في الحروب تحصل كوارث ومآس ، أما أن يتم التعرض بالتدمير إلى موارد الحياة لملايين الناس فهي جريمة فوق كل الجرائم ، أخلاقياً وإنسانياً وجنائياً ، ومن سيعاني منها بشكل أساسي هم الأطفال والنساء والمدنيون العاجزون عن أي فعل.
عين الفيجة هبة من الله ، لم يمسها بشر بسوء منذ أيام الوثنيين ، بل أقيم لها معبدٌ قديمٌ وسَّعه الرومان تقديساً لتلك النعمة العظمى.
أما أهل الشام فقد صار عُرفاً عندهم بل عند كل شاربٍ لماء الفيجة أن يقول : الحمد لله مع كل شفّةِ ماء يشربها ، ولمن لا يعلمُ ما هو نبع الفيجةِ أقول أنه من أصفى مياه العالم على الإطلاق يمر بآلاف الكهوف والأنفاق الكلسية التي تُنقّيه من الشوائب ، مما يجعله خالياً تماماً من أي طفيليات أو جراثيم ، وكان يُحملُ منه إلى بلدان أخرى لعذوبته ، بل قامت الملكة زنوبيا بمشروع لجر مياهه إلى تدمر! أما خزان الفيجة الجوفي الأساسي فهو آية بديعة من آيات الله يمتد من قرية قارة في جبال القلمون ، لتكون نقطة صبيبه في نهاية الخزان هو عين الفيجة! لذا فالقوانين تمنع بشكل صارم جداً بناءَ أي منشأةٍ فوقَ حرمِ النبع وخزاناته الجوفية الأساسية.
استهدافُ المواردِ المائية جريمةٌ لا يمكنُ وصفها ، ونبعُ الفيجة ليسَ مُلكاً للنظامِ ولا المسلحينَ ولا أي أحد بل هي للناس جميعاً ، وعين الفيجة قبل عام 1800 م ميلادية لم يكن بها سكان أصلاً ، فمن أين يجرؤ أي أحد على إدعاء مُلكيتها أو قصفها أو التهديد بتفجيرها.
ما جرى في نبع الفيجة شيء مخيف فوق أي اعتبار عسكري أو سياسي ، وإذا وصل التوحش إلى هذا الحد فكيف يمكن لوطن أن يستقر حتى بعد عشرات السنين.
لا تقربوا المياه مهما كان الظرف فهي منحة ربانية لا تعرف اللون والطائفة والدين والسياسة ، ويندر أن يكون هناك سوري لم تجر قطرات من نبع الفيجة في جوفه وتختلط بدمه.
ليست لي قناةٌ مباشرةٌ مع أحد لا في النظام ولا المسلحين ، وأرجو أن تصلهم جميعاً رسالتي هذه ويصغوا إلى كلامي جيداً : لقد بقيت عين الفيجة ونبعها أربع سنوات خارج سيطرة النظام ولم يمس من هناك نبعها بسوء ، فلماذا هذا القصف المتوحش ؟
ليتوقف كل عمل عسكري الآن وخصوصاً من النظام والميليشيات التابعة له ، ولمدة اسابيع وليسمح بالدخول الفوري لطواقم هندسية مدنية من المختصين لتقدير الأضرار ومنع تفاقمها ، فبعض الشقوق إذا لم يتم حقنها السريع ( وهو عمل هندسي معقد للغاية ) فقد تتوسع وتؤدي إلى غور النبع بكامله ، وعندها فلن يتأذى أتباع النظام ولا أتباع المسلحين ، بل ستكون ندبة في تاريخ البشرية عندما ستسبب الموت البطيء لملايين البشر الأبرياء.
اللهم قد بلّغت ..
معاذ الخطيب
↧