هدنة أخرى في حالة يُرثى لها وأمريكا تستمر بالتواصل مع روسيا بانتظار نتيجة مختلفة
يبدو أن المحاولة الدبلوماسية الأخيرة في إحلال الأمن في سوريا وتمهيد الطريق أمام السلام قد باءت بالفشل. كما أشارت التقارير إلى أن طائرة روسية -بعد أسبوع من قطع الطريق أمام المساعدات الإنسانية والانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار- قصفت قافلة مساعدات مشتركة بين الأمم المتحدة والصليب الأحمر السوري (SARC) ومستودعاً تابعاً له يقع خارج مدينة حلب، ما أسفر عن مقتل نصف الموظفين تقريباً بمن فيهم مدير برامج المساعدات الإقليمية في الصليب الأحمر السوري.
وجاء ذلك الاعتداء عقب دقائق من إعلان نظام بشار الأسد عن انتهاء الهدنة. قُتل بعدها عشرات الأشخاص وأصيب آخرون جراء القصف بالغارات الجوية والمدفعية الثقيلة على الأحياء التي يسيطر عليها الثوار في مدينة حلب.
وقد عُثر على بقايا القنبلة المتشظية من نوع OFAB، التي ألقيت على القافلة، في حطام مستودع الصليب الأحمر واستخلصت التحقيقات التي أجرتها الولايات المتحدة أن الطائرة الروسية طراز سوخوي سو-24 هي المسؤولة عن العملية. وقال مسؤول الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، ستيفن أوبرين، في حديثه عن الواقعة التي استمرت إلى ما يقرب ساعتين بأنها قد ترقى لتكون "جريمة حرب".
ولا ينبغي لأي من هذه الحوادث أن يكون مفاجئاً، حتى وإن كانت العواقب ذات أثر تدميري. فالحكومة الروسية، ناهيك عن نظام الأسد، لم تكن يوماً شريكاً يمكن الوثوق به لتحقيق السلام في سوريا. ولكن وعلى الرغم من القصف الروسي المزعوم لقافلة المساعدات، ما تزال حكومة الرئيس باراك أوباما توظف طاقاتها لعقد اتفاقية تهدف إلى العمل مع الحكومة الروسية.
وبرغم الانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي الإنساني، يقف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يوم الثلاثاء، في نيويورك ويؤكد: " مازالت الهدنة مستمرة". ومن الواضح أن إدارة أوباما تعتقد بأن تصاعد القتال في أماكن مختلفة من سوريا، بما فيها الغارات الجوية التي استهدفت منشأة طبية في خان طومان مساء الثلاثاء والتي أدت إلى مصرع 13 شخص، كل ذلك مجرد نسج من الخيال.
وقد أخبر جون كيري مجلس الأمن، يوم الثلاثاء، بأن رفض روسيا تبني مسؤولية استهداف قافلة المساعدات كان دليلاً على أنها تعيش في "عالم مماثل". ولكن، مع ذلك، استمر في الدعوة إلى اتفاقية أخرى مشابهة تماماً لتلك الفاشلة في الأسبوع السابق.
وقد تعاملت إدارة أوباما مع الأزمة السورية من منظور مكافحة الإرهاب، لكن الاخفاقات الدبلوماسية من هذا النوع استكرت في تشجيع الجهات المتطرفة من قبيل القاعدة، التي قدمت نفسهاً على نحو متعمد كحليف ضروري ويمكن الاعتماد عليه للمعارضة وكرست نفسها ظاهرياً للعمل على قضية تخليص سورية من نظام الأسد. ومن خلال الاندماج العميق بديناميكيات الثورة السورية والادعاء بملء الفراغ الذي خلفه كل من الدعم الأجنبي والحماية غير الكافية، تعززت رواية القاعدة باستمرار عن طريق إدراك عدم الكفاية الأمريكية. وبذلك، لم تأتِ هذه الإخفاقات الأمريكية من فراغ، إذ سرعان ما يترجمها ‘داؤنا على أنها انتصارات حققوها بأنفسهم.
لقد مضى وقت طويل حتى تتمكن الولايات المتحدة من إعادة تقييم نهجها المشين تجاه الأزمة السورية. فتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة يعد كلاهما من أعراض الصراع، والصراع في حد ذاته هو أحد أعراض الإدارة الفاشلة في الأساس. وفي اختيارها لطريقة العلاج، تستمر واشنطن في الحد من فرصها لإيجاد حل للقضية الأهم والملحة في سوريا.
والآن، ينبغي أن يكون من الواضح جداً أنه خلافاً لتطلعات البعض فالحكومة الروسية ليست مفتاح الحل للسيطرة على تصرفات نظام الأسد الشنيعة. فقد استمرت الحكومة السورية، لمدة أسبوع على التوالي، بتجاهل مطالب موسكو وتدمير اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان من صنع روسيا إلى حد كبير. كما عزز النظام من مواقع جنوده حول مدينة حلب وحشد قواته أمام مدينة جسر الشغور الشمالية ذات الموقع الاستراتيجي، كما وُجه الاتهام إلى طائرات النظام في قصف المناطق المحيطة بحلب وشمال مدينة حمص وأجزاء من محافظة درعا. وبعد إعلان نظام الأسد عن انتهاء الهدنة، قامت روسيا، بشراسة، بتدمير قافلة المساعدات المخصصة لـ 78.000 مدني.
إن القرار الذي اتخذه النظام السوري في تقويض المبادرة الدبلوماسية الأخيرة ينبغي أن يؤكد لنا نقطة بسيطة وهي: أن بشار الأسد لا ينوي التنحي عن السلطة وأنه سيستخدم جميع الوسائل المتاحة لمنع حدوث ذلك. ويشمل ذلك أي شيء بدءاً من الاعتقال التعسفي والتعذيب والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والقنابل الحارقة والعنقودية وصولاً إلى الحصار على طريقة العصور الوسطى. وبالنسبة للأسد، فلن تكون أي من تلك الطرق العنيفة مستبعدة طالما أنها ستساعده على تحقيق هدفه. أما الولايات المتحدة فلم تختر على الإطلاق مواجهة هذه الوحشية الوقحة سوى عن طريق النداءات العامة الضعيفة بالإضافة إلى اتفاق عام 2013 لتدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا، والتي يبدو أنها قد أغفلت وتجاهلت اعتداء النظام على المدنيين بغاز الكلور.
علاوة على ذلك، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاستمرار بمحاولاتها الوديعة في احتواء تبعات الأزمة السورية. منذ 5 أعوام مضت، كانت القضية السورية مشكلة محلية؛ لكنها اليوم أصبحت أزمة دولية. فقد تضافر كل من تردد الولايات المتحدة وعزوفها عن المخاطرة والتباين الكلي لديها بين الكلام النظري والسياسة المتبعة فضلاً عن الفشل في احترام "الخطوط الحمراء" المحددة بوضوح، كل تلك الأمور تضافرت لتشكل ما يمكن أن يكون أفضل وصف له هو نهج منافق غير مبالٍ. والمحزن في الأمر، أن واشنطن حرضت، على نحو غير مباشر، على تدمير دولة قومية، في تناقض مباشر مع مصالحها الأمنية القومية الأساسية وقيمها الأكثر إحكاماً.
وبدأت تلك الإخفاقات في الأيام الأولى للثورة السورية. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما أعلنت في البدء أن الاسد فقد شرعيته في شهر يونيو/ حزيران عام 2011، إلا أنها استغرقت أكثر من عام بعد ذلك لوضع سياسة جادة لمساعدة المعارضة. وحتى ذلك الحين كان الدعم الأمريكي يقتصر على تأمين الغذاء والمعدات غير القاتلة وحسب. وفي وقت لاحق، لاقى برنامج العلاج والتدريب والإعداد الذي قدمته وكالة الاستخبارات الأمريكية نجاحاً ضئيلاً. ومع ذلك، ظل التزام الولايات المتحدة متواضعاً بالمقارنة مع مثيله لدى حلفائنا الإقليميين غير المنسقين من الأحيان مثل تركيا والسعودية وقطر. ويبدو أن المسؤولون الأمريكيون يريدون رحيل بشار الأسد، لكنهم يريدون آخرين، ممن قد يقول فيهم مسؤولو الإدارة في السر أنهم ليسوا موضع ثقة، أن ينفذوا ذلك الأمر.
وما النتيجة؟ حوالي نصف مليون قتيل ومليون أشخص يعيشون تحت الحصار و11 مليون نازح. كما أدى تدفق اللاجئين الكارثي إلى رد فعل عنيف ضد المهاجرين وظهور سياسات اليمين المتطرف في الوقت الذي أصبحت فيه سوريا موطناً لأكبر نسبة من المجاهدين المسلحين أكثر من أي بلد آخر. وإذا ما صرفنا النظر للحظة عن الخطر الذي تمثله داعش ، سنجد أن سوريا تضم اليوم التنظيم المزدهر التابع للقاعدة وهو جبهة فتح الشام_ جبهة النصرة سابقاً _ أكثر حركات تنظيم القاعدة قدرة وأدهاها سياسياً وأقواها عسكرياً على مر التاريخ. كما أعادت القيادة المركزية للقاعدة إحياء نفسها داخل سوريا بوجود نائب رئيس عين حديثاً في منظمة إرهابية دولية يقيم في البلاد بصورة شبه مؤكدة. العلاقة بسيطة: قصور أمريكي مقابل نجاح القاعدة في سوريا.
وبعد ستة أعوام من تجاهل هذا الخطر، حوّل صناع السياسة الأمريكيون اهتمامهم إلى القاعدة هذا العام، لكن الأوان كان قد فات على ذلك. إذ منحت اخفاقات واشنطن المتكررة الوقت والمجال للجهاديين كي يتمكنوا من صياغة ديناميكيات الحرب كأن يؤدي أي اعتداء تشنه الولايات المتحدة أو روسيا إلى تقويض دور الولايات المتحدة وتمكين وجود القاعدة. وللأسف، إنه من لمن الصحيح دون شك أن معظم السوريين الذين يعيشون في مناطق المعارضة يرون القاعدة مصدر حماية جدير بالثقة وقادر على حماية أرواحهم أكثر من الولايات المتحدة. وإن كان هنالك أي دليل على الفشل السياسي، سيكون الذي سبق ذكره.
ويجب على الولايات المتحدة، أمام هذا الوضع، أن تعيد النظر في معالجة أوجه القصور في سياستها تجاه سوريا بدءاً من خمس نقاط رئيسة.
أولاً، الأسد ليس جزءاً من الحل في سوريا ولا يمكن له أن يكون كذلك أبداً. لأنه وبكل بساطة، لا يوجد أي سيناريو من الممكن أن يستسلم فيه مجتمعاً للمعارضة لحكم الأسد على الإطلاق. وكلما طال بقاء الأسد في السلطة، كلما ازداد انتفاع المتطرفين بذلك.
ثانياً، لن يكون هناك حل عسكري بحت للصراع في سوريا، والتسوية عن طريق التفاوض هي السبيل العملي الوحيد نحو تحقيق الاستقرار. ومع ذلك، لن يمضي الأسد بأية عملية سياسية على أي مستوى من الجدية حتى يخضع لضغوط مجدية، وهو ما بذلت الولايات المتحدة كل ما في استطاعتها حتى الآن لعدم تنفيذه.
وعندما يحين الوقت لصياغة تلك التسوية التفاوضية، ينبغي على الدبلوماسيين أن يأخذوا بعين الاعتبار نقطة أساسية ثالثة وهي أنه ليس من شأن التقسيم أن يقوض الحل للصراع في سوريا وحسب، لكن من المرجح أيضاً أن يزيد من حدة الدوافع القائمة وخلق صراعات أخرى. ويمكننا القول أن معارضة التقسيم هي القضية الوحيدة التي توحّد معارضي الأسد ومؤيديه.
رابعاً، لا يمكن لمحاربة القاعدة في سوريا أن تتم باستخدام القنابل والرصاص وحسب، بل إن هزيمتها، عوضاً عن ذلك، هي مسألة توفير رواية بديلة للرواية التي تروج لها الجماعة الجهادية تكون أكثر روعة واستدامة. ونظراً لجهودها الناجحة في الاندماج في صفوف المعارضة والحصول على قبول شعبي كحليف عسكري (غير سياسي)، فالقاعدة لا تمثل مشكلة تقليدية تتعلق بمكافحة الإرهاب. وبالتالي، لن تفلح محاولاتنا في استخدام الوسائل التقليدية كالغارات الجوية في هزيمة هذه الجماعة، لذا يجب أن نتفوق عليهم في المنافسة.
وأخيراً، على الرغم من أن تنظيم داعش من الممكن أن يكون خصماً تستطيع الولايات المتحدة محاربته إلى حد كبير بمعزل عن الأزمة السورية، إلا أنه يبقى حركة إرهابية انتهازية وغير متكافئة. وبحكم طبيعتها تلك، يمكن الاعتماد عليها واستغلالها لاستمرار الصراع في سوريا لتحقيق غاياتها. ففي حال بقاء الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، وفي حال استمر الصراع وازداد سوءاً، فالدولة الإسلامية ستعيش، دون أدنى شك، لتقاتل إلى يوم آخر.
وعندما سُئِل أعضاء بارزين في إدارة أوباما، بل وحتى الرئيس نفسه، حول فشل السياسة الحالية للولايات المتحدة في الشأن السوري، أجابوا مراراً وبكل سخرية: "ما البديل؟" كما لو أنه لا وجود له. في الواقع، هنالك بدائل وجميعها تتطلب استخداماً أكثر تصميماً لقوة الولايات المتحدة الصارمة واللينة.
يجب أن تبقى حماية المدنيين محط التركيز الأساسي لأية استراتيجية واسعة النطاق، بل ويجب أيضاً أن تساندها مجموعة عواقب حقيقية وملموسة كي تطبق على المخالفين. ونظراً لخمسة أعوام من السجل الحافل للولايات المتحدة، فإن نظام الأسد على دراية تامة بتردد واشنطن حيال استخدام أي شيء ذو صلة بالقوة. وعليه، فقد حصدت دمشق، مراراً وتكراراً، ثمار ذلك الموقف العاجز. وإذا أرادت الولايات المتحدة صياغة سياسة فعالة في سوريا، يجب أن يتغير ذلك الموقف بأقصى سرعة.
ويزعم عدد من الخبراء والمعلقين في الشأن السوري أن الأوان قد فات لإنقاذ البلاد أو أنه يجب علينا أن ننتظر قدوم الرئيس الجديد في واشنطن. بالنسبة للادعاء الأول، فلم يصبح واقعاً بعد أما الثاني فقد ينتهي في التأكد من حصوله في نهاية المطاف. أما المتشككون من اتباع نهج أكثر حزماً في التعامل مع الأزمة السورية، بإمكانهم أن يسخروا من منتقديهم بالقدر الذي يشاؤون، لكن المرء يأمل أنه بعد 5 أعوام من الإخفاقات المتتالية، من الممكن أن يعترفوا على الأقل بوجود شيء خاطئ. وفي غضون ذلك، يجب علينا أن نراقب نتائج النهج الأمريكي المخزي يعرض على شاشات تلفازنا، إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي قد تؤثر فيه تلك النتائج علينا شخصياً.
Obama’s Syria Strategy Is the Definition of Insanity
https://foreignpolicy.com/2016/09/21/obamas-syria-strategy-is-the-definition-of-insanity/
ترجمة ريما قدّاد
المصدر: السوري الجديد
↧