Quantcast
Channel: souriyati2 –سوريتي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

المسرح السياسي في الخليج

$
0
0
في لقاءٍ تلفزيوني عمره سنوات، يروي الفنان الكويتي، سعد الفرج، قصة توقف مسرحية "هذا سيفوه"، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وهي مسرحية كوميدية عادت إلى مرحلة ما قبل ظهور النفط في الكويت، لتصوِّر العلاقة بين مجموعة من التجار المحليين والوكيل السياسي البريطاني في الكويت آنذاك، حيث يستفيد هؤلاء التجار من علاقتهم بمندوب الاستعمار، ويستعدون لمرحلة النفط التي يخبرهم الوكيل البريطاني بأنها قادمة، فيرسلون أولادهم إلى الهند ومصر والعراق، ليتعلموا ويستعدوا للحقبة النفطية، فيما بقي أولاد الفقراء، والذين لا نفوذ لهم، يتعلمون في الكتاتيب المحلية، على يد "الملا" أو "المطوَّع". المسرحية مبنية، كما يقول الفرج، على وثائق ومراسلات بريطانية محفوظة في الأرشيف، تثبت انتفاع هذه الطبقة التجارية من علاقتها بالمستعمر البريطاني، وهو أمر يتّسق مع حال الطبقات الإقطاعية والبرجوازية العربية في عهد الاستعمار المباشر، إذ حرص الاستعمار على إيجاد علاقة مع هذه الطبقات، وربط تطورها باندماجها في النظام الرأسمالي العالمي، باعتبارها تمثل رأسماليةً طرفية أو تابعة، بل وخلقها أحياناً، كما فعل البريطانيون مع الطبقة الإقطاعية في العراق، من خلال "نظام المزارع الكبرى". أشار سعد الفرج، في معرض حديثه عن توقف مسرحية "هذا سيفوه"، إلى تقاطع مصالح الحكومة والتجار والتيار الإسلامي في الهجوم على هذا العمل المسرحي، فقاد التجار الحملة من خلف الستار، ودفعوا التيار الإسلامي، ليكون رأس حربة الهجوم على المسرحية. يقول الفرج إن أحد التجار أخبره إن اجتماعاً عُقِد في الغرفة التجارية لبحث سُبِل التعامل مع المسرحية، ويرى أن التجار استغلوا التهكم على المتدينين في العمل، ليدفعوا التيار الإسلامي إلى المواجهة، وهكذا، انتقل فريق العمل إلى المحكمة، وتم الحكم عليهم بالبراءة لاحقاً، ما عدا الفنان عبد الحسين عبد الرضا الذي حُكِم عليه بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، بسبب كلمة قالها خارج النص. كانت هذه بداية النهاية للمسرح السياسي الملتزم في الكويت. نستذكر هذه القصة، مع حديث الفرج أخيراً، في برنامج "المقابلة" مع علي الظفيري، عن مجمل تجربته المسرحية الثّرية، تخللتها مسرحياتٌ متميزة خلدت في ذاكرة المشاهدين، لكن المسرح السياسي الذي قدّمه الفرج أُجهِض بفعل الهجوم سالف الذكر، وجاء الغزو العراقي للكويت ليضرب كثيراً من أوجه الفن والثقافة الكويتية المشرقة. وعلى الرغم من محاولات الفرج استعادة بعض وهج مسرحه السياسي، كما في مسرحية "عنبر و11 سبتمبر"، مع الفنان القطري غانم السليطي، المتأثر بدوره بتجربة الفرج، إلا أن ضعف التمويل، واضطرار الفرج والسليطي للإنفاق من أموالهم الخاصة لإنتاج العمل، بدَّد فرصة استعادة هذا النوع من الأعمال المسرحية الخليجية، إضافةً، بالطبع، إلى عوامل أخرى متصلة بالواقع السياسي والاجتماعي، وحجم التغيرات التي طرأت منذ الثمانينيات. تتشابه تجربة سعد الفرج في المسرح السياسي مع تجارب عربية أخرى، قدمت أعمالاً مسرحية سياسية بنكهة كوميدية، منها بعض أعمال محمد صبحي مع الكاتب لينين الرملي، وتجربة دريد لحام، أولاً في مسرح الشوك مع عمر حجّو بعد هزيمة عام 1967، لتقدّم صورة لهزيمة الإنسان العربي، وتنقد واقعه بالسخرية، ثم لاحقاً من خلال فرقة تشرين، والأعمال التي قدمها مع نهاد قلعي من تأليف محمد الماغوط مثل "ضيعة تشرين"، و"كاسك يا وطن"، و"شقائق النعمان". تختلف درجات التسييس، وحدّة النقد، بين هذه التجارب، وفي تجربة سعد الله ونوس مثلاً، ما يخالف تجارب أخرى، من حيث استهدافه توعية الطبقات الشعبية وتسييسها، وتحويل المسرح أداةً تسهم في التغيير، متأثراً بتقنيات مسرح الألماني برتولت بريخت، ومستفيداً من التراث العربي الزاخر بالقصص الملهمة. تعريف المسرح السياسي فضفاض، كما أن تجاربه في العالم مختلفة. في الخليج، كانت الكويت رائدة التجربة المسرحية والحركة الفنية الخليجية، والجيل الذي درَّبه الممثل والمخرج المصري زكي طليمات، مطلع الستينيات، هو الذي أعطى الانطلاقة للمسرح الكويتي خارج حدوده المحلية. قدَّم هذا الجيل، في السبعينيات والثمانينيات، مسرحياتٍ جريئة، بعضها يشتمل على إسقاطاتٍ سياسية، وبعضها الآخر سياسية بالكامل، وقدَّم سعد الفرج، منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية الثمانينيات، سلسلة من المسرحيات السياسية مع المؤلف المتميز عبدالأمير التركي، منها "حرم سعادة الوزير"، و"حامي الديار"، و"دقّت الساعة"، و"ممثل الشعب"، لتنتهي بمسرحية "هذا سيفوه". نقدت هذه المسرحيات الكوميدية الواقع السياسي الكويتي والعربي، والانقسام الطائفي وصانعيه، وتيارات الإسلام السياسي، وتقاطعت، أحياناً، مع مصلحة الحكومة في تهدئة الاحتقان الطائفي، فمنحت الحكومة لصناع هذه الأعمال مساحة جيدة للحركة، قبل أن تتركهم لهجوم التجار والإسلاميين. تضافرت عوامل عديدة لتُجهِز على المسرح السياسي، منها غياب ثنائية المؤلف العميق والممثل المثقف، كما في حالة الفرج والتركي، وتشدّد الرقابة وتشديد الخناق على الحريات، وتسيّد المسرح التهريجي والتسطيح، خصوصاً في الحقبة التي تلت تحرير الكويت، بوجود جيلٍ يفتقر للموهبة من الممثلين، وغياب النص الناظم للمسرحية، إلى درجة تحوّل العروض إلى فقرات تهريج غير مترابطة. بمعنى آخر، أزمة المسرح السياسي الخليجي جزء من أزمة المسرح بشكل عام، في الخليج وبقية الأقطار العربية، وجزء من أزمةٍ ثقافية نمر بها في الوطن العربي، إذ المسرح جزءٌ من المشهد الأوسع لواقعنا. المصدر: العربي الجديد - بدر الإبراهيم

Viewing all articles
Browse latest Browse all 26683

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>