لم يكن السؤال الذي طرحته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية اليمينية، الثلاثاء، "هل تأمل في بقاء الأسد على حكم سورية؟"، بريئاً، ولم يُرَد له أن يكون كذلك. فالصحيفة معروفة بتوجهها المؤيد للنظام السوري ضد المعارضة منذ بدايات الثورة السورية، واستمر موقفها عبر طرق وأشكال متعددة، إنْ عبر السماح لمعارضين للثورة السورية أو مشككين فيها بالكتابة في الصحيفة، أو عبر تقديم تغطية واسعة للنواب والسياسيين الفرنسيين الذين زاروا العاصمة السورية، مؤخرًا وقبل سنوات، والتقوا بالرئيس السوري بشار الأسد وأركانه، أو عبر تأييدها المفتوح للمرشح اليميني الفائز في انتخابات اليمين والوسط الفرعية، فرانسوا فيون، الذي لا يخفي صداقته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا التقارب بينهما فيما يخص الحرب في سورية.
وليس مستغرباً أن تأتي نتائج السؤال النهائية لصالح بقاء الأسد على رأس النظام السوري، بنسبة عالية، في ظل مناخ من البروباغاندا الروسية، وحلفائها المحليين، يُصوّر ما يجري في سورية حرباً بين النظام وبين تنظيم "داعش"، ولا يرى فيه القارئ والمشاهد الفرنسي ملامح معارضة سياسية وديمقراطية ضد نظام الأسد الاستبدادي.
وإذا كانت مسألة رحيل الأسد أو بقائه محل نقاش سياسي في فرنسا، إلا أنها تخترق كل الأحزاب السياسية، وإن كان اليمين المتطرف واليمين كلاسيكي أكثر تسامحاً مع الأسد، في حين أنّ اليسار في غالبيته يريد رحيل الأسد، لولا أنّ بعض يسار اليسار، ومنهم ميلونشون والشيوعيون، يبدون نوعاً من التفهم تجاهه، ويرون بقاءه أقل خطَرا من "الخطر الجهادي"، الذي يمثله في المقام الأول "داعش".
وكتبت "لوفيغارو"، الأربعاء: "سقوط حلب، بعد ما يقرب من ست سنوات على بداية الحرب، يجعل عودة الرئيس الأسد إلى الساحة السياسية شيئاً محسوساً"، أي أن الأسد بعد استعادته كبريات المدن السورية "أفشل منظور إحداث تغيير في السلطة، على المدى القصير".
ورأت الصحيفة أنّ سقوط حلب وما يمكن أن يعنيه من اختفاء نهائي للثوار السوريين المعتدلين، "سيدفع الكثير في العالم إلى أن يروا في الأمر حجة إضافية للدفاع عن بقاء الأسد في السلطة".
واستشهدت كاتبة المقال، إيزابيل لاسير، برأي للكولونيل والمؤرخ الفرنسي ميشيل غويا، عبّر عنه في مدونته "سبيل السيف"، الذي يقرأ فيه الواقع السياسي والدبلوماسي العالمي، خاصة الإرادة الروسية الواضحة والموقف الأميركي الجديد بعد فوز ترامب، فكتب: "إذا لم يحدث أي طارئ، فإن بشار ضمن أن يبقى في السلطة لفترة طويلة، يسود على سورية مُدمَّرَة".
وتناولت "لوفيغارو"، بقلم صحافيّها جورج مالبرونو، طموح الأسد الذي يذهب إلى أبعد مما تراه موسكو، من حيث عدم الاكتفاء بـ"سورية النافعة"، بل و"استعادة الأراضي الخاضعة للأكراد والأتراك"، وكيف أن عودة تنظيم داعش إلى تدمر يمنح النظام والروس كل ما يريدان من مبررات للاستمرار في الحرب.
واستعانت الصحيفة باستطلاع للرأي أجراه المركز الأميركي (Foreign Affairs) في الأراضي اللبنانية، مؤخرًا، وشمل 2000 لاجئ سوري، لتصوير ملامح عهد جديد في ظل بقاء الأسد في الحكم. وقد أعلن 39 في المائة في الاستطلاع عن دعمهم للأسد، على الرغم من أن الأغلبية منهم، وهي 52 في المائة، أيّدت المعارضة، وامتنع نحو 8 في المائة عن إبداء رأيهم.
في ظلّ غياب حضور إعلامي وازن للمعارضة الديمقراطية السورية في المحافل الدولية، وبالطبع في فرنسا، تُركّز وسائل الإعلام الفرنسية والغربية على الحرب المتواصلة في الموصل أو تلك التي يُهيَّأ لها في الرقة، باعتبارها حرباً وقائية ضرورية تارة، وانتقامية من عمليات داعش الإرهابية في قلب أوروبا تارة أخرى، والتي من نتائجها المُؤكَّدَة انفتاح متزايد أكبر على نظام الأسد وتغاضٍ عن جرائمه واستبداده.
المصدر: العربي الجديد
↧