لم يأتِ طلب وزير الداخلية نهاد المشنوق من مجلس الوزراء حلّ الحزب العربي الديمقراطي وحركة التوحيد– فرع هاشم منقارة، بعدما أصدر قاضي التحقيق آلاء الخطيب قراراً إتهامياً مبرماً في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام، إلا بمثابة "ضرب" أعاد إلى الواجهة الجدل في شأن وجود هذين التنظيمين في الشارع الطرابلسي، ولاسيما أنّ قانونية طلب المشنوق مازالت موضع شكٍّ بالنسبة إليهما. تعود جذور هذين التنظيمين إلى الحرب الأهلية (1975) والاجتياح الإسرائيلي (1982)، إذ لعب كلاهما دوراً بارزاً على الساحة اللبنانية. ورغم تقاطعهما في بعض المحطات، انطلقا من ثوابت مختلفة كلياً إلى أن أصبحا اليوم في خندق سياسي واحد. وفي الوقت الذي كانت تنشأ فيه حركة التوحيد نشأةً إسلامية– دعوية، كان الحزب العربي الديمقراطي ينهض بشعارات عروبية– قومية. لكن منعطفات مفصلية، جعلتهما يمرّان في مطبّات قاسية، فخفت وهجهما بعدما كان ساطعاً في شمال لبنان. رمزية الشيخ سعيد شعبان (1930– 1998)، مؤسس حركة التوحيد، جعلها تحظى بمكانة مميزة في الذاكرة الطرابلسية، رغم الحساسيات التي تعيشها حالياً بسبب علاقتها مع إيران وحزب الله، وهو الارتباط الذي يبرره الشيخ بلال سعيد شعبان، الذي ورث القيادة عن والده، بـ"العلاقة التاريخية التي لا يمكن التخلي عنها". والحركة التي تأسست في العام 1982، على خلفية الاجتياح الإسرائيلي للبنان من أجل مساندة المقاومة ومدّها بالعتيد والسلاح، استطاعت أن تجذب قاعدة شعبية واسعة في طرابلس، خصوصاً أن شخصية شعبان كانت مؤثرة جداً، بسبب شخصيّته وحنكته، إذ تجاوز حدود لبنان، ولقّب بـ"العلامة المجاهد". فتنقل بين بلدان عدّة إثر حيازته إجازة في الشريعة الإسلامية واللغة العربية وعلم النفس وديبلوم في العلوم التربوية ودرس التاريخ والتحق بالأزهر في مصر، وسافر في حملات دعوية إلى سوريا والمغرب والسودان والسعودية وأميركا، وكان عضواً مؤسساً في مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران. في هذا الوقت، ومع الدور السوري في لبنان، تنامى الدور العلوي في جبل محسن. وجرى دمج شباب الجبل وعسكرتهم في إطار "الفرسان الحمر" الذين تبعوا "سرايا الدفاع" بقيادة رفعت الأسد في سوريا، وقد سبق ذلك إنشاء المجلس الإسلامي العلوي في العام 1970. ومع ارتفاع منسوب الحمى في طرابلس، تأسس الحزب العربي الديمقراطي على يد علي عيد في العام 1980، الذي استطاع بسط هيمنته على المدينة رغم نفورها منه بعد حصارها ودخول الجيش السوري إليها. غير أن عضو المجلس السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي فضّة، يعتبر أن التمركز الجغرافي للحزب، هو الذي جعله يأخد طابعاً طائفياً، أيّ علوياً، إلا أنّه في الحقيقة، حزب تعددي- علماني. ويقول لـ"المدن": "خلفية هذا الحزب هي قومية، وعلي عيد ليس إلا واحداً من مؤسسيه إلى جانب ثلّة من العروبيين السنّة والشيعة والدروز والمسيحيين، من آل المرعبي وآل المقدم وآل حميدي، وهو غير محصور بالطائفة العلوية، وإنما يضم في صفوفه شباباً من مختلف الطوائف". لكن مجزرة باب التبانة في العام 1987، التي إرتكبها الجيش السوري، كانت العامل الأبرز الذي أسقط كلّ من الحزب والحركة من مكانتهما. فـ"من جهة، شارك الحزب العربي بطريقة مباشرة مع الجيش السوري في تلك المجزرة التي أشعلت فتيل الحقد بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة. ومن جهة أخرى، أصبحت علاقة حركة التوحيد مع سوريا رغم عدم مشاركتها في المجزرة، عبئاً على الطرابلسيين، لاسيما بعد اتهام الحركة، بالمشاركة في الجريمة السورية، التي مهدت لاغتيال خليل عكاوي (أبو عربي)، وهو رمز مقاوم في باب التبانة، بعد عودته من اجتماع في مكتب الحركة"، وفق ما قال مصدر إسلامي لـ"المدن". ومع تأزم الوضع بين لبنان وسوريا، مرّت حركة التوحيد في ظروف صعبة بعد وفاة الشيخ سعيد شعبان في العام 1998. إلا أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005)، كان مرحلة مفصلية، وفق الشيخ بلال شعبان، "إذ دخلت الطائفة السنية في مرحلة الانتحار الذاتي وأصبح كلّ معارض لتيار المستقبل متّهماً بقتله أو بالتآمر على الوطن". احتجاجات وغضب في العودة إلى طلب المشنوق، لا بد من الإشارة إلى أنّ "هاشم منقارة الذي انشق عن حركة التوحيد في العام 2000، على إثر خلافات داخلية، لم يأخذ ترخيصاً رسمياً في تأسيس فرع للحركة. وبالتالي يكون قرار حلّه باطلاً"، وفق شعبان. من جهته، يرى محامي منقارة إبراهيم الأيوبي، أن تقديم القرار الاتهامي إلى اللواء أشرف ريفي في منزله يخالف الدستور، وكان يشبه الهدية التي تجاذب فيها بمعركته مع تيار المستقبل. ويقول لـ"المدن": "القرار الاتهامي المبرم، لا يحمل صفة القطعية وهو يحتمل الظن. ومع تأكيد براءة الشيخ هاشم منقارة من جنحة المادة ٣٩٨ عقوبات التي تتحدث عن عدم الإخبار، منع قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، محاكمة منقارة وذلك قبل إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء. وبالتالي لا إرتكاب ولا إدانة لحركة التوحيد إلى غاية هذه اللحظة. ولكن للأسف، هي محاول من خصوم الشيخ منقارة للإساءة إليه عبر هذه التهمة". في السياق نفسه، يسأل فضّة عن البند القانوني الذي استند إليه المشنوق، في طلب حلّ الحزب قسّراً، وهو لا يزال موضع "الظنّ". ويشير إلى أنّ القرار الاتهامي المؤلف من 44 صفحة، لم يُذكر فيه اسم الحزب تلميحاً أو تصريحاً، وأن المشنوق أدرج طلبه تحت عنوان "الشبهة" وهو ليس نهائياً، فـ"أين الشبهة ونحن لم نُتهم أصلاً؟". يضيف: "طلب المشنوق نضعه في ملعب حلفائنا في مجلس الوزراء، وهم لن يخذلونا. لكن حرب المزايدات والاستباق بين المشنوق وريفي، يدفع ثمنها أبناء جبل محسن. فهناك شيء خطير يحدث في التهديدات التي تصلنا وتصفنا بالحزب العربي النصيري. وهذه الممارسات ترفع الغطاء الأمني عن أهالي الجبل، الذين أصبحوا عرضة لمخاطر لا تحمد عقباها، في محاولة عزلنا عن الوطن، وكأننا لسنا جزءاً منه". ويسأل مستنكراً: "لماذا عندما خبأ الشيخ سالم الرافعي أحمد الأسير في منزله لم يحاسبه أحد؟ أم هي سياسة الكيل بمكيالين؟".
المصدر: المدن - جنى الدهيبي
↧