Quantcast
Channel: souriyati2 –سوريتي
Viewing all 26683 articles
Browse latest View live

القصف المتواصل للنظام يهجّر ربع مليون نازح من شمال سورية

$
0
0
تواصل قوات النظام السوري للأسبوع الحادي عشر على التوالي استهداف مناطق المدنيين في إدلب وريف حلب، رغم اتفاق التهدئة الروسي التركي الذي يشمل منطقة عازلة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق قوات المعارضة، والذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر/أيلول 2018. وفي تقريره الصادر اليوم، وثق "فريق الاستجابة" في الشمال السوري، نزوح أكثر من 246 ألفا من الأهالي، مع مخاوف من استمرار حملات النزوح بسبب استمرار العمليات العسكرية. وقال مروان الدغيم، من بلدة جرجناز، لـ"العربي الجديد" إن "معظم الأهالي توجهوا إلى مدينة معرة النعمان، وحركة النزوح وصلت إلى سرمدا في ريف إدلب الشمالي. يعتمد أهالي بلدتنا والبلدات المجاورة على الزراعة كمصدر دخل أساسي، وهم يزرعون القمح والعدس والشعير، وهناك زراعات أخرى كالكمون والحبة السوداء، والجميع تركوا خلفهم الأرض دون حراثة وعناية". وأضاف الدغيم: "النازحون لا يستطيعون العودة إلى البلدة بسبب القصف، وحياة النزوح لا يمكن تحملها، والنازحون لم تقدم لهم أي جهة دولية مساعدات، ونال بعضهم حصصا من مساعدات توزعها جمعيات محلية". وقال عيسى العلي لـ"العربي الجديد": "نعيش عذابا ليس بعده عذاب منذ خروجنا من بلدتنا في ريف إدلب الجنوبي، إذ خرجنا نحمل بعض الملابس فقط، واليوم نعيش في مخيم قرب الحدود مع تركيا، ونترقب يوما بعد يوم أن نعود إلى البلدة لأننا لا نستطيع التأقلم هنا". وأدان تقرير فريق الاستجابة العمليات العسكرية العدائية التي يشنها النظام وروسيا، وسط صمت جميع الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، مؤكدا أن عدد القتلى خلال الأسابيع الأخيرة وصل إلى 338 شخصا، بينهم 257 شخصا قضوا في إدلب وحدها، كما وصل عدد الأطفال الذين قتلوا إلى 91 طفلا. وأشار التقرير إلى أن "الحملة العسكرية تتم تطبيقا لسياسة التهجير القسري، وتهدف إلى تفريغ المنطقة من المدنيين، وهذه الأعمال جريمة، وعلى الأمم المتحدة الوقوف إلى جانب السكان والنازحين الذين تزداد أعدادهم بشكل يومي وبوتيرة مرتفعة". المصدر: العربي الجديد - عبد الله البشير

هل بات استهداف إسرائيل لإيران في سورية مصلحة روسية؟

$
0
0
استأنفت دولة الاحتلال الإسرائيلي، فجر أمس الأحد، عمليات القصف الجوي في عمق الأراضي السورية، بعد عشرة أيام على اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلادمير بوتين، والكشف عن التعاون بين الجانبين في البحث والكشف عن جثة الجندي الإسرائيلي المفقود زخاريا باومل في سورية. ويشي هذا التطور بأن إسرائيل لا تتعامل فقط على أساس أنها حصلت على ضوء أخضر من موسكو لاستمرار عملياتها العسكرية في سورية، بل إن هناك ما يدلل على أن موسكو باتت تنظر إلى القصف الإسرائيلي على أساس أنه يخدم خارطة مصالحها الاستراتيجية. وإن كانت الأوساط الرسمية الإسرائيلية، لا سيما العسكرية، قد تنافست فيما بينها على كيل المديح للدور الروسي الحاسم في البحث والعثور على جثة باومل، فإنه كان يفترض بتل أبيب، لو أنها كانت تعتقد أن هذه العمليات تتعارض مع مصالح موسكو، أن تأخذ الخدمات الروسية بعين الاعتبار وتؤجل عمليات القصف، التي تستهدف مرافق عسكرية إيرانية، لوقت أبعد، على الأقل. ويمكن الافتراض أنه لو كان بوتين يرى في العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف إيران مصدر تهديد لمصالح موسكو في سورية، لاستغل حاجة نتنياهو الشخصية الماسة لإعادة جثة الجندي باومل قبيل الانتخابات، والطلب من تل أبيب إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية في سورية، لا سيما أن بادرة حسن النية الروسية خدمت إلى حد كبير الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة الإسرائيلي. لكن ما حدث فعلا أنه ليس فقط لم يصدر موقف روسي ضد الغارة الإسرائيلية على حماة، ولو من باب دفع ضريبة كلامية، بل إن نتنياهو أيضا استغل الجلسة الأولى التي عقدتها حكومته، أمس الأحد، بعد الانتخابات وأكد أن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل عسكريا في "الجبهة الشمالية"، في إشارة إلى العمليات العسكرية في العمق السوري. ليس هذا فحسب، بل أن الإسرائيليين حتى بعد الغارة على حماة يتحدثون عن التزام روسيا بمواصلة البحث عن جثث بقية الجنود الإسرائيليين المفقودين داخل سورية. وفي حال كانت التسريبات المتعلقة بنجاح روسيا في الحصول على جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدم في سورية عام 1965، وقرب إعادتها لإسرائيل، صحيحة، فإن هذا يدلل على أن الغارات الإسرائيلية في العمق السوري لا تؤثر على دافعية موسكو للاستنفار في خدمة مصالح تل أبيب. وحتى لو تم التجاوز عما زعمته إيالا حسون، مقدمة البرامج الرئيسة في قناة التلفزة الإسرائيلية "13"، قبل شهرين، من أن روسيا تزود سلاح الطيران الإسرائيلي بإحداثيات المواقع الإيرانية داخل سورية لتسهيل مهمة قصفها، فإنه من الواضح أن هناك ما يؤكد أن موسكو باتت ترى في الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران داخل سورية مصلحة حيوية لها. فكثير من أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب وموسكو باتت تؤكد أن قيمة الوجود العسكري الإيراني في سورية تدنت إلى حد كبير في نظر روسيا، سيما بعدما تم حسم المواجهة الدائرة لصالح نظام الأسد، وتم إنقاذه من السقوط وضمان استقراره. وفي نظر الروس، لم يعد هناك حاجة للقوات البرية، التي كانت توفرها المليشيات الشيعية لتأمين سيطرة نظام الأسد على المدن والبلدات السورية، بإشراف إيراني. إلى جانب ذلك، فإن روسيا باتت ترى في الوجود العسكري الإيراني مصدر تهديد كبير لمصالحها في سورية. فموسكو تراهن إلى حد كبير على العوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها من مشاريع إعادة الإعمار في سورية، لكنها تعي أيضا أنه في ظل الوجود العسكري الإيراني فإن الدول العربية والأوروبية، وبضغط من إدارة دونالد ترامب، لن تسمح بانطلاق هذه المشاريع. في الوقت ذاته، فإن مواصلة إسرائيل شن الغارات على الأهداف الإيرانية في سورية، على الرغم من تزويد جيش الأسد بمنظومات سلاح روسية، يمس سمعة الصناعات العسكرية في موسكو. إلى جانب ذلك، فإن هناك ما يدلل على أن بوتين يأمل أن فوز نتنياهو في الانتخابات، وتبرئة تقرير المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر ساحة ترامب من قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، سيمهدان الطريق أمام التوصل لصفقة مع واشنطن تضع حدا للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم، وتفجر المواجهة الأوكرانية الروسية. وقد سبق لأوساط إسرائيلية أن أشارت قبل عام إلى أن بوتين يراهن على النفوذ الطاغي الذي يتمتع به نتنياهو داخل الإدارة الأميركية، ولدى الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، في تمكنه من الدفع نحو صفقة أميركية روسية، تفضي إلى تحسن الواقع الاقتصادي في موسكو بشكل كبير. المصدر: العربي الجديد - صالح النعامي

ألم يكن في سورية متظاهراتٌ يشبهن “حبوبتي كنداكة”في قوتهن وتحديهن الطاغية وأعوانه؟

$
0
0
وصفوها بأنها تمثال الحرية. شابة تقف بقامة منتصبة على سيارة بيضاء، وباللباس الأبيض التقليدي، وبأقراطها الذهبية، وسط عدد هائل من المتظاهرين السودانيين، تهتف ضد عمر البشير، وتغنّي للحرية. صورتها التي انتشرت بسرعة على "السوشيال ميديا"، وفي التقارير الإخبارية، تستحق فعلا لقب تمثال الحرية، ليس بسبب مشهدية هذه الصورة فقط، وإنما بسبب قوة "حبوبتي كنداكة"، وهو اسم أطلق على الشابة المذهلة، تيمنّا بالملكات النوبيات، وهي تقف في اعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم. هل كانت خائفةً، وهي تعرض نفسها لأية طلقة غادرة؟ هذا سؤال أظن أن غالبية السوريين الذين شاهدوا الصورة وتناقلوها قد سألوه لأنفسهم، فلهم مع جيشهم الوطني تجربة خاصة. ألم يكن في سورية متظاهراتٌ يشبهن "حبوبتي كنداكة" في قوتهن وتحديهن الطاغية وأعوانه؟ ما الذي جعل بعض السوريين يتناقلون صورة الشابة السودانية وكأنها استثناء تاريخي لم يروا مثله من قبل؟ هل كل هذا الموت والقهر والغضب المكبوت منذ ثماني سنوات أصابنا، نحن السوريين، بفقدان ذاكرةٍ، حتى نسينا تفاصيل مهمة ورائعة عن الثورة السورية في عامها الأول، وعن النضال السلمي الرائع للسوريين الثائرين، قبل أن تدخل الثورة في افتراقاتها الخطيرة من السلاح إلى الأسلمة، وانتفاء أية مقدرة على ممارسة نشاط سلمي، مقاوم للطغيان الأسدي، العسكري والأمني والمدني؟ أيضا هذا سؤال أزعم أن سوريين كثيرين كانوا يسألونه لأنفسهم، وهم يتناقلون صورة "حبوبتي" على صفحاتهم ويحتفون بها. هل نسمّي عشرات السوريات اللواتي تجاوزن "حبوبتي" في قوتهن وإصرارهن على الوقوف في وجه طغاة سورية علنا؟ إن كان علينا فعل ذلك، فعلينا أيضا واجب أن لا ننسى أية واحدةٍ منهن؟ وهو أمر بالغ الصعوبة، ربما من الأهم أن نتذكّر أن صبايا ونساءً سوريات قدن مظاهراتٍ واعتصاماتٍ، في الوقت الذي كانت فيه قناصات الطاغية تصطاد رؤوس الثوار والثائرات، أو نتذكّر ثائرات سورياتٍ تنقلن بين المدن، وغنيّن في المظاهرات، وكن معرّضات لخطر الاعتقال والتصفية في كل لحظة. ولنتذكّر عشرات السوريات اللواتي ملأن شوارع دمشق وبلداتها وباقي المدن السورية، باعتصاماتٍ سلميةٍ، كان الأمن والعسكر السوري بانتظارها لاعتقالهن. ولنتذكّر أيضا آلاف المعتقلات السوريات، منهن من استشهدن تحت التعذيب، ومنهن من تعرّضن للاغتصاب داخل المعتقل، ثم تعرضن للنبذ من عائلاتهن خارجه، ومنهن من خرجن مصاباتٍ بعاهات جسدية ونفسية... هل يكفي كل هذا لنقول لأنفسنا إنه كان لدينا سوريات تجاوزن ما فعلته حبوبتي بكثير، على الرغم من أهمية ما فعلته هذه الشابة الجميلة، فمنطق الأشياء يقول إن المقارنات في حالات كهذه غير صالحة وغير منصفة، لا بحق حبوبتي كنداكة، ولا بحق مئات السوريات اللواتي دفعن أثمانا باهظة من حياتهن، وحياة عوائلهن، ومن سمعتهن، ومصائرهن الشخصية والعامة! المقارنات غير عادلة، لأنه لا شبيه للنظام السوري ولا لجيشه ولا لأمنه. لا يمكن لجيشٍ يفترض أنه وطني أن يتورّط بما تورّط به الجيش السوري من الفتك بالوطن وبأهل الوطن، هذا ما تفعله جيوش الأعداء، لا جيوش الوطن، وهذا ما يجعل من نضال السوريات استثنائيا وخاصا، لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر. ما دمنا في السيرة، المقارنة الأهم تصبح بين موقفي آلاء صلاح، وهو اسم حبوبتي كنداكة، وروضة الحاج، وهي شاعرة ومثقفة سودانية، عيّنها البشير وزيرة للثقافة قبل أيام، فإن كان طبيعيا أن يقبل شاعر أو مثقف منصبا كهذا في الأوقات العادية، حتى لو كانت الأوضاع السياسية في بلد ما غير مرضية، فإن من العار حقا أن يقبل مثقفٌ الانتماء لنظام في لحظات تاريخية، كلحظة الثورات، وهو ما فعلته للأسف شاعرة ومثقفة في السودان، وهو ما فعله مثقفون عرب بالغو الأهمية، لم يجدوا حرجا من الوقوف في صف الطغاة، والتهليل لجرائمهم وفسادهم وعمالتهم، وتخلوا عن الشعوب، بل عن إنسانيتهم، في لحظةٍ استثنائية كلحظة الثورة التي يمكن القول إنها المعيار الحقيقي للانسجام بين الثقافة والإنسانية وبين الثقافة والأخلاق. ولا تصح الازدواجية في الموقف من الثورات العربية ضد الأنظمة، ولا يجوز التحجج بفساد النخب المعارضة. الأنظمة العربية فاسدة، وكل الشعوب على حق، هذا ما يجب أن يكون عليه موقف المثقف، أي مثقف، وإلا فسيسقط تماما في مزابل التاريخ، كما تسقط الأنظمة وقادتها. رشا عمران شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.

رندة حيدر : هذا النفاق الروسي

$
0
0
المراسم الرسمية التي أقامتها السلطات الروسية في موسكو لإعادة رفات جندي إسرائيلي فُقد قبل 37 عاماً في معركة بين الجيشين، الإسرائيلي والسوري، في بلدة السلطان يعقوب في منطقة البقاع اللبناني خلال الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، والوفد الإسرائيلي الرسمي برئاسة بنيامين نتنياهو الذي طار، قبل أسبوع من انتخابات الكنيست (البرلمان)، خصيصاً إلى موسكو ليشكر الرئيس الروسي، بوتين، شخصياً، عكس، بصورةٍ غير مسبوقة، حجم النفاق المتبادل بين الطرفين. ويصل الإحساس بهذا النفاق إلى حدود الغثيان لدى سماع الرئيس الروسي يتحدث عن القيمة العليا التي يوليها الشعب الروسي لاستعادة جثث الجنود القتلى، وأنها قيمة مشتركة بين بلده وإسرائيل، وعن تأثره بمعاناة عائلة الجندي المفقود، ورغبته في إعادة رفات ولدها إليها. ويبرز الاستخفاف بعقول الناس لدى قراءة الهراء الإسرائيلي عن الجهود الجبارة التي بذلتها الاستخبارات الإسرائيلية سنواتٍ للعثورعلى جثث مفقودي عملية السلطان يعقوب من دون جدوى، وعن الإنجاز "العظيم" للاستخبارات الروسية في العثور أخيراً على ما تبقى من الجندي المفقود في مخيم اليرموك في سورية، وعن استرداد إسرائيل بكل فخر! "حذاء" زاخريا باومل العسكري و"سرواله". بالإضافة إلى الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا كله لم يكن ليحدث لولا تعاون الجيش السوري. عكست هذه الخطوة الروسية أسلوب تعامل بوتين مع إسرائيل الذي يقوم على التلاعب بالمشاعر، والدعائية، وحب الظهور بمظهر الدولة العظمى الراعية. وأمر آخر مغزى توقيت الخطوة التي كانت بمثابة هدية مجانية إلى نتنياهو، وساهمت كثيراً في تلميع صورته، عشية انتخاباتٍ، يعلم الكل أنها كانت بمثابة استفتاء على حكمه أكثر من أي شيء آخر. وجاءت هذه الخطوة بعد أسبوع من الصورة التاريخية التي جمعت نتنياهو مع ترامب، بعد اعتراف الأخير بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. ما أظهر، مع الأسف، السباق بين زعيمي أقوى "عكس أسلوب تعامل بوتين مع إسرائيل، والتلاعب بالمشاعر، والدعائية، حبَّ الظهور بمظهر الدولة العظمى الراعية" دولتين على دعم صديقهما الإسرائيلي بأي ثمن على حساب الآخرين. ومما يثيرالغضب أن يأتي خبر العثور على رفات جندي إسرائيلي مفقود منذ أكثر من ثلاثة عقود في سورية، فيما تنتشر في هذا البلد اليوم المقابر الجماعية لمواطنين أبرياء ومقاتلين قتلوا في سنوات الحرب الأهلية، بالإضافة إلى مئات الجهاديين من جنسياتٍ مختلفة. وما يدعو إلى العجب استيقاظ الحس الإنساني فجأة لدى بوتين حيال عائلة الجندي الإسرائيلي المفقود، بينما نراه يغض النظر ويتعامى عن المذابح وجرائم الحرب التي ارتكبت تحت أنظاره منذ تدخله العسكري في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015. ما جرى هو تنازل عن الحد الأدنى لقواعد اللعبة السائدة في عملية تبادل رفات قتلى الجنود الإسرائيليين. ومعلوم أن هذه ليست المرة الأولى التي تستعيد فيها إسرائيل رفات جنود قتلى، لكن هذا كان يجري عادة في إطار صفقة تبادل للأسرى مع الفلسطينيين عامة أو مع حزب الله. ولذلك لا يمكن تفسير الموضوع سوى بأنه هدية روسية إلى نتنياهو، لكنها ليست من دون مقابل، فلا توجد هدايا مجانية في السياسة. والأرجح أن الثمن الذي سيطلبه بوتين من إسرائيل هو وقف هجماتها الجوية على سورية، وعدم عرقلة الجهود الروسية لترسيخ نظام بشار الأسد وتدعيمه. ليس خافياً المغزى الواضح من إشارة بوتين إلى دور الجيش السوري الذي على الرغم من انشغالاته الكبيرة في الإعداد للمعركة العسكرية لاستعادة محافظة إدلب، وجهوده لإعادة بناء قواته وترسيخ نظام الأسد، وجد الوقت للعثور على رفات الجندي الإسرائيلي المفقود، فهل يسعى بوتين إلى الحصول على موافقة نتنياهو الذي أصبح اليوم رئيس حكومة إسرائيل المقبل الذي لا يقهر على تسليم روسيا، بصورة نهائية، معالجة الوجود العسكري الإيراني في سورية؟ وهل الإقرار الإسرائيلي بدور الجيش السوري مدخل لموقفٍ إسرائيلي داعم لنظام الأسد؟ الثابت اليوم أن عقيدة "معركة بين الحروب" التي طبقتها إسرائيل في محاربتها الوجود العسكري الإيراني في سورية محدودة النتائج، ولا يمكنها بأي شكل أن تحل جذرياً المسألة، ولا أن تفرض على الإيرانيين إخراج قواتهم من سورية. لذا يبدو اليوم أنه لا مفر أمام إسرائيل سوى القبول بالعرض الروسي. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن مسرحية استعادة الجندي ليست سوى واحدةٍ من حلقات تفاهم إسرائيلي - روسي بشأن صورة المستقبل السياسي لسورية. رندة حيدر كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية

قصة بلد العميان .

$
0
0
لو لم تكن قد قرأت #بلد_العميان فإنني أرجو أن تفسح لي صدرك قليلا كتبت هذه القصة عام 1904 وتحكي عن مجموعة من المهاجرين من البيرو .. فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعاً بالعمى وقد فسروا ذلك بانتشار الخطايا بينهم هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لكنهم ورثوا أبناءهم العمى جيلا بعد جيل هنا يظهر بطل قصتنا ..( نيونز ) إنه مستكشف وخبير في تسلق الجبال تسلق جبال الانديز مع مجموعة من البريطانيين وفي الليل انزلقت قدمه فسقط من أعلى .. سقط مسافة شاسعة بحيث لم يعودوا يرون الوادي الذي سقط فيه ولم يعرفوا أنه وادي العميان الأسطوري لكن الرجل لم يمت.. لقد سقط فوق وسادة ثلجية حفظت حياته وعندما بدأ المشي علي قدمين متألمتين رأى البيوت التي تملأ الوادي . لاحظ أن ألوانها فاقعة متعددة بشكل غريب ولم تكن لها نوافذ .. هنا خطر له أن من بنى هذه البيوت أعمى كخفاش ! راح يصرخ وينادي الناس لكنهم لم ينظروا نحوه .. هنا تأكد من أنهم عميان فعلا ... إذن هذا هو بلد العميان الذي كان يسمع.. عنه وتذكر المقولة الشهيرة : ـ ' في بلد العميان يصير الأعور ملكا ' وهو ما يشبه قولنا ( أعرج في حارة المكسحين ). راح يشرح لهم من أين جاء .. جاء من بوجاتا حيث يبصر الناس .. هنا ظهرت مشكلة . ما معني ( يبصر ) ؟؟ راحوا يتحسسون وجهه ويغرسون أصابعهم في عينه .. بدت لهم عضوا غريبا جدا . ولما تعثر أثناء المشي قدروا أنه ليس على ما يرام .. حواسه ضعيفة ويقول أشياء غريبة يأخذونه لكبيرهم .. هنا يدرك أنهم يعيشون حياتهم في ظلام دامس وبالتالي هو أكثر شخص ضعيف في هذا المجتمع . لقد مر على العميان خمسة عشر جيلا وبالتالي صار عالمنا هو الأقرب إلى الأساطير عرف فلسفتهم العجيبة .. هناك ملائكة تسمعها لكن لا تقدر علي لمسها ( يتكلمون عن الطيور طبعا ) والزمن يتكون من جزءين : بارد ودافئ ( المعادل الحسي لليل والنهار ).. ينام المرء في الدافئ ويعمل في البارد لم يكن لدي ( نيونز ) شك في أنه بلغ المكان الذي سيكون فيه ملكا .. سيسود هؤلاء القوم بسهولة تامة لكن الأمر ظل صعبا .. إنهم يعرفون كل شيء بآذانهم .. يعرفون متى مشى على العشب أو الصخور . كانوا كذلك يستعملون أنوفهم ببراعة تامة راح يحكي لهم عن جمال الجبال والغروب والشمس .. هم يصغون له باسمين ولا يصدقون حرفا . قرر أن يريهم أهمية البصر .. رأى المدعو بدرو قادما من بعيد فقال لهم : .ـ ' بدرو سيكون هنا حالا .. أنتم لا تسمعونه ولا تشمون رائحته لكني أراه ' بدا عليهم الشك وراحوا ينتظرون . هنا لسبب ما قرر بدرو أن يغير مساره ويبتعد !. راح يحكي لهم ما يحدث أمام المنازل لكنهم طلبوا منه أن يحكي لهم ما يحدث بداخلها .. ألست تزعم أن البصر مهم حاول الهرب لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المخيفة .. كانوا يصغون ويتشممون الهواء ويغلقون دائرة من حوله . لو ضرب عددا منهم لاعترفوا بقوته لكن لابد أن ينام بعد هذا وعندها سوف .....! هكذا بعد الفرار ليوم كامل في البرد والجوع وجد نفسه يعود لهم ويعتذر وقال لهم : ـ ' أعترف بأنني غير ناضج .. لا يوجد شيء اسمه البصر .. ' كانوا طيبي القلب وصفحوا عنه بسرعة فقط قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال. وفي هذا الوقت بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة لكن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد بلا منحنيات ناعمة وصوتها عال وأهدابها طويلة ... أي انها تخالف فكرتهم عن الجمال . لما طلب يدها لم يقبل أبوها لأنهم كانوا يعتبرونه أقل من مستوى البشر .. نوعا من المجاذيب .. لكن الفتاة كانت تميل لنيونز فعلا . ووجد الأب نفسه في مشكلة لذا طلب رأي الحكماء كان رأي الحكماء قاطعا .. الفتى عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما ( العينين ). جفناه يتحركان وعليهما أهداب .. وهذا العضو المريض قد أتلف مخه . لابد من إزالة هذا العضو الغريب ليسترد الفتى عقله . بالتالي يمكنه أن يتزوج الفتاة. بالطبع ملأ الفتى الدنيا صراخا .. لن يضحي بعينيه بأي ثمن . بعد قليل ارتمت الفتاة على صدره وبكت وهمست : ليتك تقبل .. ليتك تقبل ..! هكذا صار العمى شرطا ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط ليصير مواطنا كاملا . وقد قبل نيونز أخيرا وبدأ آخر أيامه مع حاسة البصر .. خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة هنا رأى الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر . أدرك أن حياته هنا لطخة آثمة .. الأنهار والغابات والأزرق في السماء والنجوم .. كيف يفقد هذا كله من أجل فتاة .. كيف ولماذا أقنعوه أن البصر شيء لا قيمة له برغم أن هذا خطأ؟ انطلق إلى حاجز الجبال حيث توجد مدخنة حجرية تتجه لأعلى .. وقرر أن يتسلق ..عندما غربت الشمس كان بعيدا جدا عن بلد العميان .. نزفت كفاه وتمزقت ثيابه لكنه كان يبتسم .. رفع عينيه وراح يرمق النجوم . انتهت قصة بلد العميان . هناك لحظة تدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك وفي لحظة كهذه يصير القابض على المنطق والصواب كالقابض علي الجمر . تشعر بالغربة والاختلاف ولربما يعتبرونك مجنونا أو على شيء من العته .. الأدهى أن لديك فضائل لكنهم لا يرون فيها أي قيمة . بعد قليل تأتي اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلى عن عينيك لتصير كالآخرين . هذه اللحظة آتية ولا ريب فلا تشك فيها .. لكن لو كنت محظوظا لرأيت الفجر وقتها وعرفت فداحة ما ستفقده. أذكر عندما كنت في الوحدة الريفية أن الرشوة والتقارير الطبية المزورة كانت أسلوب حياة وكان كل العاملين مندهشين من ذلك الطبيب المخبول الذي يرفض أن يتقاضي مالا مقابل أشياء كهذه .. كنت أتذكر قصة ( بلد العميان ) وأقرر أن أصمد أكثر .. أصمد .. عالما أن أول رشوة أتقاضاها ستكون هي لحظة انتزاع عيني .. سوف تكون حياتي أسهل في بلد العميان بعد هذا وسأصير مواطنا محترما عندهم .. أفلتت بمعجزة من بلد العميان هذا لأجد الأمر يتكرر .. لحسن الحظ مع أمور أقل فداحة من الرشوة ولكن الهزيمة فيها تترك مذاقا مريرا في الفم برغم كل شيء. حتى علي مستوى التفاهات يمكن أن تجد الأمور صعبة .. تفاهات مثل منع أطفالك من التهام أكياس البطاطس المقلية لأنها تحتوي مادة أكريلاميد المسرطنة .. هذا شيء فشلت فيه تماما لأن حركة المجتمع والدعاية والوجدان العام أقوى مني . تفاهات مثل التمسك بالمدرسة وعدم إعطائهم دروسا خصوصية .. تكتشف مع الوقت أنه لا توجد مدرسة بل ناد كبير تدفع له اشتراكا سنويا ولا يتم تدريس أي شيء فيه علي الإطلاق .. تكتشف أنك لن تستطيع أن تختلف عن باقي الآباء وأن أي درجة ينقصها الأولاد بعد هذا ستكون أنت المسئول عنها .. وفي النهاية يجد المرء نفسه يقود سيارته في بلاهة متجها من مركز الدروس الخصوصية هذا إلى ذاك. .أنت في الدائرة .. لا يمكنك أن تختلف ! ينطبق الأمر على أمور لا حصر لها .. فقط ذكرت الأشياء القابلة للذكر . يبدو أن ضعف الذاكرة جعلني انسى قصة ( بلد العميان ). يقول الحديث الشريف : ' لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم '. وهذا بالتأكيد يلخص ببلاغة كل شيء قلته هنا. #احمد_خالد_توفيق facebook

هنادي زحلوط : المرأة في الطائفة العلوية…وطقوس التمييز!

$
0
0
المرأة في الطائفة العلوية... وطقوس التمييز! طباعة أرسل لصديق هيام جميل - الفيس بووك 27/ 03/ 2010 يقول الرحالة الفرنسي ليون كاهون في كتابه " رحلة إلى جبال العلويين (عام 1878 م)"، "وجلست مع الرجال وجلست معنا نساء القرية وشربنا العرق و كانت نساء القرية تشرب العرق مثل أي امرأة فرنسية. وردت ملاحظة الرحالة الفرنسي تلك في كتابه تعليقا على طقس وجده فريدا في الشرق, وجديرا بالذكر, وهو مشاركة النساء للرجال في شرب العرق, في قرية "بيت ياشوط" ذات الغالبية العلوية, التي تنتشر على طول الساحل السوري والجبال الساحلية التي كانت تعرف سابقا بـ "جبال العلويين", نسبة إليهم. والحقيقة أن المرأة العلوية كانت تشارك أيضا, وتبادر قبل الرجل في أحيان كثيرة إلى الأعمال الزراعية الشاقة طوال النهار, ومازالت النساء الريفيات, ومن كل الطوائف, حتى وقتنا هذا يشكلن النسبة الأكبر إلى عدد العمال الزراعيين المشتغلين في حقول التبغ والليمون والزيتون والتفاح والخضار كما في المشاتل الحديثة, وفي أعمال التعشيب والترقيع والجني. وكجزء من الأعمال الزراعية كانت المرأة تربي الأبقار والأغنام, مع كل ما يترتب على ذلك من استيقاظ مبكر لإطعام الحيوانات والعناية بها, بالإضافة إلى الصناعات المنزلية كصناعة الألبان والأجبان وتسويقها, دون إهمال واجبها "المقدس" في تربية الأطفال وإدارة شؤون المنزل. وإذا كانت تلك كلها واجبات المرأة فما هي الحقوق التي كانت تكتسبها بالمقابل, وما هي أشكال التمييز التي تتعرض لها؟ يشكل التمييز الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة في جميع الطوائف عائقا يحول دون حصولها على حقوقها كإنسان كما نصت عليها جميع الأديان, وجميع المواثيق الدولية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورا باتفاقية حقوق الطفل وصولا إلى اتفاقية "سيداو" الخاصة بإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة, وإن كانت أشكال هذا التمييز تختلف بين طائفة وأخرى نظرا لمجموعة من الظروف الاجتماعية والجغرافية والديموغرافية الخاصة بكل طائفة, فإن العنف الذي تتعرض له المرأة يرافقها غالبا في جميع مراحل حياتها. كجميع الطوائف الإسلامية عندما ترزق امرأة علوية بمولود "بنت" فإن ذلك يعني فصلا جديدا من العنف النفسي بالنسبة لها عقابا على عدم إنجابها مولودا "صبي", وبداية ملحمة التمييز بالنسبة للطفلة التي لم تكد تفتح عينيها على العالم, أما في تعاليم الطائفة الخاصة فإن الرجل العلوي لا يأكل مما تطبخ المرأة التي وضعت مولودها حديثا, وإن ذلك يعتبر حراما, وغالبا ما يتم إرسالها إلى منزل ذويها لمدة تتراوح ما بين أربعين يوما إلى ثلاثة أشهر قبل أن تعود إلى منزل زوجها. منذ مئات السنين وحتى وقت قريب كانت الطفلة في المحيط العلوي محرومة من حق التعليم وكانت الأولوية دوما لتعليم الصبي الذي يرسل إلى الشيخ لدى "الكتّاب" لتعلّم مبادئ القراءة والكتابة, وكانت الخشية على الفتاة تمنعهم من إرسالها إلى المدرسة في المدينة, بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي يحول دون امتلاكهم المال اللازم لتنقلها. وإذا كانت الفتيات المحرومات من التعليم ينتمين إلى كل الطوائف الإسلامية والمسيحية واليهودية, فإن العلوية منهن بشكل خاص عانت من ذلك, نظرا لأسباب جغرافية وسكن ذويها في الريف بشكل خاص. أما اليوم ونتيجة لبناء المدارس في القرى وحصول معظم الفتيات على حق التعليم فإن أعدادهن في مستويات التعليم المدرسي والمتوسط والجامعي واختصاصاته المختلفة تفوق أعداد الذكور في أحيان كثيرة. وقد كان لذلك أن زاد من أعداد النساء العاملات خارج المنزل في الريف العلوي, لكن العمل خارج المنزل كان عبئا إضافيا أكثر مما هو حق في هذه الظروف حيث تضطر المرأة للعمل خارج المنزل وداخله وفي الحقل من أجل توفير حد أدنى من المعيشة تحت ضغط الوضع الاقتصادي العام المتردي. لا تنال المرأة لدى الطائفة العلوية حقها في الإرث إلا نادرا, لأسباب تعود غلى العادات والتقاليد في المجتمع كما في جميع الطوائف, بل أنه يتم اعتبار من تطالب بحقها في الإرث امرأة شاذة بالمعنى الاجتماعي, ويتم التشهير بها واعتبار ذلك جريمة نتيجة الثقافة الذكورية التي تضع الرجل في المقدمة ولا ترى في المرأة إلا تابعا ومنجبة للأطفال في أحسن الأحوال. أما الزواج المبكر فقد كان ملازما لمعظم الفتيات نتيجة تعظيم الدور الإنجابي للمرأة وعدم تعليمها والحاجة الملحة لأعداد كبيرة من القوى العاملة في الزراعة, ونتيجة لصغر عمر الفتاة فقد كان من الطبيعي أن يكون تقرير مصيرها بيد ولي أمرها, أبا وأخا وزوجا, وقد استمر ذلك حتى الآن على الرغم من ارتفاع العمر الأدنى للزواج بالنسبة للفتاة كما للشاب, وظلت سلطة الولي فوق رأس الفتاة مدعومة بقانون الأحوال الشخصية الذي يشمل العلويين مع الطوائف الإسلامية الأخرى في البلاد. ورغم أن المرأة العلوية لم تنجُ من سكين الشرف, كما سواها من النساء في الطوائف الأخرى, بل سجلت تلك السكين حضورها مرارا بيد التخلف والجهل الذي يسم الريف كما المدينة, وخصوصا عند زواجها من رجل من خارج الطائفة, أيا تكن طائفته, فإن المرأة العلوية لا تلقن أيا من تعاليم طائفتها ولا تعرف حقيقة شيئا عن المذهب العلوي, ولا يتم تعليمها الصلاة المعروفة عند عموم المسلمين, التي يسميها العلويون "الصلاة الظاهرة", ولا الصلاة "الباطنة" التي يختص بها الرجال العلويون, بل إن معرفتها لأي من تلك التعاليم التي تدون في كتب سرية يهدد حياتها. لدى العلويين مناسبات دينية و"أعياد" كثيرة, يتم فيها دعوة رجال الدين ومشايخ من الطائفة للصلاة "الباطنة" في المنزل وتقوم النساء بإعداد الطبق الخاص بالمناسبة الدينية وهو القمح أو "البرغل" كما يسمونه مع القرابين التي يتم ذبحها, ولا يسمح للمرأة الحائض بلمس أي شيء يخص المناسبة الدينية, لأنها تقوم بتدنيسها حسب اعتقادهم. ومن المعروف أن العلويين في سورية منقسمون إلى فئتين أساسيتين "الحيدريّة" و "الكلازيّة", حيث يسكن "الحيدرية" بشكل خاص شمال اللاذقية, حتى أنهم أينما انتقلوا يعرفون بـ "الشماليين", بينما ينتشر الكلازيون في جنوب اللاذقية وفي طرطوس, وإن زواج المرأة من رجل علوي ينتمي إلى الفئة الأخرى يعتبر غير محبذ لدى عائلات كثيرة, وقد يصل الأمر حد المنع من الزواج والعنف, وحتى وإن تم الزواج فإن محيط زوجها ينعتها طوال حياتها بـ "الغريبة", ويتم استبعاد "الغريبة" من جميع المناسبات الدينية التي يقيمها زوجها وذووه ويجري غالبا إرسالها إلى بيت ذويها لتعود بعد انتهاء المناسبة. لا تضع المرأة العلوية الحجاب الإسلامي إلا بعد تقدمها في العمر, ويرتبط ارتداؤه بالحياة القاسية في الريف أكثر مما يعني ذلك رمزا دينيا, رغم أن كثير من مشايخ العلويين يعلقون على خيارهم رفض الحجاب بأنهم "آلوا على أنفسهم بعدم ارتداء الحجاب بعد مسيرة السبي التي تعرضت لها السيدة زينب ونساء آل البيت من العراق إلى الشام", في دلالة على إشهار تضامنهم مع آل البيت الذين يفتخرون بحبهم لهم. تتسم ملابس المرأة العلوية بالتحرر إذا ما قورنت بوسطها الإسلامي, وغالبا ما تتأتى صفة التحرر التي توسم بها العلويات إلى ملابسهنّ دون التدقيق فيما إذا كن مستقلات وحاصلات على حقوقهن الفعلية حقا. ومن هذه الزاوية بالذات يمكن فهم كلام الرحالة الفرنسي ليون كاهون عندما يشبه المرأة في بيت ياشوط بالمرأة الفرنسية في مجاراة الرجال في شرب العرق مساء, رغم أنني أكاد اليوم أشمّ رائحة عرقها بعد مجيئها من العمل المجهد طوال النهار, تحت سلطة الإقطاعي وسلطة الرجل وسلطة التمييز الاجتماعي والديني. ولاشك في أن التمييز ليس اختراعا علويا, ولا ابتكارا إسلاميا, فالدين الإسلامي كما جميع الأديان السماوية قائمة على العدل والمساواة والحق, وأنه لا فضل لرجل على امرأة ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, وكم من الآيات ذكرت المؤمنات إلى جانب المؤمنين, والطيبات إلى جانب الطيبين, فإن ذلك ليس من باب الزخرف اللغوي, بل إنه عائد إلى العدل الإلهي والمساواة التي ينظر بها الدين إلى الناس جميعا, ولكن تبقى المشكلة الأساسية في العادات والتقاليد العوراء وتنظر فقط إلى الرجل, وحقوقه, وما له, دون أن تلحظ المرأة, هذا الجناح الذي لا يحلّق بانكساره المجتمع, وتلك مصيبتنا جميعا. هيام جميل – موقع الكاتبة على الفيس بووك

المرأة في الطائفة العلوية… لا توريث ولاحقوق : رام أسعد – طرطوس

$
0
0
«شرفي ننزل ع المحكمة لتتنازلي عن حصتك» هذه الجملة سمعتها السيدة “نادين” مرتين في حياتها، مرةً عندما توفيَ والدها ومرة ثانية عندما توفي أخاها وفي المرتين كانت “نادين” تنصاع لرغبات أخوتها الذكور من دون أي مناقشة فالعرف والعادة ستجعل المجتمع يقف ضدها في حال إصرارها على عدم التنازل عن ماهو حقٌ طبيعيٌ لها تقول ”نادين“:«لم يكن لدي خيار صراحةً فمن المعروف أن الاثنى لا ترث عند الطائفة العلوية، في المرة الأولى ذهبت المحكمة وتنازلت عن حصتي من ميراث أبي بشكل طبيعي لأخوتي، ولكن في المرة الثانية وبعد أن تقدم بي العمر ولم أتزوج شعرت وأنا أتنازل عن حصتي من ميراثي لأخي الثاني بالكثير من الظلم فأنا في النهاية أتنازل عن حق لي أو أتنازل عن حقي بالحياة وأرمي نفسي للتهلكة». على مقلب آخر عانت ”هالة“ من حادثة مشابهة فبعد وفاة والدها وبشكل اعتيادي طلب منها أخوتها التوجه للمحكمة للتنازل عن حصتها من ميراث والدها لصالحهم، لكن هذه المرة ”هالة“ احتجت ورفضت التنازل لتواجه غضب اخوتها واستنكار المجتمع لفعلتها لترضخ في النهاية لحل عرضه أخوتها ووصفوه بحل رضائي للجميع حيث تنازلت عن حصتها مقابل نسبة بسيطة من حصتها الميراث حيث تعلّق ”هالة“ على الموضوع قائلةً:«في النهاية أعطوني بما يعادل 20% من حصتي وأشعروني كأنهم أسدوا لي معروفاً للعمر وكأن هذا ليس جزءً بسيطاً من حقي». تعبّر هاتين القصتين عن العديد العديد من الحالات المشابهة، ففي العصر الذي أصبحت به الأنثى تنافس الرجل على قيادة الدول والمجتمعات مازالت بعض المجتمعات كالطائفة العلوية في الساحل السوري، تحرم الانثى من حصتها من الميراث الذي هو أصلاً حقٌ لها يكفله المنطق قبل أن يكفله القانون والشرائع السماوية. إعطاء الأنثى حصة من الميراث.. عار!! يعتبر “أبو نوار” الذي يعمل في الزراعة أن أعطاء بناته حصةً مين الميراث هو عبارة عن عار وهدر لتعبه وجهده طيلة حياته. «لست مستعداً لأن أفرط بقطعة من أرضي لشخص غريب عن العائلة فقط لأنه متزوج من ابنتي الأرض التي اعتنيت بها طيلة حياتي وعملت على توسيعها يجب أن تبقى ضمن العائلة وأن لا تذهب لصالح عائلة أخرى (عائلة صهري) هذا شقاء عمري وأنا أرى أن لأولادي الذكور فقط الحق في الحصول عليه، أما ابنتي فزوجها هو الذي يكفل لها معيشتها ونفقتها وأنا متأكد بأن أخوتها لن يتخلوا عنها في حال لا قدّر الله وأصاب زوجها مكروه ما». العقيدة ”العلوية“ تتبرأ من هذا الأمر لا يبدو أن للعقيدة العلوية التي تستمد العديد من أحكامها الحياتية من المذهب الجعفري علاقة بالأمر فلا وجود لأي نص ديني يحكم بحرمان الأنثى من ميراثها كما أكد لنا العديد من رجال الدين العلويين حيث يعلّق الشيخ ”محمود اسماعيل“ على الأمر قائلاً: «القرآن الكريم والسنة النبوية حكمها واضح في هذا الأمر ففي العموم للذكر مثل حظ الأنثيين ولا علاقة للدين في هذه العادة ولكنني أرجح أن هذه العادة نشأت كون الطائفة العلوية بمعظمها عاشت في مجتمع زراعي حيث للأرض قيمتها وتاريخياً كان العلويون منقسمون عشائرياً وعائلياً لذا كان يخشى أنه في حال إعطاء الانثى حصتها من الميراث أن تذهب الأرض من خلال المصاهرة للعائلة أوالعشيرة الأخرى ولاحقاً مع الزمن أضحت هذه العادة عرفاً». عرف الطائفة أمام محكمة القانون لا يجيز القانون السوري الذي يستمد معظم أحكامه من الشريعة الإسلامية بأي حال حرمان أحد الورثة من حصته لذلك يلجأ أفراد الطائفة العلوية إلى عدة طرائق من أجل حرمان الإناث من حصتهم مستفيدين من الثغرات العديدة الموجودة في القانون المدني السوري. توضح المحامية ”رهف محمود“ الأمر قائلة:«يلجأ عادة الموّرث في حال أراد حرمان أحد ورثته من الورثة إلى نقل ممتلكاته لورثته البقية خلال حياته وذلك عن طريق عقد بيع شكلي وهذا ما يحدث في العديد من الحالات، حيث يقوم الأب بنقل ممتلكاته إلى ابنائه الذكور خلال حياته من خلال عقد البيع وبذلك يضيع حق بناته فالأب عند موته لم يترك ورثة ليتم تقسيمها على الورثة، أيضاً هناك التخارج والذي يتنازل من خلال أحد الورثة عن حصته لقاء بدل وبالرغم من أن التخارج لا يتم إلا برضا الطرفين، إلا أن هناك العديد من الحالات التي يخفى ورائها إبعاد الأنثى عما يؤول إليها حقيقةً من تركة مورثها أو أن تعطى بدلاً نقدياً عن حصتها في أرض أو عقار الذي غالباً ما يكون أدنى وأقل بكثير من حقها الشرعي». صرخة في وجه الظلم.. نريد أقوالاً وأفعالاً اليوم وفي الوقت الذي يجب سن قانون مدني عصري تتساوى فيه كل من المرأة والرجل بالميراث يوجد من يحرم المرأة من حقها من الميراث كاملاً لحجج واهية ولا يطبق حتى قانون الأحوال الشخصية الحالي الذي يعطي للمرأة نصف ما يعطى الرجل، لقد أثبت التاريخ أن الأعراف والقوانين التي وجدت في الماضي لخدمة الإنسان مع مرور الأيام تصبح ظالمةً له، فالمرأة لم تعد تقتصر مسؤولياتها كما في السابق على أعمال المنزل والعناية بالأطفال بل تعدت ذلك لتصبح مسؤولة عن تأمين المعيشة لها ولأسرتها وخاصة نتيجةً لتردي الوضع الاقتصادي وغياب الرجل بسبب الحرب التي تعيشها سوريا، فهل سنشهد اليوم الذي تختفي جميع الأعراف والتقاليد والقوانين الظالمة ليحل محلها قانون عصري يعطي لكل ذي حق حقه..!! رام أسعد – طرطوس – خاص أنا إنسان

غرفة المقاطيع منفى خاص لنساء السويداء : رواد بلان

$
0
0
رواد بلان محتجزة منذ خمس سنوات مع أختي في هذا السجن الذي يطلق عليه بلهجة أهل السويداء بـ ” غرفة المقاطيع ” وهذا كنوع من تجميل الحقائق ليس أكثر، فمهما حاول الجميع إضفاء شرعية عليه إلا أنه في النهاية وبالنسبة لي هو سجن، ووالدي رحمه الله هو من وقع على أمر إقامتي به بالاتفاق مع إخوتي. حكايتي بدأت عندما حصلت على الطلاق من زوجي بعد سنوات من حياة مريرة معه، لأعود من جديد إلى منزل أهلي وأسكن مع أبي الطاعن في السن حيث كرست نفسي للعناية به ورفضت أي زواج آخر لأن تجربتي الأولى خلقت حواجز بيني وبين الزواج. وبعد سنة، تعرض زوج أختي لحادث سيارة أدى إلى وفاته، مما اضطر أختي وأطفالها الثلاثة للعيش معنا في منزل أهلي لضيق ذات اليد؛ حيث أن زوجها المتوفي كانت حالته المادية سيئة فالمنزل كان مستأجراً وراتبها الذي تحصل عليه من وظيفتها بالكاد يكفي مصروف أطفالها الذي عجز عنه حتى أهل زوجها المرحوم لفقر حالهم. عندما كان والدي حياً لم نحتج أي شيء، لكن بعد وفاته جاء إخوتي وطلبوا منا مغادرة منزل العائلة والانتقال الى غرفة تم بناؤها بجانب المنزل خصصت لي ولأختي تسمى ” غرفة المقاطيع ” وتم حرماننا من كل الميراث بينما سكن أخي الكبير في منزل العائلة مع زوجته وأطفاله بعد أن قام بتأجير منزله الذي كان يسكن فيه، ودون أن يقدم لنا أي مصروف شهري. قرار حرماننا من الورثة جاء وفق وصية كتبها والدي أعطى فيها كل أملاكه لإخوتي الذكور الثلاثة، وتم الاتفاق على بناء غرفة بجانب منزل العائلة لتصبح سكناً لي ولأختي. حرمان يعتمد على وصية والمحكمة الخاصة بالموحدين الدروز توافق عليها رغم أن الأحكام الخاصة بالموحدين الدروز تساوي بالميراث بين المرأة والرجل حيث يتم تقسيم الورثة بالتساوي بينهما. لكن هذه الأحكام كلها تسقط عند المحكمة بمجرد وجود وصية، حتى ولو كانت تحرم كل الاناث من حقوقهم؛ كما حرمت أنا وأختي من حقوقي. سجن صغير اسمه “غرفة المقاطيع” أعيش فيه مع أختي، ضمن سجن أكبر هو مجتمع نسي اسمي واسم أختي وأصبحنا يطلق علينا “المطلقة وأختها الأرملة”. مجتمع لايرحم ويتنقد أي حركة لنا ومستعد لرمي التهم بحقنا دون أي دليل، الأمر الذي زاد في وحدتنا أنا واختي ولتصبح حياتنا مقتصرة على الوظيفة والمنزل فقط. ما سبق هو قصة مختصرة لحكاية سيدة مطلقة من السويداء طلبت عدم التصريح عن اسمها، والمقاطيع وفق لهجة أهل السويداء هي جمع لكلمة مقطوع وبمعنى أوضح ( الشخص الذي لا مكان له)، ورغم أن الشريعة الخاصة بالموحدين الدروز كما ذكر سابقاً تساوي بين المرأة والرجل بالميراث إلا أن الوصية تنسف هذا الحق من جذوره، وبالتالي تحرم المرأة ظلماً من حقها بالميراث، وغالبا ما تحرم من نصيبها بسبب العادات والتقاليد إضافة إلى قصور قانون الأحوال الشخصية الذي أقر في خمسينيات القرن الماضي بالرغم من أن أحكام الشرعية التي ساوت بينها وبين الرجل دون أي تمييز، ما يجعلها تتعرض لظلم وقهر اجتماعي كبير. “لا عدل على هذه الأرض” تقولها سمر (اسم مستعار) (57 عاما)، منذ كنت صغيرة كان والدي وأقاربي يقولون لي “أنت صبية ويجب عليك أن تساعدي في الأعمال المنزلية”، أذكر أن عمري لم يكن تجاوز الـ8 سنوات عندما كانت أمي توقظني لأساعدها بحلب الغنم وإخراجها للراعي، ناهيك عن موسم الحصاد وغيرها من الأعمال وخدمة أخوتي الذكور ووالدي، وكل ذلك في النهاية بلا أي تقدير لأنه واجب علي. تتابع سمر في حديثها مع “أنا إنسان”، “تأخرت حتى الثلاثين لتزوجت وعانيت من صعوبات عدة في الحمل إلى أن رزقت بولد بقي وحيداً. ولأسباب عديدة انفصلت عن زوجي، وبالطبع عدت إلى منزل والدي الذي تقاسمه أخوتي ولم يتبقى لي إلا غرفة المقاطيع التي تعيش بها أمي التي جاوز عمرها الـ80 عاماً. هذه الغرفة المتطرفة ضمن منزلنا الريفي، وقد بني لها حديثاً مطبخاً وحماماً بمساحة صغيرة وسقفاً من الصفيح. عشت هناك نحو عامين، كل يوم كان هناك مشكلة مع أمي التي لم تعد تحتمل الحركة والضجيج، وأخوتي وأبنائهم؛ فابني هو الغريب بالنسبة لهم بل العدو، حتى أنهم قالوا لي أعيدي الولد لأبيه حتى نساعدك، ما اضطرني للعمل واستئجار غرفة خارج منزل والدي التي أصبحت به غريبة، كما أنه لم نأخذ أنا أو أخواتي الأربع أي شيء من ورثة والدي. ليس حال “سلمى” (45 عاما) أفضل من “سمر”، فهي أيضا تعيش في غرفة بمنزل والدها، مع أختيها اللتان أيضا لم تتزوجا بالرغم من أنهما يكبرانها سناً. فهما يعيشان في غرفة أشبه بصالة حيث الطريق من غرف النوم والمطبخ إلى الصالون يمر عبرها، فلا خصوصية لهم ولا وقت راحة، بل هن أيضاً مفروض عليهن رعاية ولدي أخاهم الذي ورث منزل والدهم. تقول سلمى “كم كنت أتمنى لو أن لي غرفة مستقلة ولو أن أبي أورثنا قطعة أرض ومحل تجاري نعيش منه، لكن للأسف لم يترك لنا سوى هذه الغرفة التي ستعود حتى بعد موتنا لأخانا”. مبينة أن قصتهم قد تكون أخف وطأة من قصة جارتهم التي عاشت نحو 20 عاماً في غرفة تكاد لا تكون صالحة لتكون زريبة للحيونات بعد أن مات زوجها وهي في السبعين من العمر ولم تنجب له سوى فتاة، ما أجبرها على ترك منزلها والرجوع إلى منزل أخيها، حيث لم يوصي لها بشيء من ممتلكاته، فقد أوصى بها جميعاً لأبناء أخوته ولم يترك لابنته الوحيدة سوى حق الانتفاع من شقة سكنية. وأضافت سلمى “كانت جارتنا تهان وتجوّع، وفي أخر أيامها كانت تضرب من أخوها وزوجته، وخاصة بعدما أصيبت بمرض الخرف. وكثيرة هي قصص النساء التي ذاقت المر طوال سنوات، جراء حرمانها من الميراث”. قلة هن النساء اللواتي قررن أن يحصلن على حقهن عبر القضاء، مثل “سوزان” التي رفعت دعوى حصر إرث على إخوتها لتحصل على حصتها من تركة والدها. لكنها تقول لـ”أنا إنسان”، “مر علينا 3 سنوات في المحاكم ومازال القضاء لم يحكم بالدعوى، إضافة إلى القطيعة التي وقعت بيننا والكثير من المشاكل العائلية. واليوم مازالت مصرة على أن آخذ حقي ليس لحاجتي المادية له لكن فقط نكاية بهم”. تقول لنا المحامية مها نعيم ابنة السويداء، “ما يؤدي إلى حرمان الفتاة من الميراث لدى طائفة الموحدين الدروز هو نص الوصية، وهو أقوى مستند قانوني لتحديد توزيع الإرث، وقد درجت العادات والتقاليد والأعراف لدى جزء من المجتمع على حرمان الفتاة من حقها في الميراث أو منحها حق الانتفاع خلال حياتها فقط، حيث نصت المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية على تنفيذ الوصية للوارث ولغيره بالثلث وبأكثر منه، وهذا منح الموصي حق الإيصاء بماله وممتلكاته لمن شاء من ورثته أو غير ورثته، فالوصية لدى الموحدين مستثناة مما جاء به الشرع الإسلامي، حيث لا يجوز الوصية لوارث فيما يتجاوز الثلث”. وأوضحت أن “اعتماد الوصية يعود إلى العقل، فالعاقل له حق التصرف بماله كيفما يشاء ولمن يشاء وفق إرادته دون قيود”. وبينت أن “الدائرة الشرعية في دمشق بتاريخ 15/11/1956، أقرت بما يخص الوصية لدى الموحدين، أنه لإن كان نفاذ الوصية لدى الطائفة الدرزية للوارث ولغيره بالثلث وبأكثر من الثلث منصوص عليه في المادة 307 للأحوال الشخصية، فإن تعليق الوصية بالشرط جائر إذا كان الشرط صحيحاً، وعليه فإن تقييد الموصي وصيته لبناته بثلث تركته بامتناعهن عن الزواج مخالف للشريعة، مما يوجب إلغاء هذا الشرط من الوصية”. وقالت نعيم “غرفة المقاطيع، المتعارف عليها كحصة المرأة في إرث زوجها، فهي غرفة للمعيشة في منزل والد المرأة، ويقصد بها مكان سكن اللواتي انقطعن عن الرجال لعدم الزواج أو التفريق وغيرها من الحالات، وبالحقيقة هذه المفردة تحمل من المهانة والذل الكثير للنساء، بل إنها مخالفة للنظام العام”. وأعربت عن اعتقادها “أن الموروث الشعبي الجائر لحق النساء، يتغير مع تغير واقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي، بالرغم من أن هناك أخوة يمارسون ابتزاز عاطفي على أخواتهن ليتنازلن عن حقوقهم، تحت ما يسمى بالتخارج”. الشيخ يوسف جربوع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز بدوره، قال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز يوسف جربوع، لـ”أنا إنسان”، “لا تفرق الشريعة لدى الموحدين بين الذكر والأنثى في الحقوق، وفي الإرث تعامل الفتاة معاملة الشاب ولا أفضلية لأحدهم على الأخر، ولكن المجتمع تأثر بالبيئة المحيطة وخاصة البدوية”. وبين أن الوصية لدى الموحدين هي فريضة على الموحد، لا يجوز المساس بها، تقوم على العقل القادر على توظيف الوصية ببعد أخلاقي والمقترن بعدم الظلم، ولكن هناك من يسيء استخدام هذه الفريضة لجهله بحكمة مقصدها. ورأى جربوع أن “قانون الأحوال الشخصية قاصر عن الشريعة التوحيدية، ولا يوجد مانع من إعادة النظر به، وخاصة بعد تطور وعي المجتمع، وانتفاء كثير من الأسباب الدافعة بالمجتمع للإجحاف بحق المرأة، كخوف العائلة من خسارة ملكية العائلة الزراعية لصالح عائلة أخرى، حيث كانت تقرن مكانة العائلة بملكيتها التي كانت يجب أن تبقى بيد الذكور منها، فهم الذين يحملون اسمها ومسؤولية المحافظة على مكانتها”. ودعا شيخ العقل الموحدين إلى إنصاف المرأة وعدم تمييز الذكر على حسابها، مطبقين ما تنص عليه شريعة التوحيد، وتحكيم العقل في الوصية. بات من الضروري من مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز العمل على ايجاد حل لهذه العادة الشاذة عن قيم مجتمع الموحدين الدروز، هذا المجتمع الذي لطالما احترم المرأة وكرمها وكانت شريكاً له في المعارك ضد كل من حاول الاعتداء عليه، فضلاً أن الكثير من العائلات الدرزية تعطي المرأة حقها بالميراث وترفض مبدأ الوصية في الإرث، وهناك المئات من الامثلة التي يمكن طرحها لعائلات وزعت الارث بالتساوي بين الذكور والإناث وبعضهم وزع الارث وفق الشريعة الاسلامية واصبح من الواجب العمل عبر تشكيل لجنة من مشايخ عقل الطائفة بالتعاون مع المجتمع المدني لوضع حلول لهذه العادة ووقف استغلال البعض للوصية لحرمان النساء من حقوقهن. صاحبة الجلالة _ ضياء الصحناوي تصاعدت مطالبات النساء في السويداء بشأن حقوقهن المهدورة في التوريث، خاصة بعد أن صدرت تعديلات قانون الأحوال الشخصية دون أن يطالها تعديل جذري يساهم في ردم الهوة بين الرجل والمرأة، فتعالت الأصوات للعودة إلى الجذور والتوزيع العادل الذي يؤكد على التساوي في الحقوق والأملاك. وعلى الرغم من وجود نصوص دينية واضحة فيما يتعلق بتوريث المرأة، وإعطائها حقوقها كاملة دون نقصان، وزيادة عليها باعتبارها المصانة المحصنة من كل النوائب والكوارث، إلا أن الرجل تجاهل ذلك عمداً، وبات مع تواتر السنوات عرفاً سائداً لا يكسره سوى قلة من العائلات التي وجد كبارها أن العدل يجب أن يسود، وفوقه عطر كما أوصى الأولين. ملف شائك ومعقد في باطنه، وواضح المعالم في ظاهره تحاول صاحبة الجلالة فتحه رغم المحاذير الكثيرة، التي تصطدم بعادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين، كان عمادها الأساسي الفقر المدقع، وعدم القدرة على ترك حصة صغيرة للمرأة سوى غرفة بسيطة أطلق عليها اسماً عنصرياً دون قصد “غرفة المقاطيع” التي تقصدها المرأة المطلقة أو التي باتت وحيدة دون زواج. يقول المحامي “عادل الهادي” هناك عائلات كثيرة ورثت بناتها مثل الشباب تماماً، ولكن بشكل عام لا قانون يحمي المرأة ويصون حقوقها، على الرغم من أنه لا يوجد لدينا نص ديني يمنع توريث النساء، وبالتالي فالمرأة مهدورة الحقوق. ويعيد الهادي أساس المشكلة باعتبارها دينية واقتصادية، وهي أصبحت عرفاً وليست قانوناً، وباعتبار الإنفاق واجب على الرجل دينياً واجتماعياً، فإن الأهل يعتبرون أن الفتاة سينفق عليها زوجها، وبالتالي يعطون الأفضلية للولد في ميراث أهله كونه مسؤول عن بناء منزل الزوجية، وعن دفع المهر وعن الانفاق. هي تقاليد غطائها ديني ويزيدها الوضع الاقتصادي سوءاً، وأعني الوضع الاقتصادي للناس بشكل عام والشباب بشكل خاص. أما فيما يتعلق بغرفة المقاطيع، فإنه جرت العادة أن يقوم رب البيت بكتابة وصية يترك فيها جزءاً من البيت لما كان يسمى (المقاطيع)، أي المرأة التي يموت زوجها، وتضطر للعودة الى منزل ذويها، أو الفتاة التي لا تتزوج أو التي تتطلق وليس لها مأوى فيكون جزء من منزل ذويها موقوف لها بهذه الحالة، والحقيقة أن هذه المسألة تساهم بحل بعض المشاكل في ظل إجحاف اجتماعي وديني وقانوني للمرأة. المربية والشاعرة “ميادة الحجار” اعتبرت في تصريحها لصاحبة الجلالة أن الظلم يبدأ من إعطاء حق الحرية المطلقة في الوصية للموصي . وقد بدأ هذا الموصي يتصرف بكل شيء حتى بالنسبة للنساء القريبات من أخت وزوجة وابنة على أنهن من أملاكه الفردية، وهذا يضعهنّ تحت رحمة عقلية ذكورية وحظٍّ قد يصيب في العدل أول لا يصيب. علماً أنه لو سُلّم الأمر لما جاء في التعاليم و لكانت المرأة في أمان من الظلم، وأقصد بذلك الانطلاق من مقولة: «إذا تسلم أحد المؤمنين إحدى اخواته المؤمنات يساويها وينصفها في جميع ما في يده». أما (غرفة المقاطيع) فهذا ثلم سلبي واضح يسمّ الإنسانية، حتى المصطلح فيه إجحاف وإهانة للإنسان بشكل عام، وللمرأة خصوصاً، وهذا ما يجب النظر فيه، بحيث يصبح حق المأوى مُؤمّن لكل امرأة أسوة بأخوتها الذكور، وبنفس المستوى دون تحقير أو تصغير. الناشط المدني سامر دانون قال لصاحبة الجلالة: أن لديه منظومة خاصة للتوريث اكتسبها من جده الراحل، فهذا الرجل ورث بعدالة، حيث أعطى الأكثر حاجة، من الذين مستقبلهم وأحوالهم جيدة ولا خوف عليهم، فقد قيم الحالة جيداً ودرسها من كل الأبعاد، واتخذ قراره الذي أعتبره صائباً وعادلاً كما اعتبره أبناؤه الآخرين. والملاحظ في وصيته أنه لم يدع لعواطفه التحكم بقراره، ولجأ إلى العقل، وبنفس المبدأ ورث بناته من الأكثر حاجة إلى الأقل وفق رؤيته الخاصة. أما المربية المعروفة والقاصة “منتهى ناصيف” فقد ذكرت أنها كتبت قصة غرفة المقاطيع بكثير من الوجع؛ نظراً لحالة خاصة حدثت أمامها، حيث عادت إحدى السيدات مطلقة إلى بيت أهلها بعد أربعين سنة زواج دون أن تحصل على شيء من حقوقها، وعلى الرغم من استقبال أخوتها لها بشكل كامل، وبناء غرفة ومنتفعاتها وإيوائها فيها، وقضاء كل طلباتها، إلا أنها فقدت كل كيانها بعد أن تركت منزلها الذي بنته حجراً حجر، وربت أبنائها وعلمتهم إلى أن باتوا قادرين على الحياة. وأكدت ناصيف أن أي خلاف بين الرجل والمرأة ينتهي بإعطاء المرأة نصف ما يمتلكه الرجل بحسب الشريعة الخاصة بمذهب التوحيد، وزيادة على ذلك فإن الرجل ملزم بتقديم قارورة عطر للمرأة كتأكيد على مكانتها واحترامها. ولا تنكر ناصيف أن عدداً من الرجال كانوا عادلين، وورثوا النساء مثل الرجال لكن نسبتهم ليست كبيرة في السويداء. واستشهد عدد من الفتيات اللواتي تحدثت معهم صاحبة الجلالة بحالة ثلاث أخوات رفعن دعوى قضائية على أشقائهن ونلن حقوقهن بعد معركة قضائية طويلة، فالحق بالنهاية ينتصر، ولكنه بحاجة لإرادة قوية تستطيع أن تقف بوجه المجتمع وتبعيات القضية.

أبي حسن : العلويون من قبلُ ومن بعدُ (1/2)

$
0
0
العلويون من قبلُ ومن بعدُ (1/2) أبي حسن - كلنا شركاء 10/ 08/ 2010 مدخل أو العلويون من قبلُ مما لاشك فيه أن العلويين فرقة من الشيعة الإمامية, ونشأتهم الأولى هي نشأة الإمامية نفسها تماماً, لكنهم اتخذوا طريقاً آخر بعد الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن الحجة القائم, وآية ذلك أنه كان لكل إمام باب وفق المذهب الإثني عشري الإمامي, وقد كان سلمان الفارسي باب الإمام علي بن أبي طالب, أما آخر باب –في نظر العلويين والكثير من الشيعة الإمامية- كان أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري(1), الذي منه استمدوا تسميتهم بالنصيريين, مفردها نُصيري(2) . وبقوا يُكنون بتلك التسميّة حتى «1/9/1920 وذلك بعدما احتلت فرنسا سوريّا, ووضعها نظاماً للطوائف المكوّنة للشعب السوري»(3) . ومن الطبيعي أن يسرّ العلويون بتلك التسميّة كونها تربطهم بالإمام علي مباشرة. والمتتبع لمسيرة الطريقة العلوية, سيجد أن رئاسة العلويين الروحية انتقلت من محمد بن نصير النميري, الذي تولاها من بعد "غيبة" الإمام الثاني عشر, إلى عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني (235- 287)ه, نسبة إلى بلدة جنبلا في العراق, ويُروى أن السيد الجنبلاني كان ذا علم وفلسفة وزهد وتصوف, وفي رحاب الجنبلاني برز ونبغ شاب مصري اسمه الحسين بن حمدان الخصيبي الذي كان قد التقي بالسيد الجنبلاني عندما زار الأخير مصر, فتأثر به واقتنع بآرائه, فدخل في طريقته, ولحقه إلى موطنه جنبلا عندما عاد الجنبلاني إليها. بعد وفاة الجنبلاني 287ه, خلفه الخصيبي في قيادة العلويين, وانتقل إلى بغداد, ولم يلبث به المقام طويلاً حتى رحل إلى حلب حيث استقر إلى جوار سيف الدولة الحمداني, وقد هداه رسالة كان قد خطّها بعنوان "الهداية الكبرى". من المؤكد أن الخصيبي لعب دوراً كبيراً في تثبيت الطريقة العلوية, ناهيك عن أنه طوّف في بلاد الديلم وخراسان وديار ربيعة وتغلب. ويعتقد الباحث سعد رستم أن الخصيبي هو "ألمع الرؤساء العلويين وأكثرهم أثراً في العقيدة. ساعده على ذلك عمر مديد (260- 358)ه, وذكاء وقدرة على التأليف في المذهب وتطويره إياه حتى كان يلقب بشيخ الدين" (4) وغالباً بشيخ الطريقة, ذلك باعتبار أن العلويّة أو النصيريّة ليست ديناً مستقلاً عن الإسلام, ولا حتى مذهباً خاصاً ضمن الإسلام وإن كان تراث الإمام جعفر الصادق حاضراً في أدبياتها ووعيها ووجدانها بكثافة منقطعة النظير, إنّما هي طريقة ووجهة نظر منبثقة من رحم الإسلام بغيّة فهمه في ضوء الثقافات التي كانت موجودة(سابقاً ولاحقاً) في منطقة بلاد الشام, (ربما)على شاكلة الطرق الصوفيّة كالنقسبندية والرفاعية.. إلخ. ومن اللافت للانتباه في مسيرة الخصيبي, أنه رفض التحالف مع الدولة الفاطمية في مصر, بالرغم من قربه منها مذهبياً(نسبة إلى المذهب الجعفري) أكثر من الدولة العربية- الإسلاميّة التي كانت في بغداد, التي تحالف معها –أي الدولة العباسيّة- على الرغم من ضعفها وهشاشتها, إذ كان الحُكم العباسي في مراحل تقهقره. وتحالفه معها هو ما تترجمه لنا إنجازات سيف الدولة الحمداني في الدفاع عن الثغور العربية في مواجهة الروم! وبدهي أن العلاقة التي ربطت سيف الدولة الحمداني بالحسين بن حمدان الخصيبي غنية عن التعريف. من الشخصيات التي تولّت الزعامة الروحيّة للطائفة بعد الشيخ الخصيبي, السيد محمد علي الجلي, والسيد علي الجسري(كان مركزه بغداد), وكذلك السيد أبو سعيد الميمون بن قاسم الطبراني المعروف بالشاب الثقة والمولود في طبرية(على الحدود السورية – الفلسطينية راهناً), وقد كان مقرّ زعامته في اللاذقية, حيث توفاه الله (426)ه, وكان ضريحه يقع في مسجد يُعرف بمسجد الشعراني, المطل على البحر, لكن بعد توسيع مرفأ اللاذقية سنة 1988 تمّ هدم منطقة الضريح والمسجد, فنقل رفاة السيد أبي سعيد إلى بلدة بسنادا الواقعة على مقربة من الشمال الشرقي لمدينة اللاذقية. وفي ما بعد عُرف من رجالات العلويين, مثالاً لا حصراً, الشاعرين أبي تمام وأبي فراس الحمداني, وابن شعبة الحراني مؤلف الكتاب الشهير "تحف العقول", والعالم والفيلسوف الشيخ أحمد قرفيص, واسمه كاملاً: العماد أبو الحسين أحمد بن جابر بن جبلة بن أبي العريض البانياسي, نبغ في النصف الثاني من القرن السادس الهجري, وضريحه في برج قرفيص وهي قرية تقع على مقربة من مدينة بانياس الساحل, وسبق أن تكلم عن سبب حركة العالم وسكونه, فقال: «الحركة إما طبيعية كحركة الحجر إلى أسفل طلباً للمركز, والنار إلى فوق طلباً للأثير, وإما قسريّة كحركة الحجر إلى فوق, أو حركة كل ما ليس فيه شيء يضاد عنصره, والحركة الاختيارية ليست إلا لما فيه نفس, فالنفس هي المحركة, وهذه النفس معلولة النفس الكليّة, والنفس الكليّة تتحرك بجرمها السماوي إلى علتها الذي هو العقل حركة تشوق إلى تلك العلة الفاضلة والنعمة الشاملة, فهو يتحرك طلباً لتلك العلة الفاضلة, ولا يسكن دونها كحركة العاشق إلى معشوقه, وكل متحرك إذا بلغ غايته سكن كالمتحرك حركة طبيعية أو قسريّة» (5). ومن رجالاتهم كذلك, الأمير حسن المكزون السنجاري, ولد سنة 583ه- 1187م, وكان والده يوسف هو الرئيس الديني على بني قومه العلويين في بلاد سنجار. وتلقب بعد وفاة والده باسم "سيف الدين". حفظ المكزون القرآن غيباً منذ صغره, وأتم حفظه سنة 598ه- 1201م, وله ديوان شعر صوفي, ويُذكر أنه قرأ دواوين أبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضي والمرتضى, وحفظ خطب نهج البلاغة عن ظهر قلب, وتعلّم الكردية على يد أحد أصدقائه من الأكراد الذين كانوا يسكنون في سنجار إلى جانب العلويين. وبعدما اشتد الكرب على العلويين الذين يقطنون في جبال الساحل السوري, وزاد أذى الأتراك والسلاجقة والأكراد والإسماعيليين (6) عليهم, أرسل العلويون الشيخ عيسى بن محمد(من قرية برازين في قضاء جبلة) إلى الأمير المكزون يطلبون نجدته ولم يكن يبلغ من العمر السابعة والعشرين عاماً, وفعلاً أتى على رأس حملة عسكرية لإنقاذ العلويين عام 610ه- 1213م. وعاد المكزون ثانية إلى الجبال الساحلية للغرض ذاته في سنة 618ه- 1221م, هذا بعد أن وصلته أخبار عن عودة الخطر على العلويين, وعودته تلك كان من نتائجها أن هجر سنجار نهائياً مفضلاً عليها الإقامة في الجبال الساحلية تاركاً الزعامة الدنيوية متفرغاً لدينه, وقد عمّر «المقامات الهاشمية» على رأس جبل جعفر الطيار, تخليداً لانتصاره. ومن أعلام العلويين في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, الشيخ حسين حرفوش بن الشيخ ميهوب المقرمدة, قضاء بانياس 1890- 1959. قرض الشعر وهو في العاشرة من عمره أثناء دراسته الأجرومية والصرف والبديع والبيان, حفظ أشعار المعلقات وقسماً كبيراً من نهج البلاغة, ودرس الفقه وعلوم التصوف عند الفرق الإسلامية, بدأ حياته العملية مُعلماً, ثم أشاد مدرسة خاصة بالتعاون مع المجاهد الشيخ صالح العلي (7) في قرية برمانة المشايخ, ولم يلبث الأمر طويلاً حتى أُغلقت المدرسة على يد الفرنسيين الذين انتقموا منه بطريقة غير أخلاقية وحضارية. من مؤلفاته: "من هو العلوي؟" وهي رسالة جوابية للسيد عارف الصوص صاحب مطبعة الإتقان بدمشق, وقد صدر الكتاب عن هذه المطبعة سنة 1948. و"خير الصنيعة لمعرفة المغمورين من أبناء الضيعة", وفي هذا الكتاب المكوّن من ستة مجلدات ترجم فيه (600) شخصية من شخصيات جبال العلويين الذين لم يذكرهم التاريخ ولم يذكر آثارهم إلا في ما ندر, إضافة إلى أراجيز ونصائح وحكم تبلغ خمسمائة بيت شعر. وقبل طي هذه الصفحة تجدر الإشارة إلى علاّمتهم الأبرز وزارع بذور النهضة في جبلهم في النصف الأول من القرن العشرين, ونعني الشيخ سليمان الأحمد(والد الشاعر المعروف بدوي الجبل), وكان جيل الشباب حينذاك يُطلق عليه "القاموس الناطق" نظراً لسعة علومه في اللغة؛ ومن مآثره أنه دافع عن تعليم المرأة وحضّ عليه, وكانت ابنته الدكتورة جمانة الأحمد أول طبيبة في جبال العلويين وأوّل فتاة سوريّة تتخرّج من جامعات فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين. ولا بأس من سرد أسماء بعض الأعلام اللاهوتيين في القرن العشرين كالشيخ عبد الرحمن الخيّر والشيخ عبد اللطيف إبراهيم, , والشيخ كامل حاتم(مشقيتا), والشيخ حيدر عبود الزاوي, والشيخ فضل غزال, والشيخ عبد الهادي حيدر, والشيخ محمود سليمان الخطيب ..(8) الخ. في ضيافة الخوف والحرمان و.. النسيان إن ظروف الحكم التي تعاقبت على بلاد الشام منذ انتهاء حرب صفين مروراً بالعهد العباسي وانتهاء بالاحتلال العثماني, فرضت على العلويين الانزواء والعزلة في الجبال الساحلية (9)في سوريا نظراً لصعوبة مرتقاها وشدة مناعتها, أنيسهم الدائم هو الخوف من البطش والإرهاب الذي كان يشيعه الحاكمون في المدن الساحلية والداخلية على حد سواء. ومن البدهي إن أولئك الحكّام كانوا ينظرون إلى العلويين نظرة مليئة بسوء الظن والريبة والشك, يعزز هذا الشك وتلك الريبة أطنان من الآراء والأقوال السلبيّة فيهم من قبل بعض الفقهاء من أهل السلف "الصالح", فكان من الطبيعي أن يصبحوا بمرور الزمن فئة منسية ومهملة ومنبوذة في التاريخ الرسمي. فعلى سبيل المثال(وهو مثال بسيط جداً, لكنه معبّر) من النادر جداً أن تجد تواريخ ميلاد غالبية العلويين المولودين بين مطلع القرن العشرين حتى أواخر أربعيناته صحيحة, إذ لكل واحد منهم يوما ميلاد, الأوّل منها هو يوم ميلاده الحقيقي, والثاني يوم تسجيله رسمياً في سجلاّت الدولة, فوالد كاتب هذه السطور من مواليد 1943م حقيقة, لكنه في سجلاّت الدولة من مواليد 1944م؛ ومنذ قرابة الشهرين رحل عن دنيانا أكبر معمّر في القرية(قريتي) عن عمر يناهز المائة عام, وكان قد ذكر لنا مراراً أنه يتذكّر العام الذي سجلّوه فيه في السجلاّت الرسمية, وهو عام 1915م, في حين هو من مواليد 1909م, وقس على هذا المنوال الكثير من الحكايا. حياة التهميش والملاحقة والمطارة التي فُرضت على العلويين(على الأقل طوال المرحلة العثمانية التي مسحت أربعة قرون من عُمْر الأبد), ترتب عليها أن انقطع تواصل العلويين مع الحياة التي كانت تُجسّدها, عمليّاً, المدن والحواضر, فصار لهم بمرور الزمن نمط ثقافي مُعيّن يكاد يكون خاصاً بهم في المراحل التي نعني, فمثلاً لم يكن ثمة حضور للفظة "مُهر" (المبلغ النقدي أو غير النقدي الذي يدفعه الشخص المتقدم للزواج من فتاة) في حياتهم! كانوا يستخدمون للدلالة عليه لفظة "برطيل"!. وهذه اللفظة بقيت دارجة في جبال الساحل السوري حتى خمسينيات القرن الماضي. ومن العبث الحديث هنا عن وجود مدارس مُعتبرة ومراكز صحيّة متطورة في جبال العلويين! وطبعاً, كانت نسبة الأميّة طاغيّة, بيد أن الفقر كان يطغى عليها ! وللدلالة على هول الفقر في جبالهم أستشهد هنا بحادثة رواها لي الباحث والمحامي محمد خوندة بتاريخ 18 آذار 2009 في مكتبه في مدينة اللاذقية, وهو من مواليد 1925م, قال: "كان عمري عشر سنوات عندما رأيتُ وذقتُ الرز للمرة الأولى.. لم أكن أعرف الرز من قبل, لأن أهلي لم يكونوا قادرين على شرائه". وكان من نتائج العزلة آنفة الذكر, أن ظُلمت المرأة في بعض حقوقها, كحرمانها من الميراث, وذلك الحرمان كان يستند إلى عرف صار سلوكاً ترسّخ في الأذهان وليس إلى شيء في العقيدة. ونميل إلى الاعتقاد أن سبب حرمانها من الميراث (حتى عهد قريب نسبيّاً), كان دافعه اقتصادي بحت, بمعنى أن ضيق الحال وضنك الحياة فرضا على العلويين ذلك, إذ المرأة ستذهب إلى منزل زوجها(إذا ما تأهلّت), الذي سيكون مسؤولاً عنها, في ما الشاب أمامه مسؤوليّات الزواج ومتطلبّاته, وهذا ما لم تكن تتحمّل أعباءه المرأة. طبعاً هذه النظرة تغيّرت الآن تغيراً شبه كليّ. نسوق ذلك, بالرغم من أن المرأة كانت تعمل في الحقل وفي رعي الماعز, وتربية الدواجن.. إلخ, شأنها شأن الرجل, إن لم تكن تفقه جهداً في العمل. ويمكن أن نُوجز أسباب الجمود التي عانى منها العلويون(سابقاً), كما عبّر عنه الشيخ عبد الرحمن الخيّر, بـ«توالي الاعتداءات على هذه الطائفة منذ ثلاثة عشر قرنا حتى اليوم(مع ملاحظة أن هذا البحث كان الشيخ بدأ بنشره, أوّل مرة, في مجلة "اليقظة" عام 1937. الملاحظة مني أنا: أُبيّ).اعتداءات كان يستهلك بعضها كل ما تملك, فتنهب مواشيها وأموالها، وتحرق بيوتها بما فيها من أثاث ومقتنيات, ويقتل علماؤها ومشاهيرها, الأمر الذي أضاع آثارها الفكرية القديمة إلا ما حفظته بحروفه وألفاظه صدور الحفظة من رجالها أو ما وعاه علماؤها ومن هذا العلم ــ إن بقي حتى اليوم هو قليل من كثير. الانزواء في هذه الجبال، والعيش الفطري، بحكم هذه المناطق الجبلية القاحلة، وبحكم ما خلفته بعقلية العلويين تلك التعديات الجائحة الجائرة، نمت فضيلة الانصراف الكلي إلى التعبد وعدم الاشتغال بشيء آخر, من قبيل: تشييد بنيان جميل أو جمع الثروات الطائلة أو اقتناء المكتبات الفخمة الجامعة, إذ ما الفائدة من كل هذا وهو لا يلبث أن يكون نهب أيدي الأقوياء المعتدين وطعم نيرانهم وضحية تعصبهم وانتقاماتهم الجنونية» . وفي غير مكان من كتابه آنف الذكر, يقول: «إن من يقابل بين حال المسلمين: العلويين قبل عشرين سنة فقط، وبين حالهم الآن يرى فرقا بيناً يستدعي الدهشة والتساؤل عن أسباب هذا التطور والعوامل التي أدت إليه», طبعاً, يقصد الشيخ الخيّر أن سنة 1937 متطورة جدّاَ قياساً بعام 1917. ولم لا؟ إذ عام 1937 صار بعض فتية العلويين يرون الرز للمرة الأولى! من الأمور التي من الصعب أن ينساها الكثير من العلويين, تحديداً الأجيال المتقدمة في السن, هي مسألة عمل البنات العلويّات خدّامات في المدن(بيروت, دمشق, اللاذقية, حمص.. ), ولعلها تُذكرنا راهناً بالخادمات الفليبينات والاندونيسيات.. الخ, اللواتي يملأن بيوت الطبقة الميسورة في سوريّا. ومن المؤكد أن الأسباب التي تدفع بخادمات اليوم لهذا النوع من العمل المهين للكرامة الإنسانيّة, هي ذاتها التي كانت تدفع بالعلويّات لهذا العمل الذي بقوا يُزاولنه حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي(خفّ بريق ذلك العار الاجتماعي نسبيّاً في عهد الوحدة السوريّة- المصريّة)؛ ومن الطبيعي أنهن كنّ يتعرضن لمضايقات كتلك التي تتعرض لها خادمات اليوم, مع فارق أن أصوات معاناة وآلام الخادمات العلويّات لم يكنْ يسمعها أحد, لاسيّما عندما كان "يحق" لربّ عملها بيعها أو تزويجها لمن يريد من دون مشورة أهلها وحتى معرفتهم! في حين ثمة الآن منظمات حقوق إنسان ووكالات أنباء وأجهزة إعلام توصل صرخة المظلومة أكانت فيلبينة أم أثيوبية.. إلخ. يتحدث مؤلّف كتاب "العلويون ودولتهم المستقلة" بغضب عن عهد متصرف اللاذقية ضيا باشا الذي كان مقرباً من السلطان عبد الحميد, إذ يسجّل: «إذا كانت الحروب سبباً في النكبات والمآسي لدى الجميع, فإن حالة السلم بالنسبة للعلويين لم تكن لتحمل يوماً الأمن والطمأنينة, بل إنها كانت تشهد أقسى فترات التنكيل بهم وتصفيتهم. وفي إحدى فترات السلم هذه, كان حاكم اللاذقية التركي ضيا باشا عندما يشعر بالملل يتفتق ذهنه عن أفضل التسليات فيكلّف بعض "الانكشارية" بالإغارة على إحدى القرى "النصيرية" المجاورة والقبض على عدد من السكان واقتيادهم لحضرة الوالي الذي يأمر بوضعهم على الخوازيق, فينشرح قلب الباشا لمنظرهم وهم يتلونون ألماً ويعانون سكرات الموت البطيء, بينما أمعاؤهم تتمزق بوحشية, وضيا باشا يسحب أنفاساً من نرجيلته» . وإن كنّا لا نستطيع نفي أو تأكيد صحة هذه الرواية علماً أنّ ثمة مصادر كثيرة وموثّقة تدين وتُجرّم أكثر من حاكم عثماني فظّع بالعلويين حصراً, إلا أننا نجد ذكراً حميداً للمتصرف ضيا باشا من قبل أكثر من كاتب علوي, فصاحب كتاب "حياة المجاهد الأوّل- الشيخ صالح العلي", يذكر أن الشيخ علي سلمان(والد الشيخ صالح العلي/المُجاهد المعروف) اجتمع مع المتصرف العثماني ضيا باشا عام 1307ه(قرابة 1886م), في اللاذقية, ووضعه في صورة سوء الحال التي يعيش في ظلها العلويون, سواء أكان من اضطهاد على بعض سكّان المدن عندما يقصدونها لقضاء حاجاتهم أم من حيث افتقادهم إلى المدارس والتعليم, وكان من نتائج ذلك الاجتماع «أن أوعز السلطان عبد الحميد ببناء خمسين جامعاً وخمسين مدرسة في جبال العلويين» , وقد كان ذلك بعد سنتين من اجتماع الشيخ علي سلمان مع المتصرف ضيا باشا. ومن ضمن المدارس التي بنيت في عهد ضيا باشا مدرسة حكومية في قرية بحنين(قرية المؤلّف آنف الذكر), و"المرحوم الشيخ عبد الكريم الحاج, تولى التعليم الحكومي في مدرسة بحنين على عهد متصرف اللاذقية المرحوم ضيا باشا" . وما يذكره الشيخ الخيّر, بخصوص ضيا باشا, يكاد يتنافى كليّاً مع ما ذهب إليه محمد هواش في كتابه سالف الذكر, إذ يقول الخيّر: وكان «الشيخ أحمد علي القلع في قرية القطرية اللاذقية وضع كُتيباً في الفقه المذهبي ليدرس في المدارس الأميرية تلبية لطلب متصرف اللاذقية في ذلك العهد المرحوم ضيا باشا الذي يجب على أبناء جبال اللاذقية أن يخلدوا ذكره في تاريخهم الاجتماعي بصحائف ملؤها الثناء الصادق والاعتراف بالجميل فقد قصر همه على تمدينهم وسلك إلى ذلك ثلاث طرق قويمة أولاها تقريبه أهل العلم والتقى واحترامهم واستشارتهم ثانيها العدل والصراحة في الحكم ثالثها إنشاء ثمانين مدرسة أميرية في كل منها مسجد موزعة بين القرى الآهلة بالسكان كل ذلك على نفقة الحكومة وانتقائه المعلمين في تلك المدارس من خيرة المشائخ حيث يتسنى ذلك» . وربما, لأن الإنسان من النسيان, قلّة هم الآن, في جبال العلويين, يتذكرون ذلك الجميل الذي أبداه المتصرف التركي ضيا باشا إزاءهم؛ والأرجح أن الغالبية منهم تتذكر فقط مآسيها, وقد يكون مرد ذلك كون "الأسى لايُنتسى". الحواشي (1) علي سبيل المثال, يستهلّ العلاّمة الشيعي محمد باقر المجلسي(1037ه- 1111ه), صاحب "بحار الأنوار", مجلّده الثالث والخمسين من كتابه الموسوعي "بحار الأنوار" برواية المفضّل بن عمر في باب الإمام الثاني عشر حيث قال: رُوي في بعض مؤلفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسني, عن أبي شعيب محمد بن نصير عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضّل بن عمر, قال: سألتُ مولاي الصادق(‘)... الخ. كما جاء في حاشية للطبرسي(...- 620ه) في كتابه "الاحتجاج" جاء فيها: "قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد, قال: كان محمد بن نصير النميري, من أصحاب أبي محمد, الحسن بن علي عليهما السلام..". ومعنى أن يستهل العلاّمة المجلسي روايته بذكر الحسين بن حمدان ومحمد بن نصير, وأن يستشهد الطبرسي بمحمد بن نصير, هو أنهما كانا شخصيتين إيجابيتين في تاريخ الإسلام, من وجهة نظر شيعية إماميّة, إذ لا يمر ذكرهما لدى من ذكرنا بالسلب. مع التنويه بأن الطبرسي صاحب "الاحتجاج" والمجهولة سنة ولادته, غير الطبرسي صاحب "تفسير مجمع البيان" والمتوفى سنة 548ه. (2) يرد في الصفحة 217 من كتاب "تاريخ العلويين" لمحمد أمين غالب الطويل, دار الأندلس للطباعة والنشر, بيروت, رأي آخر حول سبب تسميه العلويين بالنصيريين, إذ يذكر ما يلي: «وسبب تسميتهم بالنصيرية هي: (لمّا فتحت جهات بعلبك وحمص, استمدّ أبو عبيدة نجدة, فأتاه من العراق خالد بن الوليد, ومن مصر عمرو بن العاص, وأتاه من المدينة جماعة من العلويين وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم, وهم من الأنصار, وعددهم يزيد على أربعمائة وخمسين مجاهداً, ولمّا وصلت هذه النجدة والتحقت بالجيش, نجح نجاحاً جزئياً, فسميّت هذه القوة الصغيرة < نصيرة>. وإذا كان من قواعد الجهاد تمليك الأراضي التي يفتحها الجيش إلى ذلك الجيش نفسه, فقد سميّت الأراضي التي امتلكها جماعة < النصيرة> < جبل النصيرة>». شخصياً, لا نوافق أمين غالب الطويل هنا في سبب تسمية العلويين بالنصيريين (سابقاً), ونرجّح إن التسمية أتتهم نسبة إلى محمد بن نصير(ملاحظة من الباحث أُ. ح). (3)"تاريخ العلويين وأنسابهم", المحامي محمد خوندة, ط1 2004, دار المحجة البيضاء, ص23, وص56. (4) راجع موقع "العلويون الأحرار" تاريخ 8/12/2007, مقال بعنوان: "من صفوة الدراسات عن العلويين", سعد رستم. (5) نقلاً عن مسائل العماد الغساني, وهي كُتيب مخطوط. ويمكن أن يطلع القارئ على الموضوع (أعلاه) في موقع "المجلة العلوية/الالكترونية تاريخ 15 شباط 2008. تحت عنوان "الشيخ أحمد قرفيص". (6) هذا لايعني أن العلويين كانوا دائماً الطرف المُستضعف والمُعتدى عليه, في حين لم يعتدوا هم على أحد ظلماً وجوراً, إطلاقاً! وللمزيد من المعلومات في هذا الخصوص يمكن مراجعة ص239 من كتاب "تاريخ العلويين وأنسابهم", تأليف المحامي محمد خوندة, ط1, 2004, دار المحجة البيضاء- بيروت. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن الكثير من حالات الاعتداء والتشاجر(المتبادل) كان دافعها اقتصادي بحت بسبب من ضيق الأرض الصالحة للزراعة في الجبال الساحلية في هاتيك الزمن, إضافة إلى الفقر المستفحل, على سبيل المثال. وكان من الطبيعي جداً أن تحدث مشاجرات بين الأطراف المختلفة مذهبياً أو إثنياً وحتى عشائرياً في جبال العلويين من أجل نبع الماء أيضاً (ملاحظة من الباحث أُ. ح). (7) يُعتبر الشيخ صالح العلي من أبرز رجالات العلويين في النصف الأوّل من القرن العشرين, ومن مآثره الوطنية أنه أوّل من أطلق الرصاص في وجه المحتل الفرنسي سنة 1918, إذ كان قائد الثورة في الجبال الساحلية ضد ذلك الاحتلال, وتعفف عن استلام أي منصب بعد أن نالت سوريا استقلالها سنة 1946, مع العلم أن رجال الحكم في سوريّا –الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي وسواه- عرضوا عليه ذلك لكنه رفض, وقد كانوا يكنون له بالغ الاحترام(ملاحظة من الباحث أُ. ح). (8) اللافت للانتباه أن كل هؤلاء المشايخ (كانوا)يقرضون الشعر, ومعظمهم حفظ القرآن غيباً, وأغلبهم كان فقيهاً في اللغة العربية وعلومها, ولم يسبق أن دخل أحدهم مدرسة حديثة للتعليم (ملاحظة من الباحث أُ. ح). وفي دردشة لي مع الباحث السوري المعروف الدكتور أحمد عمران الزاوي, قال لي: "يكفي أن يحوز أولئك المشايخ على احترامنا كونهم استطاعوا التعلّم الذاتي, والتأليف وقرض الشعر ونظمه, والتمكّن من اللغة, والإطلاع على الفلسفة, ونقل المعارف المُتاحة لهم إلى الأجيال اللاحقة من دون أن تتوفر لهم السبل المساعدة في ذلك.. على الأقل نحن لدينا الآن مكتبات! هم لم يكن لديهم شيء من وسائل مساعدة متاحة لنا! وهذا الاحترام يشمل كل من شقّ طريقه في ظل الظروف ذاتها في هاتيك الزمن). (9) وهي جبال عُرفت باسمهم السابق أي "جبال النصيرية", وقد كانت قبل هذا تُعرف بجبال بهراء وتنوخ، وتقع بين جبال اللكام الأمانوس في الشمال في منطقة لواء الإسكندرونة وبين جبال لبنان الغربية في الجنوب في لبنان. وتمتد على مسافة 170كم وبعرض يتراوح بين 25-30كم. ويقسم وادي نهر الكبير الشمالي جبال الساحل إلى كتلة البسيط والباير في أقصى شمال وشمال غربي الجبال على يمين النهر المذكور، وإلى كتلة جبال الساحل الأساسية يسار النهر حتى فتحة حمص - طرابلس. وترتفع جبال الساحل بتدرج من الجنوب باتجاه الشمال اعتباراً من تلال ومرتفعات مشتى الحلو إلى جبال منطقة وادي العيون ومصياف فالقدموس حيث تتجاوز 1000م. وتصل إلى 1387م شرق قرية حلبكو ثم إلى 1434م في قمة الولي خليفة، وتستمر الارتفاعات بالتزايد شمالاً في جبل القاموعة حتى تصل إلى ارتفاع 1562م في جبل متى شرقي صلنفة، وهو أعلى ارتفاع في جبال الساحل السوري. (10) تنبغي الإشارة إلى أن سوء الحال الذي كان في جبال العلويين لم يكن حكراً عليها, بل كان ينطبق على معظم, إن لم يكن كل, الريف السوري من أقصاه إلى أقصاه, وعمليّاً لم يعرف ذلك الريف(السوري بمجمله) النهوض والتنمية, ويشهد بعض التحديث, إلا بعد انقلاب الثامن من آذار واستلام حزب البعث للسلطة- بشكل عام, وبشكل خاص بُعيد انقلاب الرئيس حافظ الأسد 1970 واستلامه مقاليد الحُكم في البلاد. (11) (بتصرف عن "يقظة المسلمين العلويين") للشيخ عبد الرحمن الخيّر, الكتاب متوفر كاملاً على الشبكة الالكترونية, نشر وتقدمة موقع "العلويون الأحرار"www.alaweenonline.com. (12 أكثر من أديب وروائي سوري تطرّق إلى هذه المسألة في أعماله, معالجاً إياها من وجهة نظر طبقية ومجتمعيّة محض, وضمن ما تسمح به الرقابة والذائقة الخاصتين بكل كاتب, من قبيل رواية "تقاسيم الحضور والغياب" لغسان كامل ونوس, 2001, المطبوعة بدعم من اتحاد الكتّاب العرب في دمشق. ورواية "سنديان الذاكرة", 1999, للكاتب سليم عبود ونعتقد أنه أفضل من لامسها روائياً. وثمة مسرحيّة شهيرة للشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان بعنوان "الخدّامة"(الأعمال المسرحيّة الكاملة- دار ممدوح عدوان/دمشق- 2006), وكذلك بعض روايات عبد الكريم ناصيف اقتربت من هذه المسألة. وما يلفت انتباهنا هنا أن جميع الكتّاب الوارد ذكرهم هم من خلفيّات علويّة. بمعنى آخر: إنهم عايشوا ظاهرة عمل الفتيات خادمات في المدن عن قرب فيستطيعون التعبير عنها بشكل أكثر صدقاً وإقناعاً, ونؤكد أن معالجتهم لها كانت من موقع طبقي واجتماعي بحت. (13)"العلويون ودولتهم المستقلة", ص 161, محمد هواش, الشركة الجديدة للمطابع المتحدة, المغرب العربي, الطبعة الأولى, 1997. (14 راجع الصفحة 39, من كتاب "حياة المجاهد الأول- الشيخ صالح العلي", تأليف وإعداد سلمان محمد يوسف, طباعة: إياس- طرطوس. (15) يقظة المسلمين العلويين" تأليف الشيخ عبد الرحمن الخيّر, مجلة "اليقظة" أعوام 1937- 1938, والكتاب نُشر لاحقاً ضمن كتاب ورقي ومن ثمّ على الشبكة الالكترونية, ونعتمد نحن هنا على النسخة الموجودة على موقع "العلويون الأحرار". (16) "يقظة المسلمين العلويين", مصدر سابق ذكره. أبي حسن - كلنا شركاء العلويون من قبلُ ومن بعدُ (2/2) * أبي حسن - كلنا شركاء 15/ 08/ 2010 الأصول القبليّة والعشائرية للعلويين أما الأصول القبلية والعشائرية لهم, فهي: قبائل اليمن, كندة, همدان, قبائل غسان, بهرا, تنوخ(17) . وينقسمون, مثالاً لاحصراً, إلى: الكلبية, ويسكنون منطقة القرداحة. وهناك الرشاونة، المحارزة, الرسالنة، النواجرة، الجلقية والقراحلة نسبة إلى منطقة حمام القراحلة, وكانوا سابقاً يعرفون بالجراننة. المحارزة, نسبة إلى قائدهم الأمير محرز الجيشي, وهم من بقايا الدولة الفاطمية في مصر التي انقرضت على يد صلاح الدين الأيوبي في العاشر من محرم سنة 567ه- 1171م. وقد أتوا إلى الجبال الساحلية في سوريّا تلبية لنداء الأمير حسن المكزون عام 618ه- 1221م, إبّان محاربته للأكراد والتركمان... الخ, كما سلف ذكره, وسكنوا قرية بشراغي (قضاء مدينة جبلة), ومن هنا أصبحت تسمية بشراغي مرادفة لتسمية محارزة. الرسالنة نسبة إلى جدهم رسلان, وهم من عرب سنجار أتوا مع الأمير حسن المكزون. وفي مطلع القرن العشرين تولّى رئاستهم أمين رسلان وسبق أن انتخب نائباً في المجالس النيابية في سوريّا. بنو الخياط, نسبة إلى الشيخ علي الخياط, وهم عرب غساسنة, وكان يطلق عليهم غساسنة, وعلى واحدهم غسّاني, قبل ظهور جدهم الأكبر علي الخيّاط الذي انتسبوا إليه, وصفة الخيّاط عبارة عن لقب كُنيّ به الشيخ علي استناداً إلى كرامة ظهرت له وفق ما يذكر مؤلّف كتاب "تاريخ العلويين وأنسابهم"(18) . وهذه العشيرة من أقدم عشائر العلويين في الجبال الساحلية. أما بنو الحداد, نسبة للشيخ محمد الحداد ابن الأمير ممدوح السنجاري شقيق الأمير حسن المكزون. والحدّاد لقب أتاهم, لأن الأمير حسن المكزون طلب من ابن أخيه محمد أن يحدد الأراضي بغية توزيعها على المقاتلين وعائلاتهم بعد الانتهاء من فتحها, من هنا أتت تسميته بمحمد الحداد, أيضاً بحسب ما يورد واضع كتاب "تاريخ العلويين وأنسابهم", في غير مكان من كتابه. عشيرة العمامرة نسبة إلى جدهم عمّار, من عرب سنجار, وهي من ضمن العشائر التي أتت مع الأمير حسن المكزون 618ه – 1221م, ظهر فيهم الشيخ سلمان المرشد(1907م- 1946م) من قرية (جوبة برغال), إذ لمع نجمه قرابة 1928م, وبرز على الساحتين الاجتماعية والسياسية, وقد أصبح زعيم العمامرة من دون منازع. وأسس لدعوة مذهبية نُسبت إليه لاحقاً, وصار أتباعه يعرفون بـ"المرشدية", وعملياً لم تعد تربطهم أي صلة عقيدية بالعلويين/النصيريين. ومن الجدير ذكره إن هذه العشيرة تعرضت لأذى معنوي شديد, ولأكاذيب عدة حاقت بها, من قبل من عارضوا دعوة مؤسسها سلمان المرشد(19) , والأذى لحقها من المجتمع والسلطات الوطنية الرسمية التي تعاقبت على الحكم في سوريّا, ولم يتم رد الاعتبار الوطني والاجتماعي –كما ينبغي- لهذه الشريحة باعتبارها إحدى مكونّات المجتمع السوري إلا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد, وقد حفظ المرشديون للأسد الراحل هذا الجميل, وعبّروا عنه في أكثر من موقف. من جانب آخر, ثمة عشائر علويّة استمدت اسمها من مناطق سكنّاها, كعشيرة المتاورة نسبة إلى (حرف متور) في قضاء جبلة, أو الفقاورة نسبة إلى قرية (فقرو) جنوب مصياف, أو الدراوسة نسبة إلى قرية(دريوس) الواقعة غربي صلنفة مع العلم أنهم أتوا من سنجار مع الأمير المكزون, وكذلك الأمر سُمي من سكن جرود الجبال بالجردية, ومن سكن أو كان أصله منهم من قرية (رشّة) في جبل الشعرة فقد عُرفوا بالرشاونة.. الخ. من نافلة القول: إنه مذ بدأ العلويون يهاجرون إلى الجبال الساحلية وحتى منتصف خمسينات القرن الماضي, ونتيجة ظروف القهر والاضطهاد والتخلّف والقمع التي عايشوها طوال قرون, فقد حرموا من آليات معرفيّة شتى من شأنها أن تنهض بهم, فتجعلهم ينخرطون في العصر. بهذا المعنى لم تكن مرجعياتهم –في ذيّاك الزمن- مدنيّة إطلاقاً, بل هي إما عشائرية وإما قبليّة, وبحكم الأمر الواقع لم يكن ثمة خيار ثالث لهم, من هنا نستطيع أن نتفهّم الحضور الطاغي لزعيم العشيرة أو شيخها, وهو حضور بدأ ينحسر عملياً مع معرفة سوريّا للأحزاب الوطنيّة المدنيّة, كحزبي الكتلة الوطنية(الحزب الوطني السوري, في ما بعد) والشعب, والحزب الشيوعي السوري, وكذلك الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث, وهي أحزاب ساهمت من دون شك في خروج العلويين من علاقاتهم القبليّة والعشائريّة بنسبة قد تزيد وقد تنقص. بيد أن وتيرة ذلك الخروج من قوقعاتهم العشائرية ازدادت طرداً عقب انقلاب الثامن من آذار 1963. وللدلالة على الحضور الطاغي للولاء العشائري سابقاً نذكر الحادثة التالية: «كان أحد زعماء عشيرة الدرواسة يتقاضى فريضة سنوية من كل واحد من أفراد عشيرته على قدر استطاعته وحالته الماديّة, ويحصلها منهم بالقوة, وذات مرة أراد ذلك الزعيم أخذ عنزة بالقوة من فتى يعيش في محيط عشيرتهم غير أنه ليس منها, فتجرّأ الفتى وأجاب الزعيم بقوله له إن لا حق له في العنزة لأنه ليس من أتباعه؛ فسأله الزعيم عن عشيرته, فأجابه الفتى: نحن من عشيرة الشيخ صالح العلي وليس لكم سلطان علينا. حينئذ ترك الزعيم العنزة وانصرف»(20) . وفي السياق ذاته, يمكن أن نستدل على الولاء العشائري من خلال الدعم الذي وجده الشيخ سلمان المرشد من أبناء عشيرته إبّان دعوته, وهو دعم لم يلقاه من أي عشيرة أخرى, وقد دعمه كذلك مشايخ من بيت البنّا من قرية (دير ماما) قضاء مصياف لسبب قبليّ محض, إذ زوجته هلالة أم فاتح من هاتيك القريّة. من البدهي أن الولاء والعصبية للعشيرة –أي عشيرة- كان سببها الرئيسي هو غياب أي منهجية عقلية بغية التعامل مع الواقع ومعطياته سوى مرجعية العشيرة والطائفة, بسبب من الظروف السيئة التي فُرضت على العلويين طوال قرون غبرت. في ضواحي العقيدة من الأسئلة البدهيّة التي يسألها عادة أي باحث عن العلويين نشأة وتاريخاً, طقوساً وتقاليد, هو: ما الفرق بينهم وبين الشيعة الإمامية. والسؤال ذاته سبق أن وجهه كاتب هذه السطور إلى عدد من رجالات الدين العلويين, ومنهم الشيخ ذو الفقار غزال الذي أفادنا, بأن بعض الفروق بين العلويين في سوريا والشيعة الإمامية هي: 1-العلويون لا يعبرون عن حزنهم في كربلاء بالطريقة التي يعبر عنها أخوتهم الشيعة. 2-العلويون لا يحبذون زواج المتعة وإن كانوا لا يحرّمونه, بيد أنهم لا يمارسونه. 3-العلويون يقولون بالتقمص لاعتقادهم بأن لا عدل الهي من دون وجود للتقمص(21), في حين الشيعة لا يؤمنون به. 4-العلويون لايؤمنون بولاية الفقيه كما يفعل بعض الشيعة(22) . طبعاً, والمشترك الأهم بين العلويين وسائر الطوائف الإسلامية هو شهادة أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله, والإيمان باليوم الآخر والملائكة والرسل والأنبياء, ويقينهم بأن القرآن هو كتاب الله إلى عباده, وأعيادهم هي عيد الفطر السعيد والأضحى المبارك.. إلخ, وعملياً هذه المشتركات وغيرها الكثير نجدها في جميع الكتب التي وضعها مشايخ علويون يقدّمون فيها أنفسهم وطائفتهم إلى الآخرين, كما فعل الشيخ عبد الرحمن الخيّر في كتابه المبكّر جداً "يقظة المسلمين العلويين" (23), وكذلك فعل الشيخ محمود صالح الزللو في كتابه "النبأ اليقين عن العلويين"(24) , على سبيل المثال لا الحصر. ومن نافلة القول إن للعلويين خصوصيات عديدة تميزهم عن طوائف إسلاميّة أخرى, ونميلُ للاعتقاد بأنها خصوصيات اجتماعيّة أكثر من كونها دينيّة, فمثلاً, يُحيي العلويون مناسبات دينية (ربما) لا يقوم بها سواهم من الطوائف الإسلامية المتعددة, لاعتقادهم بقدسيتها وأهميتها, وليس باعتبارها فرضاً دينياً, من قبيل تعظيم العلويين لليلة النصف من شعبان, واحتفائهم بمناسبة غدير خم, وكذلك الأمر بمباهلة السيد الرسول لنصارى نجران الذي يُطلق عليه شعبياً في المحيط العلوي بـ"عيد المباهلة", و الأمر نفسه نجده في ذكرى نوم الإمام علي بن أبي طالب في فراش ابن عمه السيد الرسول, إذ يُحيون هذه المناسبة تحت اسم "ذكرى الفراش", وباعتبار أن ثمة حديثاً يُنسب إلى علي بن أبي طالب الذي هو قدوتهم من بعد الرسول الأكرم, مفاده أنه سأل ذات مرة, بماذا يحتفل القوم الفلاني؟ فأجابوه بأنهم يحتفلون بعيد النيروز, فقال: "نيريزونا نيريزونا", فبات بعض العلويين يحتفلون به احتراماً للإعجاب الذي أبداه الإمام علي بن أبي طالب به, وهذا ما يجده القارئ في كتاب "مشارق أنوار اليقين في ولاية أمير المؤمنين" للحافظ رجب البرسي, علماً أن ثمة باحثين كُثر يعتقدون بضعف مرويّات هذا الكتاب (25). 1-الغلو نجد من المهم جداً التطرق هنا إلى مسألة الغلو التي عادة ما تكون مصاحبة وملازمة للعلويين, وغني عن البيان إن الكثير من العلويين يعتبرون إن مفسري القرآن من الشيعة الإثني عشريّة, والذين كتبوا منهم, ونظموا وناقشوا في قضية الإمامة, وتوسّعوا في تاريخ الإمام علي بن أبي طالب, وتعريف مناقبه, وصفاته, ومزاياه وأفعاله الخارقة, أنهم هم من مهّدوا الطريق للغلاة, وهم الّذين ألقوهم في هذا الخضم, ثم جاؤوا يحاسبونهم على الابتلال, بحسب اعتقاد وتعبير الشاعر والباحث السوري أحمد علي حسن(1917م- ), الذي يُعيب على البعض من الباحثين في عقيدة العلويين أخذهم بكلام القمّي, والنوبختي... الخ, وعدم إصغائهم لأشخاص من قبيل السيد حسن مهدي الشيرازي الذي قال: "العلويُّون شيعة أهل البيت, وأن العلويين والشيعة, كلمتان مترادفتان مثل كلمة الإماميّة والجعفرية, فكل شيعي هو علويّ العقيدة, وكل علويّ هو شيعيّ المذهب" (26). وماذا علينا, لو تساءلنا عن معنى كلمة (غلو), وهل هي وقف على توصيف محبي الإمام أبي الحسن؟ أم إنّ الغلوّ معناه الخروج عن الحد المعقول في كل الأشياء؟! فإذا كانت الأولى, يقول العلويون: «فنحن والشيعة, بكامل فرقها سواء وإذا كانت الثانية, فإنّ منكري حقّه مُغالين أيضاً. فلماذا يكون الغلوُّ في حبّ الإمام هدماً في الإسلام, ولا يكون الغلوُّ في معاداته, ومعارضته, وإنكار حقه هدماً في الإسلام, وخطراً عليه..»(27) . وأياً يكن الأمر, إن الغلو في حب الإمام لم يكن حكراً على فئة دون أخرى, إذ هذا الغلو أربك أبا إسحاق إبراهيم بن سيّار النّظّام المعتزلي, فأطلق عبارته المشهورة التي أبدى رأيه فيها بعليّ بن أبي طالب فقال: "إنّ عليّ بن أبي طالب, محنة على المتكلّم, إن وفاه حقه, غلا, وإن بخسه حقه أساء, والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن, حادة الشأن صعبة المرتقى.." (28). حتى إنّ عبد الحميد المدائني, كان أكثر جرأة من النّظّام, فكلُّ من قرأ علويّاته, يعلم أنه رسم بها طريق الغلو علانية, وجعل من الغلو نشيداً مموسقاً يتغنّى به المتغنُّون, «فهو لم يقل "بربوبيّة" الإمام, ولكنه أعطاه أفعال "الربوبية" ورفعه عن رتبة المربوبيّة وعذر من شك بهذه الرتبة. فهو يقول: تقيّلت أفعال الربوبيّة الّتي عذرتُ بها من شكّ أنّك مربوب وكما أعطاه أفعال الربوبية في البيت الأنف, فهو يخلع عليه صفة من صفات الله في البيت الآتي.. علاّمُ أسرار الغيوب ومن لهُ خُلق الزّمانُ ودارت الأفلاكُ» (29). ويذكر الشيخ المفيد(30) في كتاب "الاختصاص", ص163 ما نصّه حرفاً: «روي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه كان قاعداً في المسجد, وعنده جماعة, فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين, فقال لهم: ويحكم كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون, فقالوا: لا بد من أن تحدثنا, قال: قوموا بنا, فدخل الدّار, فقال: أنا الّذي علوت فقهرت, أنا الّذي أحيي وأحييت, أنا الأول والآخر, والظاهر والباطن, فغضبوا وقالوا: كفر. وقاموا, فقال عليّ صلوات الله عليه للباب, يا باب استمسك عليهم, فاستمسك عليهم الباب, فقال: ألم أقل لكم: إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون». قبالة تلك الآراء ثمة قصيدة تُنسب للإمام الشافعي, من جملة ما يقول فيها: «لو أنّ المرتضى أبدّى محلّه لبات الخلق طرّا سجّدا لهْ يموت الشافعي, وليس يدري عليّ ربّه؟ أم ربُّه اللهْ» (31). 2 -الحلول يرفض العلويون بالمطلق القول بحلول الذات الإلهيّة في عليّ بن أبي طالب, ويختلفون مع قائله, إنّما على الأرجح يقولون: «بأنه يصلح مكاناً لتجلي القوى الإلهية بالنسبة إلى ما وصف به, وما ظهر منه, وصدر عنه من خوارق, يحتج بها كلُّ علماء الشيعة, وهم لا يجدون في غيره من ولا ما يصلح لذلك, خلافاً لابن العربي, الّذي يقول: إنّ الله يتجلّى في الحجر, والشجر, والحيوان, حتى الكلاب..»(32) . ونظراً لحساسيّة المسألة من جهة, وكي يتضح الفرق بين الحلول والتجلي من جهة أخرى, نقتطف هذا المقطع من كتاب الباحث أحمد علي حسن, إذ يقول: «إن التجلي غير الحلول, فالتجلي في الشيء غير الحلول به, وربما كان ابن الفارض أقرب منهم إلى إعطاء صفة التجلّي بالموصوفات ذات الجمال, دون الموصوفات ذات القبح, وسمّى ذلك ظهوراً, ومظاهر تلبيسيّة, فقال: وتظهر للعشّاق في كل مظهر من اللّبس في أشكال حسن بديعة ففي مرّة (لبنى) وأخرى (بثينة) وأونة تدعى (بعزّة) عزّت ولسن سواها, لأولاكنّ غيرها وما إن لها في حسنها من شريكة إنّ هذه الأقوال –على ما فيها- وهي مريبة ولا شكّ, مقبولة مصطلحاً, وعرفاً, من ابن العربي, والبيطار, والفارض, وغيرهم من رجال الفكر الإسلامي, والعقيدة الإسلاميّة, وهم في نظر المؤلّف, وغيره, من حجج الإسلام, ومن شيوخ المسلمين الكبار, أما إذا قيل عن العلويين ما يشابه هذا في شخصيّة مميزة عن جميع النّاس, فهم كفرة حلوليون, وإذا قالوا: نحن نقدس عليّاً تقديساً مميزاً, فهم خارجون, مارقون عن الإسلام, حتى لكأن حبّ عليّ معصية, لا ينفع معها إيمان! ولا ندري ماذا يقول المؤلّف, إذا قلنا له: إنّ الإمام أشار إلى نفسه في النّهج بصفتين ظاهرة, وباطنة, فقال: ظاهري إمامة, وباطني غيب منيع لا يدرك, .. فإذا كنّا عرفنا: أنّ ظاهره الإمامة, وآمنّا بهذا الظّاهر, بقي علينا أن نتصوّر معنى هذا الغيب؟ ولماذا جعله منيعاً لا يدرك, حتى عند شيعته, وأحبائه ومواليه؟!. ومتى كانت (لبنى) و(بثينة) و(عزة) مظاهر شريفة صالحة لتجلّي الذّات الإلهية, أكثر من عليّ بن أبي طالب؟!»(33) . وبقدر ما نستطيع نفي مسألة الحلول عند العلويين, نميل إلى الاعتقاد بعدم وضوح مسألة الغلو(من عدمها) وضبابيتها حتى بالنسبة للكثرة الوافرة من العلويين, وهذه الكثرة أكثر ما يعنيها في علي بن أبي طالب إنه إمام عظيم وإنها تواليه, وتوالي من والاه وتحب من أحبه وتبغض من بغضه, مرددين الحديث النبوي "عليّ مولى كل مسلم ومسلمة, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله". الخاتمة أو العلويون من بعدُ من بعد أن انخرط العلويون في الحياة خلال النصف القرن المنصرم, وباتوا يساهمون في صناعتها, فشاركوا في تشكيل الأحزاب السياسية والانتماء إليها, ودخلوا المدارس والجامعات, إذ من النادر أن تجد علويّاً أُميّاً في وقتنا الراهن! باتوا ينظرون إلى المستقبل بثقة أكبر, وعملياً هذه الثقة في النظر إلى المستقبل تكاد تشمل غالبية السوريين, لاسيّما في ظل الاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي الذي باتت تشهده سوريا في السنوات الأخيرة. ومن الأمور التي ساعدت العلويين في نظرة التفاؤل تلك, عدم تزمت معظم رجال الدين لديهم(باعتبارهم هم من أخذ على عاتقه مسألة النهوض في الجبال الساحلية أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن الماضي), فهم ليسوا متزمتين –على سبيل المثال- في نظرتهم إلى لباس المرأة التي لها حرية اللباس على أن لا يكون فاضحاً ومخلّاً بالآداب العامة, وليسوا معارضين(وإن عارضوا من دون شدة وتشدد) للزواج من الطوائف الإسلاميّة الأخرى إذا ما توفر عنصر الحب بين الشاب والفتاة, ولابأس أن نذكر هنا أن عدداً من بنات بعض رجال اللاهوت العلوي البارزين, سبق أن اقترنّ بشباب من الطائفة السنيّة الكريمة, إحداهن كريمة الشيخ عبد الرحمن الخيّر, وابنتان للشيخ كامل صالح معروف(34) . ونعتقد أن من أهم العوامل التي ساهمت في نهوض العلويين, عدا عمل الأحزاب العلمانية (الشيوعي السوري, السوري القومي, البعث) على إنشاء المدارس ونشر التعليم في الساحل السوري وجباله, وكذلك المدارس والجامعات التي أنشأها حزب البعث بكثافة منقطعة النظير(35) في مختلف البقاع السوريّة, نعتقد أن السبب الأهم هو تنحي رجال الدين عن لعب أي دور آخر في المجتمع عدا الدور اللاهوتي, إذ ثمة فصل كامل ضمن الطائفة العلويّة بين الدين والسياسة. ومن الأمور اللافتة للانتباه إنه عند حدوث خلافات في الآراء الفقهية و(ربما)حتى الاجتماعية والسياسية, فهي لا تنتهي بسفك دماء؛ وهذا لا يعني أن ثقافة قبول الاختلاف على ألاّ ينتهي بخلاف, انتصرت في صفوف العلويين, لا, إذ هم في النهاية شريحة من شرائح المجتمع السوري الذي لم يعرف بعدُ –بمجمله- تقبل الاختلاف من دون خلاف. ويبقى الأمل معقوداً أن يختلف معي العديد من قرّاء بحثي هذا, على أن لا ينتهي بنا المطاف إلى خلاف.. بمعنى آخر أن نكون حضاريين في اختلافنا. الحواشي (17) مع العلم أنه يوجد علويون/نصيريون أكراد في سوريا وتركيا, ويوجد أتراك علويون/نصيريون, وكذلك أفغان وفرس.. الخ. بيد أننا نلاحظ أن جميع من كتب عن العلويين من مؤرخين علويين كان يتجاهل هذا الأمر, إذ كان جلّ جهدهم يدور في فلك إثبات عروبة العلويين أولاً ومن ثمّ إسلامهم ثانياً(ملاحظة من الباحث أُ. ح). (18) "تاريخ العلويين وأنسابهم", ص 67, مصدر سابق ذكره. (19) تعاطفنا مع المرشديين في وجه ما تعرضوا له من ظلم واضطهاد وشائعات وأكاذيب مُغرضة, لا يعني أننا نُصدّق ونسلّم بكل معلومة ترد في مصادر تناولتهم هم وإمامهم الشيخ سلمان المرشد, مثل ذلك كتاب بعنوان "لمحات حول المرشدية(ذكريات وشهادات ووثائق)" تأليف نور المضيء(ابن الشيخ سلمان المرشد), بيروت 2007, الناشر: على نفقة المؤلّف. وكذلك مذكرات أحمد نهاد السيّاف(شعاع قبل الفجر), تحقيق جمال باروت, إصدار خاص, 2005, ولهذا الحديث مقام آخر. (ملاحظة من أُ. ح). (20) بتصرف عن "تاريخ العلويين وأنسابهم", ص 229, مصدر سابق ذكره. (21) الباحث والشاعر أحمد علي حسن, يقول: "التقمص ليس من العقيدة, إنما هو وجهة نظر فلسفية إلى الحياة", حوار تلفزيوني معه, لم يُعرض. أجراه معه الباحث(أُ. ح), في طرطوس, بتاريخ 13/3/2009. (22) من حوار أجراه كاتب هذه السطور مع الشيخ ذو الفقار غزال في اللاذقية في آذار 2009, وذلك ضمن برنامج تلفزيوني عن العلويين والتقمص لصالح إحدى الفضائيات التي لم تعرضه. (23)هو في الأصل عبارة عن مقال طويل, توزّع على بضعة أعداد من مجلة"النهضة" التي كانت تصدر في مدينة طرطوس, وأعداد المجلة هي على التوالي: 3 ك2 1937, و4 شباط 1937, و5 آذار 1937, و7 أيار 1937, و8 تموز 1937. صُدرت لاحقاً ضمن كتاب يحمل العنوان نفسه. والكتاب موجود كاملاً على موقع "العلويون الأحرار" كما سبق ذكر ذلك. (24) الكتاب صادر عن مؤسسة البلاغ- بيروت- ط1: 1381ه- 1961م. (25) نعتقد أن سبب التشكيك في مرويّات الكتاب, خاصة من قبل بعض الشيعة الإمامية, هو كون السيد رجب البرسي من طائفة المفوضة, وهي إحدى فرق الشيعة التي تعتقد أن الله عزّ وجلّ فوّض الإمام علي بن أبي طالب بإدارة الكون. (ملاحظة من الباحث أُ. ح). (26) "المسلمون العلويون في مواجهة التجني", أحمد علي حسن, ص69, الدار العالمية للطباعة, ط2, 1987م. (27) المصدر السابق, ص66. (28) المصدر السابق, ص85. (29) المصدر السابق, ص87. (30) من أعلام الشيعة في القرن الرابع الهجري, واسمه: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان, المعروف بالشيخ المفيد (336ه – 412ه), وينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان, من مؤلفاته: "الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد", و"أوائل المقالات في المذاهب المختارات", وكان من ضمن تلامذته المعروفين الشريف الرضي. (31) "المسلمون العلويون في مواجهة التجني", ص 129, مصدر سابق ذكره. (32) المصدر السابق, ص72. (33) "المسلمون العلويون في مواجهة التجني", ص 73, مصدر سابق ذكره. (34) كلا الشيخان من كبار رجال اللاهوت العلوي في النصف الثاني من القرن العشرين, الأوّل منهما تتلمذ على يد الشيخ سليمان الأحمد, في ما الثاني متزوج من الشاعرة فتاة غسان كريمة الشيخ الأحمد, وشقيقة الشاعر بدوي الجبل. (ملاحظة من أُ. ح) (35) على سبيل المثال, من بعد استلام حزب البعث مقاليد الحكم في سوريّا, لم تعد توجد قريّة في سوريّا بدون مدرسة ابتدائية, وتمّ تخصيص مدرسة إعدادية لكل أربع أو خمس قرى, وهذه الظاهرة الحضاريّة تشمل مساحة سوريّا جميعها. تنويه من الكاتب: تساءل بعض المعلقين الذي نحترم آراءهم عن سبب كتابتي ونشري للمادة المعنونة بـ"العلويون من قبل ومن بعد", والموضوع ببساطة أنه منذ قرابة الثلاثة أشهر كلفتني إحدى الجهات الثقافية في الامارات العربية المتحدة عن طريق زميل في سوريا كتابة مادة عن العلويين بغية نشرها في كتاب يصدر قريباً في تلك الامارات يتناول مسألة المذاهب في سوريا, كما فهمت من الزميل السوري. وصادف أن حدث سوء تفاهم ومن ثم خلاف بيننا خلال ليومين المنصرمين, فكان أن نشرتها عبر الانترنت, لقناعتي أن الكاتب يكتب كي يُقرأ نتاجه من قبل الآخرين, وليس كي يدخل في بازار أبعد ما يكون عن الثقافة. لذا وجب التويه أبي حسن - كلنا شركاء http://al3asefah.com/forum/index.php?showtopic=10285&st=108

أليس من حق الشعب السوري أن يتندر على نفسه بعدما حصل في الجزائر والسودان؟.بقلم: م. سليمان الطويل

$
0
0
أليس من حق الشعب السوري أن يتندر على نفسه بعدما حصل في الجزائر والسودان؟. بقلم: م. سليمان الطويل حينما تقوم عقيدة الجيش على حماية الوطن وحدود الوطن من العدوان الخارجي والدفاع عن الشعب وكرامة الشعب فإنه يتصرف كما تصرف جيش الجزائر وجيش السودان ويقف إلى جانب الشعب ويرفض أن يطلق حتى طلقة مطّاطية على الشعب، بل يقوم هو بحماية الشعب إذا ما خرج ليتظاهر بالشوارع لأجل الحرية والكرامة، وضد الفساد والفاسدين واللصوص الذين نهبوه وسرقوه ورموه في غياهب الفقر والجوع والحرمان. ولكن حينما تقوم عقيدة الجيش على حماية نظام وحماية حاكم طاغية مستبد فحينها لا يفكر بالشعب ولا بالوطن ولا بحماية أراضي الوطن والدفاع عنها، وإنما يكون همّه الوحيد هو كيف يحمي الحاكم والنظام. وهذا ما يقوم به جيش بشار الاسد، الذي كان في يومٍ من الأيام جيش سورية ولكن منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970 صادر عقيدة الجيش الوطنية واستبدلها بشكل ممنهج بعقيدة تقوم على عبادة الحاكم واعتباره بمقام الإله، وأكبر من كل الوطن ومن كل الشعب. وهكذا لم تتحرك بالحاكم ذرة من كرامة لخوض الحرب من أجل استعادة هضبة الجولان السوري المحتل، باستثناء تمثيلية حرب 1973 ، التي كان مُتفقا عليها مسبقا مع مصر السادات بهدف تحريك قضية الشرق الأوسط ومن ثم إغلاق ملف الحروب نهائيا مع إسرائيل، وهذا ما كان. بل تحول جيش الاسد إلى حام لحدود إسرائيل وأمن إسرائيل وأصبحت إسرائيل تضع شروطا بأن لا يتواجد على الحدود معها سوى جيش الأسد لأنها لا تثق إلا به. لم تكتفي عائلة الأسد بمصادرة عقيدة الجيش السوري وإنما صادرت سورية كلها بدولتها ومؤسساتها ومنظماتها ونقاباتها، وشعبها، وحولت كل شيء في سورية لخدمة مصالح الحاكم الأسدي وعصاباته القذرة. واصبح الحاكم الأسدي فوق الشعب وفوق الوطن، وبمثابة الإله، ومن لا يعترف بألوهية الحاكم وتقديسه فلا مكانا له بالوطن. وتحولت سورية من الجمهورية العربية السورية إلى " سورية الأسد" . ولكن أسدا على شعبه وفأرا أمام إسرائيل . النظام الأسدي الرجعي المتخلف أرجع سورية أكثر من نصف قرن إلى الوراء. بل خلق حالة من الأحقاد داخل مكونات المجتمع السوري لم يعهدها في تاريخه. ولو كان لدى بشار الاسد ذرة من العقل والوعي والشعور الوطني المسؤول كان تصرف بعكس ما تصرف به تماما بعد خروج الشعب السوري للشوارع في آذار 2011 . وكان رفض إعطاء أي أمر لمخابراته المتوحشه وجيشه الاسدي بإطلاق رصاصة واحدة على المتظاهرين. ولكنه فعل العكس فكانت أوامره مشددة لمواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي . وكانت البداية بنشر عناصر المخابرات فوق بعض أسطح الأبنية، كما كان يحصل في اللاذقية وإطلاق الرصاص على المتظاهرين من جهة، وعلى عناصر الشرطة والأمن من جهة أخرى، ثم يخرج إعلام الأسد ليقول أن جهات مجهولة أطلقت الرصاص على المتظاهرين وعلى الشرطة. وفي الأرياف البعيدة عن أنظر الإعلام الأجنبي كانت المخابرات تقوم بإطلاق الرصاص الحي رشّا على المتظاهرين، كما في أرياف حماه وإدلب. كانت الاستراتيجية واضحة والشعار مرفوعا : " الأسد أو ندمر البلد" وقد تدمرت البلد، وتحطم جيش الأسد، وتشرد الشعب السوري، وبقي الأسد على قيد الحياة فقط، ولكن ليس رئيسا بمعنى الرئيس السيادي المستقل وصاحب القرار الذي يليق بدولة، وإنما رئيسا طرطورا ومجرد رِجل كرسي، يخضع لأوامر روسيا وتعليمات ولي الفقيه الإيراني ولا يملك من أمره شيئا، ومع ذلك لا تتحرك به ذرة كرامة فيكفيه أن يبقى التلفزيون السوري ينقل أخباره ويطلق عليه صفة الرئيس. كم من الوقائع أكدت أنه لا شيء وإنما مجرد رئيس كاريكاتور هزيل، ولا يضع في مراكز ومناصب الدولة إلا الهزيلين الذين يشبهونه ويعبدونه. وهكذا دمّر كفاءات الوطن، بعد أن نهبت عائلته وأقاربه وعصاباتهم الأسدية، مقدرات وخيرات الوطن. وبسلوكه وممارساته وتدميره لسورية وشعبها وتحطيمه للجيش قدم أكبر خدمة لإسرائيل في تاريخها. ولهذا كانت إسرائيل حريصة على بقائه وترفض أي تدخل أمريكي لإنهاء حكمه، لأنها رأت به الحاكم الذي سوف يدمر سورية من دون أن تخسر إسرائيل جنديا واحدا. وهذا كان حلما بالنسبة لإسرائيل. لقد عرف التاريخ سفاحين بحق شعوبهم وبحق الشعوب الأخرى، كما هتلر وستالين وإيدي أمين، والقذافي وصدام حسين، وسواهم، ولكن لم يصل أحدهم إلى درجة بشار الأسد الذي بات كما أسطورة دراكولا، مصاص الدماء لشدة القسوة والعنف والتعطش للدماء وشهوة السلطة. لم يفعل هولاكو في بغداد ما فعله بشار الأسد في سورية. ولم يفعل تيمور لنك بسورية ما فعله بها بشار الأسد. لم يفعل الصهاينة بحق شعب فلسطين، مع كل إجرامهم، ما فعله بشار الأسد بحق شعب سورية. كان دوما قزما أمام الصهاينة ولكن عملاقا على الشعب السوري. فكم من مرة ضربوه بالطائرات فلم يجرؤ على الرد عليهم، وكان في كل مرة يُضرب فيها يهدد بالانتقام في الوقت المناسب، ولكن لم يأت الوقت المناسب حتى الآن، ومع شعبه كان شيئا مختلفا، استخدم كل أنواع الأسلحة لإبادتهم . لم يعرف التاريخ، ولن يعرف، حاكما بهذا الحجم من الحقد على شعبه كما هو بشار الأسد. ولكن التاريخ لن يرحم وسوف ينتهي أخيرا إلى حيث انتهى كافة الطغاة والقتلة والمستبدون. فلا تيأس شعب سورية العظيم .

السويداء : هجوم على مبنى الأمن العسكري في صلخد يوقع قتيلاً وتوتر يسود المحافظة

$
0
0
تشهد مدينة السويداء ومحافظتها جنوب سوريا، حالة من التوتر المتصاعد من جهة الفصائل المحلية، ومن جهة جيش النظام وقواه الامنية، وعلى خلفية هذه التوترات قتل اليوم الاثنين، عنصر في استخبارات النظام /الأمن العسكري/، وشاب يتبع فصيل محلي في مدينة صلخد جنوب شرق المحافظة. حيث هاجم مسلحون مجهولون قسم /الأمن العسكري/، في مدينة صلخد بالرشاشات، وادي اطلاق النار الى اصابة العنصر ماهر شكيب الشعراني بطلقة في الراس اودت بحياته، وتمكن المهاجمون على المفرزة الامنية من حرق سيارة فان نوع (هيونداي) أتت لإسعاف العنصر الامني المصاب. وكانت المدينة ذاتها، شهدت يوم امس الاحد توترا من نوع اخر عقب اشتباكات دارت بين فصيلين محليين، ونشب القتال بسبب تفتيش فصيل يتبع آل المزهر، لمركبات النقل العام العاملة في صلخد قرب الفندق السياحي في المدينة، واسفرت الاشتباكات عن مقُتل عنصر يدعى ربيع ناصيف يتبع فصيل محلي اخر، ما دفع باهالي القتيل الى حمل السلاح والتجمع في محيط المشفى في المدينة، وسط استنفار الفصائل المحلية. من جهة اخرى اصيب الاخوان فداء ويزن العنداري، وهما زعماء اكبر عصابة للخطف بالمحافظة، جراء تعرض سيارتهما لإطلاق الرصاص، بالقرب من المشفى الوطني في مدينة السويداء، وفي حين امتنعت قوات النظام عن القبض على العندراي، قامت فصائل محلية بمحاصرة مشفى العناية الخاص للقبض عليه، لكن مرافقيه اشهروا قنابل يدوية وأسلحة للتصدي لأي جهة تحاول الدخول للمشفى، لينجح العنداري بالفرار من المشفى، دون وقوع صدام مع الفصائل المسلحة. ونقل موقع "ستيب نيوز/، عن مصدر محلي، ان اجهزة النظام تقف وراء الفتن بعموم المحافظة، بهدف فرض سيطرته عليها، وتجنيد ابنائها الرافضين للخدمة العسكرية في جيشه.   المصدر: الاتحاد برس

دير الزور : حزب البعث يرفع نصباً جديداً لـ “باسل الأسد”وسط أحياء المدينة المدمّرة

$
0
0
أقام فرع دير الزور لحزب البعث احتفالاً بمناسبة "أعياد نيسان"، حيث تم رفع نصب تذكاري جديد وسط أحياء المدينة المدمّرة جراء سنوات الحرب السبع الماضية، والتي شهدت استخدام قوات النظام السوري أعتى ما تمتلك من الأسلحة من أجل فرض سيطرتها على المدينة، التي خضعت أجزاء منها لسيطرة فصائل المعارضة قبل أن يدخل تنظيم داعش إلى سورية ويطرد تلك الفصائل من المدينة. وفي التفاصيل، أزيح مؤخراً الستار عن نصب لـ "باسل الأسد" الابن البكر لرئيس النظام السوري السابق، حافظ الأسد، الذي لقي مصرعه بحادث سير على طريق مطار دمشق الدولي مطلع العام 1994، وحضر حفل افتتاح النصب حشد من مسؤلي سلطات النظام في المحافظة. وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً من الاحتفال، حيث ظهر النصب بلون برونزي، بمعالم غير مفهومة لولا أن حمل لوحة تعريفية تفيد بأنه لـ "باسل"، وحظيت الصور بسيل من التعليقات الساخرة، فقال أحدهم "منيح قالوا إنه باسل.. يبدو أن النحات مخضرم"! وعلق آخر: "هذه الأصنام تكلف خزينة الدولة وسورية وما بيضل فقير فيها لو صرفت هذه الأموال على الفقراء". وسبق أن أعادت سلطات النظام السوري بناء تمثال "حافظ الأسد" في دوار السبع بحرات بمدينة دير الزور، وافتتح رسمياً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وسط حالة من الاستهجان بين الأهالي، وذلك "لاهتمام نظام الأسد وبعض مؤيديه بإعادة نصب تمثال أبيه، على حساب إعادة بناء المدينة".

استاذ جامعي: تصريحات وزارة النفط بشأن الانفراجات مرتجلة والبطاقة الذكية أصبحت طريقاً للفساد

$
0
0
في الوقت الذي أكدت فيه وزارة النفط والثروة المعدنية أن الانفراجات في القطاع النفطي ستبدأ خلال الأيام العشرة القادمة، أصدرت رئاسة الوزراء قراراً يقضي بتخفيض مخصصات الآليات الحكومية 50 بالمئة، كما أوصى المجلس بضرورة ضبط توزيع المشتقات النفطية في محطات الوقود وتوزيعها حسب التوزع السكاني لكل منطقة. في إطار الحديث عن الحلول التي من الممكن أن تتبعها وزارة النفط والثروة المعدنية لتحقيق الانفراجات في القطاع النفطي ولإنهاء حالة الازدحام الحالية على محطات الوقود بهدف توفير المشتقات النفطية بشكل عام والبنزين بشكل خاص بين مصدر في وزارة النفط أن مخصصات الآليات الحكومية هي قليلة وتخفيضها بنسبة 50 بالمئة لا يحل أزمة البنزين، ويجب معالجة أساس المشكلة بشكل جذري وذلك من خلال استيراد مادة البنزين عن طريق البحر من لبنان عبر ناقلات نفط صغيرة تحمل 5000 إلى 6000 طن. وأوضح المصدر أنه يجب السماح للتجار باستيراد مادة البنزين بشكل أكبر مشيراً إلى أن بعض التجار يستوردون مادة البنزين اليوم من لبنان بمعدل مليون لتر يومياً وهذا يشكل ربع الاستهلاك اليومي. وأشار المصدر إلى أن هناك تهريباً لمادة البنزين اليوم من لبنان من بعض أصحاب محطات الوقود وهذه الكميات المهربة تباع اليوم في السوق السوداء بسعر 1000 ليرة سورية للتر الواحد. ولفت المصدر إلى أن وزارة النفط ستقوم حالياً بإجراءات جديدة تراها تساهم في حل أزمة الاختناقات وهي وضع محطتي وقود متنقلتين في الخدمة بهدف تخفيف الازدحام والضغط على المحطات الثابتة كما ستقوم بتشغيل المحطات الثابتة المتوقفة وستضعها تحت إشرافها المباشر بالإضافة لتخفيض مخصصات الآليات الحكومية. إلى ذلك أكد الأستاذ الجامعي شفيق عربش أن تخفيض مخصصات السيارات الحكومية بنسبة 50 بالمئة لا يوفر الكم الكبير من مادة البنزين الذي يحتاجه السوق، مبيناً أن الحديث عن تأمين محطات متنقلة تساهم في تخفيف الازدحام على المحطات الثابتة ليس حلاً لأن هذه المحطات المتنقلة المعبأة بالبنزين من الممكن أن تتحول إلى قنبلة موقوتة. وأوضح عربش أن تصريحات وزارة النفط بشأن الانفراجات هي تصريحات مرتجلة لا تحل أي مشكلة أو أزمة بالمشتقات النفطية على الإطلاق، مشيراً إلى أن البطاقة الذكية لم تحل أزمة المشتقات النفطية بل هي أصبحت طريقاً للفساد. وبيّن عربش أن توفر مادة البنزين في السوق السوداء يعود لاستغلال بعض أصحاب محطات الوقود موضوع البطاقة الذكية وقيامهم بشراء مخصصات بعض المواطنين الذين ليسوا بحاجة لمخصصاتهم أو عندهم فائض بمخصصاتهم بسعر زهيد ومن ثم قيام أصحاب هذه المحطات ببيع هذه الكميات التي حصلوا عليها في السوق السوداء بسعر مرتفع, لافتاً أنه لا يوجد الآن إجراءات دقيقة تساعد في حل اختناقات البنزين. وعن موضوع قيام التجار باستيراد مادة البنزين أكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق عمار البردان أنه لم يتم منح غرف التجارة والتجار أي إجازة استيراد للمشتقات النفطية، موضحاً في الوقت ذاته أن غرف التجارة طالبت منذ أكثر من 20 يوماً بالسماح لها باستيراد المشتقات النفطية.

نظام الأسد يواصل التكتم على مصير أكثر من 1748 معتقلاً من اللاجئين الفلسطينيين

$
0
0
أعلنت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، اليوم الثلاثاء، أن نظام الأسد يواصل التكتم على مصير مئات المعتقلين الفلسطينيين، بالرغم من المطالبات المستمرة بالإفراج عنهم والكشف عن مصيرهم. وأوضحت المجموعة في بيان لها إلى أن من بين المعتقلين الفلسطينيين عدد من الأطفال والنساء وكبار في السن وأشقاء وآباء وأبناء وعائلات بأكملها. وأضافت أنها وثقت حالة 1748 معتقلاً فلسطينيًا يتعرضون لكافة أنواع التعذيب ما أدى إلى قضاء 548 لاجئاً فلسطينياً، تم التعرف على 77 منهم خلال الصور المسربة لضحايا التعذيب. وأشارت المجموعة إلى أن شهادات لمفرج عنهم من سجون نظام الأسد أكدت وجود رضّع في أحضان أمهاتهم من اللاجئين الفلسطينيين في الأفرع الأمنية التابعة للنظام.

كاتدرائية نوتردام.. هذا ما عانته عبر التاريخ قبل الحريق

$
0
0
في قلب باريس وفي الأسبوع المقدس لدى ملايين المسيحيين الغربيين الذين يحيون "أسبوع الآلام" وبينما كانت كاتدرائية نوتردام تستعد لاستقبال زوارها في "الجمعة العظيمة"، اجتاحت النيران البناية التاريخية التي تعود لما يقرب من ثمانية قرون حافلة.

عمران عبد الله

ومثلت نوتردام ذروة فن العمارة القوطية منذ العصور الوسطى وحتى مع تراجع الدين في فرنسا في العقود الأخيرة، ظلت القلب النابض للكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، التي تفتح يوميا لإقامة القداس كما تعد معلما وطنيا ذا قيمة تاريخية تفوق برج إيفل الشهير.

وكانت آخر مرة عانت فيها الكاتدرائية من أضرار جسيمة خلال الثورة الفرنسية، عندما تم الهجوم على تماثيل القديسين من قبل مناهضين لرجال الدين، ونجا المبنى من انتفاضة الكومونة عام 1871 ولم يتهدم خلال الاحتلال النازي وبقي كذلك خلال الحربين العالميتين سالما إلى حد كبير.

وبينما تغرق الكنيسة الكاثوليكية حاليا في الجدل المحتدم حول إساءة معاملة الأطفال، طالت النيران الكاتدرائية الكاثوليكية الثانية بعد الفاتيكان، وتزامن ذلك مع الأسبوع الأكثر قداسة لدى المسيحيين الغربيين.

واعتبرت "سيدة باريس" لعدة قرون درة العمارة الباريسية، وأصبحت مقصدا سياحيا ودينيا على حد سواء للملايين من السياح والمصلين الذين يتدفقون عبر أبوابها كل عام من جميع أنحاء العالم.

وشب فيها الحريق أمس الاثنين ووصل بسرعة إلى سطحها ودمر نوافذ الزجاج الملون والخشب الداخلي قبل إسقاط البرج التاريخي ذي التصميم المبتكر بالدعامات الطائرة والنوافذ الوردية الهائلة والملونة والزخارف النحتية التي تميزها عن الطراز الروماني القديم، وأتاحت الهندسة المعمارية القوطية للمباني أن تكون أخف وزنا وأن ترتفع لحدود عالية.

الحريق الذي شب في الكاتدرائية أثار حالة هلع واسعة في فرنسا وخارجها (غيتي)

معلم ديني ووطني أصبحت الكاتدرائية العريقة جزءا لا يتجزأ من الثقافة والتقاليد الفرنسية منذ بدأ العمل بها بمباركة البابا ألكساندر الثالث عام 1163 لتصبح الهيكل الشاهق الذي يهيمن على أفق باريس، واستغرق الأمر ما لا يقل عن قرن من الزمان لاستكماله وجرى إضافة لمسات جديدة باستمرار في الخمسمئة عام التالية لبنائها.

وشهدت نوتردام بخلاف فعاليتها الدينية العديد من الأحداث الكبرى ففي عام 1558 تزوجت ماري ملكة الاسكتلنديين من زوجها الفرنسي فرانسيس الثاني داخل أسوارها، وفي عام 1572، تزوج هنري الرابع ملك فرنسا أيضا بها.

وفي عام 1548، في ذروة الإصلاح الديني تسببت أعمال الشغب التي قام بها البروتستانت في تدمير بعض التماثيل التي اعتبروها وثنية.

وخلال أحداث الثورة الفرنسية عانت كذلك كثيرا، ونُهب العديد من كنوزها وقطعت رؤوس 28 تمثالا، على خلفية الاعتقاد أنهم ملوك فرنسيون وليسوا شخصيات توراتية، لكن العجيب أنها نجت في كل هذه الأحداث من أي حريق مدمر.

وبحلول عصر نابليون كانت نوتردام في خطر الهدم التام لكن حفل تتويج الإمبراطور تم في رحابها عام 1804 في حفل ترأسه البابا بيوس السابع مما أعاد الاعتبار إليها.

وعادت الكاتدرائية لواجهة فرنسا مسرحا لأحداث رواية فيكتور هوغو "أحدب نوتردام" عام 1831، وساعد وصف هوغو في روايته الرومانسية إلى جانب ملاحظاته حول الأضرار التي لحقت بها، في القيام بجولة جديدة من الترميم للمبنى من قبل الملك لويس فيليب في القرن التاسع عشر.

وإضافة لتاريخها الطويل فثمة دلالة رمزية ودينية لموقعها إذ تقع في المكان ذاته الذي شهد بناء أول كنيسة مسيحية في باريس وذلك على أنقاض معبد روماني قديم، ويقول مؤرخون إن أول كنيسة في الموقع بناها الملك شيلدبرت الأول عام 528م، وأخذت الطابع القوطي الفرنسي في البناء التالي لها.

رمز التاريخ والثقافة وتعد رعاية الكاتدرائية مسألة إشكالية بين الدولة والكنيسة، فرغم أن الكنيسة نجت من 850 عاما من الحرب والثورة لتصبح ثاني أكثر المواقع زيارةً في فرنسا بعد برج إيفل، تبدو البيروقراطية أكبر تهديد يواجه المبنى المتهالك.

وبسبب الترتيب الحرج بين الكنيسة والدولة في رعاية الكنيسة، فمن غير الواضح تماما حدود المسؤولية بينهما عن صيانة المبنى.

ولا تعتبر نوتردام مجرد كنيسة أبرشية، إذ لا يوجد بها مجموعة منتظمة من المصلين الذين "ينتسبون" إليها، لكنها لا تزال الكنيسة الرئيسة لرئيس الأساقفة الكاثوليك ميشيل أوبيتيت في باريس.

وتكشف نوتردام كل عام خلال الأسبوع المقدس عن بعض الآثار المسيحية من بينها التاج المقدس الذي يعتقد كثيرون أنه مصنوع من الأشواك الموضوعة على رأس المسيح، وتضم كذلك قطعتين أخريين متصلتين بالأحداث الأخيرة في حياة المسيح، بحسب المعتقد المسيحي.

ورغم أن نسبة الكاثوليك في فرنسا تزيد على الثلثين، فإن الحريق تسبب في موجة حزن عام وكان مؤثرا بالنسبة لجميع سكان البلاد، إذ كانت الكاتدرائية لفترة طويلة رمزا رئيسا للتاريخ والثقافة الفرنسيين.

المصدر: الجزيرة نت

مع تراجع الليرة.. عين تركيا على الأوروبيين لشراء العقارات

$
0
0

تسعى تركيا إلى جذب المزيد من الزبائن الأوروبيين لشراء العقارات فيها، لكن العائق الأبرز الذي يقف أمام ذلك هو الحملة الدعائية المتعلقة بتركيا في أوروبا.

وقالت صحيفة يني شفق التركية في تقريرها إن سعي تركيا لجلب الاستثمارات من أوروبا ازداد أكثر مع تراجع سعر صرف الليرة التركية، الأمر الذي جعل العقارات فيها مصدر جذب واهتمام الكثير من المستثمرين.

وعلى سبيل المثال، فإن سعر العقار الذي كانت قيمته 500 ألف دولار أصبح 250 ألف دولار اليوم بسبب تراجع العملة التركية أمام الدولار، بحسب صحيفة يني شفق.

وأفادت الصحيفة بأن حجم الاهتمام الأجنبي بالعقارات في تركيا انعكس في الإحصاءات والأرقام، حيث اشترى مستثمرون أجانب خلال العام الماضي ما يقارب أربعين ألف عقار.

وتجاوز حجم المبيعات للزبائن الأجانب من العقارات خلال أول شهرين من هذا العام 6500 عقار، وهذا يعني زيادة بنسبة 87% مقارنة بأول شهرين من عام 2018.

ونقلت الصحيفة عن مدير فرع شركة "إيرا" الأميركية في أوروبا فرانسوا غانيون أنه يشعر بالأسى والحزن لتراجع الليرة التركية وفقدانها قيمتها بصورة كبيرة، لكن هذا الأمر جعل تركيا مركزا جاذبا للمستثمرين في مجال العقارات، وأصبح هذا العام في أوروبا "عام تركيا" بالنسبة لكل من يود العمل في هذا المجال.

وأضاف غانيون أن الكثير من الزبائن الأوروبيين يطلبون من شركته شراء عقارات لهم في تركيا، ولا سيما الزبائن من الدول التي تضم عددا كبيرا من المواطنين من أصول تركية، مثل ألمانيا وهولندا، وكذلك الدول الإسكندنافية.

صورة سلبية وأكد غانيون أن تناول الإعلام الأجنبي الشؤون التركية بصورة سلبية يشكل عائقا كبيرا أمام جذب المزيد من الزبائن من أوروبا، لذلك ستعمل الشركة على الترويج السليم لتركيا وتغيير النظرة السلبية عنها لدى الشعوب الأوروبية من خلال نشر الحقائق المتعلقة بجودة الاستثمار في تركيا. وشركة "إيرا" العقارية بدأت أعمالها في أوروبا عام 1993، وتمتلك اليوم 1100 مكتب يعمل فيها أكثر من 5 آلاف مستشار عقاري في 14 دولة أوروبية.

ونقلت الصحيفة أيضا عن المسوقة العقارية بيلغة أوزدمير قولها إن أوروبا تضم أكثر من عشرة ملايين مواطن من أصل تركي، ومعظم العائلات التركية في أوروبا أصبح لديها بيوت في تركيا.

وأضافت أنه رغم تراجع الطلب في الفترة السابقة فإن تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار فتح الأبواب مجددا لجذب المزيد من الزبائن من قارة أوروبا، في وقت تسعى تركيا أيضا لاستقطاب الزبائن من الشرق الأقصى.

يوتيوب يربط بين حريق كاتدرائية نوتردام وهجمات 11 سبتمبر

$
0
0
وجدت خوارزمية يوتيوب رابطا غريبا بين حريق كاتدرائية نوتردام وهجمات 11 سبتمبر، هذا ما تقوله الفيديوهات التي نشرت في الولايات المتحدة أثناء بث يوتيوب مشاهد الحريق وتحته فيديوهات لهجمات سبتمبر.

شب حريق بعد ظهر أمس الاثنين في أجزاء من كاتدرائية نوتردام التاريخية في باريس، وبينما كان الناس في جميع أنحاء العالم يتابعون البث المباشر للحريق على موقع يوتيوب لاحظ بعض المشاهدين أسفل البث بعض مقاطع فيديو لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

فقد أرفقت خوارزمية يوتيوب -التي تعنى بتوفير أخبار من مصادر موثوقة- لوحة معلومات تلقائية عرضت فيها مقاطع فيديو من موقعي ويكيبيديا والموسوعة البريطانية.

لكن لم تكن هناك تقارير تفيد بأن حريق كاتدرائية نوتردام يعد هجوما إرهابيا، فلماذا عرضت لوحة المعلومات هذه الفيديوهات؟

تهدف "لوحة المعلومات" على يوتيوب التي أطلقت العام الماضي إلى توفير مزيد من الأخبار الموثوقة للأحداث المثيرة للجدل.

ووفقا لوصف الشركة للوحة المعلومات، فإن اللوحات تهدف إلى معالجة "عدد صغير من الموضوعات التاريخية والعلمية الراسخة التي كانت تخضع غالبا لمعلومات خاطئة عبر الإنترنت".

ولكنها أخطأت في هذه الحالة ونشرت مقاطع تجعل المشاهد يربط بين حريق الكاتدرائية المجهول الأسباب وبين هجمات وقعت في أميركا قبل 18 عاما رغم أنه لم يتضح بعد ما الذي بدأ الحريق في الكاتدرائية الباريسية.

وقد أخبر مسؤولون وكالة "بي بي سي نيوز" أنه يمكن ربط الحريق بالبناء المستمر على الهيكل التاريخي، ولم يلمحوا إلى أن هذا هجوم إرهابي أو أن هذا الحريق متعمد.

تأثير الخطأ كان محدودا جغرافيا، حيث تظهر هذه الخدمة للمشاهدين في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ولم ير مشاهدو يوتيوب في فرنسا معلومات 11 سبتمبر عند مشاهدة الفيديو الخاص بالنار.

واعترف متحدث باسم "يوتيوب" لموقع بيزنس إنسايدر بأن هذا الربط حدث بالخطأ، وقال "نشعر بحزن عميق إزاء النيران المستمرة في كاتدرائية نوتردام".

وأضاف "في العام الماضي أطلقنا لوحات معلومات مع روابط لمصادر خارجية مثل ويكيبيديا والموسوعة البريطانية لمحاربة المعلومات الخاطئة، يتم تشغيل هذه اللوحات آليا، وأنظمتنا تقوم في بعض الأحيان بإجراءات خاطئة، نحن نعطل هذه الإجراءات المتعلقة بالحريق".

تضم قصور صدام.. هذا موعد الافتتاح الكامل للمنطقة الخضراء ببغداد

$
0
0

تتجه الحكومة العراقية إلى إعادة فتح المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط العاصمة بغداد بشكل كامل أمام المواطنين قبل نهاية الشهر الجاري بعد سنوات من الإغلاق. وتحدثت وسائل إعلام عراقية عن عزم رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إعلان هذا القرار خلال أيام. وكان عبد المهدي أعاد فتح المنطقة جزئيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد 15 عاما من إغلاقها أمام المواطنين حتى تحولت إلى رمز لعزلة السياسيين عن الشعب.

نخيل وقصور تعرف المنطقة بفخامتها ووجود الكثير من أشجار النخيل، لذا سميت "المنطقة الخضراء"، وقديما كانت تسمى "كرادة مريم"، أما الاسم الرسمي وفقا للخرائط فهو "حي التشريع". كانت منطقة سكنية لأعضاء الحكومة ومقرا للوزارات، وتحوي عددا من قصور الرئيس الراحل صدام حسين (1979-2003) وأولاده، من أكبرها القصر الجمهوري وقصر السلام. المنطقة المحصنة أنشأتها قوات التحالف الدولية التي غزت العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 للإطاحة بنظام صدام. تبلغ مساحتها نحو 10 كلم²، وتقع وسط بغداد، وبدأ اسمها بالظهور مع قيام مجلس الحكم الانتقالي العراقي عقب الغزو.

تقع المنطقة الخضراء على الضفة الغربية لنهر دجلة في جانب الكرخ الذي يقسم وسط العاصمة إلى قسمين، وهي من أكثر المواقع العسكرية تحصينا في العراق ومقر الدولة من حكومة وجيش، وتضم السفارة الأميركية ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية لدول أخرى.

وعلى مدار 15 عاما كان يصعب على المواطنين العاديين دخول المنطقة الخضراء بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، لكن رغم تحصينها الشديد فإنها تعرضت لخروق أمنية عديدة وتفجيرات وقصف صاروخي ومدفعي من جماعات مسلحة عراقية. المتحدث باسم المكتب الإعلامي لمديرية المرور العامة في العراق العميد عمار وليد يقول إن إعادة فتح المنطقة الخضراء "ساهمت في تقليل الزخم المروري للمركبات"، مشيرا إلى أن المنطقة تفتح حاليا لأكثر من 17 ساعة من الخامسة مساء لغاية العاشرة والنصف صباحا". ويتابع "قبل أسبوع صدر أمر من رئاسة الوزراء بأن يكون الفتح لمدة 24 ساعة في جميع أيام العطل".

تأثير إيجابي وفقا لعضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، فإن "تأسيس المنطقة الخضراء كان بقرار أميركي لحماية الجهات السياسية التي كانت حاكمة بعد 2003 مباشرة، وكان مخططا أن يتم توسيعها لتشمل بغداد بأكملها، لكن لم يتحقق ذلك". ويشير المطلبي إلى أن "قرار فتحها كان حكوميا، وحصرا بقرار من عبد المهدي، معتبرا أن الفتح الجزئي كان محاولة إيجابية وأفضل من بقائها مغلقة".

ويوضح أن "أهم المؤسسات العراقية داخل المنطقة الخضراء هي مكاتب مجلس الوزراء ومجلس النواب وهيئة المستشارين وهيئة الاستثمار، فضلا عن وجود مكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر وسفارات أجنبية، على رأسها السفارة الأميركية". ويتابع المطلبي أن "كثيرا من المسؤولين والسياسيين غادروا المنطقة الخضراء باتجاه مناطق أخرى في الفترة الماضية". من جهته، يعتبر الصحفي العراقي مصطفى كامل أن "إعادة فتح المنطقة الخضراء تمثل خطوة بالاتجاه الصحيح"، وعبر عن أمله في فتح كامل المنطقة وجميع الطرق المغلقة في العاصمة لتخفيف الاختناقات المرورية، وأن يعيش المسؤول ما يعيشه المواطن.

رمز للعزلة ولأول مرة منذ 2006 عقد مجلس النواب العراقي الشهر الماضي جلسة له خارج المنطقة الخضراء بحضور كل من رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية برهم صالح. وعبر سنوات تحولت تلك "المنطقة المحصنة" إلى رمز لعزلة السياسيين عن المواطنين، فخلال 15 عاما كان المواطنون العراقيون عرضة للتفجيرات والهجمات، في حين كان السياسيون يتحصنون في "المنطقة الخضراء".

16-04-2019 : وزير خارجية إيران يلتقي المجرم بشار ويبحث تفعيل اتفاقيات مع تركيا

$
0
0

بدأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اليوم الثلاثاء جولة إقليمية تقوده إلى كل من سوريا وتركيا، وتستغرق يومين.

والتقى ظريف -على رأس وفد سياسي رفيع المجرم بشار بحضور وزير خارجيته وليد المعلم، ويفترض أن يلتقي أيضا رئيس مجلس الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن ظريف قوله بعيد وصوله إلى العاصمة السورية إن زيارته تهدف لمتابعة ما وصفها بالانتصارات الميدانية في سوريا، وتعزيز المحادثات الرامية للتوصل إلى حل سياسي فيها، وتنسيق سياسات دول المنطقة.

ووفق الوكالة الإيرانية، فإن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق تأتي بدعوة قدمها له الأسد خلال زيارته طهران أواخر فبراير/شباط الماضي.

وبعد أيام من زيارة الأسد، أعلن ظريف استقالته احتجاجا -فيما يبدو- على تغييبه عن محادثات جرت بين الأسد والقادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، في حين فسر المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي استقالة ظريف التي رفضها الرئيس حسن روحاني بعدم إبلاغه بزيارة الأسد.

وتعد إيران حليفا قويا للنظام السوري، وقد دعمته عسكريا وماليا خلال سنوات الحرب، ولا تزال مستمرة في دعمه رغم الضغوط التي تتعرض لها لسحب قواتها من الأراضي السورية.

ومن المقرر أن يغادر ظريف دمشق باتجاه أنقرة حيث ذكرت الخارجية أنه سيبحث مع المسؤولين الأتراك تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين رئيسي البلدين روحاني ورجب طيب أردوغان، وتنسيق المواقف بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

وكان الوضع الهش في الشمال السوري -المشمول باتفاقية خفض التصعيد التي ترعاها كل من تركيا وروسيا وإيران- غالبا في جدول المحادثات التركية الإيرانية.

وتنتقد أنقرة العقوبات الأميركية على إيران -والتي شملت مؤخرا تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية- وأكدت مرارا أنها مستمرة في تطوير مبادلاتها التجارية مع جارتها، بينما عبرت طهران عن دعمها لتركيا في مواجهة الضغوط الأميركية عليها.

“أنا أُنفذ الأوامر”.. كيف يتحول الناس إلى أشرار؟ / “ينبغي اغتصاب كل النساء قبل قتلهن”

$
0
0
"ينبغي اغتصاب كل النساء قبل قتلهن" بهذه الكلمات، ذات الدلالات الواضحة، أمرت وزيرة شؤون المرأة والأسرة في رواندا "باولين نيراماسوهوكو" قبائل الهوتو، بألّا يرحموا قبائل التوتسي، فهم ليسوا بشرًا بل هم أدنى من ذلك وأقل. كان ذلك مفاد خطابها، وخطاب الحكومة بالتبعية. لم يكن الأمر منتشرًا إلى هذا الحد حتى قام أحد قادة الهوتو، وفق بعض الروايات، باغتصاب ابنة صديقه السابق من التوتسي، ثم تركها لأتباعه يكررون الأمر نفسه، قائلًا لها: "لن نهدر عليك الرصاصات، سوف نغتصبك، وسيكون ذلك أكثر سوءًا بالنسبة لك"[1]. هذا ما حدث قبل ربع قرن، في ربيع 1994 تحديدا، حين اتَّبعت قبائل الأغلبية من الهوتو في رواندا طريق القتل الممنهج الوحشي داخل تجمعات إخوانهم وجيرانهم من أقلية التوتسي، بإيعاز من الحكومة، في حرب أهلية غير متكافئة، بلغ فيها القتل والاغتصاب مبلغهما من الوحشية التي يصعب تصورها، لقد كان الأمر أعقد من شرحه ولا يغني لتصديقه إلا أن تراه. لم يمر الكثير، فقط مائة يوم، كانت كافية لإرداء 800 ألف قتيلًا من التوتسي، قتل الجيران جيرانهم، كما قتل بعض الأزواج زوجاتهم المنتميات للتوتسي حتى لا يُقتلوا هم. وكانت بطاقات الهوية الشخصية في ذلك الوقت تتضمن تحديد الانتماء العرقي، ومن ثم أنشأت الميليشيات نقاط تفتيش في الطرق لإبادة طائفة مثّلت -قبل هذه الإبادة- نحو 15% من الشعب الرواندي[2]. كان للأمر خلفياته السابقة من سيطرة التوتسي على الحكم بتصدير من الاحتلال البلجيكي، لكن حتى وإن كان الخلاف سياسيًا بهذا الاحتدام، فهل يبرر ذلك اغتصاب امرأة أربعينية أمام أبنائها الذي أُجبِروا على مساعدة المغتصبين والفؤوس على رؤوسهم؟، هل يبدو منطقيًا أن تقتل إحدى النساء أطفال جيرانها المقربين، الذي لقوا حتفهم بعيون ملأتها الدهشة، وهي تظن أنها بذلك تُسدي إليهم معروفًا يُنقذهم من اليُتم؟[3]. دعني أُنقذك من اليُتم لأني قتلت والديك، هل تتصور الأمر؟! على كل حال، وبعيدًا عن الهوتو والتوتسي، فإن في محيطنا العربي ما يُغني عن الاستشهاد بغيره. في نشرة الأخبار، أو مقاطع اليوتيوب، ستبدو لنا البراميل المتفجرة وهي تُلقَى على المدنيين العُزّل في سوريا، ونرى الأطفال في تشنّجات الوفاة إثر غاز السارين السام[4]. سنرى كذلك قنّاصًا يراهن زميله على اقتناص رأس الجنين في بطن أمه[5]، وسنرى قبلها في حماة في عهد حافظ الأسد وسجونه، وسجون عبد الناصر في مصر، وصدّام في العراق، والقذافي في ليبيا، وغيرهم من السابقين، والحاليين، أصنافًا من القسوة التي لا تنتهي، ناهيك عمّا يفعله الاحتلال الصهيوني بفلسطين منذ عقود. لماذا يفعل الإنسان كل هذا؟ هل نحن أشرار بالفطرة؟ أم أن للبيئة والملابسات والسلطة أثر في كل ذلك؟ هذا هو السؤال الذي شغل علماء نفس الاجتماع على مدار القرن السابق، فأفردوا له عددًا من التجارب؛ أملًا في الإجابة عنه، ولعل أشهر تجربتين في هذا الصدد هم تجربتا "سجن ستانفورد" و"مليغرام" اللتين أجراهما العالمان "فيليب زيمباردو" و"ستانلي مليغرام" على الترتيب. فكيف يمكننا، في ضوء التجربتين وغيرهما من التجارب، تفسير أثر الشيطان الدموي على البشر؟ سجين أم سجّان؟ في صيف 1971، أعلن أستاذ النفس الاجتماعي بجامعة ستانفورد "فيليب زيمباردو" عن حاجته لمتطوعين من الطُلّاب؛ لإجراء تجربة بحثية عن التأثير النفسي لحياة السجن، على السجين وسجّانه، لقاء خمسة عشر دولار في اليوم، وهو ما أتى إليه بالعديد منهم؛ حتى تمّت تصفيتهم إلى ثمانية عشر طالب مشارك وأربعة وعشرين تحت الاحتياط، راعى في فحصهم الدكتور "زيمباردو" وفريقه أن يكونوا على أعلى درجة من الاتزان النفسي والسلامة من الشُبهات الإجرامية وسوابقها. على طاولة المقابلة، واجه المتقدمون عددًا من الأسئلة التي احتوت على سؤال تشابهت إجاباته لدى أكثرهم: إذا تم اختيارك إلى هذه التجربة، هل تفضل أن تكون سجينًا أم سجّانًا؟ "سجين.. لا أحد يحب الحراس.. لا أعتقد أني أمتلك مواصفات حارس…."، كانت تلك التفضيلات الخاصة لهم، ولكن قطعة معدنية حسمت الأمر فلبّت طلب تسعة منهم وخالفت رغبة التسعة الباقين. منتصف أغسطس/آب من الصيف نفسه كان موعد البدء، بدأت شرطة "بالو ألتو" بإلقاء القبض على الطلّاب من منازلهم بتهمة السرقة، وفي مسار طبيعي، خاض السجناء طريقهم إلى قبو قسم علم النفس بجامعة "ستانفورد"، فبعد التصوير وأخذ البصمات سلّمتهم الشرطة إلى سجن الدكتور "زيمباردو" الافتراضي، المُراقب بالصوت والصورة، معصوبي الأعين ومُكبّلين، لتبدأ واحدةً من أكثر الأشياء رعبًا في تاريخ علم النفس الحديث. ارتدى الحراس ملابسهم الرسمية ونظّارات شمسيةً عاكسة، لمنع التواصل البصري مع المساجين، بالإضافة لامتلاك هرّاوات وعصي تضيف على المشهد واقعيته. بينما ارتدى السجناء، بعد تفتيشهم عراةً، ملابسًا وضيعةً من قطعة واحدة، لا تسترهم بشكل كلي، وجواربًا نسائيةً على رؤوسهم عِوضًا عن حلاقتها، مع استبدال أسمائهم بأرقام على الصدر تعرّفهم، ليمرّ اليوم الأول بلا شيء يذكر، سوى تعليمات السجّانين الطاغية لحفظ الانضباط في المكان، وابتكار بعض الأساليب البدائية في معاقبة المخالفين، كتمارين الضغط. في اليوم الثاني بدأت حالات من التمرد بين السجناء على هذه المعاملة المهينة؛ بأن خلعوا غطاء الرأس ونزعوا الأرقام وتحصّنوا داخل زنزانتهم، وهو ما تبعه تطور مقابل من الحراس، الذي طلبوا دعمًا، وتمكنوا من اقتحام الزنازين، ومن ثم فرض عقوبات صارمة على قادة التمرد بإلقائهم في زنزانة مفرّغة من المفروشات والأسرّة، مع إعطاء مميزات للسجناء المسالمين، والذين تم نقلهم إلى زنزانات سيئة، والعكس للمتمردين، ليدبّ الشك بينهم، في حيلة نفسية مشهورة، كما يحدث بالسجون الحقيقية. إهانات متواصلة، طغيان متطور لا يتوقف عند حد، انسحاب أحد السجناء بعد معاناته من اضطرابات نفسية، طعام سيئ، إجبارهم على إهانة بعضهم، تحرش جنسي بدا في النوبة الليلية حينما ظن الحرّاس أنهم غير مراقبين. لقد تفاقم الأمر في ستة أيام فقط لتدخل "كريستينا ماسلاش"، مساعدة "زيمباردو" التي قدمت لتوّها وزوجته فيما بعد، للاعتراض على كل هذا وتجبر الأخير -تحت تأثير لومها- على إيقاف التجربة فورًا، والتي اعتبرها "زيمباردو" تجربةً غير أخلاقية للدرجة التي سيطرت عليه هو نفسه حتى غفل عن إيقافها دون تنبيه. أشرار أم متحولون؟ في كتابه "تأثير لوسفير"، أو "تأثير الشيطان" في ترجمته العربية، سرد "زيمباردو" تجربته تلك، مجادلًا بها حول ما اعتقده تفسيرًا للشر الحادث في السلوك البشري، فيقول أن ثمّة رؤيتين لتفسير الأمر، أولاهما الرؤية النزوعية التي تُرجِع السلوك إلى نوازع فطرية داخل الإنسان مثل البنية الجينية، والسمات الشخصية، والشخصية ذاتها، والإرادة الحرة، وبعض النوازع الأخرى، أي أننا في حالة سجن ستانفورد سنبحث لهذا السلوك العنيف عن ميول ساديّة داخل المرء. بكلمات أخرى: ترى هذه النزعة أن الشر نزعة يمتلكها المرء أكثر منه نتيجة للظروف، وهو تحليل يتوافق مع بعض النظريات التحليلية في علم النفس، كالتحليل النفسي عند "فرويد" الذي يعد العنف دافعًا مولودًا فينا، وهو ناتج عن الصراع بين اللبيدو -غريزة الشهوة والإبقاء على الحياة- وغريزة ثاناتوس المسماة بغريزة الموت، والتي تتجه نحو الدمار وإنهاء الحياة، "وتحقق هذه الغريزة الهدف الأقوى في النفس الإنسانية، وهو الرجوع إلى حالة ما قبل الحياة، إلا أن هذه الغريزة إذا ما أحبطت، فإن طاقتها ستتوجه نحو الغير بدلًا من توجهها نحو الذات"[6]. أما الرؤية الثانية التي رأى "زيمباردو" أنها تفسر الأمر فهي الرؤية الظرفية/الموقفية التي تبحث "عن المدى الذي يمكن معه إرجاع أفعال الفرد إلى عوامل خارجة عنه مثل المتغيرات الظرفية والعمليات البيئية الخاصة بمحيط معين"[7]. ولهذه الرؤية يميل علماء النفس الاجتماعيون وعلى رأسهم "زيمباردو" نفسه، فهو يرى أن الرؤية الأولى أشبه بنموذج الرعاية الطبية التي تبحث عن منشأ الخلل في المريض نفسه، بينما تتمثّل الرؤية الثانية في نموذج الصحة العامة الباحث في نواقل البيئة وظروفها عن أسباب المرض، ومن ثم الاهتمام بمواجهة بيئة الوباء على سبيل المثال. وفق المقاربة النزوعية سنقدّم للطفل الذي يظهر ضعفًا في قدرته على التعلم علاجات طبية وسلوكية مختلفة لمساعدته على تجاوز إعاقته، في حين أن سبب المشكلة في بعض الحالات وخاصة بين الفقراء هو استنشاق الرصاص الموجود في الدهانات المتقشرة من حوائط منازلهم، وهو الأمر الذي يزداد سوءًا حالة الفقر الشديد، فهكذا تكون المقاربة الظرفية. هذه المنظورات البديلة، كما يقول "زيمباردو" ليست "مجرد اختلافات في التحليلات التصورية، لكنها تؤدي إلى طرق شديدة الاختلاف في معالجة المشكلات الشخصية والاجتماعية"[8]. في هذا الصدد تقابلنا النظرية السلوكية التي تعطي اهتمامها المركزي لبيئة الشر التي تحولنا إلى مجرمين[9]، أي أن توقفنا عن كوننا أشرارًا يحدث في اللحظة التي تتغير فيها البيئة من حولنا لتعلّمنا سلوك الخير. لكن، وعلى مسافة وسيطة من الرؤيتين، نجد نظرية علم النفس الإدراكي/المعرفي برؤيتها التفسيرية للسلوك؛ إذ تراه نتاجًا لطريقة فهمنا وإدراكنا للواقع، فالمشكلة ليست في بيئة الشر بقدر ما هي متعلقة بطريقة فهمنا لهذه البيئة وتحليلنا لواقعها[10]، وهنا تعود المسؤولية مرة أخرى على عاتق الإنسان، اتفاقًا مع النظرية الوجودية التي تفسر الشر على أنه خيارنا الخاص الذي يجب أن نتحمل مسؤوليته[11]. بالعودة إلى ستانفورد، فإن "زيمباردو" بحث في دور المكونات الثلاثة في عملية تحول السلوك: الفرد، الموقف/الظرف، النظام/المؤسسة. ففي الجانب الأول أشارت الاختبارات المُجراة قبل التجربة أن المتطوعين كلهم في حالة نفسية طبيعية ولا يعانون من اضطرابات فارقة من شأنها أن تدفعهم لانحراف سلوكي، بل إن ممارسي دور الحرّاس عادوا إلى حياتهم الطبيعية بعد التجربة ولم يظلّوا بهذا الشر في واقعهم الحقيقي. تمامًا كما صرّح أحد الخبراء النفسيين، الذين فحصوا ضابط الهولوكوست الألماني "أدولف أيخمان" قبل محاكمته، متعجبًا: "إنه أكثر طبيعية مني أنا بعد أن فحصته!"، في حين وجد آخر أن وضعه النفسي العام، وسلوكه تجاه زوجته وأطفاله وأمه وأبيه وإخوته وأصدقائه كان طبيعيًا بل ومرغوبًا[12]. قد يتّسم بعض القائمين بالتعذيب بكونهم أفرادًا سُلطويّين، يكتنفهم الغموض، ويمتلكون ذوانًا متضخمة، بل ولديهم شعور زائد بالعظمة في بعض الأحيان مواقع التواصل كما تذكر المتخصصة النفسية "بسمة عبد العزيز" أن "تمييز القائم بالتعذيب عن أي شخص آخر أثناء مقابلة عادية لا يبدو سهلًا أو حتى ممكنًا، ويؤكد الباحثون أن اعتقاداتنا وتصوراتنا عن الجلاد باعتباره شخصًا مخيفًا يتسم بالسادية وانعدام المشاعر هي علميًا محض خيال، لا أساس له من الصحة، وأن أي شخص يبدو عاديًا بيننا وغير لافت للنظر على الإطلاق، بالإمكان أن يصبح، أو أن يكون فعليًا، ضالعًا في تعذيب آخرين". وتضيف أنه "قد يتّسم بعض القائمين بالتعذيب بكونهم أفرادًا سُلطويّين، يكتنفهم الغموض، ويمتلكون ذوانًا متضخمة، بل ولديهم شعور زائد بالعظمة في بعض الأحيان، لكن السمة الأكثر تكرارًا وثباتًا وإثارةً للدهشة، والتي يأتي ذكرها دائمًا في شهادات الضحايا وملاحظات علماء النفس، هي أن هؤلاء الجلادين يبدون أشخاصًا طبيعيين تمامًا، بلا انحرافات واضحة ولا سمات نفسية بارزة تلفت الأنظار، بل إن المفاهيم الأساسية المُتداولة التي يقوم عليها علم النفس المرضي، تظهر فشلًا ذريعًا في تعريفهم أو تمييزهم، أو حتى فهمهم بوضوح"[13]. أما في الجانب الآخر، وهو الظرف/الموقف، فإن "زيمباردو"، وقبله "ميلي تليغرام" قد رأيا من خلال تجربتيهما أن ثمة علاقة تربطه بالجانب الثالث، النظام/السلطة للموقف والسلطة التي تحميه في تحويل الأشخاص لأدوات شريرة تقتل مئات الآلاف في أشهر قليلة، أو تغتصب آلاف السيدات بوحشية دامية، دون أن ينهيهم الصراخ والتوسلات، ولكن من خلال آليات تبدو بسيطةً حين طرحها ويتضح أن أثرها غاية في التعقيد. أنا أُنفِّذ الأوامر! "عندما تفكر في التاريخ الطويل القاتم للبشر، ستجد أن أفظع الجرائم اُرتِكبَت باسم الطاعة أكثر منها باسم التمرد" [تشارلز بيرسي سنو] في كتابها "أيخمان في القدس" والمعروف بـ"تفاهة الشر"، تروي "حنة أرندت" قصة محاكمة الضابط الألماني المذكور، والذي لعب دورًا محوريًا فيما حدث لليهود على يد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، فتقول أن دفاعه عن نفسه أثناء المحاكمة انحصر في جملة بسيطة: "لقد كنت أنفذ الأوامر". وهو ما يقودنا لبحث هذا الأثر الكبير للسلطة على تحويل أكثر البشر سواءً إلى أشرار متمرسين. كتاب "أيخمان في القدس" المعروف بـ"تفاهة الشر" لـ "حنة أرندت" (مواقع التواصل) لفهم ذلك، نعود بالزمن نحو ستة عقود، وتحديدًا في (يوليو/تموز) من عام 1961م بجامعة ييل (Yale)، حيث أجرى عالم النفس الاجتماعي "ستانلي ميلغرام" تجربته لقياس مدى انصياع الإنسان للإيذاء وفق توجيهات الآخر، فأعلن عن تجربته، ولكنّه لم يُعلن الغرض الحقيقي منها، فأخبر المشاركين أن الدراسة تقيس-فقط- العلاقة بين العنف وأثره على التعليم والذاكرة. ثم بدأت التجربة بتقسيم المشاركين إلى (أ) و(ب)، على أن يؤدّي الأول دور المُعلِّم ويقوم الثاني بدور التلميذ، مع وضع كلًا منهما في غرفة لا يرى فيها الآخر، ثم يسأل (أ)، فإن أخطأ (ب) الإجابة يصعقه (أ) بالكهرباء، على أن تزيد شدة التيار في كل مرة عن سابقتها بمقدار 15 فولت، بدأت من 15 وانتهت بـ450 فولت. ورغم أن (ب) كان متواطئا مع البروفيسور ولم يكن يعاني في الحقيقة من الصعقات المُوجهة له إلا إنه كان يمارس الصراخ من غرفته المجاورة والضرب على الجدار أحيانًا متوسلًا لتوقّف التجربة. لكن، وعلى الرغم من أن 3% فقط -وفقا للاستبيان النظري- قد أظهروا استعدادًا لبلوغ الحد الأقصـى من شدة التيار لصعق (ب) -450 فولت- إلا أن 65% منهم قد وصلوا بالفعل لهذا الحد، خاصةً بعدما أُخبِروا بأنهم لن يتحملوا المسؤولية القانونية لما يحدث، وأن استمرارهم ضروري حسب الاتفاق. ويعلّق "ميلغرام" على هذه النتيجة قائلا: "النتائج كما تابعتها في المختبر مقلقة، إنها ترجح أن الطبيعة البشريـة غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة، والمعاملة اللاإنسانية"[14]. هل انتهى الأمر؟ ليس بعد، ففي نسخ أخرى من التجربة أُقيمت خارج الجامعة، أو كان الشخص الآمِر بالصعق يأمر من خلال الهاتف دون الوجود في غرفة المتطوع (أ)، أو أن المتطوع (ب) كان موجودًا في الغرفة نفسها مع (أ) فإن مستوى الانصياع كان أقل من سابقه، مما يعني أن المؤسسة تلعب دورًا محوريًا في بسط سلطتها، كما يؤثر وجود صاحب السلطة بشخصه في شدة الانصياع له، تمامًا كما يسفر عزل الجلاد عن ضحيته عن نتيجة أكبر من الإذعان[15]. وبالحديث عن المؤسسة، فإن "زيمباردو" يسوق تجربة "مليغرام" في كتابه، ذاكرًا إحدى ملاحقها التي أُجريت بشكل مختلف أثبت أن كل شخص تقريبًا يملك القدرة على الطاعة وكل شخص يملك القدرة على مقاومة ضغط السلطة. فللحصول على طاعة كاملة، يجب وضع المتطوعين ضمن فريق تدريس، يقوم فيه عضو غيره (حليف) بضغط زر الصعق بينما يمارس المتطوع لوظيفة أخرى داخل فريق العقاب هذا. بينما يمكن الحصول على نتيجة عكسية تمامًا إذا تم تصدير مجموعة مزيفة من المتطوعين يرفضون صعق الآخر، فيتحمّس المتطوع الحقيقي لرفض البطش لوجود ما يدعمه، وهو ما كان بالفعل. ويضيف "زيمباردو" أن تجربة "مليغرام" قد ألمحت لميكانيزمات الأنظمة الديكتاتورية في التعامل مع جنودها وأدواتها من البشر، لقهر الآخرين، بأنها تعطي للمشاركين بها وظيفةً ذات معنى (معلم)تحمل قيمًا إيجابية وتحفز لديهم ردود فعل مخزونة فيهم، مع تقديم قواعد أساسية يتبين أن لها مغزى قبل استخدامها لكنها في الحقيقة تُستخدَم بشكل تعسّفي لتبرير الطاعة العمياء، مع تغيير مسمى الفعل والفاعل والتنفيذ، من تعذيب الضحية إلى مساعدة الباحث، وخلق فرصة للهرب من مسؤولية هذا التعذيب بتحمّل الآمِر لها. تلعب الأيديولوجيا دورًا هامًا في تبرير السلوك المطلوب، وتلك دائمًا هي أداة الطغاة، فالتوتسي في رواند قُتِلوا باسم الأيديولوجيا أكثر مما أبادتهم أي كذبة أخرى الجزيرة أيضًا، فإن التدرّج في الشر يمثل ميكانيزمًا هامًا في توريط المرء بالشر من قِبَل السلطة، فبدء الفعل بخطوة بسيطة، تتدرج في التفاقم، يجعل الممارس منزلِقًا في الشر دون أن يُلاحظ، فخمسة عشر فولت من الكهرباء لن تشكل فارقًا، لكنها وصلت إلى 450، أي ثلاثين ضعفًا، دون أن ينتبه لها القائم بالعمل، وهو ما حوّل الباحث نفسه من شخص عادل عقلاني إلى ظالم وغير عقلاني بالمرة، فقط.. من خلال التدرّج. كذلك تلعب الأيديولوجيا دورًا هامًا في تبرير السلوك المطلوب، وتلك دائمًا هي أداة الطغاة، فالتوتسي في رواند قُتِلوا باسم الأيديولوجيا أكثر مما أبادتهم أي كذبة أخرى، وما يفعله الاحتلال الصهيوني من جرائم هو أيضًا باسم الأيديولوجيا، وغير ذلك من الأمثلة التي لن تنتهي. شيء آخر يعيق عملية التمرد على السلطة: رفع تكلفة الخروج "لا يمكنك التوقف.. أنت ملزم باتفاق.. لا بد أن تستمر.. لقد بدأت الأمر وعليك إنهاؤه…" إلى آخر تلك الجمل التي استخدمها "مليغرام" لإثناء المشاركين عن توقفهم، فلا بأس من فتح متنفس للتمرد اللفظي مع إبقائهم منصاعين من جهة السلوك. فالتحول إلى جزء من المنظومة "يشكل وجهات النظر، ويكافئ الاستسلام للأفكار السائدة ويجعل الذوذ عنها أمرًا صعبًا"[16]. وحسب عالم الاجتماع "جون ستينر" فإنه لا يمكن تعميم السادية -كصفة شخصية أساسية- على كل من تورطوا في أعمل عنف؛ ذلك لأن "من يستمر في دور لا يعكس شخصيته يكون في الغالب قد غيّر من قيمه الشخصية أي أنه تكيّف مع المُتَوَقّع منه في ذلك الدور"[17]. لأنكم مجهولون.. ولأنهم حشرات "بالتأكيد سيغير هذا الرداء من حالتي المزاجية" [وليام شكسبير] في روايته "أمير الذباب"، اقترح "وليام جولدنج" أن تغييرًا بسيطًا في المظهر الخارجي للشخص يمكن أن يكون له تأثير قوي في سلوكه العام. ويروي "زيمباردو" عن تجربة شبيهة لتجربة "مليغرام" قد أجراها على مجموعتين من الفتيات اللاواتي طُلِب منهن صعق امرأتين بالكهرباء، مع إخفاء هوية فريق منهن وإظهار هوية الفريق الآخر، مع إيهامهن أن السيدتين تخضعان لدراسة تقيس قدرتهن على الابتكار تحت الضغط، وإيصال فكرة مفادها أن إحدى السيدتين لطيفةً والأخرى كئيبة، وصعق الفتيات بشحنة مقدارها 75 فولت لتخيّل قوة الكهرباء التي سيصعقون بها السيدتين. هل يمكننا تخيل النتيجة؟ ببساطة إذن، أبدت الفتيات معلومات الهوية قدرةً على الاستمرار، في المحاولات العشرين لصعق كل من السيدتين، اللتين لم تُصعقا في الحقيقة، بلغت نصف قدرة الفتيات المحجوبات على الصعق، وفي حين أظهرت المجموعة الأولى تعاطفًا مع السيدة اللطيفة، أدّت المجموعة الثانية محاولات الصعق على السيدتين دون فرق يُذكَر، بتجاهل تام لأي مشاعر مسبقة، وهو ما رأى "زيمباردو" أنه حادث نتيجة شعور منعش بالتحكم في الغير، لا بفعل سادية الفتيات المجهولات، وهو ما تكرر في تجارب كثيرة على النمط نفسه. لعل ذلك ما فسّر استعمال الحراس في تجربة ستانفورد للنظّارات الشمسية العاكسة، وقد وجد عالم الأنثروبولوجي "ر. ج. واتسون"[18] بأن حجب الذاتية، أو سلبها، يدعم السلوكيات المدمرة، فقد وجد أن من بين ثلاثة وعشرين أمة، تناولتها بيانات بحثه، كان هناك خمسة عشر شعبًا محاربًا يهتمون بتغيير المظهر الخارجي للجنود، وكانوا هم الأكثر تدميرًا في عينة البحث، وأن اثني عشر شعبًا منهم اتسموا بوحشية شديدة، على خلاف الجيوش الأخرى التي لم تتورط في سلوكيات تدميرية على الوتيرة نفسها، كما وجد أن 90% من المرات التي يُقتَل فيها ضحايا المعارك تكون على يد مقاتلين غيّروا مظاهرهم ودخلوا في سياق حجب الذاتية قبل الحرب. ويُرجع "زيمباردو" هذا الأمر لسببين رئيسيين يساعد عليهما حجب الذات، أولهما تقليل إشارات ونماذج المحاسبة الاجتماعية أمام الفاعل -لا يوجد من يعرف من أنا ولا من يكترث بهذا- وبالتالي يُمنع الخوف من التقييم والقبول المجتمعي للشخص. والثاني هو تقليل الاهتمام بتقييم الذات، مما يُعطِّل مراقبة الذات ومراقبة الاتساق مع مبادئها، بالاعتماد على تكتيكات تغير من حالة الشخص الواعية، بحيث لا ينشغل الفرد بالمستقبل ويحول المسؤولية خارجًا تجاه الآخرين وليس داخليًا تجاه الذات. ومع تعطيل القيود الداخلية، يصبح السلوك خاضعًا بشكل كامل لتحكم الموقف الخارجي، فيتفوق الخارجي على الداخلي. في محاكمات الهوتو بعد مذابح رواندا ذكر عدد من المتهمين أنهم لم يكونوا ينظروا للتوتسي على كونهم أصدقائهم القدامى، بل لم يكونوا يرونهم بشرًا من الأساس مواقع التواصل على الجانب الآخر، فإن نظرة الجناة للمجني عليهم كان يلزمها هي الأخرى شيئًا من التغيير، بنزع صفة الإنسانية عنهم، ففي محاكمات الهوتو بعد مذابح رواندا ذكر عدد من المتهمين أنهم لم يكونوا ينظروا للتوتسي على كونهم أصدقائهم القدامى، بل لم يكونوا يرونهم بشرًا من الأساس وإنما محض حشرات وصراصير، تمامًا كما صرّح أحد القادة اليابانيين، حول قتلهم البشع للصينيين أثناء الحرب العالمية الثانية، قائلًا أن قتلهم كان يسيرًا على الجنود؛ "لأننا كنا ننظر إليهم على أنهم أشياء وليسوا بشرًا مثلنا"[19]. ففي تجربة "ألبرت باندورا" لقياس ذلك الأمر[20]، تم تقسيم مجموعة من الأفراد إلى ثلاثة مجموعات، تم وصف الأولى بمجموعة الحيوانات، في حين وُصِفت الثانية بمجموعة الأذكياء، وتُرِكت الثالثة بلا تصنيف، وكانت مهمة المتطوعين هي سماع نقاشات كل من المجموعات الثلاثة حول المشاكل المطروحة وتقييم حلولهم لها، بعد أن أعلم القائمون على التجربة المتطوعين بمعايير التقييم، على أن يتم عقاب مجموعات النقاش على الحلول الخاطئة بالصعق الكهربي المتدرج بعشر درجات من الشدة. وكما كان متوقعًا، لعبت التصنيفات دورًا حاسمًا في مقدار الصدمات وتدرجها على مدار محاولات التجربة؛ لتتلقّى مجموعة الحيوانات أكبر قدر من الصعق -كمًّا وكيفًا- مقارنةً بالمجموعة المحايدة ومجموعة الأذكياء التي كانت أقل المجموعات الثلاثة تعرضًا للعقاب من المشاركين. مما يعني أن قدرة الأنسنة على تخفيف الإيذاء يقابلها عذابًا أكبر يبرره نزعها عن الشخص؛ لكونها تبرئ الذات وتشتت مسؤولية الفعل عن عاتق الجناة. من المسؤول إذن؟ فيليب زيمباردو (مواقع التواصل) تأسيسًا على المبتدأ، وكما قال "زيمباردو" في أكثر من موضع، فإننا في دراستنا لفهم أسباب الشر لا نبرره لمرتكبيها، بل يبقى الشر شرًا مهما كانت دوافعه، ولكنها محاولة للفهم والتفسير، ومن ثم إرجاع المسؤولية لأصحابها. ومما يمكن الاتفاق عليه هو وضوح التصور الديني لمسألة الشر ومسؤولية فاعله عنه، من خلال أربعة مشاهد[21]، أولهم المشهد المعرفي في إثبات التعبير القرآني لوجود الشر في النفوس "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" [الشمس: 7-8]، وأن الأمر يتوقف هنا على الطريقة التي يتعامل بها المرء مع نفسه، فيزكّيها للخير أو يركسها للشر، وهو ما يعيدنا للنقطة المركزية في بحث "زيمباردو" عن تأثير الشيطان، وهي أن الخط الفاصل بين الخير والشر غشاء سهل الاختراق، وغير واضح. كما أقر المشهد النفسي فكرة أثر السلطة على النفوس، ونجده في مباحث الإمارة والنهي عن طلبه، إضافةً للمشهد التشريعي الذي وضع حدودًا واضحة لمسؤوليات الأفراد تجاه بعضهم البعض في مختلف العلاقات، والمشهد العقابي الذي أتى لتأطير هذه المسؤوليات داخل إطار من العقاب لكل من انحرف إلى إيذاء الغير، واشتراط العفو منه، ومن ثم تحميل الجاني مسؤولية خطيئته. وفي عمله "سيكولوجيا الشر بين النظرية والتطبيق"، يتناول الباحث "ثائر أبو صالح" جانب المسؤولية الحائر عند البعض بين الفرد وبيئته، فيذهب إلى أن السلوك الإنساني محكوم بمتغيرات تتفاعل مع بعضها لتنتجه. وتمثل طبيعة الإنسان، من أقصى الخيرية لأقصى الشر، أول هذه المتغيرات، بينما يتمثّل المتغير الثاني في البيئة التي يوجد بها الفرد، وهي تتفاضل بين قيمتين متناقضتين أيضًا هما الخير والشر، باختلاف درجاتهما. وتظهر مسؤولية الحساب كمتغير ثالث يتفاعل مع المتغير الأول -طبيعة الإنسان- ويتأرجح بين قيمتين قصويتين: حضور المحاسبة، وغياب المحاسبة. ثم يأتي السلوك كحاصل التفاعل بين المتغيرات السابقة، ويمكنه بذلك إنتاج عدد لانهائي من أنماط السلوك التي يمكن اختصارها في أربعة أنماط جامعة: سلوك الخير المطلق، والشر المطلق، وسلوك يغلب عليه الخير، وآخر يغلب عليه الشر. ومن خلال تباديل وتوافيق، يمكننا استنتاج أن الشر المطلق يوجد حيثما يجتمع الشر المطلق في الإنسان، مع نظيره في البيئة، في غياب أي محاسبة على مسؤولية الأفعال، وهي حالة فريدة لا تجتمع -حسب "أبو صالح- إلا في أعتى الديكتاتوريات، كما كان الحال في النازية والفاشية والستالينية، وهو ما يفسر لنا سلوك الذين وصلوا إلى 450 فولت في تجربة "مليغرام". بينما ينتج الخير المطلق، كسلوك مثالي يصبو إليه المرء، في الحالة المقابلة تمامًا لحالة الشر المطلق، وفي الحالة التي يجتمع فيها خير الذات مع خيرية البيئة حتى في غياب نظام رقابي لأن الإنسان حينها يكون رقيبًا على نفسه. مما سبق، يمكننا الانتهاء إلى نتيجة لا تعزل الإنسان عن مسؤولية شروره، وفي الوقت ذاته لا تعميه عن أهمية الوجود في بيئة تدعم خيريته، وحفظ نفسه من التعرض لأخرى لا تدعمها وتغيب فيها الرقابة والمساءلة، فيتحقق التوازن دون الإفراط في النزوعية التي تحجب أثر البيئة في تحويل السلوك، أو السلوكية التي تجعل المرء رد فعل للأحداث دون الأخذ في الاعتبار بطبيعته وتفاعله معها ومع الضغوط؛ لأنه على الرغم من ذلك تمكن ثلثا حرّاس ستانفورد من حفظ معدل أعلى لإنسانيتهم، وتمكن الأقلية في تجربة "مليغرام" من التمرد على السلطة الآمرة بالتعذيب. كما يختتم "زيمباردو" كتابه بفصل كامل عن الأبطال العاديين الذين استطاعوا مقاومة أمرًا مؤذيًا، ولم يتقاعسوا عن نصرة المظلومين، على الرغم من تعرضهم لبيئة الحدث ذاتها، بالقدر نفسه من الرقابة والمحاسبة، إلا أن طبيعتهم وقدرتهم على المقاومة كانت الكفّة الأرجح التي حفظتهم من الانزلاق تحت تأثير الشيطان. المصدر: الجزيرة نت
Viewing all 26683 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>