Quantcast
Channel: souriyati2 –سوريتي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

إياد الجعفري : أمريكا، وسوريا “المائعة”

$
0
0
1ماذا يمكن أن نفهم من الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير بخصوص سوريا؟ أجوبة عديدة قد تطرأ في أذهان المراقبين والمحللين، بعضها مرتبط بحيثيات الاتفاق ذاته، وتداعياته المرتقبة، وبعضها الآخر مرتبط بأعمق من ذلك، يرتبط بحقيقة النوايا الأمريكية تحديداً، والدولية عموماً، حيال سوريا. وهي نوايا يُوحي بها الاتفاق. . منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة، في عهد الانتداب الفرنسي، لم تكن الدول الفاعلة في الشرق الأوسط بعيدة عن التدخل والتلاعب في تطوراتها، بما يخدم مصالحها. بدأ ذلك من الضغط البريطاني – الأمريكي على فرنسا للجلاء عن سوريا بعيد الحرب العالمية الثانية، مروراً بالانقلابات التي شهدتها البلاد بين نهاية الأربعينات، وأواسط الخمسينات. أهمية سوريا الجيو استراتيجية، جعلتها محط اهتمام الدول الكبرى في العالم، وكذلك الدول الإقليمية الوازنة، التي عملت على أن يكون لها محط نفوذ داخل أروقة صنع القرار في هذا البلد، منذ جلاء الفرنسيين عنه. . وقد أتاح عاملان، الهامش المناسب لتدخل الخارج في الشأن السوري، العامل الأول، العلاقات التي نسجتها دول غربية وإقليمية فاعلة مع شخصيات ورموز من النخبة الحاكمة في البلاد، التي لم تكن متماسكة، وكانت موزعة النفوذ، بل ومنقسمة على نفسها، بصورة لم تكن تتيح استقراراً في البلاد لحاكم بعينه. تلك النخبة ببعدها البرجوازي (الدمشقي، الحلبي) بصورة رئيسية، بقيت تدير البلاد بصورة نسبية، بالتوازي مع الدور الفاعل للقيادات العسكرية في الجيش السوري. ورغم الانقلابات العسكرية العديدة، لم تكن قيادات الجيش التي وصلت إلى سدة الحكم أكثر من مرة في سوريا، قادرة على الاستغناء عن الدور التنفيذي للنخبة البرجوازية السورية، في حكم البلاد. وكان انقسام النخبة البرجوازية، وصراع أقطابها، وصلاتها الخارجية، العامل الأول في نجاح محاولات التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري. أما العامل الثاني، فكان التكوين التنظيمي للجيش السوري نفسه، الذي كان امتداداً لجيش المشرق الذي أسسته فرنسا في عهد انتدابها على سوريا، بغية إخضاع البلاد. ورغم أننا لا ننكر وطنية الكثيرين من قادته بعد جلاء الفرنسيين، إلا أن مؤشرات عديدة تؤكد صلات بعض هؤلاء القادة بجهات خارجية. أمر أكدته ملابسات الانقلابات الأربعة التي شهدتها سوريا بين نهاية الأربعينات، وحتى أواسط الخمسينات. المشهد تكرر مع انقلاب الانفصال عن مصر، عام 1961، حيث ظهر دور العاملين، البرجوازي والعسكري، ذو الصلة بجهات خارجية، والذي اعتمد على أخطاء كبرى ارتكبتها إدارة جمال عبد الناصر لسوريا خلال الوحدة، لفصم عراها لاحقاً بانقلاب عسكري. . ومع صعود الصف الثاني وربما الثالث من قيادات الجيش، المتحدرين من خلفيات طائفية وريفية أقلوية، إلى سدة الحكم في سوريا، عام 1963، وانفرادهم الكامل به، عام 1966. أصبحت سوريا أقل جاذبية للتدخل الخارجي، إذ أصبحت بؤرة للفوضى المؤسساتية، بصورة لا تدع مجالاً للخشية من مشروع مستقبلي ملهم لحكامها، قد يجعلها خطراً على أمن إسرائيل، أو مصالح القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً. . لكن، مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، تمكن الأخير من تحقيق معادلة صعبة، جعل فيها سوريا دولة فاعلة، بنخبة ذات نواة صلبة متماسكة، لأول مرة ربما في تاريخها الحديث. لكنه في المقابل، أسس الدولة السورية الحديثة على أسس طائفية وعائلية، جعلت قوتها في ضعفها. فالدولة باتت تمثل فئة أقلوية تناقض غالبية السوريين في ميولهم الدينية والفكرية. التناقض الذي أسس عليه حافظ الأسد دولته في سوريا، جعلها قوية على أساس القمع، وهو ما جعلها في نظر القوى الغربية وإسرائيل، ضعيفة وهشة، لأن نخبة الحكم فيها لا تستند إلى حاضن شعبي كبير، ومطمئن. . ولذلك، أظهرت إسرائيل، عام 2000، تردداً في الوصول إلى اتفاق سلام مع الأسد الأب، لأن الأخير كان مريضاً، ومعرضاً للموت في أي لحظة، وكانت إسرائيل تخشى من مستقبل البلاد بعده، لأن الأسس التي أقام عليها حكمه، لم تكن مستقرة من ذاتها، بل هي بحاجة إلى صيانة مستمرة لقوى القمع، وتعزيز صلابة النخبة الأقلوية التي تديرها. بمعنى آخر، لم يكن حافظ الأسد، رغم كل تحرشاته بإسرائيل، مصدر قلق وجودي بالنسبة لها. لم تكن إسرائيل تعتقد أن الأسد الأب بوارد الذهاب في مشروع ينال من أمن إسرائيل حقاً. فهمّ الأسد الأب كان دوماً الحفاظ على استقرار حكمه، الذي لا يحظى باستقرار ذاتي حقيقي. . بشار الأسد، كان امتداداً لحافظ، لكنه بعد الثورة، بات أكثر ضعفاً من أبيه، بحيث عادت تلك الحقبة التي أصبح يمكن فيها للقوى الدولية والإقليمية الراغبة، التدخل في الشأن السوري. ولأن موقع سوريا جيو استراتيجي، فإرادة معظم القوى الخارجية الفاعلة، هي أن يكون لها نفوذ فيها. وذلك يتطلب نخبة غير متماسكة، منقسمة على نفسها، متصارعة، بحيث يمكن التغلغل فيها، وتشكيل أقطاب نفوذ على غرار النموذج اللبناني إلى حدٍ ما. . بالنسبة للأمريكيين. الأمر واضح، هم يريدون دولة سورية بنخبة ضعيفة غير متماسكة، يمكن أن تكون شخصياتها منصاعة. لذلك لن يقبلوا بقوى جهادية غير منصاعة في تشكيلة السلطة في سوريا. لن يطمئنوا إليها. هم يريدون قوى معارضة أثبتت خلال سنوات الثورة استعدادها للتبعية بما يخدم مصالحها في حجز موقع لها في مستقبل البلاد، كما أنهم يريدون بقاء نفوذ ضخم للأقليات في تشكيلة السلطة في سوريا، من كرد وعلويين ودروز ومسيحيين أيضاً، بحيث تكون النخبة الحاكمة، واسعة، وموزعة النفوذ، ومنقسمة على نفسها، بحيث ينطبق المثال الذي سبق أن تحدث عنه الأكاديمي الأمريكي، صموئيل هنتغتون في كتابه الشهير "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة"، عن "نخب موزعة النفوذ". نخب قابلة للانقياد بحكم انقسامها، وصراع أقطابها. وبلد يمكن إدارته عن بعد. . هذه الصيغة التي تطمح لها أمريكا، وربما معظم القوى الفاعلة في سوريا، تتطلب بالفعل تسوية سياسية، تؤدي إلى حل سياسي، ينتهي بهيكل حاكم يضم قوى من خلفيات مختلفة ومتنافرة، تحتاج في كل مرة تعتزم فيها تشكيل حكومة إلى شهور للاتفاق على صيغ المحاصصة فيها. دولة ضعيفة، مؤسساتها مرتهنة وتابعة، لا تحمل مشروعاً مستقبلياً. . هذه أفضل "سوريا"، يأملونها. لذلك، وجِب تدمير كل الفصائل التي لا يمكن الرهان على تقبلها لهذه الصيغة. من قبيل "فتح الشام"، وربما مستقبلاً، "أحرار الشام"، وفصائل أخرى. في نهاية المطاف، هذا مشروعهم في سوريا. . وعملياً، معظم القوى الفاعلة والمؤثرة في سوريا، متفقة عليه من حيث المبدأ، ومشكلتها فقط في التفاصيل، واقتسام الكعكة. ولمواجهة هذا المشروع، وتكالب القوى الدولية والإقليمية الفاعلة على تنفيذه، يجب أن يكون هناك مشروع بديل، سوريّ، يمثل غالبية السوريين، تنطوي تحت ظلاله غالبية الفصائل السورية الفاعلة على الأرض، الرافضة لتسوية تنتج "سوريا" مائعة، مُتاحة للخارج. تأسيس مشروع كهذا وقفٌ على شرط وحيد، أن تتجاوز الفصائل السورية مرض الفصائلية والانقسام، وأن تتوحد ضمن مشروع يمثلها جميعاً، وراية تمثلها جميعاً، وغرفة عمليات تمثلها جميعاً، كي تكون صاحبة الكلمة الفصل في مستقبل سوريا. المصدر: المدن - إياد الجعفري

Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>