سارعت سوريا إلى تأكيد الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي الميدان الشك سائد بأنه ليس مضمونا أن هذا الاتفاق بالتحديد، وخلافا لسابقيه (كانون الأول 2015، شباط 2016) سيحدث التغيير المطلوب بالنسبة للشعب السوري الذي ضحى بمئات آلاف الأشخاص وملايين اللاجئين في حرب فظيعة كان يمكن أن تنتهي منذ زمن.
لدى جميع الأطراف التي على صلة بالحرب، وهي كثيرة، لا توجد ثقة كبيرة بالاتفاق. من قد يعتبره إنجازا هو الجزار من دمشق، بشار الأسد. حيث يحصل الرئيس السوري على ضوء أخضر آخر من الإدارة الأمريكية للعيش في قصر الرئاسة في دمشق. كان من المفروض أن يكون الاتفاق في صالح السوريين، وهو بالفعل في صالح سوري واحد.
يبدو أن اوباما قد تنازل عن سوريا لبوتين، هذا هو على الأقل الشعور لدى المتصلين بالأزمة. لم يتحقق الاتفاق بسهولة لأن روسيا والولايات المتحدة تؤيدان كل واحدة على حدة طرف في الحرب التي لا تنتهي.
من المفروض أن يؤدي الاتفاق إلى وقف إطلاق النار يوم الاثنين مع بدء عيد الأضحى، الأمر الذي سيُمكن فيما بعد من إقامة معبر إنساني لسكان حلب المحاصرين، الذين يرون بالاتفاق، وأي اتفاق، مجرد نكتة. لولا الدمار والقتل في المدينة الشمالية لكانوا ضحكوا بالفعل. في الوقت الحالي فإن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر أيضا لا يؤمن بالاتفاق، لأنه ببساطة لا يثق بالروس. لماذا إذا وقع الأمريكيون رغم ذلك؟ لأن اوباما لا يؤمن بالشرق الأوسط. وهناك من يقول إنه تنازل عن الشرق الاوسط لصالح الشرق البعيد. التجربة النووية الثانية لكوريا الشمالية في هذه السنة تؤكد على أن الأمور التي تُرى من هنا، تُرى ايضا من هناك.
الحرب في سوريا تحولت إلى حرب دينية ـ لكن لا توجد ثقة كبيرة هناك. المشكلة في الاتفاق ليست فقط البنود السرية التي تزيد من الاشتباه بين الأطراف المتحاربة، بل ايضا في تعريف الإرهاب، الذي يظهر في كثير من البنود. مفهوم الإرهاب في سوريا يحمل الكثير من المعاني. من تعتبره الولايات المتحدة «محارب من أجل الحرية» تعتبره روسيا «إرهابيا». ومن تعتبره روسيا رئيسا شرعيا (الأسد) يعتبره المنطق والأخلاق إرهابيا. وبالمناسبة الولايات المتحدة كانت تعتبر الأسد إرهابيا ذات يوم.
الولايات المتحدة وروسيا يفترض ان يقيما «مركزا للتعاون التنفيذي» حيث يكون بينهما تنسيق استخباراتي يهدف إلى قصف المنظمات الجهادية، ومنها داعش وجبهة النصرة. نحن لسنا هناك بعد لأن الامور في سوريا بعيدة عن أن تكون واضحة وبسيطة.
جبهة النصرة على سبيل المثال، هي ذراع من أذرع القاعدة سابقا، يمكن أن تشير إلى الإشكالية الكبيرة في سوريا. هذه المنظمة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام على أمل الانفصال عن القاعدة والتحول إلى منظمة شرعية وتجنب قصف التحالف، تستجيب لتعريف منظمة إرهابية. إلا أن جبهة النصرة تعاونت مع منظمات متمردين «شرعيين» ضد قوات الأسد. والآن يتم طرح السؤال كيف أن الدولة التي لا توجد فيها ثقة تكون المنظمات المختلفة فيها مستعدة لإدارة ظهرها لجبهة النصرة التي يحتمل أن تكون جزءا من قوات المتمردين؟.
من المفروض أن تهتم موسكو بأن تكف قوات الأسد عن قصف المناطق التي تعمل فيها جبهة النصرة، أما واشنطن فمن المفروض أن تهتم بأن تنفصل منظمات المتمردين المختلفة عنها. وليس من المؤكد أنه يوجد في سوريا حتى لو متفائل واحد يؤمن بأن لدى الأمريكيين القدرة على ذلك. والروس ايضا. وفي الوقت الحالي قامت قوات الأسد بقتل مدنيين في حلب بواسطة استخدام غاز الكلور، والعشرات في ادلب أمس. هل تذكرون آب 2013 حيث كانت ما زالت توجد خطوط حمراء واعتقدنا أن اوباما سيقصف ويطرد الاسد؟ لكن الاسد ما زال معنا ومعه تهديد الخط الشيعي وراء الحدود الشمالية.
لقد منح القدر الاأسد يوم ميلاد مناسب لطبيعته، أفعاله وشخصيته ـ 11 ايلول. ولكن لماذا قرر اوباما منحه هدية تُبقينا وتُبقي الشعب السوري معه؟.
بوعز بسموت
إسرائيل اليوم 11/9/2016
صحف عبرية
المصدر: القدس العربي