إذا كان هناك عنوان عريض يمكن أن يسمى به العام 2016، فسيكون هذا العنوان هو (داعش). منذ هجمات باريس في نوفمبر/ تشرين الأول 2015، نشأت موجة ضخمة من "الاستفاقة" في صفوف السياسيين وصناع القرار الدوليين، حرّضتها موجة مقابلة من هجمات "داعش"، وتغلغلها في الغرب عموماً. كانت "داعش" موجودة من قبل ولا شك، لكنها كانت مجرد بعبع صغير محبوس في الشرق الأوسط، أيقونة للشر الذي اكتفى العالم بأن يبتعد عنه و"يغني له". وعلى الرغم من الأسف والتنديد والشعور بالقلق، لم يكن من الأولويات التعامل معه مشكلة حقيقية أو تهديداً عالمياً. وحينما خرج هذا المارد من قمقمه، أصبحت كل مشكلات العالم مرتبطة به بشكل أو آخر.
هكذا أصبح الحديث عن ضرورة محاربة الإرهاب سمةً مشتركة بين جميع سياسيي العالم. من السطح، يبدو أن العالم تخلى عن أقطابه جميعها، ليصبح قطبين اثنين فقط، "داعش" في جهة، والعالم كله في جهة أخرى: الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع روسيا، وإيران بالتنسيق مع كليهما، وتركيا في توافق مع نظام الأسد أخيراً. يتم تقاسم المهام بتنسيقٍ عزّ نظيره، فتتولى الولايات المتحدة وروسيا السيطرة على الجو، بينما تتسلم كل من إيران وتركيا دفة الأرض، أما نظام الأسد فمهمته الأساسية متابعة سياسة الحصار والتنكيل في الداخل، منعاً لأي حل سياسي سوري، قد يؤثر على إدارة دفة المنطقة من الخارج. وأخيراً، يبقى دور الأمم المتحدة أن تضفي غطاء شرعياً على هذا كله، بحيث يبدو "طبيعياً" للغاية.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أن "داعش" في مقابل العالم كله قد تراجعت كثيراً خلال عام، فهي على الرغم من كل الضربات الجوية والتدخلات الأرضية والقيود السياسية ما زالت موجودة بقوة. ومع استمرار تلك الضربات وطول أمد المعركة ضدها، ناهيك عن تأخر هذه المعركة في المقام الأول، تزداد خبرة ومعرفة وقدرة على تفادي الخسائر وتنظيم الصفوف والتمويل الذاتي. بغض النظر عن أية افتراضاتٍ تخص مساعديها أو مموليها أو مصادرها الاستخبارية (وهي افتراضات لها وزنها) يمكن القول إن "داعش" ما زالت "باقية"، بغض النظر عما إذا كانت "تتمدّد".
بعيداً عن الأرض والمعارك، يبدو أن جميع القضايا الأخرى ترتبط اليوم بداعش، أولاً وقبل كل شيء. قضايا اللاجئين في أوروبا من جهة، والحملة الانتخابية الرئاسية لدونالد ترامب في أميركا من جهة ثانية، والمساعدات العسكرية التي تقدمها الدول لهذا الطرف أو ذاك من جهة ثالثة، وحتى المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة، والتي فيما يبدو أصبحت تصب في أحضان النظام السوري، خوفاً من أن تقع في أحضان "داعش".
هي حرب مثل أية حرب، لها اقتصادها الذي تستفيد منه جميع أطراف العالم، إيران التي زادت من سيطرتها في سورية والعراق، بمساعدة مليشياتها المختلفة، وروسيا التي احتلت السماء السورية لمحاربة "الإرهابيين"، وتركيا التي اقتحمت الأراضي السورية لمنع "داعش" من التمدّد إليها، بل وعلى نطاق أبعد، لا شك أن الاحتلال الأسرائيلي راض جداً عن وجود "داعش" واهتمام العالم بها، فيما يستمر في تطبيق مخططاته الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، بعيداً عن ضوضاء الإعلام.
أما الأنظمة العربية السلطوية التي تضيق على شعوبها باسم محاربة الإرهاب، فتقتات على شعارات "المؤامرة" و"القضية الكبرى" التي تقدمها "داعش" اليوم لكل نظام ديكتاتوري في الشرق الأوسط، من سورية إلى مصر وهلم جراً.
من هنا، لماذا يتحتم على أي أحد أن يكره "داعش"؟ أو ليس من الضروري أن تستمر "داعش" نفسها كي يعيش هؤلاء؟ ربما عليها أن تبقى ضعيفة أو متهالكة، ربما مع قص بعض أجنحتها، إنما من الضروري أن تبقى. إنها الوقود الذي يغذّي كل هذه الآلة الدولية العمياء؟ من يدري، خلف الكواليس وفي خفايا القاعات المغلقة، كمية الصفقات السياسية التي تتم بحجة محاربة "داعش"، والتحالفات المستحيلة التي تتم بسبب "داعش"؟
"داعش" هي المحور الوحيد المشترك في العالم اليوم، وربما يختل توازن العالم بانتهائها. لذلك، من غير المنتظر أن يقضي عليها أحد قريباً، ليس بعد.
المصدر: العربي الجديد - لورين محمد
↧