من الصعب جداً تخيل الرئيس السوري بشار الأسد كإنسان "طبيعي" يحتفل بعيد ميلاده وتغني له العائلة "عيد ميلاد سعيد" قبل أن ينفخ على الشموع الصغيرة ويقطع قالب الحلوى بخجل وتأثر، فالديكتاتور "اللطيف" مسؤول "فقط" عن مقتل حوالى نصف مليون مواطن سوري وتهجير الملايين، منذ العام 2011 بعد الاحتجاجات الشعبية التي قامت في البلاد ضده مطالبة بمزيد من الحرية والديموقراطية. ويحاول موالون للنظام السوري هذا العام، إقامة حفلة عيد ميلاد إلكتروني، لزعيمهم الدموي، عبر موقع إلكتروني بسيط، يعرض مجموعة كبيرة من صور الأسد، مأخوذة في المجمل من حسابات " رئاسة الجمهورية العربية السورية " المختلفة في "فايسبوك" و"إنستغرام"، وتتنوع بين صور الأسد في خطاباته الرسمية أو مع زوجته أسماء ومع المدنيين في الشوارع، وصولاً إلى صوره في المناطق العسكرية مع جنود جيشه، ويترافق ذلك "الجو الشاعري" مع خلفية موسيقية لفنانة الممانعة الأولى جوليا بطرس بأغنيتها "أشرف إنسان". يحمل الموقع عنوان " كل عام وأنت بخير سيدي الرئيس "، و"يتيح لأي شخص معايدة الأسد عبر إرسال رسالة إلكترونية، يقوم فريق الموقع بنشرها على الموقع ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ابتداء من يوم غد الاثنين، أي بعد يوم واحد من عيد ميلاد الأسد اليوم الأحد، من دون الكشف عن هوية القائمين على الموقع أو طبيعة علاقتهم بالمكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، الذي يشكل مصنع البروباغندا الأسدية الحديثة. وبدأت مواقع التواصل الموالية للنظام بالترويج للموضوع عبر هاشتاغ weloveyou ، أي "منحبك" باللهجة السورية العامية، وهي الكلمة التي استخدمتها الأجهزة الأمنية - البعثية في "الحملة الدعائية" للأسد خلال مسرحية الانتخابات الرئاسية العام 2007، قبل أن تتحول لازمة ترافق صور الأسد في كل مكان، ويزداد استخدامها من موالي النظام بعد الثورة في البلاد، وتصبح المدخل لتسميتهم "المنحبكجية". والحال أن حالة تقديس الزعيم السياسي كرمز للدولة، هي واحدة من أبرز خصائص النظام البعثي الشمولي في البلاد منذ انقلاب حافظ الأسد واحتكاره السلطة مطلع سبعينيات القرن الماضي، ثم توريثها لابنه بشار بعد وفاته العام 2000، ورغم ذلك لم تكن الاحتفالات بعيد ميلاد حافظ أو حتى بشار رائجة، حتى في السنوات الأخيرة بين موالي النظام، ربما لأن العقلية البعثية ترى أعياد الميلاد عادة غربية - ليبرالية لا تتناسب مع الطابع الاشتراكي للحزب الحاكم، أو لكونها تظهر الزعيم "الخالد" بمظهر بشري طبيعي يتناقص عمره المتبقي له عاماً إثر عام، بما يناقض أبدية السلطة المعروفة في الشعارات البعثية. وتحاول شركات العلاقات العامة المرتبطة بالنظام تغيير هذه العقلية منذ الثورة في البلاد، بهدف تحسين صورة رأس الأسد بطرق جديدة، لخلق صورة بشعبية جارفة للأسد كزعيم محبوب ومتواضع، لا شريراً أو دموياً كما يصفه "الإعلام المغرض"، وكل هذه رسائل موجهة في المجمل للرأي العام الغربي وليس للجمهور المحلي من الموالين، فتصبح اللغة الانجليزية طاغية في الشعارات والهاشتاغات والتفاعل، ويتحول الموالون إلى أدوات مجانية للترويج لا أكثر ولا أقل. بموازاة ذلك، بات 11 أيلول/سبتمبر يوماً تكرسه المعارضة السورية لأمنيات الخلاص من الأسد قريباً، مع بث صور للأسد وأعمال القتل والدمار في مناطق متفرقة من البلاد، في إشارة إلى تورطه شخصياً فيها، بحيث يتحول يوم ميلاده إلى كارثة ومأساة إنسانية "لا تقل عن أحداث 11 أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة"، وليس إلى "عيد ميلاد الوطن" كما تصفه تغريدات مؤيدين في "تويتر"، بشكل يعكس الاستقطاب الحاد الذي تعيشه البلاد على مستويات عديدة. في السياق، تعيد الصفحات المعارضة نشر إنتاجات ساخرة من الأسد في عيد ميلاده، أبرزها فيلم كارتوني قصير مميز بعنوان " عيد ميلاد بشار الأسد سيلفي "، الذي قدمه فريق "سياسة نص كم" العام الماضي، ويصور الأسد "دراما كوين"، وهو يشكر ضيوف حفلته على مساندتهم له للبقاء والاستمرار خلال "الفترة العصيبة"، قبل أن ينهي كلمته "المؤثرة" بصورة "سيلفي" هزلية مع ضيوفه من زعماء الدول والميليشيات الحليفة له، مثل فلاديمير بوتين وحسن نصرالله.
المصدر: المدن - المدن - ميديا
↧