّاً في أيدي الجمهور. ويعرف متابعو شؤون الشبكات الاجتماعية أن تلك الخدمة التي تعرف بإسمها المزدوج "تويتر آمبليفاي"، كانت حكراً على مؤسّسات الإعلام العام. وبقول آخر، لم يكن "تويتر" يقدّم تلك الخدمة إلا لشركات التلفزة وأقنية البث الفضائي ومؤسّسات البث التدفقي للفيديو على الانترنت وما يشبهها. ويعني ذلك أن "تويتر" أحدث نقلة كبرى في السوشال ميديا عندما وضع أداة كان لا يقدر على استخدامها إلا مؤسسات كبرى في البث البصري- السمعي، في تصرف الأفراد. وزاد من قوّة الخطوة، أنها جاءت مباشرة عقب انتهاء موقع "فايسبوك" من وضع خدمة البث التدفقي المباشر لأشرطة الفيديو ("إنستانت فيديو")، ضمن مُكوّنات برنامج "ماسنجر" للتخاطب المباشر بين الأفراد. وفي سياق "صدام التيتان" بين موقعي "فايسبوك" و"تويتر"، أعلن الأخير أنّه يرضى بتقاسم أموال الإعلانات مع من يستخدمون خدمة "آمبليفاي" في نشر أشرطتهم على الانترنت، بنسبة 30% لـ"تويتر"، و70% للأفراد. وفي المقابل، يعرض "غوغل" تقاسم الأرباح في الاعلانات التي تظهر على الأشرطة المتناقلة عبر "إنستانت فيديو". ويبلغ جمهور "تويتر" قرابة 320 مليون شخص، مقابل 1,6 مليار شخص لـ"فايسبوك". شبح "سناب شات" إذاً، المرجح أن تذهب حروب عمالقة السوشال ميديا، أبعد من الإعلانات وتقاسم الأموال مع صُنّاع أشرطة الفيديو في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي. واستطراداً، يصعب التغاضي عن كون الخطوات التنافسيّة المذكورة أعلاه من جانب "فايسبوك" و"تويتر" جاءت في إطار تنافسي مع خدمة مشابهة تماماً في البث الحيّ لأشرطة الفيديو، يقدّمها موقع "سناب شات". وعند هذا المنعطف، يجدر التوقّف قليلاً للالتقاط الأنفاس. إذ لاحظت إحصاءات كثيرة، خصوصاً تلك التي أجراها "مركز بيو للبحوث" في الولايات المتحدة، ميلاً متصاعداً عند الشباب للخروج من "فايسبوك" (وبدرجة من "تويتر") والدخول إلى موقع "سناب شات" الذي يتميّز بأنّه يمحو الحوارات والتدوينات والأشرطة وكافة أنواع المتحوى، بصورة نهائية بعد مرور زمن يسير عليها، بل يُمحى معظمها قبل مضي 24 ساعة عليها. والأرجح أنه أمر لا يخلو من الدلالة أن الرئيس باراك أوباما انضمّ في مطلع العام الجاري إلى موقع "سناب شات"، لأسباب ربما تشمل مجاراة ذلك الميل لدى شباب أميركا. وكما لاحظ غير متابع للشأن المعلوماتي، تشير تلك الحركة من الخروج والدخول إلى تزايد الوعي لدى الشباب، خصوصاً في أميركا والدول الغربيّة، لأهمية حماية الخصوصيّة والبيانات الشخصيّة على الانترنت، حتى لو كان ذلك بصورة محوها وإزالتها. (أنظر "المدن": "ترامب وداعش والحق في النسيان" ). وتحضر مسألة الخصوصيّة وحماية البيانات الشخصيّة للأفراد، في ثنايا الصراعات الراهنة بين شركات السوشال ميديا. ولعل النموذج المكثف عنها جاء في إعلان شركة "واتس آب" أنها بدأت في تشارك معلوماتها مع "فايسبوك"، مشيرة إلى أنّ ذلك يساهم في زيادة المداخيل للشركتين المندمجتين منذ 2014، عبر أشياء تشمل الإعلانات الشخصيّة الموجّهة. ولم تتأخر خبيرة المعلوماتية في شركة "أوفوم" لتحليل أسواق المعلوماتية، في الإشارة إلى أنّ شركة "واتس آب" نكثت بوعد قطعته على نفسها بالبقاء مستقلة، عندما أنجز اندماجها مع "فايسبوك" في 2014. ولاحظت ديكسون أن ذلك "الوعد" أحدث حينها، نوعاً من الطمأنينة لدى الجمهور، خصوصاً أن الشركتين تمتلكان معلومات وبيانات مذهلة عن الجمهور. وعند تثبيت تطبيق "واتس آب"، يشترط ذلك التطبيق الحصول على قوائم الاتصال كاملة، والوصول إلى ألبومات الصور وأشرطة الفيديو والمعلومات الأساسيّة عن الهاتف، وآلية اتصاله مع نظام "جي بي أس" وغيرها. ويضاف إلى ذلك أن المعلومات والمكالمات والصور والأشرطة التي يتناقلها الأفراد عبر "واتس آب"، تبقى محفوظة في خوادم ذلك التطبيق أيضاً! ولا تخفى على أحد ضخامة المعلومات التي يمتلكها موقع "فايسبوك" عن كل فرد مسجّل فيه. يكفي لفت النظر إلى أن اتفاقية الاستخدام التي يضغط عليها الجميع بالموافقة عند التسجيل في ذلك الموقع، تعطي "فايسبوك" الحق في الوصول والتصرف والتخزين، لكافة البيانات والمعلومات التي يضعها الجمهور في صفحاته. ومع اندماج هذين النوعين، يصبح كل فرد مكشوفاً تماماً، بل يصبح جزءاً من تجارة البيانات والإعلانات في هذين الموقعين. والأرجح أن ذلك الأمر وحده، يحتاج إلى نقاشات كثيرة ومعمقة، معظمها ما زال غائباً عن جمهور المستخدمين العرب.
المصدر: المدن - أحمد مغربي
↧